خادم الحسين
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1
|
تاريخ التسجيل : May 2010
|
أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
|
المشاركات :
2,305 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
مناقشة القرطبي فيما حكاه عن هذه الاية ( اية الغار )
مناقشة القرطبي فيما حكاه عن هذه الاية
كلام القرطبي في تفسيره:
وقال القرطبي في تفسيره:
إن في آية الغار إحدى عشرة مسألة,ونحن نذكر موضع الحاجة من كلامه.
قال :
ص 15
الأولى:
قوله تعالى<إلا تنصروه>,يقول :تعينوه بالنفر معه في غزوة تبوك,عاتبهم الله بعد انصراف نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من تبوك.
والمعنى:إن تركتم نصره فالله يتكفل به ,إذ قد نصره الله في مواطن القلة وأظهره على عدوه بالغلبة والعزة, وقيل :فقد نصره الله بصحابه في الغار بتأنيسه له وحمله على عنقه, وبوفائه ووقايته له بنفسه ومواساته له بماله. وقال سفيان بن عيينة:خرج أبو بكر بهذه الآية من المعاتبة التي في قوله إلا تنصروه.
السادسة:
قوله تعالى <إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا> , هذه الآية تضمنت فضائل الصدّيق.
روى أصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم عن مالك <ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا> هو الصدّيق فحقّق الله تعالى قوله له بكلامه ,ووصف الصحبة في كتابه. ومعنى<إنّ الله معنا> أي بالنصر والرعاية ,والحفظ والكلاءة.
السابعة :
قال ابن العربي, قالت الإمامية قبحها الله: حزن أبي بكر في الغار ,دليل على جهّله ونقصه,وضعف قلبه وخرقه.
ص 15
وأجاب علماؤنا عن ذلك بأن إضافة الحزن إليه ليس بنقص, كما لم ينقص إبراهيم حين قال عنه <نكرهم وأوجس منهم خيفة" *قالوا لا تخف>(1), ولم ينقص موسى قوله <فأوجس في نفسه خيفة" موسى *قلنا لا تخف>(1),وفي لوط <ولا تحزن إنّا منجّوك وأهلك>(2),فهؤلاء العظماء صلوات الله عليهم قد وجدت عندهم التقية نصا",ولم يكن ذلك طعنا" عليهم ووصفا" لهم بالنقص وكذلك في أبي بكر ,ثم هي عند الصدّيق احتمال , فإنه قال: لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا.
جواب ثان:
إنّ حزن الصدّيق إنما كان خوفا" على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصل إليه ضرر ,ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الوقت معصوما" ,وإنما نزل عليه <والله يعصمك من الناس>(3) , بالمدينة.
(1)سورة هود الآية 70.
ص 16
العاشرة:
قوله تعالى:<فأنزل الله سكينته عليه>, فيه قولان, أحدهما :على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,والثاني :على أبي بكر .
قال ابن الربي: قال علماؤنا وهو الأقوى , لأنه خاف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القوم ,فأنزل الله سكينته عليه بتأمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,فسكن جأشه, وذهب روعه ,وحصل الأمن, وأنبت الله سبحانه ثمامة, وألهم الوكر هناك حمامة , وأرسل العنكبوت فنسجت بيتا" عليه ,فما أضعف هذه الجنود في ظاهر الحس ,وما أقواها في باطن المعنى!
الحادية عشرة:
قوله تعالى <وأيّده بجنود لم تروها>,أي من الملائكة,والكتابة في قوله <وأيّده> ترجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم, والضميران يختلفان, وهذا كثير في القرآن ,وفي كلام العرب
الفهرس
(1)سورة طه صلى الله عليه وآله وسلم 67-68.
(2)سورة العنكبوت الآية 33.
(3)سورة المائدة الآية 67.
ص 17
الجواب
أقول :
ماذكره القرطبي (1) في تفسيره يشتمل على أمور:
الأمر الأول :أن الله تعالى قد نصر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأبي بكر, حيث إن أبا بكر قد آنسه, وحمله على عنقه, ووقاه بنفسه, وواساه بماله.
الأمر الثاني :أن قوله تعالى يدل على معاتبة المولى تعالى لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,لكن أبا بكر خرج من المعاتبة.
الأمر الثالث: أن الله تعالى حقّق قوله بكلامه.
الأمر الرابع: أنه سبحانه أثبت له الصحبة في كتابه.
الأمر الخامس :أن معنى <إنّ الله معنا> أي بالنصر والرعاية والحفظ.
الفهرس
(1)تفسير القرطبي ج 8 ص 143-149.
ص 18
الأمر السادس
: أنّ حزن أبي بكر لس بنقص أو ضعف ,كما هو حال خوف خليل الله تعالى شيخ الأنبياء إبراهيم عليه السلام, وكذا خوف موسى ولوط على نبينا وآله وعليهما السلام.
الأمر السابع:
أن خوف أبي بكر كان على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من أن يناله ضرر.
الأمر الثامن :
أن خوف أبي بكر كان أمرا" محتملا".
الأمر التاسع:
أن السكينة نزلت على أبي بكر لأنه خاف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القوم, فأنزل الله سكينته عليه ,فسكن جأشه, وذهب روعه, وحصل الأمن.
الأمر العاشر :
أن الضمير في قوله تعالى*<وأيّده>*يرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,وهذا لا ينافي رجوع الضمير في قوله سبحانه *<سكينته عليه>*إلى أبي بكر ,فإن اختلاف مرجع الضمير كثير في القرآن الكريم.
ص 19
محاكمة ما ادعاه القرطبي في تفسيره:
أقول:
أما الجواب عن الأمر الثاني ,فإننا نلتزم بوقوع المعاتبة أولا", وإنّ أبا بكر إن لم يكن أبرز الداخلين في العاتبة ,فهو من جملتهم.
ووقوع العاتبة ظاهر صريح, بقوله تعالى *<إلا تنصروه>*.
وأما قولهم بأن أبا بكر خرج من المعاتبة , فنقول, بعد كونه داخلا" في عموم الخطاب بقوله تعالى *<إلا تنصروه>*, فإن خروجه يحتاج إلى دليل ,وهو مفقود.
ثانيا":
ما معنى أن يكون أبو بكر ناصرا" لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخروجه معه في الغار ,وصريح الآية أن الله تعالى هو الذي تكفّل بنصرة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,دون أن يشير المولى تعالى في القرآن الكريم إلى وجود ناصر غيره سبحانه.
فهل أن أبا بكر داخل في معنى قوله تعالى *<فقد نصره الله>*!
وما معنى إفراد الله تعالى وتخصيصه نفسه بنصرته لحبيبه صلى الله عليه وآله وسلم فيما لو كان أبو بكر ناصرا" أيضا" للنبي صلى الله عليه وآله وسلم!
وكيف للمولى الحكيم أن يهمل التعرض لنصرة أبي بكر للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, وقد ابتدأ كلامه بالمعاتبة الصريحة, والحديث في الآية حديث عن الهجرة وعن خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,وأبو بكر وحده كان معه دون سائر الصحابة.
فإن نصرة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كانت متحقّقة للزم التدليل على ذلك بعبارة واضحة صريحة,وأين هي تلك العبارة في كلامه تعالى يا أهل اللسان والبيان؟!
ص 20
دخول أبي بكر في المعاتبة على جميع التقادير:
ألستم تقولون بأن قوله تعالى *<إلا تنصروه>* يدل على المعاتبة حيث خذل الأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,إذن كيف خرج أبو بكر وأخرجتموه ,والآية لم يدل خطابها ولا فحواها على المعنى الذي ذكرتموه؟!
فهل أن الله تعالى خرج عن الحكمة في هذا المورد,والحكمة تقضي بالإشارة إلى نصرة أبي بكر ,أو أنه نسي سبحانه أن يدلّل على نصرة أبي بكر ,أو أنّ في الآية لغزا" يجهله أهل اللسان!
ولكننا على يقين أنه سبحانه ما كان ليبخس الناس حقهم ,ولا أن يجحد فضلهم,فكيف يعاتب جميع أصحاب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بتركهم نصرته ,والمعلوم المقطوع به أن في أصحابه من لم يخذله,ومن لم يتقاعس عن نصرته في أي ظرف!
فهل لأحد أن يظفر بمورد أبطأ فيه عليّ أمير المؤمنين عليه السلام عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! فكيف يكون العتاب بعدم النصرة شاملا" له؟
ولكن أمير المؤمنين وقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه,ونام على فراشه(1), وهل أنه تعالى يرى أنّ من يبذل نفسه وروحه لا يكون ناصرا"؟!
فكيف يكون أمير المؤمنين عليه السلام ممن عاتبه الله تعالى على تقاعسه عن نصرة حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم!
إذن , إما أن يكون قوله تعالى *<إلا تنصروه>* مخصوصا" بأبي بكر أولا",أو أنه يشمل أبا بكر ويشمل من عرفه الناس باجبن والفرار في جميع الحروب التي خاضها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ثانيا",أو أنه يشمل جميع من لم ينصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأصحاب ثالثا",أو أنه يعم جميعهم دون استثناء أحد حتى الذين نصروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم رابعا".
الفهرس
(1)المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 5, الطبقات الكبرى ج 1 ص 228,أسد الغابة ج 4 ص 19 و25, تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 67, تاريخ اليعقوبي ج2 ص 39,تاريخ الطبري ج 2 ص 100, البداية والنهاية ج 3 ص 217و224, السيرة النبوية لابن كثير ج 2 ص 230و244, تاريخ ابن خلدون ج 2 ص 15,عيون الأثر ج 1 ص 235,جواهر المطالب في مناقب الإمام علي ج 1 ص 217,الدر المنشور ج 3 ص 180,تفسير القرطبي ج 7 ص 397 وج8 ص144, تفسير ابنكثير ج 2 ص 315.
ص 21
وعلى جميع التقادير الأربعة يدخل أبو بكر في المعاتبة ,ولم يأت نبأ خروجه,وعلى الاحتمالات الثلاثة الأولى يخرج أمير المؤمنين عليه السلام,والاحتمال الرابع احتمال غير معقول ولا مقبول ,فإن الآية تعاتب الذين تقاعسوا عن النصرة, ولا يمكن للمولى سبحانه أن يعاتب الذين نصروا ضمن عتابه للذين لم ينصروا.
لعلك تقول :ليس في الآية أنّ عليا" عليه السلام قد خرج عن المعاتبة.
فنجيب:بلى قد خرج عن خطاب الآية وفحواها,وكيف يدخل عليّ عليه السلام في جملة المتقاعسين,وقد بذل نفسه فنام على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
لعلك تقول:وكذا الحال في أبي بكر ,فإنه خرج مهاجرا" مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت:الخروج بالتخفي عن أعين الكفار والمشركين لا يعدّه أحد من العقلاء نصرة,وما معنى أن يكون أبو بكر ناصرا" لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخروجه معه, والمفروض أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج عن قومه مهاجرا",متخفيا" عنهم.
ومهما يكن فإن قوله تعالى*<إلا تنصروه>* يشمل أبا بكر على جميع التقادير ,ذلك أن الآية قد تعرضت للحديث عنه بالخصوص دون بقية الصحابة,وإذا لم يكن حديث عدم النصرة مختصا" بأبي بكر قضاء" لتخصيصه بالذكر في الآية فإنه الصاحب في الغار ,فلا أقل يشمله,وعليه فلا بد وأن يكون حديث خروج أبي بكر عن كونه ممّن عوتب حديثا" واضحا" معلوما",ولا نجد في الآية أي تلميح عن ذلك فضلا" عن التصريح.
وفي موضوع البحث ,فإن من المعلوم أن الشخص إما أن ينصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو يخذله ,ولا ثالث في المعنى.
ص 22
وقد ثبت أن أبا بكر لم ينصره ,وحديث نصرته له لم نجد كلمة في الآية يدل عليه ,وسياق الخطاب يأباه جدا".
وبهذه تعرف الجواب عن الأمر الأول أيضا".
وأما ما ذكره القرطبي وغيره من أن الله تعالى قد نصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبي بكر,حيث آنسه,وحمله على عنقه,فإنه يكذّبه حديث حزن أبي بكر وخوفه.
ومن يكون خائفا" فزعا",كيف يكون في الوقت نفسه ناصرا" ومؤنسا"!
ومتى كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مستوحشا" من نفسه وربه,حتى يحتاج إلى مؤانسة أبي بكر له!
وكيف يكون الخائف الفزع مصدرا"للأنس والترويح!
وحيث سنجيب عن الأمر السادس ,فسيوافيك التفصيل.
وأما الأمر الثالث وهو أن الله تعالى حقّق قوله بكلامه ,فإنّ أراد من تحقيق قوله,أنّ الله تعالى قد حقّق قول أبي بكر بكلامه في القرآن الكريم, فوزانه وزان تحقيق الله تعالى قول فرعون وهامان وغيرهما من الظالمين بكلامه,قال تعالى*؛وقال فرعون يا أيّها الملا ما علنت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطّين فاجعل لي صرحا" لعلّي أطّلع إلى إله موسى وإنّي لاظنّه من الكاذبين>*(1),وإن أراد أنّ الله تعالى حقّق قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر أعني *<إذ يقول لصاحبه لا تحزن>*, فهو كقول ذاك الذي *<قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالّذي خلقك>*(2).
ص 23
القرآن الكريم أثبت صحبة الكافر للمؤمن:
وأما الجواب عن الأمر الرابع:
وهو أن الله تعالى قد حقّق وصف الصحبة لأبي بكر في كتابه ,فإن الملفت أنّ القرآن الكريم قد أثبت الصحبة بين الكافر والؤمن في كتابه كما دلت عليه الآية السابقة,ولم يثبت إيمان ذاك الذي كفر حيث أثبت الله تعالى له صحبته للمؤمن.
ووجدنا المولى تعالى قد جعل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم صاحبا" للكافرين به, فقال عز وجل *<وما صاحبكم بمجنون>*(1),ولا شبهة أنّ إضافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصحبة إلى أولئك الكافرين,فيها مزية عن إضافة أبي بكر بالصحبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,ومع وجود المزية فلم يستفد أحد من أهل اللسان أنّ أولئك الكافرين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ثبت لهم الإيمان والإسلام بإضافة الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم بالصحبة.
ثم ما هذا الذيان,*<أولم يتفكّروا ما بصاحبهم من جنّة>*(2),*<ثمّ تتفكّروا ما بصاحبكم من جنّة>*(3),ثم*<ما ضلّ صاحبكم وما غوى>*(4).
الفهرس
(1)سورة التكوير الآية 22.
(2)سورة الأعراف الآية 184.
(3)سورة سبأ الآية 46.
(4)سورة النجم الآية 2.
ص24
ونحن نعلم أن الصحبة تقع بين مؤمنين وبين كافرين اثنين, وبين مؤمن وكافر, بل قد يطلق الصاحب على الحيوان أيضا".
وأين ذاك العاقل الذي يرى أن في أصل الصحبة شرفا", وأي شرع حكم بذلك؟! هلا ذللتمونا عليه , أو هديتمونا إليه.
قوله تعالى *<إنّ الله معنا>* يحتمل وجوه:
وأما الجواب عن الأمر الخامس , بأن معنى *<إنّ الله معنا>* أي بالنصر والرعاية , فحاصله:
أنّ قوله تعالى هذا مترتّب على خوف أبي بكر, بمعنى أنه جواب له عما صدر منه كما تفيده الآية , فإن كان ما صدر من أبي بكر من خوف هو حق دلّ ذلك على أنّ المولى تعالى مع أبي بكر في تلك الواقعة لا محالة , وإن كان حزن وخوف أبي بكر باطلا" ,فدلّ قوله تعالى على التهديد والوعيد.
ولكن كونه تعالى مع أبي بكر بالنصر لم يكن شاملا" لتمام أحواله ,وإنما كان مخصوصا" بذاك المكان , هذا أولا".
ثانيا":إنّ الله تعالى لم يكن مع أبي بكر مفردا" عن غيره, وإنما كان سبحانه مع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,وقد دخل أبو بكر في الخطاب بالمعية, وشمول المدح لشخص بالمعية لا يدل على كونه ممدوحا" فيما إذا انفرد عن غيره.
ثالثا": إن من المعلوم به أنّ الله تعالى كان راعيا" لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم, وأبو بكر معه في الغار ,فتكون رعاية الله تعالى لأبي بكر تبعا" لرعايته لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم , وهذا لا يثبت به مدح لأبي بكر أو مزية, فلطالما أكرم العقلاء شخصا" لا يستحق الإكرام تبعا" لإكرامهم لمن يستحقه.
ولطالما وقع الخير على من ليس أهلا" له دون أن يكون مقصودا" بالذات,ولكنه وصل الخير إليه لوجوده في ذلك الموقع, ولعل أبرز مصداق لما ذكرناه قوله تعالى *<وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم>*(1), فالتفضل على أولئك بعدم تعذيبهم لم يكن لاستحقاقهم للفضل, وإنّ الرحمة إذا نزلت من السماء على جمع أصابت الؤمن فيهم والكافر, وأبرز مصداق هو السحاب المسخّر بين السماء والأرض.
وبالجملة فرعاية الله تعالى لشخص بالمعية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو مع غيره, لا يفيد ثبوت مزية له, ولا يثبت له بذلك أيّ نحو
الفهرس
(1)سورة الأنفال الآية 33.
ص 25
من أنحاء الفضل , فإن رعايته تعالى للشخص في حال كتلك, لا يلزمه ثبوت رعايته إياه فيما لو كان وحده.
حزن أبي بكر لم يكن طاعة:
هذا كله إذا كان خوف أبي بكر خوفا" داخلا" في دائرة الحق, وأما إذا لم يتعين كون الحزن الواقع من أبي بكر حقا",فإنّ احتمال أن يكون قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم *<إنّ الله معنا>* تهديدا" له احتمال وارد, ومعه فلا يثبت المدح لأبي بكر على كل تقدير.
على أن الآية تكاد تكون صريحة في أنّ حزن وبكاء وخوف أبي بكر كان باطلا", وتفصيل ذلك:
أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن ينهى عن الحق وما يدخل في دائرته, وخوف أبي بكر إن كان كما يزعم الزاعم من أنه خوف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو من أعظم الطاعات , ويكشف عن كون الخائف مشفقا" على من خاف عليه, ولإشفاق يرجع إلى محبته له, ومودته إياه.
ولكن القرآن الكريم صرّح بأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى أبا بكر وزجره,فكيف يكون خوف أبي بكر خوفا" على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟؟
ولإن كان أبو بكر خائفا" على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذلك يعني أنه مشفق عليه ,فكيف يقابله سيد الخلق وهو صاحب الخلق العظيم يزجره له , ونهيه إياه!!
وهل يرى الجاهل أنّ جزاء الحسنة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو السيئة!
وكيف خفي الأمر على المولى تعالى!فنسي الإتيان بكلمة تشير على أقل تقدير إلى مدح أبي بكر ,وأنه مشكور مأجور في خوفه وحزنه!
وكيف لم يشكر الله تعالى أبا بكر على خوفه على حبيبه ورسوله, فبدلا" من أن يأتي بلفظ يفيد المدح والتبجيل, نراه قد أثبت صيغة النهي , والنهي لا يستعمل إلا في مقام الزجر عن شيء ,والزجر من مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكون إلا عما لا يرضاه الله تعالى.
وبهذا تعرف فساد وبطلان ما أخرجه ابن عساكره قال السيوطي:وأخرج ابن عساكر عن أبي بكر أنه قال: ما دخلني إشفاق من شيء ولا دخلني في الدين وحشة إلى أحد بعد ليلة الغار ,فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين ,قال لي:هوّن عليك,فإن الله قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمام(1).
ص 26
أقول:
ولكن الله تعالى قد أثبت في كتابه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى أبا بكر وزجره,فهل تصدّق ابا بكر في ادعائه ,أو تصدّق المولى تعالى بما أثبته في كتابه!
إذن فلم يكن خوف أبي بكر وحزنه حقا", فكيف يثبت له بذلك فضيلة!
فتعيّن أن يكون قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر:إن الله معنا ,تهديدا" له ليس إلا.
وبهذا تعرف الجواب عن الأمر السابع الذي ذكره ابن العربي ,وهو أن خوف أبي بكر كان على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من أن يناله ضرر.
قياس مع الفارق:
وأما الأمر السادس وهو قياس خوف أبي بكر على خوف الأنبياء ,فمضافا" إلى أنه قياس مع الفارق فلا يصح بحال.
إذ قد عرفت أنّ خوف أبي بكر كان خوفا" باطلا",وخوف الأنبياء حق محض, غايته أننا قد نتعقل ونتعرف على حقيقته وسببه, وقد نجهل ذلك .
ثانيا":لا معنى لقياس حالات الأنبياء على حال أبي بكر,لبداهة أن الأنبياء عليهم السلام بعد ثبوت عصمتهم ,
فإننا مضطرون إلى تفسير الخوف البواقع منهم على خلاف ظاهره, لأن الالتزام بوقوع الخوف من الأنبياء بالمعنى العرفي الظاهر ينافي كمالهم وعصمتهم ,وليس الأمر كذلك في أبي بكر , فإنه لم يكن معصوما" عند أبناء العامة.
والقاعدة العامة تقضي بأن نحمل الخوف الواقع من أبي بكر على ظاهره إلا مع وجود قرينة تصرف عن ذلك ,ولا يوجد في الآية أية قرينة أوالا", فضلا" عن أن القرينة قد قامت على العكس ,فإن النهي عن خوفه يدل على أن خوفه كان باطلا".
ص 27
تعبير مثير للإنتباه:
هذا والملفت جدا" أنه ورد في الآية التعبير بصيغة المضارع, فليس في الآية *<إذ قال لصاحبه لا تحزن>*,وإنما ورد *<إذ يقول لصاحبه لا تحزن>*, وهذا يعني أن نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع مرة واحدة, ولو أنه وقع مرة واحدة فقط لناسبه التعبير بصيغة الماضي, وحيث وقع التعبير بصيغة المضارع فإنه يثبت عدم وقوع الخوف من أبي بكر مرة واحدة, فلا بد وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقابل أبا بكر كل مرة بزجر خاص.
وبما أن الزجر استمر باستمرار الخوف ومواقع تعدده,لذا جاء التعبير في الآية بصيغة المضارع ,ولكن أبا بكر لم تسكن نفسه, ولم يهدأ روعه.
ومن البداهة بمكان أن في مثل هذا الظرف تكون صحبة مثل أبي بكر مصدرا" لإزعاج الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, فيناسب أن يوحي المولى تعالى إليه بإنزال السكينة عليه,وتأييده له, تسلية لحبيبه, وتطيبا" لخاطره.
وعليه فقوله*<إنّ الله معنا>* بما أنه مترتب على خوف أبي بكر غير المنزجر وغير المنتهي مع نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم له, لا بد وأن يكون تهديدا" وتخويفا" له, ليس إلا.
ولو أغمضنا الطرف عن نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر عن الحزن الوارد في الآية ,فإن قوله تعالى *<إنّ الله معنا>* لا يدل على أكثر من كون الله تعالى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر ,وكونه تعالى مع أبي بكر الذي كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يدل على أنه تعالى مع أبي بكر فيما لو لم يكن هو مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعبارة أخرى :إذا ثبت أن الله تعالى مع شخص لكونه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم, فهذا لا يثبت به أن الله تعالى مع ذاك الشخص حتى لو كان وحده, وآية *<إنّ الله مع الذين اتّقوا والّذين هم محسنون>* تفيد أنّ من كان الله تعالى معه فيما لو كان وحده يثبت له صفة التقوى والإحسان, والشخص الذي يكون الله تعالى معه لكونه هو مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يثبت به أنه تعالى معه حتى لو كان ذاك الشخص وحده, لاحتمال أن تأييد الله تعالى لذاك الشخص عندما كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في موضع واحد إنما هو بالتبع للتأييد لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم , ومع صحة هذا الاحتمال فلا يكون قوله تعالى *<إنّ الله معنا>* دالا" على المدح على جميع المحتملات.
وإذا لم تكن الآية دالة على المدح إلا على بعض التقادير, فلا يصح الاستدلال بها إلا بعد إثبات تلك التقادير بالخصوص ,وإذا توقفت صحة تلك التقادير على كون الآية في المدح يلزم الدور الباطل.
ص 28
توضيح هذا: أن قوله تعالى *<إنّ الله معنا>* حتى يكون دليلا" على مدح بأبي بكر يتوقف على ثبوت كون
الله تعالى مع أبي بكر فيما لو كان وحده, وإثبات أن الله تعالى مع أبي بكر وحده بقوله تعالى *<إنّ الله معنا>*
يعني توقّف الشيء على نفسه.
فلا بد من إثبات كونه تعالى مع أبي بكر وحده من غير هذه الآية ,لأن هذه الآية لا تفيد أزيد من كونه تعالى مع أبي بكر حيث هو مع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ,أي حيث لم يكن وحده.
على أن هذا التفصيل لا يترتب عليه أثر, لأنه تفصيل متوقف على عدم ورود النهي في الآية ,فلا يعدو عن كونه مجرد فرض.
|