‹ صفحة 424 ›
ومن طريف ما رووه في المعنى الموصوف ما هو موجود في خزانة الكتب بالرباط المعروف بتربة الاختلاطية ( 1 ) بالجانب الغربي من بغداد في ورقة من رق ملصقة بآخره كتاب أعلام الرسول تأليف المأمون من خلفاء بني العباس وتاريخ الكتاب المذكور شوال سنة إحدى وخمسين ومأتين ما نسخته عن الحكم بن مروان عن جبير بن حبيب قال : نزلت بعمر بن الخطاب نازلة قام لها وقعد وتريح وتعظوا ( 2 ) ، ثم قال : يا معشر المهاجرين ما عندكم فيها ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين أنت المفرع والمترع ، فغضب ثم قال : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا أما والله إني وإياكم لنعرف أين بجدتها الخبير بها فقالوا : كأنك أردت ابن أبي طالب قال : وأنى يعدل بي عنه وهل طفحت حرة بمثله قالوا : لو بعثت إليه قال : هيهات هنات شمخ من بني هاشم ولحمة من رسول الله " ص " وأثرة من علم يؤتى إليه ولا يأتي ، امضوا بنا إليه فانصفوا وافضوا نحوه وهو في حائط له عليه تبان يتوكأ على مسحاته وهو يقول " أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى " ( 3 ) ودموعه تجري على خديه ، فأجهش القوم لبكائه ، ثم سكن وسكنوا وسأله عمر عن مسألة فأصدر إليه جوابها ، فلوى عمر يديه ثم قال : والله لقد أرادك الحق ولكن أبى قومك . فقال له : يا أبا حفص خفض عليك من هنا ومن هنا إن يوم الفصل كان ميقاتا ، فانصرف عمر وقد اظلم وجهه كأنما ينظر من ليل .
( قال عبد المحمود ) :
هذا يوضح لأهل التوفيق والتصديق أن عمر والصحابة كانوا يعرفون أن علي بن أبي طالب عليه السلام أحق بالأمر على التحقيق ، ‹ صفحة 425 › ويكشف أن عليا عليه السلام كان عارفا أنه مظلوم ، وأنه يتهدد عمر بيوم القيامة وأن عمر يعلم ذلك ولا يسهل عليه ترك الخلافة وتسليمها إلى صاحبها بن أبي طالب عليه السلام ، وفي ذلك ما يطول ذكره من الطرائف والعجائب . ومن طريف الأمر أن يتعجب أحد من صبر علي بن أبي طالب عليه السلام عن المحاربة والمنازعة ، ويقال كيف اقتصر على الانكار باللسان ؟ وقد عرفوا أن جماعة من الأنبياء وخلفاء الأنبياء صبروا على منازعة الفراعنة والملوك لعدم الأنصار والأولياء ، فهلا كان عذر علي بن أبي طالب عليه السلام كعذر الأنبياء وأوصيائهم ، وكفى شاهدا بذلك أنه لما اعتزل عن بيعة أبي بكر لم يكن معتزلا معه وموافقا له كما رووا إلا بنو هاشم خاصة ، والباقون مختلفون في الآراء فكيف يقوى بنو هاشم وحدهم بمن خالفهم أو اختلف فيهم وأي عذر أوضح من ذلك .
ومن طريف الجواب عن ذلك وظهور المناقضة من أولئك المسلمين إنهم اعترفوا أن أعيان الصحابة والمسلمين أمسكوا في بعض خلافة معاوية ويزيد عن المحاربة والمجاهدة بالإنكار ، وبايع كثير منهم ومع ذلك فلا تجعلون إمساك المسلمين عن استمرار محاربة معاوية ويزيد دليلا على الرضا بخلافتهما ، فهلا كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام وبني هاشم من العذر في استمرار ترك المنازعة لأبي بكر ما كان للمسلمين في ترك المنازعة لمعاوية ويزيد وبني أمية .
ومن طريف صواب الجواب على التفصيل ما رأيته في بعض كتب المسلمين أنه لما اتصل بعلي بن أبي طالب عليه السلام أن الناس قالوا ما له لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما نازع طلحة وزبير قال : فخرج مرتديا ثم نادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الصحابة قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا معاشر الناس بلغني أن قوما قالوا ما له لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما ‹ صفحة 426 › نازع طلحة وزبير وعائشة ، وإن لي في سبعة أنبياء عليهم السلام أسوة :
أولهم : نوح عليه السلام فقال الله تعالى مخبرا عنه " رب إني مغلوب فانتصر " ( 1 ) فإن قلتم ما كان مغلوبا فقد كذبتم القرآن وإن كان ذلك كذلك فعلي أعذر .
الثاني : إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام حيث يقول " واعتزلكم وما تدعون من دون الله " ( 2 ) فإن قلتم إنه ما اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرتم وإن قلتم إنه رأى المكروه منهم فاعتزلهم فعلي أعذر .
الثالث : لوط ابن خال عليه السلام إذ قال لقومه " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " ( 3 ) فإن قلتم كان له قوة واعتزلهم فقد كفرتم وإن قلتم إنه لم يكن له بهم قوة فاعتزلهم فالوصي أعذر .
الرابع : يوسف عليه السلام إذ قال " رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه " ( 4 ) فإن قلتم إنه دعى إلى غير ما يسخط فقد كفرتم وإن قلتم إنه دعى إلى ما يسخط الله عز وجل فاختار السجن فالوصي أعذر .
والخامس : موسى بن عمران عليه السلام إذ قال " ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين " ( 5 ) فإن قلتم إنه فر منهم من دون خوف فقد كفرتم وإن قلتم إنه فر منهم خوفا فالوصي أعذر .
والسادس : هارون عليه السلام إذ قال " يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا ‹ صفحة 427 › يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين " ( 1 ) فإن قلتم إنهم ما استضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم وإن قلتم إنهم استضعفوه وأشرفوا على قتله فالوصي أعذر .
والسابع : محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ هرب إلى الغار خوفا فإن قلتم إنه هرب من غير خوف أخافوه فقد كفرتم وإن قلتم إنهم أخافوه فلم يسعه إلا الهرب فالوصي أعذر .
فقال الناس : صدق أمير المؤمنين عليه السلام وهذا هو الحق والعذر الواضح .
ومن طريف ما رووه عن نبيهم محمد " ص " في أن المسلمين يغدرون مع علي بن أبي طالب عليه السلام بعد وفاة نبيهم ، وتصديقهم علي بن أبي طالب عليه السلام فيما ذكره من غدرهم به . ما رواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده قال : قال النبي " ص " لعلي بن أبي طالب عليه السلام : إن الأمة ستغدر بك من بعدي ( 2 ) . ومن كتاب المناقب تأليف أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ وهو من أعيان مخالفي أهل البيت بإسناده إلى ابن عباس قال : خرجت أنا وعلي والنبي " ص " في جنان المدينة فمررنا بحديقة ، فقال علي : ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله فقال : حديقتك في الجنة أحسن منها ، ثم مررنا بحديقة فقال : ما أحسن هذه يا رسول الله حتى مررنا بسبع حدائق فقال النبي " ص " حدائقك في الجنة أحسن منها ، ثم ضرب بيده على رأسه ولحيته وبكى حتى علا بكاؤه فقال : ما يبكيك يا ‹ صفحة 428 › رسول الله ؟ قال : ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني . ورواه من طريق أخرى وزاد فيه : أن عليا قال للنبي " ص " : في سلامة من ديني فقال نعم في سلامة من دينك ( 1 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 424 ›
( 1 ) وفي المخطوط : الاخلاطية .
( 2 ) كذا في المخطوط ولعله " تمطى " كما يستفاد من الترجمة .
( 3 ) القيامة : 36 .
‹ هامش ص 426 ›
( 1 ) القمر : 10 .
( 2 ) مريم : 48 .
( 3 ) هود : 52 .
( 4 ) يوسف : 33 .
( 5 ) الشعراء : 21 .
‹ هامش ص 427 ›
( 1 ) الأعراف : 150 .
( 2 ) غير موجود في المناقب المطبوع ، ورواه البخاري في تاريخه : 1 / 174 ، والحاكم في المستدرك : 3 / 140 ، والخطيب البغدادي في تاريخه : 11 / 216 ، وفضل ابن شاذان في الإيضاح : 452 ، والعلامة المجلسي في البحار : 28 / 65 و 76 .
‹ هامش ص 428 ›
( 1 ) رواه الخوارزمي في المناقب : 26 ، ومجمع الزوائد : 9 / 118 ، وذخائر العيبي : 9 ، والحاكم في المستدرك : 3 / 139 ، وتاريخ بغداد : 12 / 398 ، والعلامة الكركي في النفحات : 85 ، البحار : 28 / 75