الجواب:
الأخ عز الدين المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاستدلال بآية الولاية (الآية 55 من سورة المائدة) على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وخلافته بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يثبت بعد اثبات انها نزلت في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) دون غيره ليستفاد منها حصر الولاية بالله وبرسوله (صلى الله عليه وآله) وبأمير المؤمنين (عليه السلام) دون غيرهم وبعدها نقول أن المعنى المتصور للولاية هنا هو ولاية الأمر دون المحبة أو النصرة أو أمثالهما من المعاني التي لا مجال لتصور حصرها بالثلاثة المذكورين في الآية فقط.
وعن الأمر الأول نقول أنه قد ورد من طرق صحيحة أنَّ الآية نزلت في حق أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه في حال الركوع.
فها هو المفسر الكبير ابن أبي حاتم ـ الذي عدّه ابن تيمية في (منهاج السنة 7: 13) من المفسرين الكبار الذين لا يروون الموضوعات ـ يروي بسند صحيح في تفسيره (4: 1162) عن أبي سعيد الأشج عن الفضيل بن دكين عن موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل ـ وكلهم ثقات ـ أن الآية نزلت في حق أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عندما تصدق بخاتمة على السائل في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وكذا يروي الحاكم الحسكاني ـ الذي وصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء 18: 268 بالمحدّث البارع القاضي الحاكم ـ في كتابه (شواهد التنزيل 1: 212) بسند صحيح أن هذه الآية نزلت عندما تصدّق علي (عليه السلام) على السائل في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في حال الركوع.
وكذا يروي السيوطي في (الدر المنثور 2: 293، 294) عن عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابي الشيخ وابن مردويه وابن أبي حاتم والطبراني وأبي نعيم وغيرهم أنها نزلت في علي (عليه السلام).
وأيضاً يروي السيوطي في (باب النقول في أسباب النزول) (81) عن الطبراني بأنها نزلت في علي (عليه السلام)، ثم يذكر له شواهد ويقول: ((فهذه شواهد يقوي بعضها بعضاً)).
وكذا يروي ابن كثير في تفسيره (2: 74) أنها نزلت في حق علي (عليه السلام) بعدة طرق ومنها الطريق الصحيح المتقدم عن ابن أبي حاتم.
وكذا يروي القرطبي في تفسيره (6: 221)، والواحدي في (اسباب النزول 133)، والجصاص في (أحكام القرآن 2: 557). والزمخشري في (الكشاف 1: 422)، والرازي في (التفسير الكبير 3: 431)، والنحاس في (إعراب القرآن 20: 325)، وأيضاً الطبري عن طرق متعددة كما أسلفتم في تفسيره (6: 388) أنها نزلت في علي بن أبي طالب(ع).. وهكذا روى غير هؤلاء المحدثين والمفسرين أن الآية الكريمة نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في مصادر مختلفة لا تخفى على المتتبع.
فالمتحصل أن الآية الكريمة وبواسطة الطرق الصحيحة المشار إليها في المصادر المتقدمة وبمعاضدة الطرق التي يقوي بعضها بعضاً يمكن القول أنها نزلت في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما تصدق بخاتمه في الصلاة وهو في حال الركوع.
وأما دعوى أن الآية نزلت في عبادة بن الصامت فنقول إن هذه الرواية شاذة وأكثر الأمة يدفعها، وما ذكر في نزولها في علي (عليه السلام) هو المجمع عليه.
وأيضاً أنه قد وردت في الآية صفات لا تنطبق إلا على حاله (عليه السلام) إذ قوله تعالى: (( وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلاةَ وَيؤْتونَ الزَّكَاةَ وَهمْ رَاكعونَ )) (المائدة:55), قد بين أن المعني بالآية هو الذي آتي الزكاة في حال الركوع، وأجمعت الأمة على أنه لم يؤت أحد الزكاة في هذه الحال غير أمير المؤمنين (عليه السلام).
وليس لأحد أن يقول إن قوله: (( وهم راكعون )) ليس هو حالاً لإيتاء الزكاة بل إنما المراد به أن صفتهم إيتاء الزكاة فإن ذلك خلاف اللغة، ألا ترى أن القائل إذا قال: لقيت فلانا وهو راكب. لم يفهم منه إلا لقاؤه في حال الركوب ولم يفهم منه أنَّ من شأنه الركوب وإذا قال: رايته وهو جالس أو جاءني وهو ماش، لم يفهم من ذلك كله إلا موافقة رؤيته في حال الجلوس أو مجيئه ماشياً، وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون حكم الآية أيضاً هذا الحكم.
ودمتم في رعاية الله
|