بعض التقسيمات في الاستدلال بالسنّة
وعندما يعود الامر إلى الاستدلال بالسنّة، فالروايات المتعلّقة ببحث الامامة تنقسم إلى أقسام، نذكر أوّلاً انقسامها إلى قسمين أساسيّين رئيسيّين:
القسم الاوّل
الروايات الشارحة للايات، والمبيّنة لشأن نزول الايات، فكما قلنا من قبل، فإنّ الاستدلال بالقرآن لا يتمّ إلاّ بالسنّة، إذ ليس في القرآن اسم لاحد، فهناك آيات يستدلّ بها في مباحث الامامة، لكن ماورد معتبراً في السنّة في تفسير تلك الايات وشأن نزول تلك الايات، هو المتمّم للاستدلال بالقرآن الكريم.
القسم الثاني
الروايات المستدلّ بها على الامامة والولاية والخلافة بعد رسول الله، وليس بها أيّة علاقة بالايات.
ثمّ الروايات تنقسم إلى أقسام، فهذه الروايات من القسم الثاني تنقسم إلى ثلاثة أقسام.
القسم الاوّل:
ما يدلّ على الامامة بالنص.
القسم الثاني:
ما يدلّ على الامامة عن طريق إثبات الافضليّة، هذه الافضليّة التي هي الصغرى بإصطلاحنا لكبرى قاعدة قبح تقدّم المفضول على الفاضل.
القسم الثالث:
الروايات الدالّة على العصمة، واشتراط العصمة واعتبارها في الامام أيضاً حكم عقلي، وفي مورده أيضاً أدلّة من الكتاب والسنّة.
المقدمة الثالثة: أهمية البحث عن الامامة
والبحث عن الامامة بحث في غاية الحساسيّة والاهميّة، لانّنا نرى وجوب معرفة الامام، وعندما نبحث عن الامام وتعيين الامام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، نريد أن نعرف الحقّ في هذه المسألة الخلافية، ثمّ لنتّخذه قدوةً واُسوة، لنقتدي به في جميع شؤوننا، وفي جميع أدوار حياتنا.
إنّما نريد أن نعرفه ولنجعله واسطة بيننا وبين ربّنا، بحيث لو سئلنا في يوم القيامة عن الامام، بحيث لو سئلنا يوم القيامة لماذا فعلت كذا ؟ لماذا تركت كذا ؟ أقول: قال إمامي إفعل كذا، قال إمامي لا تفعل كذا، فحينئذ ينقطع السؤال.
عندما نريد البحث عن الامام لهذه الغاية، فبالحقيقة يكون البحث عن الامام والامامة بحثاً عن الواسطة والوساطة بين الخالق والمخلوق، نريد أنْ نجعله واسطة بيننا وبين ربّنا، نريد أن نحتجّ بما وصلنا وبلغنا من أقواله وأفعاله في يوم القيامة على الله سبحانه وتعالى، أو نعتذر أمامه في كلّ فعل أو ترك صدر منّا وسألنا عنه، فنعتذر بأنّه قول إمامنا أو فعل إمامنا، وهكذا بلغنا ووصلنا عنه، هذا هو ـ في الحقيقة ـ لبّ البحث عن الامامة.
إذن، يظهر أنّ البحث عن الامامة بحث مهمّ جدّاً، لانّ الامام حينئذ يكون كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واسطةً بيننا وبين ربّنا عند فقد النبي.
أمّا أنْ يكون الامام حاكماً بالفعل أو لا يكون حاكماً، أنْ يكون مبسوط اليد أو لا يكون مبسوط اليد، أن يكون مسموع الكلمة أو لا يكون مسموع الكلمة، أن يكون في السجن أو يكون غائباً عن الانظار، أو أن يقتل، وإلى غير ذلك، هذه الاُمور كلّها أُمور أُخرى تتفرّع على بحث الامامة، ليس البحث عن الامامة بحثاً عن الحكومة، وإنّما الحكومة من شؤون الامام.
وكثيراً ما يختلط الامر على الباحثين، وكثيراً ما نراهم يعترضون على مذهبنا بعدم التمكّن من الحكومة والسيطرة والسلطنة على الناس، وإلى غير ذلك، وهذه الاُمور خارجة الان عمّا نحن بصدده.
إذن، لابدّ من البحث عن الامام بعد النبي، لانّا نريد أن نعرف الحق ونعرف الواسطة بيننا وبين ربّنا.
أمّا طريق معرفته، فهذا الطريق أيضاً يجب أنْ يكون تعيّنه من قبل الله سبحانه وتعالى، لانّه لو رجع وطالبنا في يوم القيامة وقال: من أيّ طريق عرفت هذا الامام ؟ فلو ذكرت له طريقاً لا يرتضيه، لقال هذا الامام ليس بحق، ومن قال لك هذا الطريق موصل إلى معرفة الامام الواسطة بينك وبيني ليكون عمله وقوله حجة لك في يوم القيامة ؟
إذن، نفس الطريق أيضاً لابدّ وأن ينتهي إلى الله سبحانه وتعالى، إنتهاؤه إلى الله أي انتهاؤه إلى الكتاب والسنّة والعقل السليم كما أشرنا من قبل.
ومن هنا، فقد اخترنا آيات من القرآن الكريم، وأحاديث من السنّة النبويّة، لكي نستدلّ بها على إمامة علي، ورجعنا إلى العقل في المسألة لنعرف حكمه فيها.
دوران البحث بين علي وأبي بكر
البحث يدور بين علي وأبي بكر، أمّا خلافة عمر وعثمان فيتفرّعان على خلافة أبي بكر.
إذن، يدور الامر بين علي وأبي بكر.
قالت الاماميّة: بأنّ عليّاً هو الخليفة، هو الامام، بعد رسول الله بلا فصل.
وقال أهل السنّة: الخليفة بعد رسول الله هو أبو بكر بن أبي قحافة.
استدلّت الاماميّة بآيات من القرآن الكريم، وبأحاديث، على ضوء النقاط التمهيدية التي ذكرتها، وسترون أنّا لا نخرج عن الاطار الذي ذكرناه قيد شعرة.
آية المباهلة
قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(2) .
هذه الاية تسمّى بـ «آية المباهلة».
|