الأمر الثالث: تصاريح عامة من السنّة النبويّة تؤكّد فَضْل الإمام عليٍّ عليه السّلام على الصحابة
ليس غرضنا استعراض كامل الروايات الصادرة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله في حقّ الإمام عليّ عليه السّلام، أو التي يُكتشف منها عمق العلاقة بينهما وخصوصيتها، أو أن عليّاً عليه السّلام ذلك النموذجُ الإلهيّ المختار لحمل الأمانة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، بل غرضنا انتخاب بعض النماذج الروائيّة التي أظهر أو أفرز فيها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله أفضليّةَ الإمام عليّ عليه السّلام على الصحابة، لا لشيء وإنما سعياً منه صلّى الله عليه وآله لتبليغ الأُمّة بما يُريده الله سبحانه، فمِن تلك الروايات:
1 ـ عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله جمع قريشاً ثمّ قال: « لا يؤدّي أحدٌ عنّي دَيني إلاّ عليّ » (93).
2 ـ عن عبدالله قال:
وطرَقَ الإمامُ عليّ عليه السّلام البابَ على رسول الله صلّى الله عليه وآله في بيت أُمّ سَلَمة، حيث أمرها صلّى الله عليه وآله في فتح الباب له معلّقاً بأنّ الطارق رجلٌ يحبّ اللهَ ورسولَه، ولمّا دخل، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « يا أُمّ سلمة، أتعرفونه ؟ » قالت: نعم يا رسول الله، هذا عليُّ بن أبي طالب، قال: « صدقتِ، سيّدٌ أُحبّه، لحمُه مِن لحمي، ودمُه من دمي، وهو عَيبةُ بيتي، اِسمعي وآشْهَدي، وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين مِن بَعدي، فآسمعي واشهدي، وهو قاضي عِداتي، فاسمعي واشهدي، وهوَ واللهِ يُحيي سُنّتي فاسمعي واشهدي، لو أن عبداً عَبَدَ اللهَ ألفَ عام، بعد ألف عام، وألفَ عام بين الركن والمَقام، ثمّ لقيَ اللهَ مُبغضاً لعليّ بن أبي طالب وعترتي، أكبَّه اللهُ على مَنخَرَيه يومَ القيامة في نارِ جهنّم » (94).
3 ـ ما روي عن الإمام عليٍّ عليه السّلام أنّه قال: « جاء النبيَّ أُناسٌ من قريش، فقالوا: يا محمّد إنّا جيرانك وحلفاؤك، وإن مِن عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه، إنما فرّوا من ضياعنا وأموالنا فآردُدْهم إلينا، فقال لأبي بكر: ما تقول ؟ قال: صدقوا، إنهم لَجيرانُك وحلفاؤك. فتغير وجه النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال لعمر: ما تقول ؟ قال: صدقوا، إنهم لَجيرانك وحلفاؤك. فتغير وجه النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثم قال: « يا معشرَ قريش! واللهِ لَيَبعثَنّ اللهُ عليكم رجلاً منكمُ آمتحنَ اللهُ قلبَه للإيمان، فيضربكم على الدين أو يضرب بعضكم ». قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال: لا. قال عمر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال: لا، ولكن الذي يخصف النعل. وقد كان أعطى عليّاً نعلاً يخصفها » (95).
4 ـ روى الزمخشري بإسناده فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « فاطمة مهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبَعلُها نور بصري، والأئمّة مِن وُلْدها أُمناء ربّي، وحبلٌ ممدود بينه وبين خلقه، مَن اعتصم بهم نجا، ومن تخلّفَ عنهم هوى » (96).
وبهذا يصبحون عليهم السّلام أفضلَ مَن يُعتصَم بهم، لأنّهم يقودونه نحو الهداية، وبطريق أولى يكونون عليهم السّلام أفضلَ من الذي يخالفهم من الصحابة، لأنّ الله ورسوله مع الذي يَعتصِم بهم لا مع الذي يتخلف عنهم، ومن المعلوم أن كثيراً من الصحابة لم يتخلّف عنهم فحسب وإنّما قد شن الحربَ عليهم، والإمام عليّ عليه السّلام قد وضح موقفه من بعض الصحابة كما في الخطبة المعروفة بالشِّقْشِقية، وموقفُ الزهراء عليها السّلام واضح أيضاً من خلال خطبتها في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد وفاة أبيها، حيث عكست صورة عن مدى مخالفة بعض الصحابة للإمام عليّ عليه السّلام.
5 ـ روي عن أبي سعيد الخُدْريّ أنّه قال: كنّا جلوساً ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وآله، فخرج علينا مِن بعض بيوت نسائه، قال: فقُمنا معه، فانقطعت نعله فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله صلّى الله عليه وآله ومضينا معه، ثمّ قام ينتظره وقمنا معه فقال: « إنّ منكم مَن يقاتل على تأويل هذا القرآن، كما قاتلت على تنزيله » فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال صلّى الله عليه وآله: « لا، ولكنّه خاصف النعل ». قال: فجئنا نبشّره ( قال في أحدهما ) وكأنّه قد سمعه. وقال في الآخر فلم يرفع به رأساً كأنّه قد سمعه (97).
وبهذا النمط من الروايات يكتسب الإمام عليٌّ عليه السّلام الأفضليّةَ على الصحابة؛ لأنّه المتصدّي لإثبات الحقّ في مرحلة ما بعد الرسول صلّى الله عليه وآله، وعلى الصحابة أن يلتحقوا به.
6 ـ جاء عن النبيّ من عدة طرق: « إنّ عليّاً منّي وأنا من عليّ، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي، لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ » (98).
7 ـ يكشف موقفُ رسول الله صلّى الله عليه وآله من عمر وأبي بكر في مسألة تزويج فاطمة، عن مدى عناية الرسول صلّى الله عليه وآله الخاصّة بالإمام عليّ عليه السّلام دونَهما.
عن عبدالله بن يزيد عن أبيه، قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّها صغيرة. فخطبها عليٌّ عليه السّلام فزوّجها منه (99).
8 ـ قضية سدّ الأبواب باستثناء باب الإمام عليّ عليه السّلام:
في مسند أحمد عن عدّة طرق: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب عليّ فتكلّم الناس، فخطب رسول الله صلّى الله عليه وآله، فحَمِد اللهَ وأثنى عليه، ثمّ قال: « أمّا بعد، فإنّي أُمِرتُ بسدّ هذه الأبواب غيرَ بابِ عليّ، فقال فيه قائلكم! واللهِ ما سددتُ شيئاً ولا فتَحْتُه، وإنَّما أُمِرتُ بشيء فاتّبعْتَه » (100).
|