06-18-2012, 09:49 PM
|
#2
|
موالي فعال
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 769
|
تاريخ التسجيل : Jun 2012
|
أخر زيارة : 07-31-2012 (08:09 PM)
|
المشاركات :
191 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الدليل الثالث عشر:
إن علماء الشيعة الإمامية ناظروا خصومهم في الإمامة وغيرها من المسائل الخلافية، فكانت الحجّة معهم والغلَبة لهم على غيرهم، فألَّفوا في ذلك المصنفات الكثيرة المشتملة على أمثال هذه المناظرات، ككتاب (الاحتجاج) لأحمد بن علي الطبرسي، وكتاب (الفصول المختارة) للسيد المرتضى، وكتاب (المراجعات) للسيد شرف الدين، وكتاب (الغدير) للشيخ عبد الحسين الأميني وغيرها من الكتب التي لو تأملها المتأمّل لحصل له القطع بمذهب الشيعة الأمامية دون غيره من المذاهب.
وعلماء الشيعة كانوا وما يزالون يَدْعُون أرباب المذاهب للمناظرة في المذهب، بل إن عوام الشيعة كثيراً ما يُقدِمون على مناظرة علماء الطوائف الأخرى فضلاً عن العوام منهم، ثقة منهم بأن ما عندهم هو الحق، وما عليه غيرهم هو الباطل، والباطل لا يزهق الحق (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق)[سورة الأنبياء: الآية 18]، وهذا أمر بيِّن يعرفه كل من عرف الشيعة وخالطهم واطّلع على أحوالهم.
الدليل الرابع عشر:
اعتراف بعض علماء أهل السنة بصحّة مذهب الشيعة الإمامية وجواز التعبّد به دون العكس، منهم:
1 ـ الشيخ سليم البشري، شيخ الجامع الأزهر(39): قال فيما كتبه إلى السيد عبد الحسين شرف الدين أعلى الله مقامه: أشهدُ أنكم في الفروع والأصول على ما كان عليه الأئمة من آل الرسول، وقد أوضحت هذا الأمر فجعلتَه جلِيّاً، وأظهرت من مكنونه ما كان خفيّاً، فالشك فيه خبال، والتشكيك فيه تضليل... وكنتُ قبل أن أتَّصل بسببك على لبس فيكم، لما كنت أسمعه من إرجاف المرجفين، وإجحاف المجحفين(40).
2 ـ الشيخ محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر(41):
أفتى فتواه المشهورة بجواز التعبّد بمذهب الشيعة الإمامية، ومما ورد فيها:
إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلَّصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معيَّنة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرّرونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات(42).
وقال في مقال له نُشر في كتاب (دعوة التقريب من خلال رسالة الإسلام):
ولقد تهيَّأ لي بهذه الأوجه من النشاط العلمي أن أُطل على العالم الإسلامي من نافذة مشرفة عالية، وأن أعرف كثيراً من الحقائق التي كانت تحول بين المسلمين واجتماع الكلمة وائتلاف القلوب على أخوة الإسلام، وأن أتعرف إلى كثير من ذوي الفكر والعلم في العالم الإسلامي، ثم تهيَّأ لي بعد ذلك وقد عُهد إلي بمنصب مشيخة الأزهر أن أصدرت فتواي في جواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة الأصول المعروفة المصادر، المتَّبعة لسبيل المؤمنين، ومنها مذهب الشيعة الإمامية (الاثنا عشرية)، وهي تلك الفتوى المسجلة بتوقيعنا في دار التقريب، التي وُزِّعت صورتها الزنكغرافية بمعرفتنا، والتي كان لها ذلك الصدى البعيد في مختلف بلاد الأمة الإسلامية، وقرَّت بها عيون المؤمنين المخلصين الذي لا هدف لهم إلا الحق والألفة ومصلحة الأمة، وظلَّت تتوارد عليَّ الأسئلة والمشاورات والمجادلات في شأنها وأنا مؤمن بصحَّتها، ثابت على فكرتها، أؤيّدها في الحين بعد الحين، فيما أبعث به من رسائل للمستوضحين، أو أرد به على شُبَه المعترضين، وفيما أنشئ من مقال ينشر، أو حديث يُذاع، أو بيان أدعو به إلى الوحدة والتماسك والالتفاف حول أصول الإسلام، ونسيان الضغائن والأحقاد، حتى أصبحت والحمد الله حقيقة مقرَّرة، تجري بين المسلمين مجرى القضايا المسلَّمة، بعد أن كان المرجفون في مختلف عهود الضعف الفكري والخلاف الطائفي والنزاع السياسي يثيرون في موضوعها الشكوك والأوهام بالباطل(43).
((شبُهات وردود))
الشبهة الأولى:
قد يقال: إن أحاديث افتراق الأمة تدل على أن الفرقة المحقة هي الطائفة التي تتَّبع الصحابة، لأنه (صلى الله عليه وآله) قال: ما أنا عليه وأصحابي. وتدل على أن الناجين هم الجماعة، والمراد بهم أهل السنة.
والجواب:
أن الحديث لم ينص على أن الحق هو ما عليه الصحابة فقط، بل قال: (ما أنا عليه وأصحابي)، فما كان النبي (صلى الله عليه وآله) عليه وأصحابه هو الحق بلا شبهة، إلا أن الصحابة لمَّا وقع بينهم الاختلاف بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، فلا يصح اتباع بعضهم بمقتضى هذا الحديث دون بعض، لعدم الدليل على هذا الاتباع، ولا مناص حينئذ من البحث عن دليل آخر ينفع في هذه الحال.
وحديث الثقلين الذي تقدم الكلام فيه، هو الدليل الآخر الذي لا مناص من الأخذ به، وهو يرشد إلى التمسك بالعترة النبوية الطاهرة دون غيرهم.
على أنَّا لو سلَّمنا بلزوم اتّباع الصحابة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فبما أن الصحابة اختلفوا فيما بينهم كما مرَّ مفصلاً في الفصل الثالث، ولا يصح التكليف باتباع الكل، فلا مناص من اتّباع البعض منهم، والشيعة اتّبعوا مَن نص النبي (صلى الله عليه وآله) على أن الحق معه، وهو مع الحق، وأن الحق يدور معه حيثما دار، وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)، فرجعنا بالنتيجة إلى اتباع العترة أيضاً.
وأما الجماعة المذكورة في أحاديث اختلاف الأمة فليس المراد بهم من يُعرفون الآن بأهل السنة والجماعة بجميع مذاهبهم، وإنما المراد بهم جماعة الحق وإن قلّوا.
قال الترمذي: وتفسير الجماعة عند أهل العلم: هم أهل الفقه والعلم والحديث.
قال الألباني: وهذا المعنى مأخوذ من قول ابن مسعود رضي الله عنه: الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (ج 13 ص 322 ح 2) بسند صحيح عنه(44).
وأهل الحق هم العترة النبوية الطاهرة التي أمر النبي (صلى الله عليه وآله) باتّباعها والتمسك بها، دون غيرها من فئات هذه الأمة.
الشبهة الثانية:
أن كل الأدلة التي ذكرتها دالة على أن مذهب أهل البيت هو المذهب الحق، ونحن لا ننكر ذلك، ولكن ننكر أنكم تتَّبعون أهل البيت (عليهم السلام).
قال ابن تيمية: لا نسلِّم أن الإمامية أخذوا مذهبهم من أهل البيت، لا الاثنا عشرية ولا غيرهم، بل هم مخالفون لعلي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت في جميع أصولهم التي فارقوا فيها أهل السنّة والجماعة: توحيدهم وعدلهم وإمامتهم(45).
قال الذهبي: لا نسلّم أنكم أخذتم مذهبكم عن أهل البيت، فإنكم تخالفون عليّاً وأئمة أهل البيت في الأصول والفروع(46).
والجواب:
أن اتّباع الشيعة الإمامية لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) وتمسّكهم بهم، وسيرهم على منهاجهم، أشهر من أن يُذكَر، وأظهر من أن يُنكَر، وما إنكاره إلا إنكار بديهة واضحة لا تخفى على ابن تيمية والذهبي وغيرهما.
ومن الواضح أن أهل السنة لم يذكروا في كتبهم أقوال أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الأصول والفروع، ولم ينقلوها من طريقهم، فكيف علم ابن تيمية والذهبي أن ما عليه الشيعة الإمامية مخالف لما عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام)؟
ولماذا لم يذكرا موارد المخالفة بين الشيعة وبين أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الأصول والفروع، ليكون كلامهما مستنداً إلى حجّة صحيحة؟
ثم إن المنقول من أقوال أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في كتبهم وهو قليل جداً موافق لما عليه الشيعة الإمامية، كما سيأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى.
الشبهة الثالثة:
أن أهل السنّة جازمون بأن الشيعة الإمامية لا يتّبعون أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في أصول الدين وفروعه، وذلك لأن ما عليه الشيعة مخالف لما رواه الثقات عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فالقول بصدق الشيعة في النقل عن أئمة أهل البيت يستلزم الطعن في أهل البيت بمخالفة النبي (صلى الله عليه وآله)، فلا مناص حينئذ تكذيب الشيعة فيما زعموا، وبذلك لا يكونوا أتباعاً لأهل البيت.
فالجواب:
أن مخالفة ما نقله الشيعة الإمامية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لما رواه غيرهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يستلزم ما ذكروه، وذلك لأن رواية الثقات عند أهل السنّة كمعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وبسر بن أرطأة وأمثالهم لا يستلزم بالضرورة صدوره عن النبي (صلى الله عليه وآله) حتى يكون ما خالفه باطلاً.
ومن الواضح أن الصادر من النبي (صلى الله عليه وآله) شيء واحد، واختلاف الرواية عنه يدل على كذب إحدى الروايتين، والشيعة أخذوا بما رواه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وتمسَّك أهل السنّة بما رواه غيرهم من النواصب والخوارج والمرجئة والقدرية(47)، فأي الفريقين أولى بالنجاة يا أولي الألباب؟
هذا مضافاً إلى أن أئمة أهل السنّة اختلفوا فيما بينهم وتفرَّقوا إلى مذاهب في الأصول الاعتقادية والفروع الفقهية كما مرَّ، وتنازعوا في أكثر المسائل كما هو واضح لكل مَن تتبَّع أقوالهم وفتاواهم ونظر في كتبهم، فأي المذاهب منها هو الصحيح الذي يتَّفق مع ما عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
ومن ذلك يتضح بطلان زعم ابن تيمية أن أئمة أهل البيت متفقون مع أهل السنّة والجماعة في الأصول والفروع.
((الشيعة الإمامية هم أتباع أهل البيت عليهم السلام))
لقد قلنا فيما تقدم: إن متابعة الشيعة لأهل البيت (عليهم السلام) هي أوضح من أن تُنكَر، وأشهر من أن تُذكَر، إلا أنَّا لما ابتُلينا بقوم ينكرون البديهيات، ويجادلون في الواضحات، رأينا أن نذكر بعضاً من الأدلة الدالة على متابعة الشيعة الإمامية لأهل البيت وتمسّكهم بهم، دفعاً لتشويش المشوِّشين، ودحضاً لشغب المشاغبين. ويمكن بيان ذلك بعدة أدلة:
الدليل الأول:
أن الشيعة الإمامية حصروا الإمامة في أهل البيت (عليهم السلام)، ونفوها عن غيرهم، واعتقدوا أن ما قال أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هو الحق، وما لم يقولوه هو الباطل.
ولهذا حرص الشيعة على تدوين علومهم، وكتابة أحاديثهم في أصول الدين وفروعه حتى جمعوا الشيء الكثير.
فإذا كان الداعي لمتابعتهم والتمسّك بهم ـ وهو اعتقاد إمامتهم دون غيرهم ـ موجود، والمانع من متابعتهم مفقود، فلا بد من حصول المتابعة لهم والتمسّك بهم.
الدليل الثاني:
اعتراف جمع من علماء أهل السنّة بمتابعة الشيعة لأهل البيت (عليهم السلام) ومشايعتهم لهم:
1ـ قال الشهرستاني: الشيعة هم الذين شايعوا عليّاً رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيّة، إما جليّاً وإما خفيّاً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده(48).
وقال في ترجمة الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): وهو ذو علم غزير في الدين، وأدَب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات... وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم(49).
2ـ قال ابن منظور في لسان العرب، والفيروزأبادي في القاموس المحيط، والزبيدي في تاج العروس: وقد غلَب هذا الاسم (أي الشيعة) على مَن يتوالى عليّاً وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين، حتى صار لهم اسماً خاصاً، فإذا قيل: (فلان من الشيعة) عُرف أنه منهم(50).
3ـ وقال الزهري: والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ويوالونهم(51).
4ـ وقال ابن خلدون: اعلم أن الشيعة لغةً: الصَّحْب والأتْبَاع، ويُطلَق في عُرْف الفقهاء والمتكلِّمين من الخلَف والسلف على أَتْبَاع علي وبنيه رضي الله عنهم(52).
الدليل الثالث:
أن الشيعة دأبوا على تدوين معارف أهل البيت (عليهم السلام) وعلومهم، ورواية أحاديثهم، والأخذ بأقوالهم، والتسليم لهم، ونشر فضائلهم، وكتابة سِيَرهم، والحزن على مصائبهم وما جرى عليهم، وإقامة مآتمهم، والفرَح بمواليدهم وأعيادهم، ومحبَّة أوليائهم، والبراءة من أعدائهم، حتى حكموا بضعف كل مَن انحرف عنهم، وبنجاسة كل مَن نصَب العداء لهم.
وهذا كله كاشف عن موالاة الشيعة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) ومتابعتهم لهم، ولو أنكرنا الموالاة والاتباع مع كل ذلك لحَقَّ لنا إنكار متابعة كل فرقة لِمَن تنتسب إليه، ولأمكننا بالأولوية أن ننكِر متابعة أهل السنة لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي الحسن الأشعري وغيرهم، لأن أهل السنّة لا يصنعون مع أئمتهم جُل تلك الأمور التي ذكرناها عن الشيعة، وهو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.
الدليل الرابع:
أنَّا لو أنكرنا متابعة الشيعة الإمامية لأهل البيت (عليهم السلام) للزم تخطئة كل الأمَّة، والحكم على جميع الطوائف بالوقوع في الضلال، ولَمَا كانت فرقة منها على الحق، أن العاصم عن الوقوع في الضلال هو التمسّك بالكتاب والعترة دون غيرهما، فإذا كان الشيعة الإمامية وغيرهم قد أعرضوا عن أهل البيت (عليهم السلام) ولم يتمسّكوا بهم، فلا مناص من الحكم عليهم كلهم بالضلال، وهذا باطل بالاتفاق.
الدليل الخامس:
أن ما نقلوه من الفتاوى وغيرها عن بعض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عامة وأمير المؤمنين (عليه السلام) خاصة موافق لما عليه الشيعة الإمامية، مما يدل على أن الإمامية عنهم (عليهم السلام) يأخذون، ولهم متّبعون، ونحن نكتفي بذِكر عدة موارد تدل على أن ما عليه الإمامية هو بعينه ما نقله أهل السنة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام):
1ـ اختلف أئمة المذاهب في الجهر في الصلاة بالبسملة، ونقل علماؤهم أن علياً (عليه السلام) كان يجهر بها مطلقاً: في الجهرية والإخفاتية(53).
وهذا هو قول الإمامية، والأئمة الأربعة كلهم على خلافه.
2ـ واتفقوا على أنه لا يجوز قول: (حي على خير العمل) في الأذان، ورووا عن علي بن الحسين (عليه السلام) أنه كان يقول هذه الفقرة في أذانه(54)، وعلى هذا علماء الإمامية.
3ـ واختلفوا في جواز رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق، ونقلوا جوازه عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)(55)، وبه أفتى علماء الإمامية، خلافاً للأئمة الأربعة.
4ـ واختلفوا في أن المسافر هل تجب عليه صلاة الجمعة والعيدين، ونقلوا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع، فلا تجب إلا على الحاضر دون المسافر(56)، وبه قال الإمامية، واختلف في ذلك الأئمة الأربعة.
5ـ واختلفوا في المشي مع الجنائز، هل الأفضل أمام الجنازة كما يفعله أبو بكر وعمر وذهب إليه الشافعي ومالك، أو أن الأفضل المشي خلفها كما هو مروي عن الإمام علي (عليه السلام)(57)، والإمامية على الثاني تبعاً لأمير المؤمنين (عليه السلام).
6ـ واختلفوا في طلاق المُكرَه، ونقلوا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عدم وقوعه(58)، وعلى ذلك فقهاء الإمامية، خلافاً لأبي حنيفة، والشافعي على تفصيل عنده.
7ـ واختلفوا في عدّة الحامل المتوفَّى عنها زوجها، فذهب الجمهور وفقهاء الأمصار إلى أن عدتها تنتهي بوضع الحمل، ورووا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنها تعتد بأبعد الأجلين(59)، وعليه فقهاء الإمامية.
8ـ واختلفوا في مال المرتد إذا قُتل أو مات، فقال جمهور فقهاء الحجاز: هو للمسلمين، ولا يرثه قرابته، وبه قال مالك والشافعي، ونقلوا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه يرثه ورثته من المسلمين(60). وهو قول الإمامية.
9ـ واختلفوا في المرأة إذا قَتَلت رجلاً، فقُتلتْ به، فالجمهور لم يوجبوا على أولياء المرأة شيئاً، ونقلوا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن عليهم أن يدفعوا نصف الدية لولي المقتول(61)، وبه قال الإمامية.
((نتيجة البحث))
والنتيجة أن الأدلة الصحيحة الثابتة كلها ترشد إلى مذهب الشيعة الإمامية، وأما باقي المذاهب بما فيها مذاهب أهل السنة، فلم يقم على صحَّتها دليل صحيح معتبر، وكل ما ذكروه لا يعدو كونه مجرد دعاوى لا تستند إلى برهان صحيح، ولا تنهض بها حجّة تامَّة.
(ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين * ليُحِق الحق ويُبْطِل الباطل ولو كره المجرمون)[سورة الأنفال: الآية 7 و 8].
((الخاتمة))
هذا تمام ما أردنا بيانه في هذه المقالة، وألتمِسُ ممن ينظر في كتابي هذا أن يتأمّله تأمّل منصف طالب للحق راغب فيه، وأن يتجرَّد عن تقديس الآراء الممقوتة والمعتقدات الموروثة، وعبادة الأحبار والرهبان والسادة والكبراء، وأن يعلم أن الحق أحق أن يُتَّبَع، وأن كل امرئ مسؤول عن نجاة نفسه وأهله.
(قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[سورة الزمر: الآية 15].
وهذا هو واجب النصيحة لكل مسلم يؤمن بالله ورسوله ويؤمن بيوم الحساب، وهو مقتضى الأمانة في العلم، التي ينبغي أداؤها لمن لا يعلم بها.
ثم ليعلم كل من اطّلع على كتابي هذا أنني ما أردت بشيء مما كتبته أن أُعيب طائفة معيَّنة، أو أن أذم رجلاً من الناس، أو أن أكشف عورة مستورة، وإنما كانت الغاية بيان الحق الذي أمرنا الله تعالى ببيانه، والجهر بالصدق الذي أمرنا الله بالجهر به (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)[سورة الأنفال: الآية 42]، وما بدر في ثنايا الكتاب مما لا يرتضيه بعضهم فهو مما اقتضاه البحث وقاد إليه الدليل.
ونحن بحمد الله ما افترينا على قوم فرية، ولا اتّهمنا فئة بتهمة، ولم نتَّخذ الظن دليلاً، ولا الأهواء سبيلاً، وكل ما ورد في الكتاب نقلناه من كتب أهل السنة المعروفة المطبوعة المتداولة، وأثبتنا أسماء الكتب والمصادر بالمجلدات والصفحات، ليعلم مَن كان في قلبه شك أنَّا سلكنا سبيل الأمانة والتثبّت في النقل، فإنها تشهد بصحة كل ما قلناه.
وفي الختام أسأل الله جلَّت قدرته أن يرشد به المسترشدين، وأن يُدِلّ به الحائرين، وينفع به المسلمين، وأن يجعله في صحيفة الأعمال، وينفعني به يوم الفقر والفاقة، إنه على ما يشاء قدير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
====
الهوامش ومصادر البحث:
1- سنن الترمذي ج 5 ص 25 ح 2640 قال الترمذي: حديث حسن صحيح. سنن أبي داود ج 4 ص 197 ح 4596. صحيح سنن أبي داود ج 3 ص 869 ح 3842. سنن ابن ماجة ج 2 ص 1321 ح 3991. صحيح سنن ابن ماجة ج 2 ص 364 ح 3225. سنن الدارمي ج 2 ص 690 ح 2423. مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 332، ج 3 ص 120. المستدرك ج 1 ص 6، ص 128. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ج 8 ص 258 ح 6696. كتاب السنة ج 1 ص 33 ح 66. السنن الكبرى ج 10 ص 208. الجامع الصغير ج 1 ص 184 ح 1223. صحيح الجامع الصغير ج 1 ص 245 ح 1082، ح 1083. سلسلة الأحاديث الصحيحة ج 1 ص 356 ح 203.
2- سنن الترمذي ج 5 ص 26 ح 2641. شرح السنة ج 1 ص 213. مشكاة المصابيح ج 1 ص 61 ح 171. المستدرك ج 1 ص 128.
3- سنن أبي داود ج 4 ص 198 ح 4597. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ج 3 ص 3843، سنن ابن ماجة ج 2 ص 1322 ح 3992، 3993 صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ج 2 ص 364 ح 3226، ح 3227. مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 145، مجمع الزوائد ج 7 ص 258. كتاب السنة ج 1 ص 33 ح 65. مشكاة المصابيح ج 1 ص 61 ح 172. الدر المنثور ج 2 ص 286. المطالب العالية ج 3 ص 87 ح 2956. الجامع الصغير ج 1 ص 516 ح 2641. سلسلة الأحاديث الصحيحة ج 1 ص 358 ح 204، ج 3 ص 480 ح 1492.
4- المواقف ص429 ص 430.
5- قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية ج 1 ص 73: أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي. ثم قال في ص76: قال بعض العلماء: هم يعني الفرقة الناجية أهل الحديث: يعني الأثرية، والأشعرية والماتريدية. وعقب بما حاصلة: أن قول النبي (صلى الله عليه وآله): (إلا فرقة واحدة) ينافي التعدد، فالفرقة الناجية هم الأثرية فقط أتباع أحمد بن حنبل، دون الأشعرية والماتريدية.
6- المصدر السابق ص414.
7- المواقف ص428.
8- فيض القدير ج 2 ص 20.
9- يعني بهدي الصحب والتابعين.
10- الدر المنثور ج 8 ص 589. فتح القدير ج 5 ص 477 في تفسير الآية 7 من سورة البينة.
11- المصدران السابقان عن ابن عدي.
12- المصدر السابق عن ابن مردويه.
13- تفسير الطبري ج 30 ص 171.
14- مجمع الزوائد ج 9 ص 131. المعجم الكبير للطبراني ج 1 ص 319 ح 948. الصواعق المحرقة ج 2 ص 449.
15- مجمع الزوائد ج 9 ص 131. المعجم الكبير للطبراني ج 1 ص 319 ح 950.
16- تاريخ بغداد ج 12 ص 289 ص 358. حلية الأولياء ج 4 ص 329. فضائل الصحابة ج 2 ص 655 ح 1115.
17- مجمع الزوائد ج 9 ص 131. فضائل الصحابة ج 2 ص 624 ح 1068.
18- لا يسعنا أن نذكر الطعون والمثالب التي ذكرها القوم في أئمتهم، وهي كثيرة ومبثوثة في مطاوي الكتب، ومن أراد الاطلاع على شي منها فليراجع كتاب (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة) للعلامة الحلي، وكتاب (الغدير) للأميني ج 6، وكتاب (الاستغاثة) لعلي بن أحمد الكوفي، وكتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وكتاب (الشافي في الإمامة) ج 4 ص 57 ص 293: لسيد المرتضى، وكتاب (النص والاجتهاد) للسيد شرف الدين، وكتاب ما روته العامة من مناقب أهل البيت (عليهم السلام) ص 307 ص 474.
19- الطبقات الكبرى ج 3 ص 198.
20- كتاب المحتضرين ص 56.
21- الطبقات الكبرى ج 3 ص 353. كتاب المحتضرين ص 56.
22- المستدرك ج 3 ص 92. تاريخ الإسلام: عهد الخلفاء الراشدين ص 278. مجمع الزوائد ج 9 ص 75 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن ج 9 ص 77 وقال: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح. تاريخ الخلفاء ص 106.
23- الطبقات الكبرى ج 3 ص 360 ص 361.
24- راجع الطبقات الكبرى ج 3 ص 351 ص 361 تاريخ الإسلام: عهد الخلفاء الراشدين ص278 ص 282. كتاب المحتضرين ص 55 ص 56.
25- كتاب المحتضرين ص60 ص 61. إحياء علوم الدين ج 4 ص 479.
26- سير أعلام النبلاء ج 2 ص 364. تاريخ الإسلام: عهد الخلفاء الراشدين ص494. جامع البيان (تفسير الطبري) ج 11 ص 9. البداية والنهاية ج 5 ص 18 كنز العمال ج 13 ص 344.
27- إحياء علوم الدين ج 1 ص 124.
28- مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 290 ص 298 ص 307 ص 312 ص 317. مجمع الزوائد ج 1 ص 112. ج 9 ص 72 قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. المعجم الكبير للطبراني ج 23 ص 317 ص 318 ح 719 ص 721.
29- راجع كتاب الشريعة للآجري ص148 باب فيمن كره من العلماء لمن سأل غيره فيقول له: أنت مؤمن؟ هذا عندهم مبتدع رجل سوء. وكتاب الإبانة عن شريعة الفرق الناجية ج 2 ص 862 ص 883.
30- الإبانة عن شريعة الفرق الناجية ج 2 ص 869 ح 1180.
31- المصدر السابق ج 2 ص 864.
32- المصدر السابق ج 2 ص 871.
33- المصدر السابق ج 2 ص 865 ص 866.
34- من ذلك إنكار ابن حزم حديث الغدير قال في الفصل في الملل والأهواء والنحل ج 4 ص 147: وأما (من كنت مولاه فعلي مولاه) فلا يصح من طريق الثقات أصلاً.
ومنه تضعيف ابن تيمية في منهاج السنة ج 4 ص 104 لحديث (ما تريدون من علي؟ علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي).
35- من ذلك ما ذكره ابن تيمية في كتابه منهاج السنة ج 4 ص 111، فإنه سطّر الأكاذيب القبيحة على الشيعة، منها: أن الشيعة ينتفون النعجة كأن لهم عليها ثاراً، كأنهم ينتفون عائشة، ويشقون جوف الكبش كأنهم يشقون جوف عمر، وأنهم يكرهون لفظ العشرة لبغضهم الرجال العشرة، فإذا أرادوا أن يقولوا: عشرة، قالوا: تسعة وواحد. إلى غير ذلك مما ملأ به كتابه هذا وغيره من كتبه.
36- سمعنا من كثير من أهل السنة يعيبون الشيعة بأن لهم أذناباً كما للبهائم. فلا أدري كيف يصدقون هذه الافتراءات والأكاذيب مع أنهم يرون جميع أهل الملل الكافرة لا أذناب لهم، فهل خص الله الشيعة بالأذناب دون سائر الناس؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
37- ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج 13 ص 431 أن الشافعي قال: ناظر أبو حنيفة رجلا فكان يرفع صوته في مناظراته إياه. فوقف عليه رجل، فقال الرجل لأبي حنيفة: أخطأت. فقال أبو حنيفة للرجل: تعرف المسألة ما هي؟ قال: لا. قال: فكيف تعرف أني أخطأت؟ قال: أعرفك إذا كان لك الحجة ترفق بصاحبك، وإذا كانت عليك تشغب وتجلب.
38- وذلك لأن أول الأئمة عند الإمامية هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم ابنه الإمام الحسن عليه السلام، ثم الإمام الحسين عليه السلام، ثم ابنه الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، ثم ابنه الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام، ثم ابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، المعاصر له أول ائمة المذاهب الأربعة وهو أبوحنيفة.
39- الشيخ سليم بن أبي فراج البشري (1284 ـ 1335هـ) شيخ الجامع الأزهر، من فقهاء المالكية، ولد في محلة بشر بمصر، وتعلَّم وعلَّم بالأزهر، تولّى نقابة المالكية، ثم مشيخة الأزهر مرتين، وتوفي بالقاهرة، له كتاب (المقامات السنية في الرد على القادح في البعثة النبوية) مخطوط. (عن الأعلام ج 3 ص 119 بتصرف).
40- المراجعات ص295.
41- الشيخ محمود شلتوت (1310 ـ 1383هـ) فقيه مفسر مصري، ولد في البحيرة بمصر، وتخرج من الأزهر سنة 1918م، وتنقل في التدريس إلى أن نقل للقسم العالي بالقاهرة سنة 1927م، وكان داعية إصلاح نير الفكرة، يقول بفتح باب الاجتهاد، وسعى إلى إصلاح الأزهر، فعارضه بعض كبار الشيوخ وطُرد هو ومناصروه، فعمل في المحاماة، وأعيد إلى الأزهر، فعين وكيلا لكلية الشريعة، ثم كان من أعضاء كبار العلماء، ومن أعضاء مجمع اللغة العربية، ثم شيخاً للأزهر سنة 1958م إلى وفاته، وكان خطيباً موهوباً جهير الصوت، له 26 مؤلفاً مطبوعاً (عن الأعلام ج 7 ص 173 بتصرف ).
42- صورة هذه الفتوى أدرجناها في كتابنا (دليل المتحيرين)، ص388، فراجعه.
43- دعوة التقريب من خلال رسالة الإسلام ص 10.
44- حاشية مشكاة المصابيح ج 1 ص 61.
45- منهاح السنة النبوية ج 2 ص 116.
46- المنتقى من منهاج الاعتدال ص 167.
47- راجع مقدمة فتح الباري ص459 ص 465، لترى من طعن فيه بسبب معتقده من رجال صحيح البخاري.
48- الملل والنحل ج 1 ص 146.
49- المصدر السابق ج 1 ص 166.
50- لسان العرب ج 8 ص 189. القاموس المحيط ج 3 ص 49. تاج العروس ج 21 ص 303.
51- لسان العرب ج 8 ص 189. تاج العروس ج 21 ص 303.
52- مقدمة ابن خلدون، ص196.
53- المستدرك ج 1 ص 234. قال الفخر الرازي في التفسير الكبير ج 1 ص 205: أما أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يجهر بالبسملة فقد ثبت بالتواتر. وراجع أقوالهم في بداية المجتهد ج 1 ص 179.
54- السنن الكبرى ج 1 ص 425.
55- بداية المجتهد ج 2 ص 149.
56- راجع بداية المجتهد ج 1 ص 299.
57- راجع بداية المجتهد ج 1 ص 299.
58- راجع بداية المجتهد ج 3 ص 122.
59- راجع بداية المجتهد ج 3 ص 137.
60- راجع بداية المجتهد ج 4 ص 170.
61- راجع بداية المجتهد ج 4 ص 228.
ونسألكم الدعاء...~
|
|
|