10-18-2011, 10:19 PM
|
#2
|
المشرف العام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 11
|
تاريخ التسجيل : May 2010
|
أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
|
المشاركات :
735 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
وأضيف إلى ذلك : أن لفظ ( المِثُل ) من الألفاظ المتضايفة التي يقْتَضي وجودُ أحدها وجودَ الآخر ؛ كالنِّصْف، والزَّوْج ، والضِّعْف، وكلُّ لفظ من هذه الألفاظ هو ترَكُّب قدْرَيْن متساويين في تمام الحقيقة والماهيَّة . وهذا يعني- كما ذكرنا- أن للقرآن الكريم مِثْلاً معلومًا ، وأن ذلك المثل المعلوم هو الأصل ، وهذا المِثْل الذي هو الأصل هو الذي أعلن الله عز وجل عجز الإنس والجن عن الإتيان به ، ولم يطالبهم أن يأتوا به . وأما القرآن الذي بين أيدينا فهو فرع مأخوذ من ذلك الأصل . ولمعرفة هذا الأصل الذي أخذ منه مِثْل القرآن الذي بين أيدينا نقرأ قول الله تعالى :
﴿ ق * وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ (ق:1-2) ، ثم قوله تعالى :
﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ (البروج: 21- 22)
فنجد في آية ( ق ) أن الله تعالى قد أقسم بالقرآن المجيد ، ونجد في آية ( البروج ) قرآنًا مجيدًا ، في لوح محفوظ . فما هذا القرآن المجيد الذي أقسم الله تعالى به ، ثم أخبر عنه بصيغة التنكير أنه في لوح المحفوظ ؟
والجواب : أن القرآن هومجموعة القوانين الموضوعية الناظمة للوجود ولظواهر الطبيعة والأحداث الإنسانية، ابتداء من خلق الكون ( الانفجار الكوني الأول ) ، وانتهاء إلى قيام الساعة ، وهو كلمات الله القديمة التي لا تبديل لها ، وسمِّي مجيدًا ؛ لأن السيطرة الكاملة له ، ولا يمكن الخروج عنه ، وهو مطلق ، واللوح المحفوظ هو لوحة التحكم في الكون، وفي هذا اللوح توجد تلك القوانين الناظمة لهذا الوجود .
والمجيد في اللغة هو العظيم والرفيع ، وهو من صفات الباري جل وعلا ، تمجَّد بأفعاله ، ومجَّده خلقه لعظمته . قال تعالى :﴿ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ﴾ (هود: 73) ، وقال :﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴾ (البروج: 15) ، فوصف سبحانه نفسه بأنه مجيد ، وجعل صفة القرآن من صفته ؛ لأنه كلام المجيد . وجاء في لسان العرب عن أبي إسحق :« القرآن المجيد ، يريد : الرفيع العالي . وفي حديث عائشة : ناوليني المجيد . أي : المصحف » .
وأما اللوح- كما جاء في لسان العرب- فهو مستودع مشيئات الله تعالى . وكل عظم عريض لوح ، والجمع منهما : ألواح .. وقيل : هو في الهواء فوق السماء السابعة ، طوله ما بين السماء والأرض ، وعرضه ما بين المشرق والمغرب ، وهو من درة بيضاء ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما . وقوله تعالى :﴿ مَّحْفُوظٍ ﴾ يعني : مُصَانٌ ، لا يمكن للشياطين أن تتنزَّل بشيء منه ، أو تغيِّر منه شيئًا . وهذا ما أخبرت عنه الآية الكريمة :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾ (الشعراء:210-212).
فهل ذلك القرآن المجيد الموجود في لوح محفوظ من الشياطين هو قرآننا الذي بين أيدينا ، أم هو قرآن غيره ؟! وإن لم يكن هو ولا غيره ، فما قرآننا إذًا ، إن لم يكن مِثلاً مأخوذًا منه ؟
ثم نقرأقول الله تعالى :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ* لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ (الواقعة: 75- 79) ، فنجد كيف نفى الله تبارك وتعالى حاجته إلى القسم بمواقع النجوم- على عظمة القسم بها- على أن القرآن كريم ، وأنه في كتاب مكنون ، لا يمسه إلا المطهرون .
والمراد بالكتاب المكنون في أصح الأقوال : الكتاب الذي بأيدي الملائكة ، وهو المذكور في قوله تعالى :﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ *بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾(عبس: 13- 16) . وقيل : هو البرنامج الذي بموجبه تعمل قوانين الكون العامة كمعلومات .
والمكنون : المصون المستور عن الأعين الذي لا تناله أيدي البشر ، هكذا قال السلف . وقال الكلبي : مكنون من الشياطين . وقال مجاهد : لا يصيبه تراب ولا غبار . وقال أبو إسحاق : مصون في السماء .
ووصفه بكونه ( مكنونًا ) ، نظير وصفه بكونه ( محفوظًا ) ؛ فقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴾ ؛ كقوله تعالى :﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾.
ووصفه بأنه ﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ دليل على أنه بأيدي الملائكة لا يمسُّه غيرهم ، خلافًا لمن زعم أن المراد به المصحف الذي بين أيدينا ، وأنه لا يمسُّه إلا طاهر ؛ إذ لو كان كذلك ، لوجب أن يقال : ( لا يمسُّه إلا المتطهرون ) ؛ كقوله تعالى :﴿ ِإنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾(البقرة:222) ، فالمتطهِّر فاعل التطهير ، والمطهَّر الذي طهَّره غيرُه . قال حرب في مسائله :« سمعت إسحق في قوله :﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ قال : النسخة التي في السماء ، لا يمسها إلا المُطهَّرون . قال : الملائكة » .
ويدل على ذلك أيضًا أن الآية الكريمة سيقت تنزيهًا للقرآن أن تنزل به الشياطين ، وأن مَحلَّه لا يصِل إليه ، فلا يَمَسُّه إلا الملائكة المَطهَّرون ، فيستحيل على أخابث خلق الله وأنجسهم أن يصلوا إليه ، أو يَمَسُّوه ؛ كما قال تعالى :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ *إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾(الشعراء:210-212) ، فنفى الفعل وتأتِّيه منهم وقدرتهم عليه ، فما فعلوا ذلك ، ولا يليق بهم ، ولا يقدرون عليه ؛ فإن الفعل قد ينتفي عمَّن يحسُن منه ، وقد يليق بمن لا يقدر عليه ، فنفى عنهم الأمور الثلاثة . وكذلك قوله :﴿ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾(عبس:13-16) ، فوصف محلَّه بهذه الصفات ، بيانًا أن الشياطين لا يمكنهم أن يتنزلوا به .
وأنت إذا تأملت الآية :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ ، وجدتها من أظهر الأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وأن هذا القرآن جاء من عند الله ، وأن الذي جاء به روح مُطهَّر ، فما للأرواح الخبيثة عليه من سبيل ، ثم وجدتها أخت الآية الأخرى :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾ ، وثبت لك بذلك أن القرآن المجيد الموجود ﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ ، والقرآن الكريم الموجود ﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) ليس هو القرآن الذي هو بين أيدينا ؛ وإنما هذا القرآن الذي بين أيدينا هو فرع من ذلك الأصل ونسخة منه ، وذلك الأصل هو المراد ﴿بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ ﴾ .
وهذا القرآن الحاضر الموجود بين أيدينا قد تمت برمجته في اللوح المحفوظ قبل إنزاله إلى سماء الدنيا ، وصيغ صياغة إنسانية بلسان عربي مبين ، ثم نزِّل على محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم منجَّمًا ؛ ليبين لقومه معانيه ؛ كما نصَّت على ذلك الآية الكريمة :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ (إبراهيم: 4) ، فبينت الآية العلة التي أرسل لأجلها الرسول بلسان قومه . وقال تعالى :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (يوسف:2) ،﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (الزخرف: 3)فبين أن القرآن لم يكن عربيًّا قبل إنزاله ، ثم جعل عربيًّا ، وذكر العلة التي لأجلها أنزل عربيًا ، وجعل عربيًّا :﴿ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ .
فقضية عروبة القرآن هذه أن يفهم على قوانين لغة العرب ؛ وإلا فلا يرجى أن يفهم ما يحويه ولا أن يعقل ما فيه ؛ ذلك معنى قوله :﴿ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ . وهذه الصيغة العربية التي صيغ بها القرآن هي صيغة محدثة بلسان إنساني ، وليست بقديمة ، وقد أطلق الله عز وجل عليها مصطلح ( الذكر ) ؛ وذلك ليذكر بها القرآن من الناس ؛ ولهذا قال تعالى :﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾(الأنبياء:2) .
فإذا عرفنا ذلك ، تبين لنا أن ما فهمه علماء التفسير من هذه المثلية ، وروجوا له ، وألفوا فيه المؤلفات الكثيرة ليس هو المراد من هذه المثلية ، وأنها ليست بـ( مثلية مفروضة ) على قول الأكثرين ، أو ( غير مفروضة ) على قول من قال إن المراد بها كلام العرب الذي هو من جنسه في فصاحته أو بلاغته وحسن نظمه ، أو أنها ( مثلية وحي وتنزيل ) ، وأن المراد منها أن يأتوا :﴿ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ﴾(القصص: 49) ، أو غير ذلك من الأقوال التي لا تفسِّر أسلوبًا ، ولا توضح معنى ؛ بل المراد منها : أن للقرآن الكريم مِثلاً يماثله في تمام حقيقته وماهيته ، وأن هذا المثل معلوم ، وهو الذي أخبر الله تعالى بعجز الإنس والجن مجتمعين أو منفردين عن الإتيان به ، ولو تظاهروا عليه . وبهذا الفهم لمعنى المثلية المتحدَّى بها تنحل المعضلة الكبرى التي نشأت بين المعتزلة ، وخصومهم حول خلق القرآن.
ولو كان المراد بهذه المثلية شيئًا مما ذكروا ، لوجب أن يكون نظم الكلام هكذا :﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَقولونَ مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ ؛ كما حكي عنهم قولهم :﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ﴾(الأنفال:31) ، فتأمل وتدبر ، واعتبر الأمور بأمثالها ، تصب خيرًا وتنطِق صوابًا ، إن شاء الله !!!
بقلم : محمد إسماعيل عتوك
|
|
يــــا لـثارات الـــزهــــــراء
|