عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 10-19-2011, 06:42 AM
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5454 يوم
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الفرق بين الحزن والبكاء



الفرق بين الحزن والبكاء

أولاً- الحُزْنُ في اللغة مصدر : حَزِنَ يحزَن حُزْنًا وحَزَنًا ، فهو حزين ، ويُعدَّى بالهمزة ، فيقال : أحزنته . أي : جعلته حزينًا . وأصل الحُزْن : غِلَظُ الهَمِّ ، مأخوذ من الحَزَن ، بفتحتين ، وهو ما غلُظ من الأرض ، وخشُن في النفس ، لما يحصل فيها من الهَمِّ . والفرق بينهما : أن الحَزَنَ ، بفتحتين ، يعمُّ جميع الأحزان ، وليس كذلك الحُزْنُ . ومن الفروق بينهما أيضَا :
أن الحَزَنُ ، بفتحتين ، نقيضُه : السَّهْلْ ، وهو ما لانَ من الأرض والنفس وانخفض ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (فاطر: 34) . ومن دعاء النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم :« اللهم إني أعوذ بك من الهَمِّ والحَزَن » فعطف الحَزَنَ على الهَمِّ ؛ لأنه أصله ومنشؤه . أما الحُزْنُ ، بضم فسكون ، فقيل : نقيضُه : الفَرَحُ . وقيل : بل نقيضه : السُّرورُ ، لا الفَرَحُ ؛ لأن الفَرَحَ نقيض الغَمِّ ، فإذا تكاثف الغَمُّ وضاق به الصدر ، صار كَرْبًا . ويُحْتَجُّ لذلك بأن الإنسان قد يغتم بضرر يتوهَّمُه من غير أن يكون له حقيقة ، وكذلك يفرح بما لا حقيقة له ؛ كفرح الحالم بالمنى وغيره ، ولا يجوز أن يَحزَن ويُسَرَّ بما لا حقيقة له .
والحُزْنُ ، سواء كان نقيضُه الفرح أو السرور- وإن كان الثاني هو الأصح- فإن أصلَه ومنشأَه : الهَمُّ . وقد سمِّي الحُزْنُ الذي تطول مدته حتى يُذيبَ البدنَ : هَمًّا ؛ فهو من تسمية الشيء بأصله . والهَمُّ ما يقدر المهموم على إزالته ؛ كالإفلاس مثلاً ، بخلاف الغمِّ فإنه ممَّا لا يقدر المغموم على إزالته ؛ كموت المحبوب مثلاً ، ويؤيده قوله تعالى :﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾(الحج: 22) ، فإن الكافرين لم يكونوا قادرين على إزالة ما بهم من الغَمِّ الذي أصابهم نتيجة العذاب .
والحُزْنُ يكون على ما فات ؛ ولهذا قُدِّمَ عدم الخَوْفُ على عدم الحُزْن في قول الله تعالى :﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة: 38) ؛ لأن انتفاء الخَوْف فيما هو آت آكد من انتفاء الحُزْن على ما فات . ومثْلُُ الحُزْن في كونه على ما فات : الأَسَفُ ، وهو المبالغة في الحُزْن والغَضَب ؛ كقوله تعالى :﴿ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ (آل عمران: 153) . وكذلك الأَسَى ، وهو الحزن الشديد ؛ كقوله تعالى :﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾(الحديد: 23) . أي: لكيلا يلحق الحُزْنُ الشَّديدُ على ما فات من الخير ، فيحدث عنه التَّسَخُّطُ وعدمُ الرضا بالمقدور . والمراد بالفرح هنا : المؤدي إلى البطر المنهي عنه في قوله تعالى :﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (القصص: 76) ؛ فإن الحزن قد ينشأ عنه البطر ؛ ولذلك ختم سبحانه آية الحديد بقوله :﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾(الحديد: 23) . فالفرح بما ناله من حطام الدنيا يُلحِقه في نفسه الخيلاء والافتخار والتكبر على الناس ؛ فمثل هذا هو المنهي عنه . وأما الحزن على ما فات من طاعة الله تعالى ، والفرح بنعم الله والشكر عليها والتواضع ، فهو مندوب إليه .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما :« ليس أحد إلا يحزن ويفرح ؛ ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبرًا ، ومن أصاب خيرًا جعله شكرًا » . يعني : هو المحمود . وقال الزمخشري :« فإن قلت : فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به ، ولا عند منفعة ينالها أن لا يحزن ولا يفرح . قلت : المراد : الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر ، والتسليم لأمر الله تعالى ، ورجاء ثواب الصابرين ، والفرح المطغي الملهي عن الشكر . فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام والسرور بنعمة الله والاعتداد بها مع الشكر ، فلا بأس به » .
والحُزْنُ مُستكِنٌّ في القلب ، فإن ظهر أئره على الوجه سمِّي : كآبةً ، ومن ثَمَّ يقال : عليه كآبة ، ولا يقال عليه حزن ؛ لأن الحُزْنَ لا يرى ، ولكن تظهر دلالاته على الوجه ، وتلك الدلالات تسمى : كآبة . وخلافه في ذلك : البَثُّ الذي لا ينكتم في الصدر . وقد جمع الله تعالى بينهما في قول يعقوب عليه السلام ، فقال :﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ ﴾(يوسف: 86) ، فعطف البَثَّ على الحُزْنِ ، لما بينهما من الفرق في المعنى . فإن بلغ الحُزْنُ من الإنسان مبلغًا بحيث يصرفه عمَّا هو بصدده ويقطعه عنه ، سمِّيَ : جَزَعًا . قال تعالى :﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ (إبراهيم: 21) ، فالجزع أبلغ من الحزن ، فإن الحزن عام ، والجزع هو حزن خاص .
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا (آل عمران: 13) ، ﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (الحجر: 88) فليس بنهي عن تحصيل الحزن ، فالحزن ليس يحصل بالاختيار ؛ ولكن النهي في الحقيقة إنما هو عن تعاطي ما يورث الحزن واكتسابه ، وإلى معنى ذلك أشار الشاعر بقوله :
منْ سَرَّهُ أنْ لا يَرَى مَا يَسُوءُهُ *** فَلا يَتَّخِذُ شَيئًا يُبالِي لهُ فَقْدا
وأيضًا ، يجب للإنسان أن يتصور ما جبلت عليه الدنيا ، حتى إذا ما بغتته نائبة ، لم يكترث بها ، لمعرفته إياها ، ويجب عليه أن يروِّض نفسه على تحمل صغار النُّوَب ، حتى يتوصل بها إلى تحمل كبارها .
ثانيًا- البُكَاءُ والبُكَا ، بالمدِّ والقصْر ، مصدر : بكى يبكي بُكَاءً ، وبُكًا ، فهو باكٍ ، ويجمع باكٍ على : بَاكُين ، وبُكِيٍّ . قال الله تعالى :﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ﴾(مريم: 58) . وبكى ، يقال في الحُزْن ، وإسالة الدمع معًا ، ويقال في كل واحد منهما منفردًا عن الآخر . وقول الله سبحانه ﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً ﴾(التوبة: 82) إشارة إلى الفرح والتَّرَح ، وإن لم يكن مع الضحك قهقهة ، ولا مع البكاء إسالة دمع .
والبُكَاءُ ، بالمد ، يقال ، إذا كان الصوت أغلب ؛ كالرُّغاء والثُّغَاء ، وسائر الأبنية الموضوعة للصوت . أما البُكَا ، بالقصر ، فيقال ، إذا كان الحزن أغلب . وقال ابن قيِّم الجوزيَّة :« وما كان من ذلك دمعًا بلا صوت فهو بُكًا مقصور ، وما كان معه صوت فهو بُكَاءٌ ممدودٌ على بناء الأصوات . قال الشاعر :
بكت عيني وحُقّ لها بُكَاهَا *** وما يغني البُكَاءُ ولا العَويلُ
ومثله قول الآخر :
همْ علَّموني البُكَا ما كنتُ أعرِفه *** يا لَيتَهمْ علَّموني كيفَ أبتسِمُ
وقال كٌثَيِّرُ عَزَّةَ :
وما كُنْتُ أَدْرِى قَبْلَ عَزَّةَ ما البُكَا ... ولا مُوجِعاتِ الحُزْنِ حَتَّى تَوَلَّتِ
ومن المعلوم أن البُكَاءَ أحيانًا لا يكون دليلاً على صدق حال الباكي ، أو مقاله ، بدليل قول الله سبحانه في إخوة يوسف عليه السلام :﴿ وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (يوسف: 16) .
وما كان من البُكَاءِ مُستدْعىً مُتكلفًا ، فهو التَّبَاكِي ، وهو نوعان : محمود ، ومذموم . فالمحمود : أن يُستجلَب لرقة القلب ولخشية الله ، لا للرِّياء والسُّمْعة . والمذموم : أن يُجتلَب لأجل الخُلُق . وقد قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وقد رآه يبكي هو وأبو بكر ، في شأن أسارى بدر : أخبرني ، ما يبكيك يا رسول الله ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما ، ولم ينكر عليه صلى الله عليه [وآله] وسلم . وقد قال بعض السلف : ابكوا من خشية الله ، فإن لم تبكوا فتباكوا » . ورُوِيَ عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم قال :« اقرؤوا القرآن وابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، ليس منا من لم يتغن بالقرآن » .
ومن الاستعارات اللطيفة قوله تعالى :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ﴾(الدخان: 29) ، تحقيرًا لأمرهم ، وأنه لم يتغير عن هلاكهم شيء . ويقال في التعظيم : بكت عليه السماء والأرض ، وبكته الريح ، والنجوم ، والليل والنهار .
قال الكُمَيْتُ :
لَوْ بَكَتْ هذهِ السَّمَاءُ على قَوْ *** مٍ كِرَامٍ بَكَتْ علَيْنَا السَّمَاءُ
وقال جرير :
فالشَّمسُ طالعةٌ ليستْ بكَاسِفةٍ *** تَبْكِي عليكَ نجومُ الليلِ والقَمَرَا
ثالثًا- والبُكَاءُ أنواع ، حصرها ابن قيِّم الجوزيَّة في كتابه ( زاد المعاد ) في عشرة أنواع :
أحدها : بكاء الرحمة والرقة . والثاني : بكاء الخوف والخشية . والثالث : بكاء المحبة والشوق . والرابع : بكاء الفرح والسرور . والخامس : بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله . والسادس : بكاء الحزن . والسابع : بكاء الخور والضعف . والثامن : بكاء النفاق ، وهو أن تدمع العين ، والقلب قاسٍ . والتاسع : البكاء المستعار والمستأجر عليه ؛ كبكاء النائحة بالأجرة ، فإنها- كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب « تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها » . والعاشر : بكاء الموافقة ، وهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر ورَد عليهم ، فيبكي معهم ، ولا يدري لأي شيء يبكون ؛ ولكن يراهم يبكون ، فيبكي .
وفي الفرق بين ( بكاء الحزن ، وبكاء الخوف ) ، وبين ( بكاء الفرح والسرور ، وبكاء الحزن ) قال ابن القيِّم :« والفرق بينه ، وبين بكاء الخوف : أن بكاء الحزن يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب ، وبكاء الخوف يكون لما يُتَوَقَّع في المستقبل من ذلك .. والفرق بين بكاء السرور والفرح ، وبكاء الحزن : أن دمعة السرور باردة والقلب فرحان ، ودمعة الحزن حارة والقلب حزين ؛ ولهذا يقال لما يُفرَح به : هو قُرَّةُ عَيْنٍ ، وأقرَّ الله به عينه . ولما يُحزِن : هو سَخينةُ العين ، وأسخن الله عينه به » .



 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء







رد مع اقتباس