06-13-2010, 05:49 PM
|
#5
|
مشرف عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 25
|
تاريخ التسجيل : Jun 2010
|
أخر زيارة : 11-28-2010 (10:18 PM)
|
المشاركات :
256 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
من الدعوة إلى الهجرة
لما نزل على الرسول: (يا أيها المدثر) قام وجعل إصبعه في أُذنه، وقال: (الله أكبر.. الله أكبر) فكان كل موجود يسمعه يوافقه.
ولما نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) صعد رسول الله ذات يوم على الصفا، فقال: يا صباحاه. فاجتمعت إليه (قريش) فقالوا: ما لك؟ قال: أرأيتكم إن أخبرتكم: أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، ما كنتم تصدقونني؟ قالوا: بلى..
قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فقام (أبو لهب): عم الرسول، وقال: تباً لك، ألهذا دعوتنا؟!
وفي ذات مرة خطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قائلاً:
(أيها الناس، إن الرائد لا يكذب أهله، ولو كنت كاذباً، لما كذبتكم، والله الذي لا إله إلا هو: إني رسول الله إليكم حقاً خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتون كما تنامون، ولتبعثون كما تستيقظــون ولتحاسبون كما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحساناً، وبالسوء سوءاً، وإنها الجنة أبداً، والنار أبداً، وإنكم أول من أنذرتم).
وفي خبر أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بعد ما جمعهم ـ :
(أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً وراء هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟).
قالوا: نعم.. أنت عندنا غير متهم، وما جربنا عليك كذباً قط.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. وأظهر رسالته.
خطب جلل، ونبأ ما أعظمه؟
إنسان، كان كأحدهم إلى يوم أمس، ثم يقوم ليقول: إني رسول الله قد أنزل عليّ الوحي، وأمرني أن أنذركم، وأن تؤمنوا بأن الله واحد، وأني رسوله إليكم. ثم ماذا؟ ثم تطيعوني في أقوالي، وتتركوا ما أنهاكم عنه، مما ألفتموه، وجرت عادتكم عليه.
وهل لهذا الرجل الداعي، أموال ضخام؟ كلا أم هل له سلطان ومنصب؟ كلا. أم هل له قوة تحميه؟ أم هل له عشيرة تعضده؟ كلا.
انتشر هذا النبأ العجيب، في أندية مكة، فأخذوا يتسامرون به، وجعلوا يتحدثون به في مجالسهم، فقد شاعت الدعوة، وظهر الأمر، وطفقت نفوس أهل مكة تتهيأ لمواجهة هذا الخبر الجديد، وتترصد الأخبار متسائلين: ما هذا الدين الجديد، الذي يدعو إليه (محمد).
فكانت نفوس قليلة استنارت بالحق، وخرجت عن التعصب، تؤمن بالرسالة، وتهتدي بهدى الإسلام..
وكانت نفوس كافرة مظلمة، لا تريد الهدى، وتسدر في غيها وعتوها، تنسب الرسول إلى ما تهويه نفسها، ويلوك به لسانها، فيقولون:
(شاعر نتربّص به ريب المنون).
(إنه لمجنون).
(كاهن).
(إنما يعلمه بشر) إلى غير ذلك.
كان أول من آمن بالرسول، وصدقه (الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام).
وبعده (السيدة خديجة، ثم.. (أبو طالب) عم الرسول.
وفي ذات يوم، أمر الرسول (علياً) أن يدعو رجال عشيرته، وأن يهيئ لهم طعاماً.. ليبلغهم الرسول الدعوة.
فصنع (علي) الطعام، كما أمره الرسول، ودعا العشيرة، وهم أربعون رجلاً، فحضروا وأكلوا وشربوا.
ثم.. أظهر لهم الرسول الدعوة، وأنه رسول الله إليهم، ووعد مَن آزره بأنه يكون أخاه وخليفته.
فأحجم القوم عن الجواب، إلا (علي بن أبي طالب) فقام، وهو أصغرهم سناً، فقال: يا رسول الله، أنا.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنه أخي وخليفتي، فاسمعوا له وأطيعوا.
فضحك القوم، وتوجّه (أبو لهب) إلى (أبي طالب) قائلاً:
إنه يأمرك أن تطيع ابنك، وتفرقوا عن المجلس مستهزئين.
وقد كان (أبو لهب) و (زوجته)، من أشد الناس إيذاءً للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان (أبو لهب) يرمي الرسول بالحجارة، و(زوجته) تلقي في طريق الرسول الأشواك.
فأنزل الله تعالى فيهما، سورة (المسد).
(بسم الله الرحمن الرحيم تبّت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمّالة الحطب في جيدها حبل من مسد).
وقد كان الأمر ـ كما أخبر الله تعالى ـ حيث لم يؤمن (أبو لهب) و(زوجته) بالرسول حتى ماتا.
أخذ الإيمان يتسرّب إلى النفوس الطاهرة، فكانوا يأتون إلى الرسول، متسللين ويظهرون الإسلام، ويشهدون أن ( لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله).
وأخذ المشركون يزدادون في إيذاء النبي والمسلمين لعلهم يرجعون..
وجاء جماعة من الكفار ذات مرة، إلى عم النبي (أبي طالب) الذي آمن به في السر، وكان يحميه في العلن، فقالوا:
(يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسفّه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلّي بيننا وبينه، فنكفيكه، فإنك على مثيل ما نحن عليه، من خلافه).
فردهم أبو طالب، رداً جميلاً، وآزر الرسول وأمره بإظهار دعوته، وأنه لا غضاضة عليه، ما دام هو حي، وفكرت قريش ذات مرة أن تقابل (محمداً) وتثنيه عن عزمه بالطمع والمال.
فاجتمعوا إلى الرسول، وقالوا: (يا محمد، شتمت الآلهة، وسفّهت الأحلام وفرّقت الجماعة).
فإن طلبت مالاً، أعطيناك!
أو الشرف، سوّدناك!
أو كان بك علة، داويناك!
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس شيء من ذلك، بل بعثني الله إليكم رسولاً، وأنزل كتاباً، فإن قبلتم ما جئت به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه أصبر، حتى يحكم الله بيننا).
وهكذا فشلت خطط قريش، بالنسبة إلى إغراء النبي، كما فشلت من ذي قبل بالنسبة إلى الفصل بين النبي وبين عمه (أبي طالب) ورجعوا خائبين.
واتخذ الكفار خطة جديدة، لتفريق الناس من حول الرسول، فتوسلوا بتعذيب المسلمين، لكي يفتنوهم عن دينهم، لعلهم بهذه الوسيلة الدنيئة يقضون على الدعوة الإسلامية.
فـ(بلال) كان يأتي به سيده (أمية) إلى خارج مكة، إذا حميت الشمس وقت الظهيرة، ويلقيه في الرمضاء على ظهره. ثم يأمر بالصخرة العظيمة، فتلقى على صدره، ويقول: لا تزال كذلك حتى تموت، أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى.. فيقول (بلال) وهو على هذه الحالة المؤلمة: (أحد.. أحد) يريد بذلك أنه لا يؤمن إلا بالله الواحد الأحد.
و(خباب) أخذه الكفار، وعذّبوه أشد العذاب فكانوا يعرونه من ثيابه، ثم يلصقون ظهره بالرمضاء، ثم بالحجارة المحماة بالنار، ويلوون رأسه ورقبته، ليكفر بالرسول، فكان لا يزداد إلا إيماناً وتسليماً وصبراً.
و(عمار) و(ياسر: أبوه) و(سمية: أمه) عذبوهم الكفار أشد العذاب، فكانوا يخرجونهم إلى الأبطح، إذا حميت الرمضاء يعذبونهم، فمر بهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات مرة، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة)، فمات (ياسر) في العذاب وطعن أبو جهل (سمية) بطعنة قبيحة، فماتت، وأنهكوا (عمار) عذاباً.
وقد كان الكفار، يضربون المسلمين، ويجيعونهم ويعطشونهم، حتى لم يقدروا أن يستووا جالسين من شدة الضر الذي بهم.
فلا يرجع منهم راجع، ولا يترك الإسلام منهم أحد وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تفيض عيناه بالدمع ـ أحياناً ـ حزناً عليهم، وهو يصبرهم ويعدهم النصر في الدنيا، والسعادة في الآخرة.
أما إيذاء الكفار للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فشيء معلوم.
يقول بعض الرواة: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سوق (ذي المجاز) وهو يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وأبو لهب يتبعه، ويرميه بالحجارة، وقد أدمى كعبه وعرقوبيه، وهو يقول: لا تطيعوه فإنه كذاب.
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا مر بقوم، أشاروا إليه بالأصابع استهزاءً به.
وكانوا يلقون على رأسه الكريمة الفرث، وهو في الصلاة.
وربما ألقوا في طعامه ـ وهو مشتغل بالأكل ـ القذر.
وشج أحد الكفار رأسه بالقوس، حتى جرت الدماء على وجهه المبارك.
وكانوا يأتون بالقذر ويلطخون به جدران داره، ويلقونه في فنائه.
وربما رشقوا داره بالحجارة.
وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقابل ذلك بالحلم والصبر، ويدعوهم إلى الله سبحانه، وأن يحكموا عقولهم فيما جاء به.. وكان يدعوهم أن يتركوا أذاه وأذى أصحابه، وأنهم لو كانوا صادقين فليأتوا بمثل القرآن العظيم، ويتحداهم بذلك.
فطلب ـ أولاً ـ منهم أن يأتوا بمثل القرآن، وأخبر أنهم لا يتمكنون (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً).
ثم طلب منهم ـ ثانياً ـ أن يأتوا بعشر سور (قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات).
ثم طلب منهم ـ ثالثاً ـ أن يأتوا بسورة واحدة مثل سورة القرآن: (وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين).
لكنهم لم يتمكنوا أن يأتوا، ولا بسورة صغيرة، وأظهروا العجز والفشل، وكان منتهى ما لديهم (السب) و(الإيذاء).
وقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا يثنيه عن دعوته شيء ليلاً ونهاراً، ففي الليالي يتلو القرآن بصوت عال، يسمعه الجيران والمارة، وفي النهار يدعوهم في المسجد الحرام، ويصلي أمامهم، ويخرج إلى الأسواق والشوارع، فيناديهم ويدعوهم في الندوات والمجتمعات، وبين كل فترة يخرج إلى القبائل والعشائر فيدعوهم إلى الإيمان.. وفي مواسم الحج، كان يدعو القبائل الوافدة إلى الحج في (منى) ويعرض نفسه عليهم.
وفي غضون تلك المدة راسل (صلى الله عليه وآله وسلم) (النجاشي) ملك الحبشة، وأرسل إليه وفداً برئاسة ابن عمه (جعفر ابن أبي طالب).
كما أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) سافر ذات مرة إلى (الطائف) لعله يجد هناك أُذناً صاغية.
كما أن (قريش) قاطعت الرسول وذويه، مدة ثلاث سنوات، وألجأوهم إلى (شعب أبي طالب) يلاقون مصاعب الجوع والعرى والخوف.
لكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، صمد أمام ذلك كله، ولم يثنه عن عزمه شيء.
|
|
اللهم صلّي و سلّم وبارك على محمّد و على آل محمّد كما صليت و سلمت و باركت على ابراهيم و آل ابراهيم, إنك سميع مجيد.
اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن, صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة, و في كل ساعة وليّاً و حافظاً وقائداً و ناصراً و دليلاً و عيناً, حتى تسكنه أرضك طوعاً و تماتعه فيها طويلًا.
إن عدّ اهل التقى كانوا أئمتهم, إن قيل من خير أهل الأرض قيل هم
|