لماذا قالت الآية : (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا) هل يدري حتى صار غافل أو لا يدري ؟ بل يدري ، الإنسان قبل ما يأتي لهذا الوجود ، أين كان؟
كان في وجود إجمالي ، هذا الوجود أين كان ؟ كل إنسان كان له مقام قبل أن يأتي إلى هذا الوجود يعيش فيه وجود نوري ، كان موجودا قبل أن يتصل ببدنه (هي روح ) تتصل بالروح فترة و تفارقه هذه الروح كانت موجودة وظيفتها التسبيح و التهليل .
في تلك الفترة ، فترة ما قبل البدن خضعت هذه الروح إلى امتحان ، كل روح قبل أن تنزل لعالم المادة و الدنيا تخضع لإمتحان .
وهناك روحٌ تأخذ 90 درجة ، هناك روح تأخذ 100 درجة ، هناك روح تأخذ 20 درجة ، هناك روح تأخذ درجة واحدة ، كلا بحسب طاقتها تبدع في الامتحان أو ترسب في الامتحان ، وهناك أرواح بلغوا أعلى درجة من درجات الامتحان ن تقرأ في زيارة فاطمة الزهراء (ع) : (يا ممتحنة امتحنك الله ، قبل أن يخلقكِ فوجدك لما امتحنك صابرة وزعمنا أن لك أولياء) هذه المرآة خضعت إلى امتحان و لكنها وصلت إلى أعلى درجة من درجات الامتحان ، فجاءت إلى الدنيا إلى مسيرة حددتها بنجاحها في ذلك الامتحان قبل هذا الوجود .
هذا الإنسان ن وكل إنسان يخضع إلى امتحان ، أنا خضعت إلى امتحان ، وعند خضوعي للامتحان وصلت و عرفت درجتي مثلاً 20% ، إذا أنزل لعالم المادة و الوجود احتمال أن يصير كذا و كذا ....
أنا الآن أعيش في مقام مرتاح أهلل و أسبح لا مشاكل ولا مصائب ، صحيح خضعت لإمتحان و أخذت هذه الدرجة ، فإذا جاء اليوم الموعود ، أنزل لعالم الدنيا و تتعلق روحك بالبدن و تنتسب إلى فلان و تعرف فلان و فلان ، مثلاً واحد نقول له ادخُل السجن!! يدخل؟؟ لا يدخل ، ويقول إذا باختياري لا أدخل ، ماذا تكون أحوالي داخل الزنزانة !!
لكن ليس باختياري أن انزل إلى عالم الدنيا ، أنت روح تنزل إلى عالم الدنيا بحدود معينة حدك أبوك فلان ، أمك فلانة ، عمرك فلان ، هذه حدودك في هذا العالم .
فينزل ، ويبكي هذا الإنسان مرتين (عندما يخرج من بطن أمه) ، أول ما يخرج من بطن أمه يتذكر العالم الذي كان فيه ، أنه كان في مقام تسبيح و تهليل و مقام الراحة و الاطمئنان و الهدوء ، الآن جاء إلى هذا العالم عالم الصراع و التزاحم و البلاء و الامتحان (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) فيبكي ، هذا هو البكاء الأول .
الأطباء يقولون هذا البكاء من الحنجرة يدخلها الهواء ، هذا بكاء حقيقي ، الروايات تقول هذا يبكي لأنه يتذكر عالمه الأول ، نعم ربما بطريقة مادية الله يختار طريقة بكائه بعوامل مادية معينة لإثارة الدمعة ، لكن وراء هذه الدمعة تذكار (أين كنت انا و أين أتيت) و يعيش في عالم الدنيا غافلاً عن عالمه الأول .
بمرور الوقت غفل عما كان فيه من ذلك العالم و يظل يمشي ويمشي (إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ) ستصل إلى النقطة التي تلتقي فيها بالله (رحم الله عبداً عرف من أين وفي أين وإلى أين) ، إلى أن يأتي ذلك اليوم ، روحي اتصلت الآن تريد أن تنفصل .
بمجرد أن تنفصل الروح عن عالم البدن و يفتح عينيه ، أول ما يراه المكان و المقام الذي كان فيه قبل هذا الدنيا ، انظر هذا المكان الذي كنت فيه مسبحاً مهللاً مطمئناً ، الآن خسرت هذا المكان ، أنت امتحنت وحصلت على 20 ولكن لما دخلت الدار الحقيقية أخفقت 0 لم تحصل ، أنت خسرت حتى ذلك المكان الذي كنت فيه ن قبل النزول إلى عالم الدنيا ، (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).
إذن فالنتيجة التي نريد أن نصل إليها :
1/ أن هناك عالم مجردات و هو عالم الأرواح و الأشباح .
2/ أن هناك عالم الحدود و التقادير.
أما عالم الأرواح عالم المجردات فالقضاء فيه حتمي . لماذا؟ لأن الأرواح لا تخضع لأسباب ، السبب المباشر لها هو الله ، عالم المجردات ليس له أسباب و مسببات ، عالم المجردات السبب المؤثر المباشر فيه الله تبارك وتعالى (إِنَّمَا أَمْرُهُ) أمره إشارة إلى عالم الأمر ، عالم الأمر هو عالم المجردات (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) سبب مباشر. لا يوجد فيه بداء ولا قضاء غير حتمي ولا تغير لأن السبب المباشر له هو الله تبارك وتعالى.
فيوجد هذا الملك لا يتغير كما خلقه الله ، وجوده و شكله و حياته كلها حتمية ، هذه الروح في ذلك العالم غير العالم المادي ( في العالم المادي تصبح متغيرة ) هذه الروح أيضا حتمية ، وجودها ، شكلها طريقتها حتمية لا تتغير.
إذن بحسب عالم المجردات القضاء حتمي المسمى بعالم الأمر لا تغير ولا تبدل ولا بداء لأن السبب المباشر له هو الله.
أما عالم الماديات الذي نحن فيه نتحدث عنه تفصيلاً في البحث القادم إن شاء الله تعالى.
و الحمدلله رب العالمين
|