أدعية شهر رمضان تمنح الإنسان نورانية مضاعفة
خلال هذه التسعة وعشرين يوماً أو الثلاثين يوماً، وبالإضافة إلى الصلوات الخمس المفروضة والنوافل التي يستطيع الإنسان دائماً أن يأتي بها، توجد أدعية تتضاعف بتلاوتها نورانية الإنسان. ولقد وضع أهل البيت(ع) هذه الأدعية في متناولنا، وعلّمونا كيفية الحديث والمناجاة مع الله.
إنّ جوهر القضية يكمن في أننا قادرون على تحقيق هذا السير إلى الله في شهر رمضان. وقد أشرتُ في السابق إلى أنني كنت أحياناً أتشرف بزيارة الإمام (قدس سره) بعد انتهاء شهر رمضان، فكنتُ المس بشكل واضح أنه قد ازداد نورانية، وأن كلامه ونظراته وإشاراته وحركات يده، وآراءه قد اختلفت عما كانت عليه قبل بداية شهر رمضان، وإنه لمن الملفت أن يكون لدورة شهر رمضان بالنسبة إلى إنسان مؤمن عالي المقام كالإمام، كل هذا الأثر!(6).
فلنسعَ كي نحيي روح العبودية في نفوسنا
إنّ روح العبادة هي العبودية لله ـ أيها الأخوة والأخوات، يجب علينا أن نسعى لإحياء روح العبودية في نفوسنا، والعبودية تعني التسليم لله، وتعني كسر ذلك الصنم الموجود في نفوسنا.
إنّ ضمنا الباطني ـ أي الأنا ـ يُظهر نفسه في كثير من الأوقات والظروف. فعندما تقع منافعك في خطر، ولا يقبل شخص ما كلامك، ويحدث أمر يوافق رغبتك ـ ولو خلافاً للشرع ـ أو تقف على مفترق طريقين ـ مصالحك الشخصية من جهة التكليف من جهة أخرى ـ في مثل تلك المضائق والمزالق، تعلو تلك الأنا الباطنية برأسها وتظهر نفسها.
ولو تمكنا أن نروّض بالكامل هذه الأنا، هذا الهوى النفسي، هذا الفرعون الباطني، هذا الشيطان الموجود في داخلنا ـ أو أن نروّضه ولو بمقدار ما ـ فإن جميع الأمور سوف تصلح. وقبل أي شيء آخر، سوف نتحول إلى بشر حقيقيين، ونصل إلى الفلاح.
إنّ شهر رمضان هو مقدمة لهذا الغرض. فالصوم، والصلاة مع التوجه، والإنفاق، وحتى الجهاد في سبيل الله، هو لأجل الوصول إلى دنيا يكون الناس فيها عباداً لله(7).
إنّ حصلّتم ثمرة ما في شهر رمضان فاحفظوها
يجب على المسلمين في يوم العيد أن يمعنوا النظر إلى نفوسهم، ويتلمسوا الاستفادات التي قد حققوها من الضيافة الإلهية في شهر رمضان المبارك، فشهر رمضان هو شهر بناء النفس والتقوى. هل استطعنا عن طريق الصيام والعبادة في ذلك الشهر الشريف أن نضيف شيئاً ما إلى ذواتنا، وأن نبني أنفسنا، أم لا؟ قوموا بهذه المحاسبة في هذا اليوم، وإن وجدتم أنكم قد حصلتم ثمرة ما، فاسعوا كي تحافظوا عليها طوال العام(8).
شهر رمضان فرصة استثنائية
نحن نعتقد ـ وهذا جزء من بديهيات الإسلام بل بديهيات جميع الأديان ـ أن الإنسان يستطيع أن يتكامل فقط في ظل الارتباط والاتصال بالحق تعالى. بالطبع، تعد فرصة شهر رمضان فرصة استثنائية، إذ ليس هو بالأمر البسيط أن يقول تعالى في القرآن: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾.
فهي ليلة من ليالي شهر رمضان تفوق في فضلها وفضيلتها ألف شهر، وتعدّ أشد تأثيراً(من غيرها) في إحداث تقدم الإنسان. وإنه ليس بالأمر البسيط أن يعتبر الرسول الأكرم(ص) هذا الشهر شهر الضيافة الإلهية. أفمن الممكن أن يفيد الإنسان على مائدة الكريم فيخرج من عنده محروماً؟... إن المحروم الواقعي والحقيقي هو ذلك الشخص الذي لم يستطع في شهر رمضان أن ينال الغفران الإلهي(9).
المناجاة الشعبانية
إنّ الدعاء هو وسيلة المؤمن وملجأ المضطر، ورابطة الإنسان الضعيف والجاهل بالمنبع الفياض للعلم والقدرة. فالإنسان الذي يفقد الرابطة الروحية مع الله، ولا يتوجه إلى الغني بالذات لطلب حاجته منه، هو إنسان حائر وعاجز وضائع: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾(10).
وإنّ أفضل الأدعية على الإطلاق هو ذلك الدعاء الذي ينشأ من عمق المعرفة الوالهة بالله، ومن البصيرة العارفة بحاجات الإنسان؛ وهذا ما مما يمكن أن يبحث عنه فقط في دين نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين ـ الذين هم أوعية علم النبي(صلى الله عليه وآله) وورثة حكمته ومعرفته ـ ونحن بحمد الله نمتلك ذخيرة لا تنضب من الأدعية المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام)، والتي يمنح الأنس بها الصفاء والمعرفة والكمال والمحبة، ويطهر الإنسان من الكدورات.
إنّ المناجاة الشعبانية المأثورة ـ والتي قد روي أن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يدامون عليها ـ هي أحد الأدعية التي لا يمكن إيجاد نظير لمعانيها العرفانية ولسانها البليغ ولمضامينها العالية جداً، المليئة بالمعارف الرفيعة، على الألسنة الجارية وفي المحاورات العادية، بل ليس ممكناً أصلاً أن تنشأ بمثل تلك الألسنة.
إنّ هذه المناجاة هي النموذج الكامل من تضرّع أكثر عباد الله الصالحين قرباً واصطفاء، بين يدي معبوده ومحبوبه، والذات الربوبية المقدسة. إنها من جهة درس من المعارف، وهي أيضاً أسوة في كيفية إظهار الحاجة وطلب الإنسان المؤمن من الله.(11)
اغتنموا أيام شهر رمضان وأحكموا عقدكم مع الله
إنّ هذا الشهر هو شهرُ الصيام، شهرُ نزول القرآن والأنس به، شهرُ العبادة والدعاء والمناجاة ـ إذ الدعاء مخ العبادة وروحها ـ شهرُ الاستغفار والتوبة والرجوع عما لا يرضي الله تعالى ورعاية التقوى، شهرُ الجهاد ـ حيث حدثت في هذا الشهر المبارك غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، وفتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، كما وقعت غزوة حنين في نفس هذا العام أيضاً ـ شهرُ الجهاد مع النفس والجهاد مع الشيطان والجهاد مع أعداء الله، شهرُ التجهز، شهرُ التزود بالتقوى، شهرُ صلة الرحم والصدق وبر الأخوان، والتعلم، والتدبر في القرآن، وبالإجمال شهرُ التزود بالذخيرة المعنوية لعام كامل.. فاغتنموا هذه الأيام وأحكموا عقدكم مع الله(12).
|