من خصوصيّات رسول الله: العصمة، فآية المباهلة تدلّ على عصمة علي بن أبي طالب قطعاً.
من خصوصيّات رسول الله: أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كرسول الله قطعاً.
من خصوصيّات رسول الله: أنّه أفضل جميع الخلائق، أفضل البشر والبشريّة، منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى العالم وخلق الخلائق كلّها، فكان أشرفهم رسول الله محمّد بن عبدالله، وعلي كذلك.
وسنبحث إن شاء الله في ليلة من الليالي عن مسألة تفضيل الائمّة على الانبياء، وسترون أنّ هذه الاية المباركة ـ وهناك أدلّة أُخرى أيضاً ـ تدلُّ على أنّ عليّاً أفضل من جميع الانبياء سوى نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم).
فحينئذ حصل عندنا تفسير الاية المباركة على ضوء الاحاديث المعتبرة، حصل عندنا صغرى الحكم العقلي بقبح تقدّم المفضول على الفاضل، بحكم هذه الاحاديث المعتبرة.
وناهيك بقضيّة الاولويّة، رسول الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
وفي جميع بحوثنا هذه، وإلى آخر ليلة، سترون أنّ الاحاديث كلّها وإنْ اختلفت ألفاظها، اختلفت أسانيدها، اختلفت مداليلها، لكنّ كلّها تصبّ في مصب واحد، وهو أولويّة علي، وهو إمامة علي، وهو خلافة علي بعد رسول الله بلا فصل.
لابدّ وأنّكم تتذكّرون حديث الغدير: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه».
نفس المعنى الذي قاله في حديث الغدير، هو نفس المفهوم الذي تجدونه في آية المباهلة، وبالنظر إلى ما ذكرنا من المقدّمات والممهّدات، التي كلّ واحد منها أمر قطعي أساسي، لا يمكن الخدشة في شيء ممّا ذكرت.
مع ابن تيمية في آية المباهلة
ولو أنّ مدّعياً يدّعي أو متعصّباً أو جاهلاً يقول كما قال ابن تيميّة في منهاج السنّة(14) بأنّ رسول الله إنّما أخرج هؤلاء معه، ولم يخرج غيرهم، يعترف بعدم خروج أحد مع رسول الله غير هؤلاء، يعترف ابن تيميّة، واعتراف ابن تيميّة في هذه الايام وفي أوساطنا العلميّة وفي مباحثنا العلميّة له أثر كبير، لانّ كثيراً من الخصوم يرون ابن تيميّة «شيخ الاسلام»، إلاّ أنّ بعض كبارهم قال: من قال بأنّ ابن تيميّة شيخ الاسلام فهو كافر !!
المهم، فابن تيميّة أيضاً يعترف بعدم خروج أحد مع رسول الله في قضية المباهلة غير هؤلاء الاربعة، يعترف بهذا، وراجعوا كتابه منهاج السنّة، موجود، إلاّ أنّه يقول بأنّ عادة العرب في المباهلة أنّهم كانوا يخرجون أقرب الناس إليهم، كانوا يخرجون معهم إلى المباهلة من يكون أقرب الناس إليهم، كانت عادتهم أن يخرجوا الاقرب نسباً وإنْ لم يكن ذا فضيلة، وإن لم يكن ذا تقوى، وإنْ لم يكن ذا منزلة خاصة أو مرتبة عند الله سبحانه وتعالى، يقول هكذا.
لكنّه يعترض على نفسه ويقول: إنْ كان كذلك، فلم لم يخرج العباس عمّه معه ؟ والعباس في كلمات بعضهم ـ ولربّما نتعرّض إلى بعض تلك الكلمات في حديث الغدير ـ أقرب إلى رسول الله من علي، فحينئذ لِمَ لمْ يخرج معه ؟
يقول في الجواب: صحيحٌ، لكنْ لم يكن للعباس تلك الصلاحية والقابليّة واللياقة لان يحضر مثل هذه القضية، هذا بتعبيري أنا، لكن راجعوا نصّ عبارته هذا النقل كان بالمعنى، يقول بأنّ العباس لم يكن في تلك المرتبة لان يحضر مثل هذه القضيّة، يقول ابن تيميّة فلذا يكون لعلي في هذه القضية نوع فضيلة.
بهذا المقدار يعترف، ونغتنم من مثل ابن تيميّة أن يعترف بفضيلة لعلي في هذه القضيّة.
ولو أنّك راجعت الفضل ابن روزبهانالخنجي، ذلك الذي ردّ كتاب العلاّمة الحلّي رحمه الله بكتاب أسماه إبطال الباطل، لرأيته في هذا الموضع أيضاً يعترف بثبوت فضيلة لعلي لا يشاركها فيها أحد(15) .
نعم، يقول ابن تيميّة: لم تكن الفضيلة هذه لعلي فقط، وإنّما كانت لفاطمة والحسنين أيضاً، إذن، لم تختصّ هذه الفضيلة بعلي.
وهذا كلام مضحك جدّاً، وهل الحسنان وفاطمة يدّعون التقدم على علي ؟ وهل كان البحث في تفضيل علي على فاطمة والحسنين، أو كان البحث في تفضيل علي على أبي بكر ؟ أو كان البحث في قبح تقدم المفضول على الفاضل بحكم العقل ؟
والعجب أنّ ابن تيميّة يعترف في أكثر من موضع من كتابه منهاج السنّة بقبح تقدّم المفضول على الفاضل، يعترف بهذا المعنى ويلتزم، ولذلك يناقش في فضائل أمير المؤمنين لئلاّ تثبت أفضليّته من الغير.
ثمّ مضافاً إلى كلّ هذا، ترون في قضيّة المباهلة أنّ رسول الله يقول لعلي وفاطمة والحسنين: «إذا أنا دعوت فأمّنوا»(16) ، أي فقولوا آمين، وأيّ تأثير لقول هؤلاء آمين، أن يقولوا لله سبحانه وتعالى بعد دعاء رسول الله على النصارى أن يقولوا آمين، أيّ تأثير لقول هؤلاء ؟ ألم يكف دعاء رسول الله على النصارى حتّى يقول
رسول الله لفاطمة والحسنين وهما صغيران أن يقول لهم قولوا آمين ؟
خاتمة المطاف:
إذن، كان لعلي ولفاطمة وللحسنين سهم في تقدّم الاسلام، كان علي شريكاً لرسول الله في رسالته.
وهذا معنى (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي)(17) ، فهارون كان ردءاً يصدّق موسى في رسالته، وهارون كان شريكاً لموسى في رسالته.
وهذا معنى: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»، وقد قلت من قبل: إنّ الاحاديث هذه كلّها تصب في مصبّ واحد، ترى بعضها يصدّق بعضاً، ترى الاية تصدّق الحديث، وترى الحديث يصدّق القرآن الكريم، وهكذا الامر فيما يتعلّق بأهل البيت: رسول الله يجمع أهله تحت الكساء فتنزل الاية المباركة آية التطهير، وفي يوم الغدير ينصب عليّاً ويعلن عن إمامته في ذلك الملا فتنزل الاية المباركة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(18) .
وأي ارتباط هذا بين أفعال رسول الله والايات القرآنيّة النازلة في تلك المواقف، ترون الارتباط الوثيق، يقول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) ويخرج رسول الله بعلي وفاطمة والحسن والحسين فقط، وهذا هو الارتباط بين الوحي وبين أفعال رسول الله وأقواله.
|