06-15-2010, 10:58 AM
|
#6
|
مشرف عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 25
|
تاريخ التسجيل : Jun 2010
|
أخر زيارة : 11-28-2010 (10:18 PM)
|
المشاركات :
256 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
ومثل ذلك مثل رجل ملك عبداً ابتاعه ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عند أمره ونهيه، وادّعى مالك العبد أنّه قاهر عزيز حكيم، فأمر عبده ونهاه ووعده على اتّباع أمره عظيم الثّواب، وأوعده على معصيته أليم العقاب؛ فخالف العبد إرادة مالكه، ولم يقف عند أمره ونهيه، فأيّ أمر أمره، أو أيّ نهي نهاه عنه، لم يأته على إرادة المولى. بل كان العبد يتّبع إرادة نفسه واتّباع أمره ونهيه إليه، ورضي منه بكلّ ما فعله، على إرادة العبد، لا على إرادته، ففوّض اختيار حوائجه وسمّى له الحاجة، فخالف على مولاه وقصد لإرادة نفسه واتّبع هواه.
فلمّا رجع إلى مولاه، نظر إلى ما أتاه به، فإذا هو على خلاف ما أمره به!. فقال له: لم أتيتني بخلاف ما أمرتك؟
فقال العبد: اتّكلت على تفويضك الأمر إليّ فاتّبعت هواي وإرادتي، لأنّ المفوّض إليه غير محظورٍ عليه.. فاستحال التفويض.
أو ليس يجب على هذا السبب إمّا أن يكون المالك للعبد قادراً يأمر عبده باتّباع أمره ونهيه على إرادته، لا على إرادة العبد، ويملّكه من الطاقة بقدر ما يأمره به وينهاه عنه، فإذا أمره بأمرٍ ونهاه عن نهيٍ عرّفه الثواب والعقاب عليهما: وحذّره ورغّبه بصفةٍ ثوابه وعقابه ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملّكه من الطاقة - من الطاعة - لأمره ونهيه وترغيبه وترهيبه، فيكون عدله وإنصافه شاملاً له، وحجته واضحةً عليه للإعذار والإنذار؛ فإذا اتّبع العبد أمر مولاه جازاه، وإذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه.. أو يكون عاجزاً غير قادرٍ، ففوّض إليه أحسن أم أساء، أطاع أم عصى، عاجزاً عن عقوبته وردّه إلى أتّباع أمره.
وفي إثبات العجز نفي القدرة والتّألّه، وإبطال الأمر والنهي والثواب والعقاب، ومخالفة الكتاب إذ يقول: (ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم)(52)، وقوله عزّ وجلّ: (اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مّسلمون)(53)، وقوله: (وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ما أريد منهم من رّزقٍ وما أريد أن يطعمون)(54)، وقوله: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً)(55)، وقوله: (أطيعوا الله ورسوله ولا تولّوا عنه وأنتم تسمعون)(56).
فمن دان بالتفويض على هذا المعنى فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده، وأمره ونهيه، وهو من أهل هذه الآية: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافلٍ عمّا تعملون)(57)، تعالى الله عمّا يدين به أهل التفويض علوّاً كبيراً.
لكن نقول: إنّ الله جلّ وعزّ خلق الخلق بقدرته، وملّكهم استطاعة تعبّدهم بها. فأمرهم ونهاهم بما أراد(58)، فقبل منهم اتّباع أمره ورضي بذلك لهم، ونهاهم عن معصيته وذمّ من عصاه وعاقبه عليها. ولله الخيرة في الأمر والنهي، يختار ما يريد ويأمر به، وينهى عمّا يكره ويعاقب عليه بالاستطاعة التي ملّكها عباده لاتّباع أمره واجتناب معاصيه، لأنّه ظاهر العدل والنّصفة والحكمة البالغة، بالغ الحجّة بالإعذار والإنذار، وإليه الصّفوة يصطفى من عباده من يشاء لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده: اصطفى محمداً (صلّى الله عليه وآله) وبعثه برسالاته إلى خلقه، فقال من قال من كفّار قومه حسداً واستكباراً: (لولا نزّل هذا القرآن على رجل مّن القريتين عظيم)(59) يعني بذلك أمية بن أبي الصلت، وأبا مسعود الثقفي، فأبطل الله اختيارهم ولم يجز لهم آراءهم حيث يقول: (أهم يقسمون رحمت ربّك نحن قسمنا بينهم مّعيشتهم في الحياة الدّنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريّاً ورحمت ربّك خير مّمّا يجمعون)(60). ولذلك اختار من الأمور ما أحبّ، ونهى عمّا كره، فمن أطاعة أثابه، ومن عصاه عاقبه. ولو فوّض اختيار أمره إلى عباده لأجاز لقريشٍ اختيار أميّة بن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمدٍ (صلّى الله عليه وآله).
فلمّا أدّب الله المؤمنين بقوله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)(61). فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم، ولم يقبل منهم إلاّ اتّباع أمره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه. فمن أطاعه رشد، ومن عصاه ضلّ وغوى ولزمته الحجّة بما ملّكه من الاستطاعة لاتّباع أمره واجتناب نهيه. فمن أجل ذلك حرمه ثوابه وأنزل به عقابه.
وهذا القول بين القولين ليس بجبرٍ ولا تفويض؛ وبذلك أخبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه عباية بن ربعيّ الأسديّ حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام):
سألت عن الاستطاعة، تملكها من دون الله أو مع الله؟
فسكت عباية؛ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): قل يا عباية.
قال: وما أقول؟!.
قال (عليه السلام): إن قلت إنّك تملكها مع الله قتلتك!. وإن قلت تملكها دون الله قتلتُك!
قال عباية: فما أقول يا أمير المؤمنين؟!.
قال (عليه السلام): تقول إنّك تملكها بالله الذي يملكها من دونك. فإن يملّكها إياّك كان ذلك من عطائه، وإن يسلبكها كان ذلك من بلائه.. هو المالك لما ملّكك، والقادر على ما عليه أقدرك. أما سمعت الناس يسألون الحول والقوّة حين يقولون: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله؟!.
قال عباية: وما تأويلها يا أمير المؤمنين؟
قال (عليه السلام): لا حول عن معاصي الله إلاّ بعصمة الله، ولا قوّة لنا على طاعة الله إلاّ بعون الله.
قال: فوثب عباية فقبّل يديه ورجليه.
وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة الله، قال: أي أمير المؤمنين بم عرفت ربّك؟
قال (عليه السلام): بالتمييز الذي خوّلني، والعقل الذي دلّني.
قال: أمجبول أنت عليه؟
قال: لو كنت مجبولاً لما كنت محموداً على إحسان، ولا مذموماً على إساءة، وكان المحسن أولى باللائمة من المسيء. فعلمت أنّ الله قائم باقٍ، وما دونه حدث حائل زائل. وليس القديم الباقي، كالحدث الزائل.
قال نجدة: أجدك أصبحت حكيماً يا أمير المؤمنين.
قال: أصبحت مخيّراً، فإن أتيت السيئة مكان الحسنة فأنا المعاقب عليها.
وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لرجلٍ بعد انصرافه من الشام، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا بخروجنا إلى الشام، بقضاءٍ وقدر؟
|
|
اللهم صلّي و سلّم وبارك على محمّد و على آل محمّد كما صليت و سلمت و باركت على ابراهيم و آل ابراهيم, إنك سميع مجيد.
اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن, صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة, و في كل ساعة وليّاً و حافظاً وقائداً و ناصراً و دليلاً و عيناً, حتى تسكنه أرضك طوعاً و تماتعه فيها طويلًا.
إن عدّ اهل التقى كانوا أئمتهم, إن قيل من خير أهل الأرض قيل هم
|