عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2011, 03:03 PM   #2
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام


الصورة الرمزية السيد عباس ابو الحسن
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الدنيا ظرف إحباط الاعمال
ومن ذلك أيضا كونها ظرفاً لإحباط الأعمال، فمن الذين تحبط أعمالهم فيها؟ إنهم أولئك الذين يرتدون عن الإسلام ويموتون وهم كفار، يقول تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].
وقد تسأل: لم قال: {والآخرة}، مع أنه من حبط عمله في الدنيا فلابد أن يحبط في الآخرة، فذلك أمر بديهي؟
فأقول: ورد ذلك في أكثر من موضع في القرآن الكريم، ولعل العلة في ذكر الآخرة هي التشنيع عليهم أكثر وبيان فرط خسارتهم لأنهم قد خسروا الدارين، وذلك هو الخسران المبين، ثم إن ذكر الآخرة وأنه قد حبط عملهم فيها واعظ لمن توسوس به نفسه لينزجر ويرعوي فلا يعمل عملاً يؤدي به كما أدى بهؤلاء.
وإن ذكر الآخرة أيضاً فيه جزم بأن الشفاعة لن تنالهم، لأنه أخبر بمصيرهم في الآخرة وهم في الدنيا، ثم إنه لما اختلفت صورة الإحباط في الدارين ذكر الآخرة ليدلك على ذلك، والله أعلم بأسرار كتابه.
والإحباط: (معناه أنها صارت بمنزلة ما لم يكن لإيقاعهم إياها على خلاف الوجه المأمور به؛ لأن إحباط العمل وإبطاله عبارة عن وقوعه على‌خلاف الوجه الذي يستحق عليه الثواب، وليس المراد أنهم استحقوا على‌ اعمالهم الثواب ثم انحبط، لأنه قد دل الدليل على‌ أن الإحباط على‌ هذا الوجه لا يجوز)(18).
ومن الذين تحبط أعمالهم فيها الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [آل عمران: 21ـ22].
وكذلك المستهزؤون والمنافقون او الكافرون، قال تعالى: {كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [التوبة: 69].
الدنيا ظرف للتفكر فيها:
ومن ذلك أيضاً كونها ظرفاً للتفكر، يقول تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [التوبة: 219، ومن الآية220].
قال الشيخ الطبرسي: (أي في أمر الدنيا وأمر الآخرة، فتعلمون أن الدنيا دار بلاء وعناء وفناء، والآخرة دار جزاء وبقاء، فتزهدوا في هذه وترغبوا في تلك...)(19).
وقد ورد في كلامهم(عليهم السلام) الحث على التفكر على نحو عام والدنيا أحد مصاديقه، قال أمير‌ المؤمنين(عليه السلام): (...ولا علم كالتفكر)، وقال (عليه السلام): (فاتقوا الله عباد الله تقية ذي لب شغل التفكر قلبه...)(20)، وعنه(عليه السلام): (نبه بالتفكر قلبك...).
وعن الامام الحسن الزكي(عليه السلام): (أوصيكم بتقوى الله وإدامة التفكر، فان التفكر أبو كل خير وأمه)، وعن الامام الصادق(عليه السلام): (كان أكثر عبادة أبي ذر التفكر والاعتبار)، وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله) : (إن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، يحسن التخلص، ويقل التربص)(21).
الدنيا ظرف الوجاهة:
ومن ذلك أيضاً كونها ظرفاً للوجاهة أي لوجاهة عباده الصالحين، يقول تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران: 45]، قال الشيخ الطبرسي: (ذا جاه وقدر وشرف)(22).
وقد تسأل لم لم يقل: ذا جاه وقال: وجيهاً؟
فأقول: ان قولك: ذا جاه بمعنى‌صاحب جاه، فثمة مضاف ومضاف إليه وهذا التركيب ينفرد فيه الموصوف عن الصفة، أما قوله تعالى: {وجيها}، فليس ثمة مضاف ومضاف إليه، وليس فيه انفراد الصفة عن الموصوف، بل الصفة فيه متلبسة بالموصوف وهذا أبلغ في الوصف في بعض الموارد، ثم إن قوله: {وجيهاً} جاء على بناء (فعيل) وهو من أبنية المبالغة، أي أنه(عليه السلام) عظيم الوجاهة.
ويشبه هذه الكلمة وصفه (سبحانه وتعالى) نفسه بانه: {عليم} ولم يصف نفسه بأنه (ذو علم) ووصف غيره بذلك، فقال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: 68]، وذلك لما بينت لك.
وقد يرد في وصف نفسه (سبحانه وتعالى) قوله: ذو كذا كما في قوله تعالى: {ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين} [الذاريات: 58] وذلك فيما احسب لابراز المضاف اليه في الذكر وتعظيمه وتبيينه ولربما يقال: ان مفهوم القوة هاهنا يقع مصداقه في الخارج ولذلك اضاف، ولكن يقال: اين الدليل على‌ذلك؟ والله اعلم.
الدنيا ظرف العذاب:
ومن ذلك ايضا كونها ظرفا للعذاب
الاول: العذاب الشديد وهو للقوم الكافرين، قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [آل عمران: 56].
والثاني: العذاب الاليم. وهو لمن يتولى، قال تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [التوبة: 74].
الثالث: العذاب العظيم الذي لولا فضل الله ورحمته في الدنيا والآخرة لمس من أفاض في الإفك، قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 14] والإفك هو الكذب العظيم وقصته أوردها الشيخ الطبرسي(رحمه الله) فراجع إن شئت تفسير الآية.
الرابع: عذاب لم يصفه الله (سبحانه وتعالى) بشيء، يقول (سبحانه وتعالى) متحدثاً عن الكافرين من أهل الكتاب وهم يهود بني النضير: {وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} [الحشر: 3]، غير أن المفسرين قد بينوا هذا العذاب.
قال الشيخ الطبرسي: (بعذاب الاستئصال او القتل والسبي كما فعل ببني قريضة...)(23)، وقال القرطبي: (أي بالقتل والسبي كما فعل ببني قريضة)(24)
وقد تسأل: لم وصف العذاب في الآية الأولى: بأنه {عَذَابًا شَدِيدًا} ووصف في الثانية بانه {عَذَابًا أَلِيمًا } ووصف في الثالثة: بانه {عَذَابًا عَظِيمًا}؟
فأقول قد قالوا: الجزاء من جنس العمل فإن، كان العمل شديد الجرأة على ‌الله وشديد التعدي كان عذابه شديداً وان كان العمل أليم الوقع على‌ الأمة أو على ‌الفرد كان عذابه أليماً وإن كان العمل عظيم الحدث جليل الوقع كان عذابه عظيماً فمثلاً في الآية الأولى تحدث القرآن عن الذين كفروا، وحسبك بالكفر جرأة على‌ الله وشدة في التعدي، ولذلك فسر العذاب الشديد هنا: بالقتل والأسر والسبي والخسف والجزية(25)، وهل ثمة شدة كهذه الشدة.
اما الآية الثانية فقد قال الشيخ الطبرسي(رحمه الله): (يعذبهم الله عذاباً أليماً (مؤلماً) في (الدنيا) بما ينالهم من الحسرة والغم وسوء الذكر...)(26).
فانظر كيف ذكر عذاباً مؤلماً مجانسة لفعلهم، وأما الآية الثالثة فقد تحدثت عن ذنب عظيم ارتكبه قوم وهو الإفك، فكان الجزاء عليه عذاب عظيم، ولكن رحمة الله وفضله حالا دون ذلك على ان العمل قد يكون شديد الجرأة ولكنه مؤلم في الوقت عينه، لكن خصلة الشدة تغلب فيوصف العذاب بالشدة وقل مثل ذلك فيما سواه من العذاب، والله أعلم بأسرار كتابه.
ونذكر هاهنا عذاباً خاصاً بُيّن ووضّح وهذا العذاب للمنافقين، يقول (سبحانه وتعالى): {وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 85].
الدنيا ظرف كتابة الحسنات
ومن ذلك كونها ظرفاً لكتابة الحسنات، يقول (سبحانه وتعالى) حاكياً عن نبيه موسى (عليه السلام): {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156]: قال الشيخ الطبرسي: (سأل الله أن يكتب لهم الحسنة في الدنيا وهي النعمة...)(27).
وقد قال الله تعالى في الآية {حَسَنَةً} منكرة، فالأولى أن تبقى كذلك لا كما قاله: (سال الله ان يكتب لهم الحسنة) الا ان تكون اللام في كلامه(رحمه الله) عهدية والله اعلم.
الدنيا ظرف للمتاع:
ومن ذلك كونها ظرفا للمتاع وهذا المتاع للذين يفترون على‌ الكذب فهم لايفلحون، يقول سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} [يونس: 69ـ70].
الدنيا ظرف الاتباع باللعنة واللعن:
من ذلك كونها ظرفا للاتباع باللعنة لمن جحد بآيات ربه وعصى رسله واتبع كل جبار عنيد، يقول سبحانه وتعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ*وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} [هود: 59ـ60]، والمراد بالاتباع باللعنة هو: ان يردفهم لعنة بعد لعنة(28).
ولمن استكبر في الارض بغير الحق وظن انه لا يرجع الى الله، يقول سبحانه وتعالى: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ *وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القصص: 39ـ42].
وهنا تعبير آخر حيث ذكر اللعن بلا اتباع الى يوم القيامة، حيث ان في الاتباع باللعن الى يوم القيامة معنى‌ان يلحق اللعن بهم حتى في يوم القيامة كما هو في آية هود، وليس هذا المعنى في القصص، لانه استأنف جملة جديدة بعد قوله {لعنة}، والله اعلم


 
 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء








رد مع اقتباس