السؤال: الفرق بين الشفاعة والاستشفاع والتوسل
لسؤال: الفرق بين الشفاعة والاستشفاع والتوسل
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
يوجد عندي لبس بين مفهوم الشفاعة و الدعاء
فعند الدعاء إذا أردت الإستشفاع بالأئمة أو النبي أقول بعد الدعاء ( بحق الأئمة الأطهار اجب دعائي ) و ما جاء على هذه الشاكلة و لكن الواقع إني أرى البعض يقومون بالدعاء المباشر للأئمة كقول ( يا علي أريد كذا و كذا ) وهذا يتنافى مع مبدأ الشفاعة حيث ان الدعاء هنا موجه للإمام علي عليه السلام و غير موجه إلى الله سبحانه و تعالى
فهل هذا جائز ؟ وإذا كان جائز ما معناه و كيف يرتبط بالشفاعة ؟
أرجو توضيح اللبس عندي و عذرا على كثرة الأسئلة
الجواب:
الاخ محمود المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل بيان ما سألت عنه وجوابه نود الاشارة الى أن هناك خلطاً في فهم بعض المفردات في هذا الموضوع, إذ الشفاعة الاصطلاحية هي غير الاستشفاع والاستشفاع غير التوسل وان كان الجميع يتضمن معنى التوسط للآخرين او التوسط بالآخرين في الوصول الى المراد.
فالشفاعة الاصطلاحية وهي التي تكون للنبي (صلى الله عليه وآله) في يوم القيامة. يقول السيد المرتضى عنها في (رسائله ج1 ص150): وحقيقة الشفاعة وفائدتها هي طلب إسقاط العقاب عن مستحقه, وإنما تستعمل في طلب ايصال المنافع مجازاً وتوسعاً, ولا خلاف في أنَّ طلب إسقاط الضرر والعقاب يكون شفاعة على الحقيقة.
وقال في (ج3 ص179: وشفاعة النبي(صلى الله عليه وآله) إنما هي إسقاط عقاب العاصي لا في زيادة المنافع, لأنَّ حقيقة الشفاعة تختص بذلك, من جهة أنها لو اشتركت لكنا شافعين في النبي(صلى الله عليه وآله) إذا سألنا في زيادة درجاته ومنازله (انتهى).
أما الاستشفاع فهو لغة من استشفعه أي طلب منه الشفاعة أي قال: كن لي شفيعاً, والشافع: الطالب لغيره. والشفع من الاعداد: الزوج, مقابل الفرد. فكأن الشفيع ينضم الى الوسيلة الناقصة التي مع المستشفع, فيصير به زوجاً بعدما كان فرداً فيقوى على نيل ما يريده.
والمعنى الاصطلاحي للاستشفاع لا يتعدى المعنى اللغوي هنا.. وطلب الشفاعة من النبي(صلى لله عليه وآله) بل ومن آحاد المؤمنين في دار الدنيا أحياء وأمواتاً ليشفعوا في الدنيا في أمور الدنيا والآخرة أو يوم القيامة جائز لا محذور فيه لأنه من قبيل الدعاء فيرجع طلبها الى التماسه.
وأما قول القائل: اللهم اني أسألك بحق فلان, فهذا يعد من التوسل وجوازه ثابت بنص القرآن الكريم, قال تعالى: ((يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة)) وهي بعمومها شاملة لكل توسل اليه تعالى بما يكرم عليه, وقد ثبت بالأدلة الصحيحة عند أهل السنة تعليم النبي(صلى الله عليه وآله) للاعمى كيفية التوسل به الى الله تعالى.
ولم يقتصر هذا المعنى على وجوده الشريف (صلى الله عليه وآله), بين ظهراني المسلمين, بل ثبت جوازه حتى بعد وفاته(صلى الله عليه وآله), فقد روى الطبراني عن الصحابي الجليل عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له, وكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته, فلقي ابن حنيف فشكا اليه ذلك, فقال له ابن حنيف, إتت الميضأة, فتوضّأ ثم ائت المسجد فصلّ ركعتين, ثم قل: ((اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة, يا محمد إنّي اتوجّه بك الى ربّك أن تقضي حاجتي)), وتذكر حاجتك. فانطلق الرجل فصنع ما قال, ثم أتى باب عثمان فجاءه البوّاب حتى أخذ بيده, فأدخل على عثمان فأجسله معه على الطنفسه فقال: حاجتك؟ فذكر حاجته وقضى له, ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حى كانت الساعة, وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها, ثم إنَّ الرجل خرج من عنده فلقي ابن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً, ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتى كلمته فيَّ.
فقال ابن حنيف : والله ما كلّمته, ولكن شهدت رسول الله, وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره, فقال له النبي(صلى الله عليه وآله): إن شئت دعوت أو تصبر, فقال: يارسول الله إنّه ليس لي قائد وقد شقَّ عليَّ, فقال له النبي: ائت الميضأة فتوضّأ ثم صلّ ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات قال ابن حنيف: فو الله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنّه لم يكن به ضر (صحيح الترمذي ج5 كتاب الدعوات, الباب 119, رقم 3578. سنن ابن ماجة: 1/ 441, ج1385. مسند أحمد: 4/ 138 وغيرها)
قال الترمذي: هذا حديث حقّف حسن صحيح. وقال ابن ماجة: هذا حديث صحيح. وقال الرفاعي : لاشك أن هذا الحديث صحيحٌ ومشهور. (التوصل الى حقيقة التوسل, ص158) .
وأما قول القائل: يا علي أريد كذا وكذا, فهو يحمل على معنيين صحيحين لا ثالث لهما.
الأول: أن يكون هذا الكلام قد ورد على نحو المجاز في الاسناد, وهو جائز لا ضير فيه وقد ثبت وروده في القرآن إخباراً وانشاءاً كما في قوله تعالى: ((وأخرجت الأرض أثقالها)), (الزلزلة ـ الآية 2) إذ اسند الفعل الى غير ما هو له وهي الأرض, بينما فاعل الاخراج حقيقة هو الله سبحانه وتعالى. وكذلك قوله تعالى حكاية عن قول فرعون لهامان : ((يا هامان ابن لي صرحاً)) (سورة غافر ـ الآية 36) اذ طلب فرعون من هامان أن يبني له صرحاً بينما البناة الحقيقيون هم العمال الذين سيأمرهم هامان بالبناء. وهكذا...
الثاني: أن يرد هذا على نحو الطلب الحقيقي من الامام (عليه السلام) مباشرة بلحاظ ما له من ولاية تكوينية وهذا المعنى سائغ لا ضير فقد ثبت ولاية أهل البيت (عليهم السلام) التكوينية التي منحهم الله سبحانه وتعالى إياها بالأحاديث المتضافرة .
ودمتم في رعاية الله
|