عرض مشاركة واحدة
قديم 06-15-2010, 10:45 AM   #2
محمود الحسيني
مشرف عام


الصورة الرمزية محمود الحسيني
محمود الحسيني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 25
 تاريخ التسجيل :  Jun 2010
 أخر زيارة : 11-28-2010 (10:18 PM)
 المشاركات : 256 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وقال أحمد بن إسحاق:

(كتبت إلى أبي الحسن، عليّ بن محمدٍ العكسريّ أسأله عن الرؤية - أي إمكان رؤية الله عزّ وجلّ عن ذلك - وما فيه الخلق؟

فكتب: لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئيّ هواء ينفذه البصر. فمتى انقطع الهواء، وعدم الضيّاء، لم تصحّ الرؤية. وفي جواب اتّصال الضّياءين: الرائي والمرئيّ، وجوب الاشتباه. والله تعالى منزّه عن الاشتباه، فثبت أنه لا يجوز عليه سبحانه الرؤية بالأبصار، لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات)(7).

وورد عنه (عليه السلام)، بلفظ (..لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئيّ هواء ينفذه البصر. فإذا انقطع الهواء وعدم الضيّاء بين الرائي والمرئيّ لم تصحّ الرؤية وكان في ذلك الاشتباه، لأنّ الرائي متى ساوى المرئيّ في السبب الموجب بينهما في الرؤية، وجب الاشتباه وكان في ذلك التشبيه، لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات)(8).

فمن لقّنك الفيزياء وعلم الطبيعة يا سيّدي وقد كنت بين الجواري السّود في طفولتك، ورهن الرقابة والقيود في يفاعك، وحبيس السجون والسدود منذ مطلع فتوّتك وشبابك؟!. من علّمك هذا وأنت في مرصدٍ من العيون المتفتّحة عليك والأنياب المكشرة التي لو أتيح لها لنهشت لحمك وعرّقت عظمك منذ بزوغ نجمك حتى تدرّجك نحو الكهولة؟!.

قد علّمك ذلك ملهم العلوم كلّها لجدّك أمير المؤمنين، باب مدينة علم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولجدّك الإمام الصادق ولسائر أبائك من قبله ومن بعده عليهم الصلاة والسلام.. فأنتم ذريّة أولها كآخرها، وصغيرها ككبيرها، يدور العلم على ألسنتكم كما يدور الخاتم في الخنصر، وتتدفّق الحكمة من ألسنتكم والرحمة من قلوبكم كما يتدفّق الماء الزّلال من النبع الثّرّار!. ولقد كان الأحرى بمن نازعوكم حقّكم وأزواجكم عن مراتبكم، أن يستفيدوا من علمكم وحكمتكم بعد أن ألقيتم دنياهم في نحورهم وعكفتم على نشر الدّين وإعلاء أوامر الدّيان.

فسبحان من علّمكم علم ما كان وعلم ما بقي، ووهبكم الفضل كلّه، والرحمة كلّها فعملتم على إنقاذ النّاس من ظلمات الجهل والضلال، ودللتموهم أن الخالق تبارك وتعالى قد احتجب عن خلقه، وعزّ عن أن يتصوّر في الأوهام، أو أن يتخيّل في القلوب والبصائر، فضلاّ عن أن يرى بالأبصار!. قد تنزّه عن التجسيم، وسما عن الرؤية بالعيون، ولم يكن محدوداً بحدّ ولا مشبهاً لندٍّ، بل هو الحيّ القيّوم الذي (لاّ تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير)(9) وإنه لو أدركه بصر لنزل عن مرتبة الألوهيّة، ولزالت عنه هالة الرّبوبيّة، ولشبّهناه ووصفناه.. ولصار - إذاً - محدوداً يفوت علمه ما كان خارج حدوده ومكان وجوده.. تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
وسئل (عليه السلام) عن التوحيد فقيل له: لم يزل الله وحده لا شيء معه، ثم خلق الأشياء بديعاً، واختار لنفسه الأسماء، ولم تزل الأسماء والحروف له معه قديمة؟

فكتب: لم يزل الله موجوداً. ثم كوّن ما أراد. لا رادّ لقضائه، ولا معقّب لحكمه.. تاهت أوهام المتوهّمين، وتقصّر طرف الطارفين، وتلاشت أوصاف الواصفين، واضمحّلت أقاويل المبطلين عن الدّرك لعجيب شأنه، أو الوقوع بالبلوغ على علوّ مكانه. فهو بالموضع الذي لا يتناهى، وبالمكان الذي لم يقع عليه عيون بإشارة ولا عبارةٍ.. هيهات، هيهات)(10).

فهو سبحانه موجود قبل القبل إذ لم يكن قبله شيء. ثم يبقى إلى ما بعد البعد حيّاً سرمديّاً، دائماً أبديّاً وكلّ ما سواه محدّث، وهو تعالى قديم أوجد بقدرته ما أراد من الكائنات.
وقال إبراهيم بن محمد الهمداني:

(كتبت إلى الرجل - أي إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) -: إنّ من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد: فمنهم من يقول: جسم!. ومنهم من يقول: صورة!.

فكتب (عليه السلام) بخطّه: سبحان من لا يحدّ، ولا يوصف!. ليس كمثله شيء، وهو السّميع العليم - أو قال: البصير - )(11).

وروي مثله عن بشر بن بشّار النيسابوري بزيادة: (.. سبحان من لا يحدّ، ولا يوصف، ولا يشبهه شيء، إلخ..)(12).

فقد نفى عن الخالق تعالى الحدّ - أي التجسيم - ونزّهه عن أن يحتويه مكان، أو أن يشغل حيّزاً، ثم نزّهه عن الوصف والتشبيه والتصوّر.

وتكلّم في علم الله تبارك وتعالى.

فقد قال أيوب بن نوح رحمه الله: (إنّه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الله عزّ وجلّ: أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوّنها، أو لم يعلم ذلك حتى خلقها وأراد خلقها وتكوينها، فعلم ما خلق عندما خلق، وما كوّن عندما كوّن؟

فوقّع (عليه السلام) بخطّه: لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء)(13).

فسبحان من أحاط بكل شيءٍ كان لا يعلمه، ولا يزيد في علمه ما يحدثه ويكوّنه لأنه يفيض عن مشيئة حين إحداثه كما كان قدّره في سابق علمه به.

وقال جعفر بن محمد بن حمزة.

(كتبت إلى الرجل - أبي الحسن (عليه السلام) - أسأله: إنّ مواليك اختلفوا في العلم. فقال بعضهم: لم يزل الله عالماً قبل فعل الأشياء. وقال بعضهم لا نقول: لم يزل الله عالماً لأن معنى: يعلم: يفعل، فإن أثبتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل معه شيئاً!. فإن رأيت جعلني الله فداك أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه.

فكتب (عليه السلام) بخطّه: لم يزل الله عالماً تبارك وتعالى ذكره..)(14).

فإنه صلوات الله عليه وتحيّاته وبركاته، مع اختصاره للجواب، بيّن أنّه تعالى لم يزل عالماً، ثم نفى أزليّة الأشياء بإهمال ذكرها، لأنّه سبحانه واحدٌ أحديّ أزليّ سرمديّ لا يشاركه في ذلك شيء.


 
 توقيع : محمود الحسيني

اللهم صلّي و سلّم وبارك على محمّد و على آل محمّد كما صليت و سلمت و باركت على ابراهيم و آل ابراهيم, إنك سميع مجيد.
اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن, صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة, و في كل ساعة وليّاً و حافظاً وقائداً و ناصراً و دليلاً و عيناً, حتى تسكنه أرضك طوعاً و تماتعه فيها طويلًا.

إن عدّ اهل التقى كانوا أئمتهم, إن قيل من خير أهل الأرض قيل هم


رد مع اقتباس