10-17-2011, 04:31 PM
|
#2
|
المشرف العام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 11
|
تاريخ التسجيل : May 2010
|
أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
|
المشاركات :
735 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
وسائل تقوية الأخوّة الحقة
الوسيلة الأولى: المواساة
وهي إحدى الخصال التي تحقق معنى الأخوّة في العقيدة، وقد أكدتها الأحاديث المروية عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أجمعين، فقد قال الإمام زين العابدين(عليه السلام) لأحد أصحابه: (هل يدخل أحدكم يده في كُمّ أخيه وكيسه فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه؟)، قال: لا، قال: (لستم بإخوان)(30).
إنّ من نتاجات الإيمان والإخوة الصادقة في العقيدة وثمراتها المواساة والمعاونة، أي مساندة المؤمنين بعضهم بعضاً. ولهذه المواساة درجات:
أدناها أن ينزّل المؤمن أخاه المؤمن منزلة عبده أو خادمه، فيقوم بحاجته من فضلة ماله دون سؤاله منه.
وأوسطها أن ينزّل المؤمن أخاه منزلة نفسه، ويرضى بمشاركته إيّاه في ماله ونزول منزله، حتى يسمح له بمشاطرته في الحال.
وأعلاها أن يقدّم المؤمن أخاه المؤمن على نفسه، ويقدّم حاجة أخيه على حاجته، وهذه رتبة الصدّيقين ومنتهى درجات المتحابّين: {وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً}(31).
الوسيلة الثانية: الإيثار وبذل النفيس
إنّ الدين الإسلامي هو الدين القيّم الذي بني على روح الإنسانية والتعاطف والمواساة والتحابب والتواصل، حتى بذل الغالي والنفيس من أجل العقيدة وإحياء أخوّتها، ولذلك يقول صادق أهل البيت(عليهم السلام): «اتقوا الله وكونوا إخوة بررة، متحابين في الله، متواصلين متراحمين، تزاوروا وتلاقوا، وتذاكروا وأحيوا أمرنا»(32).
ومن إحدى وسائل تثبيت وتحقيق هذه الأخوّة بذل النفس والإيثار بها، كما هو فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) حين آثر على نفسه وبات في فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة خروجه من مكة، ولقد أشار القرآن إلى ذلك بقوله: {وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ}(33). وسوف نتطرق لهذا الأمر لاحقاً ـ إن شاء ـ عند الحديث من مؤاخاة رسول الله وأمير المؤمنين(عليه السلام).
الوسيلة الثالثة: مرآتية المؤمن لأخيه المؤمن
إنّ من الأمور التي تُعدّ من ثمرات هذه الأخوّة أن يكون المؤمن مرآة لأخيه المؤمن، كما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) في (نوادر الراوندي)، بإسناده عن موسى بن جعفر(عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): المؤمن مرآة لأخيه المؤمن، ينصحه إذا غاب عنه، ويميط عنه ما يكره إذا شهد، ويوسع له في المجلس»(34).
أيّ أنّ المؤمن كالمرآة التي يرى فيها الإنسان ما لا يمكن أن يراه لو خلّي هو ونفسه؛ إذ لا يستطيع أن يرى صورة نفسه بدونها، فيستفيد المرء من أخيه بمعرفة عيوب نفسه، بخلاف ما لو انفرد فإنّه لا يستطيع اكتشاف تلك العيوب، فلذلك جعل المؤمن مرآة لأخيه المؤمن كي يرى كلاهما عيوب نفسه من خلال النظر إلى أخيه المؤمن.
الوسيلة الرابعة: الاستفادة المتبادلة والمزاورة بين المؤمنين
إنّ من ثمرات الأخوّة الاستفادة والاستعانة، فإنّ كسب أخ العقيدة معناه الاستعانة به في الحياة، وهذا ما أكدته روايات أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم، فعن محمد بن زيد، قال: سمعت الرضا(عليه السلام) يقول: (من استفاد أخاً في الله استفاد بيتاً في الجنة)(35).
وفي الواقع ما هذه إلاّ فيوضات إلهية أكرم بها الله تعالى خلقه المؤمنين، فهي رحمة من الله ساقها لهم، بأن جعل المؤمنين يخدم بعضهم بعضاً، وذلك من خلال إفادة بعضهم بعضاً، كما عن جميل بن دراج عن الصادق (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «المؤمنون خدم بعضهم لبعض» . قلت: وكيف يكونون خدماً بعضهم لبعض؟ قال: (يفيد بعضهم بعضاً) (36).
ولا شك أنّ مثل هذه الاستفادة وحصول التعاون وإفادة البعض للآخر يرتكز على أساس ومبدأ تحقق فضل هذه الأخوّة السامية، وهو الزيارة بين المؤمنين، فقد ورد عن الكاظم(عليه السلام): (من زار أخاه المؤمن لله لا لغيره، يطلب به ثواب الله وينجز ما وعده الله، وكّل الله به سبعين ألف ملك من حين يخرج من منزله حتى يعود إليه، ينادونه: ألا طبت وطابت لك الجنّة، تبوّأت من الجنّة منزلاً) (37).
وورد عن عبدالله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: (إنّ المؤمن ليخرج إلى أخيه يزروه فيوكل الله عزّ وجلّ به ملكاً فيضع جناحاً في الأرض وجناحاً في السماء يظله، فإذا دخل نادى الجبّار تبارك وتعالى: أيّها العبد المعظِّم لحقّي، المتبع لآثار نبيي، حق عليَّ إعظامك، سلني أعطك، ادعني أجبك، اسكت أبتدئك. فإذا انصرف شيّعه الملك حتى يدخل إلى منزله، ثم يناديه تبارك وتعالى: أيها العبد المعظِّم لحقّي، حقّ عليَّ إكرامك، قد أوجبت لك جنّتي وشفّعتك في عبادي) (38).
الوسيلة الخامسة: العفو والصفح
إنّ العفو عن زلاّت الإخوان وهفواتهم والصفح عن الإساءة غير المقصودة، لهو خلق رفيع، فالمؤمن الذي يكظم غيظه، وينتحل الأعذار لإخوانه، ويحسن الظنّ بهم، ويختار من الكلمات ما يستلّ السخيمة والضغائن من قلوبهم، لهو مؤمن حقّ الإيمان.
ومن جميل ما ينقل في هذا المجال في التاريخ من القصص ما ورد في ابن السماك مع أخ له في الله، بأن قال لابن السماك: (الميعاد بيني و بينك غداً نتعاتب)، فرد عليه ابن السماك: (بل الميعاد غداً بيني وبينك نتغافر)، وهذا مصداق قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(39)
ثمار الأخوة الحقة
لا شك إنّ كل شجرة تغرس في الوقت والمكان المناسبين، وتسقى بالطريقة الملائمة، تنمو وتترعرع شيئاً فشيئاً حتى تورق وتزهر وتثمر، وهكذا هي شجرة الأخوّة الحقة إذا ما زرعت وسيقت من خالص العقيدة الحقة للمؤمنين، فإنّها لابد أن تنمو وتزدهر وتعطي أطيب الثمار، وهي ثمار الأخوّة سواء مجتمعين أم منفردين. ويمكن تلخيص هذه الثمار بما يلي:
1ـ المساهمة في تحقيق أهداف الأسرة المؤمنة، وبالتالي بناء مجتمع مؤمن متراحم يكمّل بعضه بعضاً.
2ـ تذوّق حلاوة الإيمان.
3ـ التلذذ بالحياة السعيدة الهنيئة.
4ـ نيل الأمن والسرور في الدارين.
5ـ تحصيل التجارب المتنوعة التي يمكن الاستفادة منها في تحقيق الأهداف المرجوة.
قال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): (أخوك في الله مَن هداك إلى الرشاد، ونهاك عن الفساد، وأعانك على إصلاح المعاد) (40).
أبرز مصاديق الأخوة في العقيدة
إنّ من أبرز مصاديق الأخوّة في العقيدة ما أمر به الله تعالى نبيّه باتخاذ الإمام علي أخاً له في الله؛ فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوحي من الله عزّ وجلّ قد آخى بين أصحابه مرتين، وهذا ما رواه الطرفين بسند معتبر:
الأولى: المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم خاصة في مكة المكرمة قبل الهجرة.
الثانية: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة بعد الهجرة بخمسة أشهر.
وقد كانت المؤاخاة في كلتا المرتين على أساس المشاكلة والمجانسة والمماثلة بين كل اثنين من المسلمين في الدرجات النفسانية والكمالات الروحية.
ووفقاً لهذه النظرية اختار رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ بوحي من الله تعالى في كلتيهما ـ أميرَ المؤمنين علي بن أبي طالب أخاً لنفسه في الدنيا والآخرة.
روي عن جابر الأنصاري أنّه قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا جابر، أي الأخوة أفضل؟)، قال: قلت: البنون من الأب والأمّ، فقال: (إنّا معاشر الأنبياء إخوة وأنا أفضلهم، ولأحب الإخوة إليّ علي بن أبي طالب، فهو عندي أفضل من الأنبياء، فمن زعم أنّ الأنبياء أفضل منه فقد جعلني أقلّهم، ومن جعلني أقلّهم فقد كفر؛ لأنّي لم أتخذ علياً أخاً إلاّ لمّا علمت من فضله)(41).
فالإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعدما كان له شرف نشوئه في حجر رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وشرف تربية النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) إياه كولده، وبعد تشرّفه بسبقه في الإسلام بالصلاة والإيمان، وخلافته ووزارته له (صلى الله عليه وآله) يوم الإنذار، وبافتداء نفسه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة المبيت، وفي قضاء ديونه وأداء أماناته بمكة المكرمة، وغير ذلك من الفضائل الأخلاقية والكمالات النفسانية، التي لا يوازيه فيها أحد في شرف وكرامة، ولا يعادله أحد في مقام ومنزلة، ولا يقاس به رجل من هذه الأمّة، بعد كل هذا صار متشرفاً بأخوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) المختار من بين المهاجرين والأنصار.
ولقد مرّ بنا سابقاً أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخى بين كل اثنين من أصحابه من المهاجرين والأنصار على المواساة، يتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام، وكانوا تسعين رجلاً غير النساء، خمسة وأربعين رجلاً من الأنصار، وخمسة وأربعين رجلاً من المهاجرين، وقيل: كانوا خمسين ومائة من الأنصار، ومثلهم من المهاجرين، وكان ذلك قبل بدر.
وقد ذكر ابن هشام في (السيرة) في باب المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: (قال ابن إسحاق: وآخى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال فيما بلغنا ـ ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل ـ : (وتآخوا في الله أخوين)، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: (هذا أخي)، فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول ربّ العالمين، الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أخوين)(42).
وهذا ما أكد عليه أمير المؤمنين(عليه السلام) حين قال في (نهج البلاغة): (أنا من رسول الله(صلى الله عليه وآله) كالعضد من المنكب، وكالذراع من العضد، وكالكف من الذراع، ربّاني صغيراً، وآخاني كبيراً، ولقد علمتم أنّي كان لي منه مجلس سرّ لا يطلع عليه غيري، وأنّه أوصى إليّ دون أصحابه وأهل بيته، ولا أقولن ما لم أقله قبل هذا اليوم، سألته مرّة أن يدعو لي بالمغفرة، فقال: أفعل، ثم قام فصلّى، فلمّا رفع يده للدعاء استمعت إليه فإذا هو قائل: اللهم بحق علي عندك اغفر لعلي، فقلت: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: أوَ أحد أكرم منك عليه فاستشفع به إليه؟)(43).
واعلم أنّ حديث المؤاخاة بين رسول الله(صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب متواتر عن طريق الفريقين، ينتهي سنده إلى أكثر من عشرين راوياً، منهم:
1 ـ أبو ذر الغفاري.
2 ـ عبدالله ابن عباس.
3 ـ جابر بن عبدالله الأنصاري.
4 ـ أبو أمامة.
5 ـ أنس بن مالك.
6 ـ عمر بن الخطاب.
7 ـ عبدالله بن عمر .
8 ـ مخدوج بن زيد.
9 ـ سلمان المحمدي.
10 ـ حذيفة بن اليمان ، وغيرهم.
وقد ورد هذا الحدث العظيم في كتب العامة، وتناقله أعاظم مصنفيهم كابن ابن سعد في (الطبقات)(44)، وابن عبد البر في (الاستيعاب) (45)، وأحمد بن حنبل في (المسند) (46)، والترمذي في سننه(47)، والبغدادي في (تاريخ بغداد) (48)، وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة)(49)، وغيرهم.
وفي ذلك يقول الشاعر:
مَا بَعدَ قولِ نبي الله أنتَ أخي *** من مطلبٍ دونه مطلَ ولا عللُ لقد أحلّك إذ آخاك منزلةً *** لا المشتري طامع فيها ولا زحل() وهنا نقطة هامّة يجدر الإشارة لها، وهي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) بعدما أمر بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وجعل لكل شخص من المهاجرين أخاً له من الأنصار، حتى أتمّهم جميعاً، آخى هو بينه وبين الإمام علي بن أبي طالب؛ كي لا تقاس مؤاخاتهما ـ صلوات الله عليهما ـ بمؤاخاة غيرهما، فقد أخّرها لأهمّيتها وإعرابها عن المماثلة والمشاكلة في الفضيلة بينه (صلى الله عليه وآله) وبين الإمام علي(عليه السلام).
ذكر جمال الدين الشيرازي الهروي عن يعلى بن مرة، قال: آخى رسول الله(صلى الله عليه وآله) بين المسلمين، وجعل يخلّف علياً حتى بقي في آخرهم وليس معه أخ له، فقال: (آخيت بين المسلمين وتركتني؟)، فقال: (إنّما تركتك لنفسي، أنت عندي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبي بعدي، وأنت معي في قصري في الجنّة مع ابنتي فاطمة، وأنت أخي ورفيقي)، ثم تلا رسول الله هذه الآية، {عَلَى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ}(51)(52).
كما وذكر ذلك أيضاً الحلبي في سيرته(53)، وقريب منه ما عن صاحب (كنز العمال)(54).
ومما يذكر في كتب التاريخ(55) عن المؤاخاة التي أمر بها رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما عن ابن عباس قوله: فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد، وبين طلحة والزبير، وبين أبي عبيدة الجراح وسعد بن معاذ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب الأنصاري، وبين أبي ذر الغفاري وعبدالله بن مسعود، وسلمان وحذيفة، وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة، وبين أبي الدرداء وبلال، وبين جعفر الطيار ومعاذ بن جبل، وبين المقداد وعمار بن ياسر، وبين عائشة وحفصة، وبين زينب بنت جحش وميمونة، وبين أم سلمة وصفية. وبعضهم قال: بين عائشة وزوجة أبي أيوب.
|
|
يــــا لـثارات الـــزهــــــراء
|