عرض مشاركة واحدة
قديم 06-24-2010, 01:57 PM   #5
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



‹ صفحة 17 ›
وحرق الحديث والمنع من تدوينه ( 1 ) والتطليق بغير السنة ، وإبداع العول والتعصيب ، ورضاعة الكبير ولو كان ذا لحية وشهد بدرا كما سيوافيك !
والتلاعب بمقدرات الأمة بتولية الفساق على بيوت الأموال بعد طرد الأمناء الأبدال ، وتمهيد السبيل أمام الشجرة الملعونة ( 2 ) ، وقطع الطريق أمام الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإبعادهم إلى الربذة ( 3 ) ! ! بل وله أن يجتهد فيشرع كصلاة الضحى المبتدعة ، ولست أدري ما الذي أوجب على من ابتدعها مدحها بقوله : " نعمت البدعة هي " ( 4 ) ! ! .
ومن هنا ينبغي على طالب الحقيقة أن يعلم أن الإمام علي عليه السلام قد ألمح في خطبته الشريفة المتقدمة إلى كل هذا ، وذلك بإشارته إلى أن مبدأ الباطل في تاريخنا الإسلامي إنما كان هوى يتبع ، وبدعا يخالف فيها كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، مع خلط ذلك بشئ من الحق لكي ينطلي على الأتباع والمؤيدين كما نلحظه في واقع المسلمين ، حتى لكأنه عليه السلام كان ينظر إلى هذا الواقع من ستر رقيق !
ولا شك أن المتمسكين اليوم بحبل الباطل ، لم يتعمدوا ذلك ، لأن كل باطل وكذب ما لم يكن فيه شئ من الحق والصدق لم يقبله عاقل ، كما أن كل مزيف فاسد وكاسد ما لم يكن بنقد رائج لم يصر رائجا في سوق ذوي الأبصار ، فالباطل الصرف لا يقع في توهم ذي حجى إلا إذا اقترن بالحق أو
‹ صفحة 18 ›
شبهه ، وكذلك الكذب المحض مما لا يصدق به ذو عقل إلا إذا امتزج بالصدق واستتر فيه .
ومن هنا أشار الإمام علي عليه السلام إلى أنه لو خلص الباطل عن لبس الحق لم يشتبه على عاقل ، ولو تجرد الحق عن مخالطة الباطل لما وجد اختلاف ، ولم يكن للشيطان الرجيم سبيل إلى إيقاع الفتنة ، ولأذعن الكل إلى الحق بعد خلوصه من مزج الباطل إلا من غوى وعلا في الأرض واستكبر وركب رأسه عنادا وصلفا .
ثم اعلم - أخي المسلم - أن أمير المؤمنين عليه السلام أشار إلى حقيقة ثابتة ،وسنة لن تجد لها تبديلا ، وهي أن الدنيا دار اشتباك بين النور والظلمة ،وامتزاج بين الحق والباطل ، وأخذ للأقوال من الأولياء والأشقياء .
وهذا هو عين الواقع الذي يعيشه كثير من المسلمين ، فكم تراهم يأخذون بضغث من أقوال الأولياء الناهجين سبل الهدى ، وبضغث آخر
من أقوال المضلين أرباب الهوى ، حتى إذا ما امتزج الضغثان استولى على أوليائه الشيطان .
وأما من علم أن البيوت لا تؤتى إلا من أبوابها ، واقتصر على السليم دون السقيم ، فلا شك أنه سبقت له العناية بالحسنى وهو مبعد عن شراك الشيطان .
ترى فهل يدرك اليوم من يدعو الناس بإخلاص إلى معرفة الحق- ويزعم أنه ساع إليه بكليته وكما يجب لاستفراغ ما في ذمته - أن المذاهب التي يفتتن بها الناس اليوم هي من خلط هذين الضغثين ، ولو محصت أكثرها لوجدتها ندا للثقل الأصغر ، ونصيرا للشيطان ، وإن
‹ صفحة 19 ›

أخذت عن الأول ضغثا فقد أخذت عن الآخر أضغاثا ، ثم صد التابع عن استعلام حال المتبوع وحقيقته على طبق مشيئة وإرادة السياسات المتعاقبة في صياغة النظرية السياسية في الإسلام .
حتى صار التابع اليوم على استعداد كاف لتقبل الجهل ، وتمرن عجيب على اتباع الهوى ، وزهد في تحقيق الأمور على وجوهها ، وبعد عن أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، تقليدا منه للأسلاف ، ومحبة ورغبة لاتباع ما ألفه الآباء والأجداد !
ثم يجب أن يعلم أن قصد أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الخطبة العظيمة ، لم لم يكن إلا شكاية منه عليه السلام عما آل إليه أمر هذا الدين في عصره ، إذ يرى أغلب الناس من أبناء الدنيا قد تركوا الدخول بسفينة النجاة واعتصموا بمن لاعاصم له من الغرق ، ولو أنهم اقتدوا بربان تلك السفينة لحملهم على المحجة الواضحة كما قاله عمر ، ولو تمسكوا به لاستمسكوا بالعروةالوثقى في دينهم وأنفسهم كما قاله الرازي في تفسيره ( 1 )
‹ هامش ص 17 ›
( 1 ) تاريخ الخلفاء : 137 . والطبقات الكبرى ، لابن سعد 3 : 281 .
( 2 ) الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أمية .
( 3 ) قام عثمان بن عفان بإبعاد الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري إلى الربذة كما في الملل والنحل / السابق .
( 4 ) صحيح البخاري 1 : 233 كتاب صلاة التراويح . وصحيح مسلم 1 : 383 باب الترغيب .
‹ هامش ص 19 ›
( 1 ) التفسير الكبير للرازي 1 : 205 و 207 في بحث المسائل الفقهية المستنبطة من سورة الفاتحة .


 

رد مع اقتباس