10-17-2011, 04:29 PM
|
|
|
المشرف العام
|
|
|
|
لوني المفضل
Cadetblue
|
رقم العضوية : 11 |
تاريخ التسجيل : May 2010 |
فترة الأقامة : 5405 يوم |
أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM) |
المشاركات :
735 [
+
]
|
التقييم :
10 |
بيانات اضافيه [
+
] |
|
|
|
الاخوة في القرآن الكريم سماحة الشيخ عبد الجليل المكراني موقع دار السيد رقية ع للقرآن
الاخوة في القرآن الكريم سماح
تمهيد
إنّ من بين أهم المبادئ والقيم الإنسانية التي أكّد عليها القرآن الكريم في العديد من آياته الكريمة، والتي جاء التأكيد عليها من قبل النبي الأكرم محمّد(صلى الله عليه وآله) والإمام علي(عليه السلام) ثم الأئمة(عليهم السلام) من بعدهما هو مبدأ الأخوة في الدين، فإن لم يتحقق الاتحاد فيه فالأخوة في الخلق والإنسانية. وهذا إنّ دلَّ على شيء فإنّما يدلّ على عظم مكانة وأهمية هذا المبدأ في السير التكاملي للإنسان في الحياة الدنيا، والذي تنعكس آثاره في الحياة الدنيوية والأخروية، فإنّ الإنسان دائماً وأبداً بحاجة إلى أبناء نوعه في البناء والإرشاد والتوجيه والتعاون، سواء قلنا بالنظرية المشهورة (الإنسان مدني بالطبع)، أم بنظرية العلامة الطباطبائي(رحمه الله) القائلة: (الإنسان مستخدم بالطبع)، فإنّ كلا النظريتين يوضّحان لنا بشكل جلي مدى حاجة الإنسان إلى أبناء نوعه في الإعمار ومواصلة الحياة في الدنيا واستمراها.
ولكن ما بيّنه القرآن الكريم حول هذا المبدأ الفطري عند الإنسان يكمن في دوره الكبير في التكامل ووصول الإنسان إلى سعادته الكبرى في الدارين، وعليه فينبغي على الإنسان الواعي أن يسعى لتحقيق كل ما به كماله وسعادته، وأن يكافح ويجاهد لدفع كل ما من شأنه أن يحدّ من حركته التي توصله إلى كماله المطلوب. وبما أنّ الفرقة والاختلاف من القيود والموانع التي تحول دون وصول الإنسان إلى هدفه في سيره التكاملي، فنجد القرآن الكريم يدعو دائماً إلى الإسراع في حلّ النزاعات والخلافات المؤدية إلى زرع الفتنة والفرقة بين المؤمنين، وهو بدعوته هذه يكون داعياً إلى إيجاد حياة سعيدة وهنئية يسودها الأمن والاستقرار والطمأنينة والمحبّة والأخوة في الدين والخلقة.
وهذا ما سنتعرض له من خلال جولتنا السريعة في مطالعة ما جاء في ذلك من آيات الذكر الحكيم، علّنا نقتبس منها نوراً لأنفسنا، ورشاداً لعقولنا، وفائدةً لأبناء جلدتنا وإخواننا في الدين. وقد كان من بين تلك الآيات الداعية إلى تفعيل هذا المعنى، قوله تعالى: {إِنّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ}(1) .
وقبل التعرّض إلى ذكر معاني الأخوة في القرآن ـ موضوع البحث ـ نشير بصورة موجزة ومختصرة إلى أصل لفظة (الأخ) ومعانيها الحقيقية والمجازية في اللغة:
جاء في اللغة بأنّ الأخ هو المشارك لك في الولادة من طرفي الأب والأم، أو من أحدهما أو من الإرضاع، بل كل مشارك لك في العشيرة، أو في الدين، أو العقيدة، من الكفر والإيمان، والحقّ والباطل، والهدى والضلالة.
معاني الأخوة في القرآن الكريم
تكررت كلمة الأخوة واشتقاقاتها في القرآن الكريم ست وتسعين مرّة، في ثلاث سور من سوره الشريفة، لكنّها تحمل معاني مختلفة، منها:
المعنى الأول: أخوة النسب
وتطلق على الأخوين أو الإخوة الذين ولدوا من أب واحد وأم واحدة، كقوله تعالى: {فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ}(2) . أو من أب واحد دون الأم، وكذا العكس أي من أم واحدة دون الأب، والأول من قبيل قوله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * وَلَمّا جَهّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لّكُم مِنْ أَبِيكُمْ}(3).
المعنى الثاني: أخوة الرضاعة
من قبيل قوله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُم مِنَ الرّضَاعَةِ}(4)، إذ الآية الكريمة صريحة في دلالتها على تحقيق مبدأ الأخوّة الذي يدعو إليه الدين الإسلامي، لذلك ترتّب عليه مجموعة من الأحكام الشرعية ذكرت في محلّها.
المعنى الثالث: أخوة الدين والعقيدة
وهذا المعنى من الأخوّة هو الميزان في الأخوّة الحقيقية؛ فإنّ أخوّة النسب ربما تنقطع بمخالفة الدين، بينما أخوّة الدين لا تنقطع وإن لم يكن هناك نسب.
وهذا المعنى ـ الثالث ـ من الأخوّة يحمل أنواعاً متعددة تربط الإنسان بالآخرين بنوع من الأخوّة المترتب على مجموعة القيم والمفاهيم التي تحتم عليها العقيدة والدين، والآيات الكريمات تشير إلى كثرة هذه المفاهيم.
* قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}(5)، بمعنى أنّه تعالى ألّف بينهم بأخوّة الإيمان والإسلام التي هي إحدى نعمه جلّ وعلا.
* وقال تعالى: {إِنّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(6)، إذ في الآية إشارة إلى اجتماع المؤمنين على الحقّ وتشاركهم في الصفة المقتضية له.
* وقال تعالى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلاَةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ}(7)، وهذا المقطع من الآية الكريمة صريح في تحقيق معنى أخوة الدين عند تححق ما يقتضي ذلك.
* وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (8)، فقد جعلت الآية الكريمة اشتراكهم في مذهب الكفر والشرك أخوة بينهم وإن اجتمعوا على غير الحق.
* وقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً}(9)، وكذلك قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً}(10)، و: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً}(11)، فإنّ في جميع هذه الآيات جاءت الأخوّة حاملة لمفهوم الأخ بكونه أحد أفراد قومه وعشيرته، فإنّ هوداً وصالحاً وشعيباً كانوا إخواناً لأبناء أقوامهم وعشائرهم، كما ورد ذلك عن الإمام علي بن الحسين في (تفسير العياشي)(12).
* قال تعالى: {يا أخْتَ هَارونَ}(13)، وفي الآية إشارة إلى مفهوم الأخوة المبتني على المودة والصلاح بين الناس.
* قال تعالى: {وَمَا نُرِيهِم مِنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا}(14)، فقد أشارت الآية الكريمة إلى الأخوّة في الصحة والإبانة والصدق، وإنّما سمّاها أختاً لاشتراكها في الصحة والدلالة.
* قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}(15)، إذ قد أوضحت الآية مفهوم الأخوّة المبتني على التشابه في العمل القبيح من قبيل أخ الشيطان كفعل ما يقدم به الشيطان من عمل.
وبالجملة: إنّ المستفاد من الآيات الكريمة كون الأخ هو المشارك لغيره؛ إمّا تكوينياً في الولادة، وإمّا تشريعاً كالأخ من الرضاعة، وإمّا لسنّة اجتماعية ككونه من العشيرة أو البلد.
ولقد كان العرب يسمّون الملازم للشيء أخاً له، فيقال: أخو العرب، وأخو يثرب، وهكذا. وإمّا للمشاركة والمشاكلة في مفاهيم أخرى كالمودة والصلاح وتشابه الأعمال.
وهناك الأخوّة بين الأرواح قبل الأبدان، كما ورد في (الكافي) بإسناده عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): (إنّما المؤمنون إخوة بنو أب وأم، وإذا ضُرب منهم عرق سهر له الآخرون)(16)، أي إنّهم إخوة في الفطرة التي فطر الله الناس عليها، كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدّينُ القَيّمُ}(17).
وممّا يدلّ على هذا المعنى أيضاً، ما نقله سليمان الجعفري عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: (يا سليمان، إنّ الله خلق المؤمنين من نوره، وصبغهم برحمته، وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية، فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمّه، أبوه النور وأمّه الرحمة) (18).
وفي رواية أخرى: (لم تتواخوا على هذا الأمر، ولكن تعارفتهم عليه)(19)، أي أنّ الأخوّة كانت بينكم منذ القديم والأزل وليست هي صنيعة اليوم، وإنّما تعارف المؤمن على الآخرين هو الذي يكون جديداً.
وما يدلل على ذلك أيضاً قوله(عليه السلام): (إنّ المؤمن ليستريح إلى أخيه المؤمن كما يستريح الطير إلى شكله)(20).
وفي (نوادر الراوندي) بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن قلب الضمآن إلى الماء البارد)(21).
وكذا ما ورد في الدلالة على الصحبة غير الاختيارية كما في قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): (الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)(22). فالتناكر نتيجة التباين والاختلاف، والائتلاف نتيجة التناسب الذي عبّر عنه بالتعارف.
وقوله (صلى الله عليه وآله): (إنّ أرواح المؤمنين لتلتقيان على مسيرة يوم وليلة، وما رأى واحد منها صاحبه)(23)، الدال على الأخوّة في عالم الذر المبتنية على الإيمان.
نماذج من الأخوّة في العقيدة والدين
قال إمام الموحدين علي بن أبي طالب(عليه السلام): (الناس إخوان، فمن كانت أخوّته في غير ذات الله فهي عداوة؛ وذلك قوله تعالى: {الأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلاّ المُتّقِينَ}(24))(25).
إنّ أخوّة العقيدة هي الأخوّة التي أمرنا بها؛ لأنّها خالصة لذات الله عزّ وجل، فهي ليست كأخوّة النسب والعشيرة أو العائلة التي يتفاخر بها الناس بعضهم على بعض. وكل أخوّة أو علاقة ووشيجة لم تبنى على أساس العقيدة فإنّ مصيرها الزوال والانقطاع، لذلك أثبت رسول الله(صلى الله عليه وآله) لسلمان المحمدي رابطة لا تنطقع حينما قال: (سلمان منا أهل البيت)؛ لأنّه قصد أهل بيت العقيدة الحقة، فصار مرتبطاً بأهل هذا البيت بهذه الرابطة.
ألا تلاحظ أنّ الله جاء بالبشر متفرقين في الأنساب والألوان والأوطان، ولكنّ الدين والعقيدة هما اللذان جمعا الناس في أخوّة واحدة رفعت هذه التفرقة والاختلاف، فالناس في العقيدة إخوة، وهذا ما دعا إليه الدين الإسلامي الحنيف من جعل الوحدة والائتلاف اجتماعاً على العقيدة، وبذلك قد ألغى جميع الفوارق من علو النسب أو البلد، وغير ذلك، بل قال: {إِنّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.
فالحب والتآخي في العقيدة ليس لأجل المصالح الدنيوية التي تتصرم مع زوال المصلحة. وهذا ما أكده أمير المؤمنين (عليه السلام) في (نهج البلاغة) حيث يقول: (لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني)(26).
ولعلنا ندرك من هذا الكلام أنّ مقياس الحبّ الإلهي متجسد في علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهو الذي جعله النبي مقياس العقيدة في الأخوّة والحب بقوله (صلى الله عليه وآله): (يا علي، لا يبغضك مؤمن ولا يحبّك منافق)(27) .
فكلّما زاد حبّ المؤمن لأمير المؤمنين (عليه السلام) كثر إيمانه وقوي، وهذا الحب هو الرابطة التي توصل المؤمن بطاعة ربّه، فمن لا حبّ له لعلي لا إيمان له، ومن لا إيمان له ليس له طاعة لله تعالى ولا لرسوله(صلى الله عليه وآله).
إذاً لابد أن تكون الأخوّة مبتنية على هذا المبدأ الذي جعله الرسول مقياساً للعقيدة، وهي لا تتحقق إلاّ في المؤاخاة، ولنِعمَ من قال:
مَا ضَاعَ مَن كانَ لَه صاحبٌ *** يُقدر أن يُصلحَ مِن شأنِه فإنّما الدارُ بسكّانها *** وإّنما المرءُ بإخوانِه نعم، إنّ رابطة أخوة العقيدة رابطة قوية مستمرة لا تنقطع إلى يوم القيامة، لذلك أكد على هذا المعنى رسول الله(صلى الله عليه وآله) بقوله: «كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي» (28)، وإنّما قصد بالسبب الإيمان، والنسب الانتساب إلى الدين، لا سبب الأب والأم.
إذاً فلا شيء أفضل وأعلى من الأخوّة في العقيدة؛ إذ فيها لا يتقدم بعض على بعض، ولا يتقدم نسب أو غيره على أخ العقيدة، والشاهد على ذلك تقديم محبّة سلمان وأخوّته عند النبي (صلى الله عليه وآله) على قرابة أبي لهب عمّ النبي(صلى الله عليه وآله).
وإنّما تقدمت أخوّة العقيدة وفضلت على غيرها لأجل ما فيها من الميزات والصفات التي لم تتوفر في غيرها من أواصر وروابط، إذ أخوّة العقيدة هي العون عند العوز، وصد العدو ودفع الحاجة. وهذا ما أكدته رواية حفص البختري، قال: كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام) فدخل عليه رجل، فقال لي: «تحبه؟». فقلت: نعم، فقال لي: «ولم لا تحبه وهو أخوك وشريكك في دينك، وعونك على عدوك، ورزقه على غيرك»(29) .ة الشيخ عبد الجليل المكراني موقع دار السيد رقية ع للقرآن الكريم
يــــا لـثارات الـــزهــــــراء
|