*************************
الجواب:
الأخ ايمن محمد المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل الاجابة على الشبهات حول ايمان ابي طالب نود الاشارة الى ان جواب ما ذكره في المقدمة تجده على صفحتنا تحت عنوان (الاسئلة العقائدية/ حديث/ (رد شبهات حول علم الحديث عند الشيعة) و(شبهات يثيرها المخالفون حول علم الحديث عند الشيعة) .
واما بخصوص الكلام عن ايمان ابي طالب:
الأول: ان الرواية جائت مرسلة في تفسير القمي على انها قول لعلي بن ابراهيم القمي فقد جاء قبلها: وقال علي بن ابراهيم في قوله (( أُولَئِكَ يُؤتَونَ أَجرَهُم مَّرَّتَينِ بِمَا صَبَرُوا... )) ثم قال: واما قوله (( إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ )) (تفسير القمي 2/142)، والنص واضح بأنه قول لعلي بن ابراهيم، وإذا عرفنا شهرة هذه الرواية بأسانيدها العامية يتطرق الاحتمال الى المصدر الذي اخذ منه علي بن ابراهيم قوله هذا.
ولعل القمي رضيها لعدم دلالتها على عدم اسلام أبو طالب فان فيها طلب النبي (صلى الله عليه وآله) منه ان يجهر بالشهادة وهذا لا ينفي اقراره بها على السر فإن ابا طالب كان يكتم ايمانه كما هو معروف ومع ذلك فقد شهد العباس بأنه نطق بها في آخر رمق من حياته. وعلى هذا يكون معنى الآية مورد النزول - لو قلنا به - هو: انك يا محمد لم تهد عمك الذي تحبه ولكن الله هداه، وهو ما ذكره بعض المفسرين.
فهذا النص بهذه الرواية في تفسير القمي ليس فيها دلالة على موت أبي طالب مشركاً ولا حجة علينا بما ورد عند العامة في صحاحهم من روايات تذكر شأن النزول بما يدل على بقاء أبي طالب على الشرك.
ويؤيد ماذكرنا ما رواه القمي بعدها من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو قمت المقام المحمود لشفعت في ابي وامي وعمي واخ كان لي مواخياً في الجاهلية (تفسير القمي 2/142) .
واخيراً نود الاشارة الى ان النص الذي اورده هذا المستشكل يختلف عما هو موجود في تفسير القمي فقد حذف منه بعض الكلمات التي فيها دلالة فإن في تفسير القمي: (ياعم قل لا الله إلا الله بالجهر انفعك بها يوم القيامة) فحذفت كلمة (بالجهر) وكذلك (فلما مات شهد العباس بن عبد المطلب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه تكلم بها باعلى صوته) فحذف (بأعلى صوته) .
الثاني: ان رواية الضحضاح المروية في النوادر نقلها الراوندي عن الاشعثيات (ويسمى الجعفريات) وكتاب الاشعثيات غير معتمد عليه عندنا (ارجع الى صفحتنا تحت عنوان: الاسئلة العقائدية/ الكتب/ كتاب الجعفريات او الاشعثيات) ثم ان هذا الوارد ليس فيه تصريح باسم عمه المعني فإن كان المقصود أبا طالب فهو كذب صراح لاجماع اهل البيت عليهم السلام وشيعتهم على ايمانه وأن كان المقصود أبو لهب فله وجه.
ثم أن الإئمة كذبوا رواية الضحضاح المروية عند العامة، فعن أبي عبد الله عليه السلام انه قيل له ان الناس يقولون ان أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه قال عليه السلام: كذبوا والله ان ايمان ابي طالب لو وضع في كفة ميزان وايمان هذا الخلق في كفة ميزان لرجح ايمان أبي طالب على ايمانهم (البحار 35/112) .
وعن الرضا عليه السلام ان عبد العظيم بن عبد الله العلوي كتب اليه عليه السلام: عرفني يابن رسول الله عن الخبر المروي ان أبا طالب في ضحضاح من النار فكتب اليه الرضا عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فانك ان شككت في ايمان أبي طالب كان مصيرك الى النار (البحار 35/110) .
وعن أبي عبد الله عليه السلام انه قال: يا يونس ما يقول الناس في أبي طالب؟ قلت جعلت فداك يقولون هو في ضحضاح من النار، وفي رجليه نعلان من نار تغلي منهما ام رأسه. فقال كذب اعداء الله، ان أبا طالب من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء الصالحين وحسن اولئك رفيقا (البحار 35/111) .
وفي رواية قلت لأبي عبد الله: ان الناس يزعمون ان أبا طالب في ضحضاح من نار فقال: كذبوا ما بهذا نزل جبرائيل على النبي (صلى الله عليه وآله) قلت: وبما نزل؟ قال: اتى جبرائيل في بعض ما كان عليه فقال يامحمد ان ربك يقرؤك السلام ويقول: لك ان اصحاب الكهف اسروا الايمان واظهروا الشرك فأتاهم الله اجرهم مرتين وان أبا طالب اسر الايمان واظهر الشرك فآتاه الله اجره مرتين وما خرج من الدنيا حتى اتته البشارة من الله تعالى بالجنة ثم قال (عليه السلام): كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرائيل ليلة وفاة أبي طالب فقال: يا محمد اخرج عن مكة فمالك بها من ناصر بعد أبي طالب (بحار الانوار 35/111) .
الثالث: لم يذكر ابن أبي الحديد المعتزلي ما يمكن الاحتجاج به علينا فهو ذكر آراء المذاهب وقال ان الامامية قالت بموته مسلما بينما المخالفون اختلفوا ومنهم من قال انه مات على دين عبد المطلب وهذا يكفي للاحتجاج به عليهم. مع ان ابن أبي الحديد من اهل السنة فهو معتزلي واقراره بان الامامية تقول بايمان أبي طالب يكفي في رد هذا المستشكل.
وما ذكره من الآيات القرآنية وتفسيرها والروايات كلها من قول المخالفين فهو بصدد ذكر آراءهم واحتجاجاتهم على غيرهم وهي ليست بحجة علينا لأنها لم تثبت عندنا بشكل يمكن الاحتجاج به علينا مع انه نقل جواب الشيعة على ما اورده فليت هذا المستشكل جاء بكلام ابن أبي الحديد كاملا حتى يكون منصفاً، ثم أنه لا نعلم ما هو الأدهى في إثبات كون آباء النبي (صلى الله عليه وآله) والانبياء كافة مؤمنين غير كافرين فهل فرح بذلك، وما كان عليه لو كان آزر عم إبراهيم لا أبوه ومع ذلك فارجع الى صفحتنا تحت عنوان (الاسئلة العقائدية/ النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ) .
الرابع: إذا لم يكن حديث العباس بن معبد صحيحاً فانه يصلح شاهدا على تلك الاحاديث التي تشير الى ايمان أبي طالب، مع ان الشيعة لا تستدل على ايمان أبي طالب بهذا الحديث فراجع استدلالهم تعرف! ومع ذلك نعجب من هذا المستشكل الذي قبل أن هذا الحديث يدل إيمان أبي طالب ولكنه ردّه سنداً مع إنه نفس مضمون الحديث الذي نقله القمي في تفسيره, ولكن جعله هناك يدل على عدم إسلام أبي طالب لانه ورد من طريق الشيعة!!
الخامس: من قول القاضي عياض: (المتألهين الحنفاء) نفهم ان أبا طالب كان على التوحيد ولا ينقض عليه بان أبا جهل كان يعتقد صدق النبي (صلى الله عليه وآله) ومع ذلك لم يسلم فأنه شتآن ما بين فعلهما فأبو طالب دافع عن النبي (صلى الله عليه وآله) بينما أبو جهل عادى النبي (صلى الله عليه وآله) .
السادس: لو اردنا ان نبحث عن اسلام جميع الصحابة لما وجدنا في التاريخ من يشير الى النطق بالشهادتين لكثير من الصحابة ولكن يعرف اسلامهم من خلال افعالهم وسلوكهم كذلك أبو طالب فكل افعاله تشير الى اسلامه فاذا لم تجدوا رواية عندكم تشير الى نطقه بالشهادتين فهل معنى ذلك كفره وعدم اسلامه واذا كان الامر كذلك فلماذا لا تقولوا بكفر الآف الصحابة الذين لم يعثر لهم على النطق بالشهادتين.
السابع: نحن لا نقول باسلام أبي طالب لمجرد كونه عم النبي (صلى الله عليه وآله) بل نقول انه كان زوجا لفاطمة بنت اسد وهي مسلمة بلا خلاف ومع ذلك لم يفرق النبي (صلى الله عليه وآله) بينها وبينه كما فعل مع غيره وهذا يشير حتما الى اسلامه.
الثامن: صريح القرآن يشير الى عدم انتفاع البعض بشفاعة الشافعين.
وكتاب البخاري الصحيح عندكم يشير الى انتفاع أبي طالب بالشفاعة فالجمع يكون ان أبا طالب غير داخل في هذا القسم الذي اشار لهم القرآن بعدم الشفاعة. ثم إن هذا المستشكل خبط خبطة عشواء إذ قسم الشفاعة الى قسمين , شفاعة عامة وسماها العظمى وهي تشمل امته (صلى الله عليه وآله) واحاد الناس ثم قال إنها تشمل كل الناس برهم وفاجرهم, وهذا أول خبط وتناقض, ثم قال: وهناك شفاعة خاصة وهي تشمل أمته من أهل لا اله الا الله, وقال بعد ذلك ومن شفاعته الخاصة شفاعته لعمه أبو طالب مع إنه لا يقول بإلاسلام أبي طالب, وهذا ثاني خبط وتناقض.
التاسع: كيف يكون كافراً من يقول أنّ محمد نبيٌّ فهو يقول:
ألم تعلموا انا وجدنا محمدا ***** نبياً كموسى خط في اول الكتب
فهاهنا خرج أبو طالب عن ما مثله من المشركين لو قبلنا بما فهمه من الآيات بخصوصهم, ونحن مع ذلك لا نسلم له هذا الفهم فهو فهم سقيم يحمله الوهابية وأتباع ابن تيمية على الآيات, والا فإن المشركين كانوا يعبدون الاصنام وقد فصل العلماء في جواب هذه الشبهة والرد عليهم وليس هنا محله.
العاشر: هناك طريق آخر لحديث أبي بكر الذي يشير الى اسلام أبي طالب وهو ما رواه الطبراني قال: حدثنا محمد بن علي المديني ثنا أبو عمر حفص بن عبد الله الحلواني ثنا بهلول بن مورق الشامي عن موسى بن عبيدة عن اخيه عبد الله بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن أبي عمر قال: جاء ابو بكر... .
الحادي عشر: ابن حجر ضعّف الاسنايد التي ذكرها في كتابه الاصابة وهناك اسانيد اخرى للاحاديث المذكورة فقوله ان الاسانيد واهية لا يضعف الاحاديث المذكورة بعد ورودها بطرق اخرى.
الثاني عشر: نحن معك في لابدية البحث عن ايمان أبي طالب بل وغيره من الصحابة ولو بحث بحال بعض الصحابة مثل ما بحث في ايمان أبي طالب لوجد ايمان الكثير من الصحابة مشكوكاً.
الثالث عشر: وجود الاحاديث المتعارضة عندنا لا يعني عدم قدرة الوصول الى الحقيقة من وراءها فيطرح بعضها ويرجح بعضها وفق مرجحات نص عليها عندنا, ومع ذلك فهذه دعوى وقد أجبنا على ما توهمه حديثاً معارضاً لإيمان أبي طالب من تفسير القمي في النقطة الاولى.
الرابع عشر: المغيرة بن شعبة معلوم فسقه عندكم وعندنا ولا يكفي تطبيق الآية عليه فانها حتى لو انطبقت فانها لا تعطي العصمة لاعماله اللاحقة، واعماله اللاحقة تنبئ عن فسقه (( إِن جَاءكُم فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا...)) .
ودمتم في رعاية الله
|