عرض مشاركة واحدة
قديم 06-16-2010, 08:03 PM   #2
محمود الحسيني
مشرف عام


الصورة الرمزية محمود الحسيني
محمود الحسيني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 25
 تاريخ التسجيل :  Jun 2010
 أخر زيارة : 11-28-2010 (10:18 PM)
 المشاركات : 256 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



روى عن الصقر بن أبي دلف الكرخي، قال: لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري (عليه السلام) جئت أسأل عن خبره، قال: فنظر إلى الزرافي وكان حاجباً للمتوكل، فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه، فقال: يا صقر ما شأنك؟ فقلت: خير أيها الأستاذ، فقال: أقعد فأخذني ما تقدم وما تأخر، وقلت: أخطأت في المجيء. ثم قال لي: ما شأنك وفيم جئت؟ قلت: لخبر ما فقال: لعلك تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين، فقال: أسكت! مولاك هو الحق، فلا تحتشمني فإني على مذهبك، فقلت: الحمد لله.
قال: أتحب أن تراه؟ قلت: نعم، قال: أجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده.
قال: فجلست فلما خرج قال الغلام له: خذ بيد الصغر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس، وخل بينه وبينه، قال: فأدخلني إلى الحجرة وأومأ إلى بيت فدخلت فإذا هو جالس على صدر حصير وبحذائه قبر محفور، قال: فسلمت عليه فرد علي ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي: يا صقر ما أتى بك؟ قلت: سيدي جئت أتعرف خبرك؟ قال: ثم نظرت إلى القبر فبكيت فنظر إليّ فقال: يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء الآن، فقلت: الحمد لله(6).

قال أبو عبد الله الزيادي:

لما سمَّ المتوكل، نذر لله إنّ رزقه الله العافية أن يتصدق بمال كثير، فلما عوفي اختلف الفقهاء في المال الكثير فقال له الحسن حاجبه: إن أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب فما لي عندك؟
قال: عشرة آلاف درهم وإلاّ ضربتك مائة مقرعة قال: قد رضيت فأتى أبا الحسن (عليه السلام) فسأله عن ذلك فقال: قل له: يتصدق بثمانين درهماً فأخبر المتوكل فسأله: ما العلة؟ فأتاه فسأله قال: إن الله تعالى قال لنبيه (صلى الله عليه وآله): (لقدْ نَصركمُ الله في مواطن كثيرة)(7) فعددنا مواطن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبلغت ثمانين مواطناً، فرجع إليه فأخبره ففرح وأعطاه عشرة آلاف درهم(8).
وهكذا كان الإمام (عليه السلام) يحل المعضلات فيزداد الناس إيماناً به، ومعرفة بمقامه وبمدى جهالة خصمه المتوكل، فكثيراً ما كان المتوكل يوعز إلى بعض أصحابه بأن يسألوا الإمام أسئلة صعبة لعله يتوقف فيها، فمثلاً قال المتوكل لابن السكيت: سل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي فسأله فقال: لم بعث الله موسى بالعصا وبعث عيسى (عليه السلام) بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وبعث محمداً بالقرآن والسيف؟
فقال أبو الحسن (عليه السلام):
بعث الله موسى (عليه السلام) بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم، وأثبت الحجة عليهم، وبعث عيسى (عليه السلام) بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله في زمان الغالب على أهله الطب فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم، وبعث محمداً بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ما بهر به شعرهم وبهر سيفهم وأثبت الحجة به عليهم.
فقال ابن السكيت: فما الحجة الآن؟ قال:
(العقل يعرف به الكاذب على الله فيكذب).
وقد كان ابن السكيت هذا عالماً كبيراً في النحو والشعر واللغة وقالوا عن كتابه (المنطق) أنه أفضل كتاب في اللغة كتبه علماء بغداد، وكان المتوكل قد عهد إليه بتربية ابنيه المعتز والمؤيد، فسأله يوماً أيهما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين فقال ابن السكيت: والله إن قنبراً خادم علي بن أبي طالب خير منك ومن ابنيك، فقال المتوكل للأتراك: سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات (رضوان الله عليه).
وفي بعض أيام الربيع حيث كان الجو صحواً وحاراً خرج الناس في مناسبة رسمية صائفين، وخرج الإمام الهادي (عليه السلام) في ثياب شتوية فلما توسطوا الصحراء خرجت عليهم سحابة ممطرة وفاضت عليهم الوديان ولم يسلم من أذى المطر والطين إلاّ الإمام فاهتدى إليه وإلى علمه الكثير من الناس.
وهكذا تكيف الإمام (عليه السلام) مع الواقع المر لعهد المتوكل حتى استفاد منه إيجابياً لمصلحة الدعوة الإلهية، وذلك بحكمته الرشيدة وباستقامته وصبره في الله.
ولكن المتوكل عقد العزم على الإيقاع به في أيامه الأخيرة فلم يأذن له الله بذلك بل أطيح به في انقلاب دموي.
فقد جاء في الجزامة: لما حبس المتوكل أبا الحسن (عليه السلام)، ودفعه إلى علي بن كركر قال أبو الحسن: أنا أكرم على الله من ناقة صالح (تمتعوا في داركم ثلاثة أيامٍ ذلك وعدٌ غير مكذوب)(9)، فلما كان من الغد أطلقه واعتقد إليه، فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه ياغز وتاشى ومعطوف فقتلوه وأعقدوا المنتصر ولده خليفة(10).
ولعل المتوكل اعتقل الإمام أكثر من مرة ولكن الله أنقذه من شره، ولعله كان يخشى كل مرة من ثورة جماهيرية عارمة ضده بالإضافة إلى أنه لم يجد مبرراً للقضاء على الإمام مع أنه كان يعرف أن في أصحابه من يتشيع له.
فمثلاً عندما سعى البطحاني إلى المتوكل وكان من أولاد أبي طالب ولكنه يتشيع للبيت العباسي، وقال له أن عنده سلاح وأموال، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب وأمره أن يهجم ليلاً عليه ويأخذ ما يجد عنده من الأموال والسلاح ويحمل إليه.
فقال إبراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت إلى دار أبي الحسن (عليه السلام) بالليل، ومعي سلّم، فصعدت منه إلى السطح، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة، فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني أبو الحسن (عليه السلام) من الدار: (يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة).
فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت ووجدت عليه جبة من صوف وقلنسوة منها وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي: (دونك بالبيوت).
فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً معها، فقال أبو الحسن (عليه السلام): دونك المصلى فرفعت فوجدت سيفاً في جفن غير ملبوس، فأخذت ذلك وصرت إليه.
فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها، فخرجت إليه، فسألها عن البدرة، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له: كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه، وهذا خاتمك على الكيس ما حركها.
وفتح الكيس الآخر وكان فيه أربع مائة دينار، فأمر أن يضم إلى البدرة بدرة أخرى وقال لي: احمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس بما فيه، فحملت ذلك إليه واستحييت منه، وقلت: يا سيدي عزَّ علي دخول دارك بغير إذنك، ولكني مأمور به، فقال لي: (سيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون)(11).
والواقع أن الشيعة كانوا يحملون إلى الإمام الأموال ولكنهم كانوا قد أتقنوا أساليب الكتمان، وكانت لديهم عناصرهم في البلاط العباسي مما يجعلهم عارفين بمواقع الخطر وكيفية اجتنابها، والحديث التالي يكشف لنا جانباً من ذلك.

فعن المنصوري، عن عم أبيه قال: دخلت يوماً على المتوكل وهو يشرب فدعاني إلى الشرب فقلت: يا سيدي ما شربته قط، قال: أنت تشرب مع علي بن محمد، قال: فقلت له: ليس تعرف من في يدك إنما يضرك ولا يضره ولم أعد ذلك عليه.

قال: فلما كان يوماً من الأيام قال لي الفتح بن خاقان: قد ذكر الرجل يعني المتوكل خبر مال يجيء من قم، وقد أمرني أن أرصده لأخبره له فقل لي من أي طريق يجيء حتى أجتنبه، فجئت إلى الإمام علي بن محمد فصادفت عنده من أحتشمه فتبسم وقال لي: لا يكون إلاّ خيراً يا أبا موسى لِمْ لمْ تعد الرسالة الأولى؟ فقلت: أجللتك يا سيدي، فقال لي: المال يجيء الليلة وليس يصلون إليه فبت عندي(12).


 
 توقيع : محمود الحسيني

اللهم صلّي و سلّم وبارك على محمّد و على آل محمّد كما صليت و سلمت و باركت على ابراهيم و آل ابراهيم, إنك سميع مجيد.
اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن, صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة, و في كل ساعة وليّاً و حافظاً وقائداً و ناصراً و دليلاً و عيناً, حتى تسكنه أرضك طوعاً و تماتعه فيها طويلًا.

إن عدّ اهل التقى كانوا أئمتهم, إن قيل من خير أهل الأرض قيل هم


رد مع اقتباس