السؤال: عصمة الأنبياء في جميع الحالات (2)
ما مدى صحة الرواية المذكورة عن الامام الصادق (عليه السلام) حيث جاء عن رجل عن رجل عنه (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يطلي فيتبول وهو قائم قال:لا بأس به. الكافي ج6 كما ان اهل السنة يزعمون بأن الرسول (ص) قد (بال قائماً) أليس في ذلك إنتقاص له صلى الله عليه وآله وسلم ؟
الجواب:
الأخ عيسى المحترم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لقد ثبتت عصمة الانبياء بدليلي العقل و النقل ، و يكفي ان نذكر هنا قوله تعالى في حقّهم (عليهم السلام) : (( واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم )) (الانعام:87) ، ثم نرده بقوله جلّ وعلا : (( ومن يهد الله فما له من مضل )) (الزمر:37) ، لنعرف ان الذي يهديه الله لا يقدر على إضلاله أحد .. وفي هذا علينا ان نعرف أن الغرض من بعثة الانبياء (عليهم السلام) كما هو معلوم هو تبليغ رسالات الله سبحانه الى الناس ، و الشرط المهم في تحقق هذا الغرض هو الوثوق بالمبلّغ و الاعتماد عليه وإلا أعرض الناس عن المبلغ ولم يأخذوا بكلامه لانتفاء صفة الوثوق. ومن هنا وجب القول بعصمة النبي في جميع الحالات سواء قلنا في مجال التبليغ والوحي أو في الأقوال و الأفعال العادية . و يمكن توضيح ذلك في البيان التالي :
بعد التعرف على أن صفة الوثوق بالمبلّغ والاعتماد عليه شرط أساس في تقبل الرسالة و الايمان بها نتساءل هنا : ما قولك فيما لو شاهد الناس نبيّهم يسهو في تطبيق الشريعة التي أمرهم بها ، أو يغلط في أموره الفردية و الاجتماعية ؟ هل من ريب في أن الشك سيجد طريقا رحبة للتسرب إلى أذهان الناس فيما يدخل في مجال الوحي و الرسالة ، بل لن يبقى شيء مما جاء به هذا النبي إلا و تطرقه علامات الاستفهام ، ولسان حاله يقول : هل ما يحكيه عن الله تعالى من الوظائف ، هي وظائف الهية حقا ؟ أم انها مزيج من الاخطاء والاشتباهات وباي دليل هو لا يخطيء في مجال الوحي ، إن كان يخطئ و يسهو في المجالين الآخرين ؟ و هذا الحديث النفسي و الشعور الداخلي اذا تعمّق في أذهان الناس سوف يسلب اعتمادهم على النبي وتنتفي بالتالي النتيجة المطلوبة من بعثة .. فلا بدّ .. لسد هذا الباب الذي ينافي الغاية المطلوبة من إرسال الرسل .. من أن يكون النبي مصونا عن الخطأ في عامة المراحل ، سواء في حقل الوحي أم تطبيق الشريعة أم في الأمور الفردية. ومن هنا نعلم أن لا دليل عقلي أو نقلي يدلل على ارتكاب الانبياء للصغائر و يحصر عصمتهم في نقل الوحي وعدم فعلهم للكبائر فقط كما هو الوارد في سؤالك. وأما الآيات التي يستدل بها المجوّزون لوقوع الاخطاء من الانبياء (عليهم السلام) عامة أو من النبي (ص) خاصة، فقد ناقشها العلماء ببيانات وافية ودحضوا الاستدلال بها على مراد المجوزين هذا ، و يمكن الرجوع الى كتاب (الالهيات/ للشيخ جعفر السبحاني ج3 ص 197) للوقوف على تلك البيانات الوافية .
وفي نفس السياق السابق نقول: ان من مراتب العصمة أن لا تحصل من الانبياء أمور توجب النفرة منهم لان ذلك ينافي الغرض من بعثتهم و هو ابلاغ الرسالات السماوية بواسطتهم الى الناس ، ومن ذلك مسألة البول قائما التي توجب النفر ، من فاعلها و قلة مروءته بين الناس ، والتي لا نتصور نحن البشر العاديّون ان أحدا من الناس المحترمين فضلا عن ذوي الشأن و السمو يفعل ذلك ، ومن هنا يذكر ابن قدامة في (المغني ج6 ص 500) عن أبي مسعود قوله : من الجفاء أنه تبول و أنت قائم ، بل ينقل عن سعد بن ابراهيم انه لا يجيز شهادة من بال قائما ، و يروي ـ أي ابن قدامة ـ عن عائشة أنها قالت : من حدّثكم أنّ رسول الله (ص) كان يبول قائما فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا قاعداً ، قال : قال الترمذي هذا أصح شيء في الباب (فليراجع ثمة) . وأما عن الرواية المنقولة عن (الكافي) في الرجل يطلي فيتبول وهو قائم ، قال الامام الصادق (ع) : (لا بأس به) ، فهي تدل على الجواز لا على رجحان الفعل ، وموردها مورد المعذور عن القعود للتبول لوجود علّة وهي الطلاء من النورة ، مع أن الكلام في نسبة ذلك الى النبي (ص) و انه ينافي المروءة لا في جواز الفعل منا فالرواية اجنبية عن محل الكلام .
وأما رواية الجاريتين و الجارية السوداء وأمثالها، فهما باطلتان ومردودتان على ناقليها ، لأن فيها انتقاصاً واضحاً لشخص النبي الأعظم (ص) و انحطاطه ـ حاشاه ـ الى مستويات ترفع عنها أبو بكر وعمر كما نصت عليه تلك الروايات . أعاذنا الله من زلل الأقدام وزيغ الأفهام و أعاننا على ديننا و فهم عقيدتنا بجاه محمد وآله الطيبين الكرام.
ودمتم في رعاية الله
|