الاشكال الخامس
إن أول من نقل قصة عرس القاسم هو الكاشفي السبزواري وهو مشكوك في مذهبه، كما أن كتابه يحتوي على بعض الأخبار التي يعلم بطلانها، فكيف يصح الاعتماد على نقله؟
الجواب:
قد ذكرنا في مقال سابق أن هناك العديد من علمائنا الكبار ممن مدح الكاشفي ونسبه إلى التشيع مثل الشيخ آغا بزرك الطهراني والشيخ عباس القمي والسيد محسن الأمين والميرزا عبد الله الأفندي الاصفهاني، على أنه لو فرضنا انه لم يعلم مذهبه بالضبط فهذا لا يشكل مطعنا فيه وفي كتابه لأن مذهب المؤلف لا علاقة له بالأخذ عنه، فكيف يصح الأخذ من تاريخ الطبري السني ولا يصح الأخذ من الكاشفي لأنه مشكوك في مذهبه؟!! كما أن احتواء كتابه على ما يعلم بطلانه لا يوجب رد ما لم يعلم بطلانه، إذ لو صح ذلك لوجب رد حتى مثل كتاب الكافي الذي يقول عنه السيد الخوئي: "إن اشتمال كتاب على أمر باطل في مورد أو موردين لا يدل على وضعه، كيف ويوجد ذلك في أكثر الكتب حتى كتاب الكافي الذي هو أمتن كتب الحديث وأتقنها". (معجم رجال الحديث ج8 ص225)
إن غاية ما يثبته النقل في قصة عرس القاسم هو احتمال صدور الخبر، والخبر المحتمل الصدور لايجوز نسبته إلى الإمام (ع) على أنه قد صدر منه ، وفي بعض الاستفتاءات أنه : "لا يجوز الكذب ولا إسناد ما لم يثبت إليهم عليهم السلام"، وقد صرح بعض الفقهاء كالسيد الخوئي أن خبر العرس لم يثبت. (المسائل الشرعية ج2 ص335)
الجواب:
إن ما قاله بعض الفقهاء كالسيد الخوئي من عدم الثبوت لا يعني أنه قد ثبت عدم القصة، وفرق كبير بين عدم الجزم بالثبوت وبين الجزم بعدم الثبوت. وأما مسألة عدم جواز نسبة ما لم يصدر إليهم فهو لا يختص بعرس القاسم بل هو جار في كل الروايات الأخرى، فلماذا اختص عرس القاسم بهذا التأكيد والتركيز من الفريق الرافض؟ فما يصح نسبته إلى المعصوم هو الحديث المعتبر في سنده والخالي من المضمون الباطل قطعا، ومن الواضح أن ما جاء في جواب مكتب بعض المراجع لبعض الاستفتاءات من عدم جواز نسبة عرس القاسم إلى المعصوم فإنه لم يتطرق في ضمن الجواب لأي إشكال في القصة من جهة المضمون بل من جهة السند، نظير ما يقوله الفقهاء من مفطرية وحرمة الكذب على الله ورسوله في شهر رمضان وعدم جواز نسبة ما لم يثبت نسبته إليهم، وفي هذا الصدد لا فرق بين عرس القاسم وغيره من أحداث كربلاء، فمن يستطيع أن يأتي بالمقتل ضمن الحديث الصحيح السند!!
ولكن ألا يخشى الفريق الرافض أن ينفي عرس القاسم على نحو الجزم وينسب القصة إلى الخرافة والاختلاق مع أنها قد تكون صادرة في الواقع، فيكون ممن ارتكب الكذب بنفي ما كان ثابتا إليهم في الواقع؟!
كما أن هنا مسألة مهمة ترتبط بمسألة ما يجوز نقله للخطيب وما لايجوز إليه أثارها آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي حفظه الله تعالى، فيها رد على بعض ما جاء في أجوبة استفتاءات مكتب أحد المراجع (إن صحت نسبتها إلى ذلك المرجع) التي قالت: " ولابد من تجنب كل ما يحرم شــرعاً ومنها الكذب ونسبة ما لم تثبت صحته إليهم ـ عليهم السلام ـ ومن ذلك قصة الزفاف"، فجعلت قصة الزفاف مما يجب اجتنابه ومن المحرم شرعا، علما بأن السيد الخوئي وغيره من الفقهاء لم يحرموا نقل القصة وإن قالوا بعدم ثبوت نسبتها، فإن المحرم هو نقل ما ثبت عدم نسبته أو نقل ما لم يثبت نسبته على أنه منسوب، أما مجرد النقل مع احتمال كونه منسوبا فليس في ذلك أي حرمة، وفي هذا المجال يقول الميرزا التبريزي:
" ومما ينبغي للقارئ والمستمع التنبه له أن ما يقال في مجالس التعزية ويعتمد القارئ في قراءته عليه ليس كاعتماد الفقيه في تعيين التكاليف والوظائف الشرعية لآحاد المكلفين، حيث أن الفقيه يبذل جهده في إحراز الوظائف والتكاليف الشرعية التي قامت عليها حجة معتبرة من قبل الشارع، ولا يكفي بالاحتمال والرجاء ونحو ذلك، وهذا بخلاف ما يقرأ أو يسمع بالنسبة لمصائب سيد الشهداء (عليه السلام) فإنه قد ذكرنا أنه يجوز للخطيب والقارئ أن ينقل ما يحتمل صدقه بحسب ما وصل إليه النقل دون ما يعلم كذبه". (رسالة مختصرة في لبس السواد – الملحق المذكور في نهاية الرسالة)
وما لم ينقل جواب استفتاء مكتب بعض المراجع الدليل على كذب القصة واختلاقها من قبل ناقلها فلا يصح نسبة الحرمة إلى من ينقلها من الخطباء، أما الحرمة المدعاة من جهة أن ناقل القصة ينقلها على أنها حتمية الحصول ومقطوعة وبالتالي يتحقق إسناد ما لم يثبت نسبته إليهم فهذه قضية خارجية تعود إلى قصد ناقلها من الخطباء، فمن أين نعلم أن الخطباء الناقلين لهذه القصة ينقلونها على أنها حتمية الحصول، فإنهم يقرأون ما جاء في المقاتل التي أغلبها مما لم يصح فيه السند المعتبر كما جاءت، والصحيح في مثل هذه الحال أن يقال: "ويحرم نقلها إن قصد الناقل ثبوت نسبة القصة على نحو القطع" أي تعليق الحرمة على الشرط (وهو قصد القطع بالثبوت).
الاشكال السادس
إن حدثا مهولا كيوم عاشوراء وما جرى فيه من أحداث عظيمة لا تدع المرء يفكر في عرس وزفاف، فكيف يمكن التفكير في عرس وسط أجواء القتال والشهداء والمصائب، والمحن تلف الإمام الحسين (ع) وأهل بيته من كل حدب وصوب؟
الجواب:
إن قصة العرس كما هي منقولة في مصدرها تؤكد على أن الإمام الحسين (ع) كان ممتثلا بوصية تزويج القاسم (ع) من قبل أخيه الإمام الحسن (ع)، وتنفيذ وصية الموصي مع قدرة الوصي أمر مطلوب، وليس هناك أي غرابة في تنفيذه بل الغرابة والاستنكار في عدم إنفاذ الوصي قبل موته لوصية الموصي مع قدرته على ذلك ، ومسألة العرس لم تتجاوز إلباس القاسم ملابس أبيه الإمام الحسن (ع) وقراءة صيغة العقد بينه وبين بنت الإمام الحسين (ع) المسماة له ووضع أيديهما بيد بعض والخروج من الخيمة، وهذا كله لا يتجاوز بضع دقائق، وهي أقل فترة زمنية يمكن للإمام الحسين (ع) أن يحقق فيها وصية أخيه الحسن (ع) ويراعي فيها أيضا مقتضيات الحال والحرب.
وقد يقال إن طلب الإمام الحسين (ع) من أم القاسم أول الأمر ثيابا جددا للقاسم لا يتناسب مع الحال إذ فيها بعض مظاهر الاحتفاء والاحتفال، ولكنه مردود من جهة أن الإمام الحسين (ع) كان يعلم بأن القاسم (ع) سيستشهد ولبس جديد الثياب عند قصد لقاء الله تعالى أمر حسن وكما ينقل مثله عند وفاة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) حينما طلبت لبس ثياب جدد قرب حلول أجلها ( أمالي الطوسي، المجلس 14 ح41، عنه البحار ج43 ص172 ح12)، وعندما لم تتوفر تلك الثياب ألبسه لباس أبيه ، ولعل ذلك اللباس مما كان يحتفظ به الإمام الحسين (ع) من ملابس أخيه عندما كان صغيرا أو أنه تم جمعه أو تقصيره.
إن أكثر الخلط الحاصل عند المعترضين على قصة عرس القاسم هو ما يقوم به المحبون من مراسم تذكارية من قبيل توزيع الحلوى أو نثر المكسرات وإشعال الشموع وغير ذلك مما يتناسب مع أجواء العرس الحقيقية، فيظنون أن الذي وقع في كربلاء هو من هذا القبيل، بالرغم من أن قصد المحبين هو تهييج القلوب حيث أنهم يقرأون مع تلك المراسم أشعارا حزينة حول حرمان القاسم (ع) من العرس والزواج وهو في مقتبل العمر وأن خضاب العرس هو الدماء المنبعثة منه، وهذا يهيج المصيبة في قلوب السامعين والناظرين ولايعني أن القاسم لم يكن له هم إلا العرس كما يقول الشهيد المطهري، فالقاسم وكما تذكر رواية العرس نفسها وبعد عقد زواجه على بنت الإمام الحسين (ع) مباشرة خرج نحو الميدان لنصرة عمه حين سماعه طلب البراز.
ومن المناسب هنا نقل استفتاء وجه إلى آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره) هذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
لمولانا وسيدنا آية الله العظمى (أدام الله ظله)
قد استمرت سيرة الشيعة على تخصيص يوم الثامن من محرم باسم القاسم بن الحسن المجتبى عليهما السلام وذكر فضائله ورثائه، وحسب العادة المستمرة إذا وصل القارئ إلى ذكره وإلقاء كلمات في حقه وهو على المنبر يأتون بالصواني وفيها الشموع والحنة والخضرة ويدخلوها في المجلس لتذكر عظيم مصيبته وأنه استشهد قي عنفوان شبابه ولم يتهنأ به ويجعلونه للقاسم "زفة"، فإذا دخلت الصواني في المجلس يقوم صياح وعويل من أهل المأتم وتجري دموع الشيعة على الخدود ويهتز المجلس الحسيني، فهل يكون في هذه العادة وهذه السيرة مانع في نظركم الشريف أم لا يكون فيه بأس؟
ظلكم مستدام على رؤوس المسلمين.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، لا مانع من ذلك، وفيه تذكرة للمصاب الأليم والخطب الجسيم فإنا لله وإنا إليه راجعون"
24 شعبان 1387 هـ ق
محسن الطباطبائي الحكيم. (فتاوى علماء الدين حول الشعائر الحسينية ص 183)
كما أن هناك سببا شكليا آخر يدعو المعترضين إلى الاستنكار، وهو استعمال تعبير العرس الذي يوحي بالفرحة غير المتناسبة مع أحزان ومصائب كربلاء، وهذا التعبير درج عليه عامة الناس كإشارة إلى إحدى الجهات المهيجة في المصيبة، وقد استخدمناها في مقالتنا هذه من جهة صيرورته مصطلحا شائعا لا أن هناك عرسا وقع في كربلاء، فنفس رواية الطريحي صريحة بقول القاسم: "عرسنا أخرناه (أي أجلناه) إلى الآخرة"، فهل هناك تصريح أوضح من هذا في نفي حصول العرس وأن الذي جرى كان مجرد عقد زواج!!
إن القاسم بن الحسن وصفته كتب المقاتل بأنه غلام لم يكن قد بلغ الحلم (مقتل المقرم ص264) أي أنه لم يبلغ سن الزواج، فكيف تصح نسبة الزواج إليه؟
الجواب:
لقد ذكر الفقهاء بل اتفقوا على صحة تزويج الصبي والصبية إذا لم يصلا إلى سن البلوغ، وأن الصبية تكون زوجة للمتزوج بها سواء كان الزوج بالغا أم لا، وتترتب عليهما أحكام الزوجية فلو مات أحدهما فإنه يرث من الآخر، غير أنهم ذكروا أنه لايجوز وطء الزوجة فقط (دون سائر الاستمتاعات) إذا لم تكمل تسع سنين، وهذا يعني أن بلوغ أحد الطرفين سن الزواج ليس ركنا في عقد الزواج، ومن يطرح مثل الاعتراض لايفقه من أمر الفقه شيئا!!!
(راجع على سبيل المثال تحرير الوسيلة ج2 ص216 ح12 ، ص227 - 228، ومنهاج الصالحين للخوئي ج2 ص259 المسألة 1231، ص260 – 261)
|