[ خطبة واضاءة ]
وكيف لا ، وقد أخرج عن الدين ما كان من لبه ، وأدخل فيه ما ليس هو منه ، وسار الخلف على ما رسم السلف إلى اليوم ، فترى - وتلك هي المأساة الكبرى - بعض الناس يدعو باسم الدين إلى هدف ليس من أهدافه ، وأدب غير أدبه ، وحكم غير حكمه ، حتى عاد المنكر معروفا يتعصب له ، لموافقته هواهم وشهوات أنفسهم ، والمعروف منكرا ليس له حام يحميه ولا واق يقيه ، وعاد الدين غريبا كما كان ، لما نشاهده من مفتريات عليه باسمه . وهكذا كان بفضل اجتهاد من اجتهد في إبعاد الحق عن أهله أن انهدمت - عبر اختلاف الرأي بتعاقب القرون - الوحدة الدينية وبدت الفرقة ، ونفدت القوة ، وذهبت الشوكة !
والأنكى من كل ذلك ، أنك إذا ما أوقفت طلاب الحق والحقيقة على موطن الداء ، رجع بعضهم إلى مقولة السفهاء : ( رافضي خبيث يسب الصحابة ) وسرعان ما يبرر تلك الموبقات على أساس من الاجتهاد ، وأن لكل مجتهد أن يجتهد ولو في منع النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من كتابة الكتاب
‹ صفحة 16 ›
الذي لن تضل الأمة فيما لو تمسكت به بعده ( 1 ) ، وله أن يجتهد في إبعاد وصيه ( 2 ) وباب علمه ( 3 ) ، وله أيضا أن يغضب بضعة المختار ، ويهدد منفي الدار بالحرق بالنار ( 4 ) وإن كانت فيها من يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها ( 5 ) وله فوق هذا وذاك أن يغضبها حقها ، وأن يجتهد في تقريب الطريد ، وطرد القريب ( 6 ) ، ومصاهرة أعداء الله لا ورسوله ، والتفريط بحدود الله بإسقاطها وجلد الشهود العدول ( 7 ) ، وصرف الخمس في الأقارب ( 8 )دون القربى ، ومنع المتعتين ( 9 ) ، وإسقاط حي على خير العمل ( 10 ) ،
‹ هامش ص 15 ›
( 1 ) السقيفة والخلافة ، لعبد الفتاح عبد المقصود : 30 .
‹ هامش ص 16 ›
( 1 ) إشارة إلى حديث الكتف والدواة المتقدم ، ومنعهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من الكتابةالمصرحة بالخليفة .
( 2 ) إشارة إلى حديث الدار المشهور قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من يؤازرني على هذا الأمر فيكونونوصيي وخليفتي ووزيري من بعدي . . فكان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام . تاريخ الطبري 2: 63 - 64 .
( 3 ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها . المستدرك على الصحيحين ، للحاكم 3 : 137 - 138 . وأسد الغابة ، لابن الأثير 4 : 100 .
( 4 ) الإمامة والسياسة ، لابن قتيبة 1 : 12 . وشرح ابن أبي الحديد 2 : 56 . وتاريخ الطبري 3 :198 .
( 5 ) إشارة إلى الحديث الشريف : إن الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها . . وهو متواترعند المسلمين . صحيح البخاري 5 : 83 / 232 باب 43 . وسنن الترمذي 5 : 699 .والصواعق المحرقة : 190 .
( 6 ) هذه أعمال عثمان بن عفان ، وهي مشهورة عنه . والملل والنحل ، للشهرستاني 1 : 32 الخلافالتاسع من المقدمة الرابعة .
( 7 ) المصدر نفسه .
( 8 ) المصدر نفسه .
( 9 ) هذه أعمال عمر بن الخطاب ، وهي مشهورة عنه . راجع سيرته في تاريخ الخلفاء للسيوطي .
( 10 ) سنن البيهقي 1 : 524 .