إضاءات قرآنية على مجتمع اليهود الشيخ جواد امين موقع دار السيد رقية ع للقرآن الكريم
إضاءات قرآنية على مجتمع اليهود الشيخ جواد امين موقع دار السيد رقية ع للقرآن الكريم
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(1).
سوف ننطلق في الحديث عن هذه الآية في مباحث أربعة، وهي على الترتيب:
المبحث الأول: من يحمل الكتاب و لا يعمل به.
المبحث الثاني: لماذا التشبيه بالحمار؟.
المبحث الثالث: ثغرة (العالم غير العامل).
المبحث الرابع: الإنسان و القرآن.
المبحث الأول: من يحمل الكتاب و لا يعمل به
إنّ الهدف من التمثيل هو تقريب المعنى إلى ذهن السامع، فالمسألة إذا كان فيها خفاء يضرب لها مثل محسوس حتى تقرّب إلى ذهن السامع، فوظيفة المَثَل تبيانية، و منه الأمثلة التي جاء بها القرآن الكريم كما في قوله تبارك وتعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا}(2) فإنه يريد أن يبيّن أن هؤلاء الذين يجمعون أموالهم من السحت و الحرام هي أموال أشبه شيء بالنبات اليابس الذي يقع عليه المطر و يحطّمه و يهشّمه ثم تأتي الرياح القوية فتأخذه للفضاء و تبدّده. فكل شيء مصدره الحرام، لاشك أنه إلى زوال و تبدّد فإنّ الله تبارك و تعالى يضرب لنا أمثلة حسّية كي تتقرب الأمور إلى أذهاننا.
والآية التي هي موضوع حديثنا، نزلت في اليهود الذين حملوا التوراة وحينما حمّلوا التوراة كلّفوا بالعمل بمضمونها فقال لهم: إنّ التوراة هي دستور الحياة فيجب عليكم أن تطبقوا المفاهيم الواردة فيها على ساحة الواقع، فتطبقوا الحدود والوصايا والنظم التي احتوتها. فلما نزلت التوراة و قرأها الأحبار رأوا فيها أشياء لا تروقهم، فمثلاً جاء فيها تبشير بالنبي محمد| وليس من مصلحتهم أن يدّعوا نبوّته؛ بل إنّ لديهم مؤسّسات قائمة على اليهودية تدرّ عليهم أموالاً وهي مرتبطة بالدولة، وعليه فإنّ مصالحهم ستذهب إذا أخبروا أتباعهم بالأحكام التي تلتقي مع الإسلام، وهم يريدون كياناً متميزاً وهنا جاء في كتاب الله المجيد: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا }.
إنّ هذه المسألة لا تخصّ اليهود فقط، فليسوا هم وحدهم من لم يحملوا مضامين كتابهم، فهناك الكثير ممّن نزل عليهم القرآن و لم يعملوا به، و كأنّ القرآن نزل للقراءة صباحاً فقط، أو لتحلّى به الأعناق للبركة. إنّ القرآن فيه مضامين عالية علينا أن نطبّقها فنحن حمّلنا القرآن للتكليف، و حكمنا عندما نترك القرآن كحكم اليهود الذين لم يعملوا بالتوراة، و سيلحقنا الذم. فعلينا أن نعرف مضامين القرآن الكريم و دساتيره و ارشاداته كي لا نقع ضمن دائرة قوله تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} و هنا يبرز لنا موضوع غاية في الأهمية ألا و هو أنه هل قمنا بدراسة العلاقة بين الاعراض عن ذكر الله عزّ وجلّ و ضنك العيش دراسة جدّية و واقعية، خاصة و اننا نجد أن جامعاتنا لا تدّرس الاقتصاد حسب رأي أئمة اهل البيت(عليهم السلام) او آراء ائمة مذاهب أهل السنة، وهنا نقول: لماذا لا نأخذ برأي نبي الرحمة محمد بن عبدالله| ورأي الاسلام؟!
إن الواجب علينا أن ننظر إلى ما كتبه فقهاء المسلمين حول المسائل التي لها علاقة بالاقتصاد، و أن نضع لنا منهجاً في دراساتها.
إذن، يوجد عندنا أناس يحملون القرآن ولا يعرفون مضمونه، بل يوجد أناس لا يعرفون ماذا يوجد في القرآن، كالحمار يحمل الاثقال ولا يعرف ما هي؛ فهو يحمل القرآن و لا يعرف نسبته إلى المذاهب الاجتماعية الأخرى إنّ في القرآن أكثر من 70 آية نزلت في حق علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و هذا الأمر تذكره حتى المذاهب الاسلامية الأخرى(3) فترى البعض يساويه بأناس لا يملكون شيئاً من العلم والنزاهة والايمان، وهو القائل: (سلوني، سلوني، فوالله لا تسألوني عن آية من كتاب الله إلا حدثتكم عنها بمن نزلت: بليل أو بنهار أو في مقام أو في مسير أو في سهل أو في جبل، و فيمن نزلت: أفي مؤمن أم منافق)(4). هل يمكن أن نضعه في مصاف من لا يعرف أبسط الأحكام؟!
يجب أن يكون عندنا مقاييس علمية وموضوعية، حتى نكون بالشكل المطلوب ونتمكن من العمل بمضامين القرآن الكريم. أذاً، علينا أن نرى قذى أنفسنا و نبادر و نسارع على التغيير لأن الوقت فرار، ومن هنا نجد أن المسألة لا تقتصر على التوراة، بل تشمل حتى حامل القرآن، فهو عرضة إلى المؤاخذة عند عدم العمل به، فالقرآن إمامنا ومرشدنا و مصدر حضارتنا، و علينا أن نأخذ بدساتيره التي استوعبت و ملأت كل أركان الحياة، فهو حياة المجتمع، و هو عندما نزل فإنه نزل على أناس أموات فأحياهم وبعثهم على أحسن تقويم.
يــــا لـثارات الـــزهــــــراء
|