تعليق على الجواب (7)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النقطة الاولى: الآية ذكرت الصلاة، والركوع هو من الصلاة، لذلك عندما أتت راكعون في هذا الموضع هي صفة هؤلاء الذين يؤتون الزكاة بأنّهم لا يدفعونها بكبر، وإنّما وهم راكعون منصاعين لأوامر الله عزّ وجلّ.
الأمر الآخر :علي بن أبي طالب تصدق بخاتم وهو يصلي، هل تعتبر هذه بدعة في الدين؛ لأنّ محمّد عليه الصلاة والسلام لم يرد أنّه تصدق وهو في صلاته، وهذا أمر جديد
فمن الذي أهدى علي عليه السلام إلى هذا الأمر؟؟؟
النقطة الثالثة: الآية جاءت عامة عن المؤمنين هل علي هو المؤمن الوحيد؟؟
آخر نقطة: أنت لم تقول: أنّ الفريقين أجمعوا على أنّ هذه الآية نزلت في الإمام عليّ عليه السلام ، أنا أقول لك: لا يا أخي كلامك غير صحيح، أهل السنّة لا يقولون هذا القول.
الجواب:
الأخ محمد المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جواب النقطة الاولى:
لا يجوز أن تكون: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) صفة مع وجود (الواو)، فالواو إمّا عاطفة، وإمّا حالية، وكونها عاطفة بعيد؛ لأنّ الركوع من ضمن أفعال وأركان الصلاة، فلا يصح تكراره، خصوصاً مع وجود فاصل أجنبي عن الصلاة، وهو الزكاة يفصل بين الجملتين.
ولذلك لا يصح إلّا أن تكون (الواو) هنا حالية، ويكون المعنى أنّهم: (يؤتون الزكاة حال ركوعهم).
ويوجب هذا المعنى ورود النصوص الصريحة التي تؤكد هذا المعنى كقوله (صلى الله عليه وآله) في إحدى روايات تصدق أمير المؤمنين بالخاتم: ((تصدَّق عليٌّ وهو راكع)) حيث روى الهيثمي في (مجمع الزوائد7/17)، والطبراني في (أوسطه6/218)، والسيوطي في تفسيره (الدر المنثور2/293)، وقال في تقوية القصة في لباب النقول ص93:
وهذه شواهد يقوي ما روي عن عمار بن ياسر قال: وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل.... ونقل مثله السيوطي عن الخطيب أيضاً بطريق آخر عن ابن عباس قوله: تصدق علي بخاتمه وهو راكع....
وكذلك ورد في سبب نزول آية: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) قول النبي (صلى الله عليه وآله) للسائل: على أيّ حال أعطاك؟ فقال: وهو راكع، فكبّر النبي (صلى الله عليه وآله)، ثمّ تلا هذه الآية... رواه الواحدي في أسباب نزول (ص133) وغيره، وهذا كلّه يؤكد المعنى الذي يثبته الشيعة حيث ثبت سبب النزول، وثبت إرادة ذلك المعنى وهو أداء الزكاة حال الركوع.
أمّا الاعتراض بذكر الصلاة وذكر الركوع بعد ذلك وهو جزء من الصلاة، فمع سبب النزول يندفع الإشكال حيث أنّ للركوع في قصة التصدق أهمية ينبغي معها ذكرها مع أنّ القرآن الكريم كثيراً ما يذكر الخاص بعد العام مثل قوله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ )).
وقوله عزّ وجلّ: (( وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ )). قال البيضاوي في تفسيرها (4/101) وهو من عطف الخاص على العام للتفضيل
وقوله تعالى: (( وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ )). وقال البيضاوي في تفسيره (5/526): وهذا من عطف الخاص على العام للمبالغة.
وذكر ابن تيمية في (دقائق التفسير2/359) حديث النزول وقال: فذكر أوّلاً الدعاء، ثمّ ذكر السؤال والاستغفار، والمستغفر سائل كما أنّ السائل داعٍ، لكنّ ذكر السائل لدفع الشر بعد السائل الطالب للخير، وذكرهما جميعاً بعد ذكر الداعي الذي تناولهما وغيرها، فهو من باب عطف الخاص على العام.
وقال تعالى أيضاً: (( مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلكَافِرِينَ )).
قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره (البحر المحيط1/490): وخص جبريل وميكال بالذكر تشريفاً لهما وتفضيلاً. وقد ذكرنا عن أستاذنا أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير أنّه كان يسمّي لنا هذا النوع بالتجريد: وهو أن يكون الشيء مندرجاً تحت عموم، ثمّ تفرده بالذكر، وذلك لمعنى مختص به دون إفراد ذلك العام. فجبريل وميكال جُعلا كأنّهما من جنس آخر، ونزّل التغاير في الوصف كالتغاير في الجنس فعطف، وهذا النوع من العطف أعني عطف الخاص على العام على سبيل التفضيل هو من الأحكام التي انفردت بها الواو.!هـ
فهذا الكلام كلّه مع عدم كون الواو حالية أي أنّه سواء أكانت الواو عاطفة أم حالية تصح قصة التصدق.
وبهذا يندفع إشكال ذكر الركوع بعد الصلاة وإرادته على معناه الحقيقي مع الأخذ بنظر الاعتبار كون الحقيقة هي الظاهر والأصل، وكون المجاز هو التأويل والفرع، ولا يصار إلى المجاز إلّا مع تعذر الحمل على الحقيقة.
فيصح أن يكون المعنى: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة حال ركوعهم إن فسرنا الواو بأنّها حالية، ويجوز أيضاً كون الواو عاطفة فيكون من باب عطف الخاص على العام للأهمية أو لبيان الاختصاص حيث لا يمكن أن يخطر على قلب أحد أن يتصدق حال ركوعه، فكان ذكر الركوع من باب اختصاص أمير المؤمنين بالتصدق حال الصلاة، وفي الركوع بالذات حيث ينقطع الإنسان المصلي فيه عادة عن كلّ ما حوله، ولكنّ أمير المؤمنين اجتمعت فيه الأضداد كما وصفه ابن الجوزي حين فسرّ خشوعه وفنائه مع الله تعالى وتصدقه في نفس الوقت فتمثّل قائلاً:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ***** عن النديم ولا يلهو عن الناس
أطاعه سكره حتّى تمكن من ***** فعل الصحاة فهذا واحد الناس.
ثمّ إنّه لا مبرر لتعلق الولاية العامة بأمر جانبي قلبي واشتراط عدمه ليتخذ ولياً وأخاً في الله وهو عدم الكبر وعدم الرياء، بل الدليل على خلاف ذلك حيث أن الإسلام يشترط التلفظ بالشهادتين فقط، كما في حديث أسامة بن زيد دون النظر إلى الصدق والإخلاص والقبول، ويشهد لذلك عصمة دماء المنافقين حتّى مع معرفتهم واليقين بنفاقهم والقطع به. فالإسلام يتعامل مع الظاهر والحساب على الله تعالى يوم القيامة يوم تبلى السرائر.
وكون الصلاة والزكاة يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى مطيعاً لأوامره، متذللاً في قبولها وتنفيذها حيث أنّ العبادات كلّها يشترط فيها هذا الشرط، فلماذا قُيّد هنا به دون غيره من الموارد مع وضوحه وبداهته في كلّ الأعمال، والمشكلة الأكبر في كلّ ذلك هو الإتيان بلفظٍ غامض ومصطلح مستعمل في معنى عبادي آخر (( وَهُم رَاكِعُونَ )) مع إرادة معنى آخر.
فيحصل بذلك الإبهام والإيهام مع أهميته وبداهته، فكيف يعبر عنه بمثل هذا الغموض ويسمّيه ركوعاً، ويقصد التذلل والتسليم أي يريد المجاز دون الحقيقة المتشرعية أو بالأحرى الشرعية المستعملة والمشهورة بين المسلمين في ذلك الوقت؟!
جواب النقطة الثانية:
الاشكال الثاني فهو أعجب من الأوّل والله، حيث أن تعريف البدعة أنّها إحداث شيء في الدين، وتشريعه والتعبد به من دون وجود أصل له في الشريعة، ولا إقرار عليه من المشرع، وهذان الأمران منفيان عن فعل أمير المؤمنين(عليه السلام) حيث أنّه (عليه السلام) حينما تصدق وهو في الصلاة كان بسبب سؤال ذلك الرجل، وعدم إعطاء أحد له، وهذا المحتاج أراد أن يدعو على المسلمين فمدّ له أمير المؤمنين(عليه السلام) إصبعه ونزع الخاتم له وأعطاه إياه، فكان فعله اضطرارياً كما هو حال ذلك الصحابي الذي جاء متأخراً عن الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فركع قبل أن يصل إلى الصفوف، وبقي يمشي وهو راكع، وبعد ذلك امتدحه النبي (صلى الله عليه وآله)، وأقره على حرصه مع عدم سبقه بذلك، فهل يستطيع أحد أن يصف فعل ذلك الصحابي بأنّه بدعة؟ فكذلك فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل إن فعل ذلك الصحابي أولى وأقرب؛ لأن يوصف بكونه بدعة حيث أنّه مشي في ركوعه، أمّا أمير المؤمنين(عليه السلام) فلم يفعل أكثر من الإيماء والإشارة بالخاتم لذلك السائل، ومع وجود روايات وأحاديث كثيرة عند المخالفين في التحرك الكثير في الصلاة دون أن يدعي أحد بالأنشغال أو العبث أو البطلان مثل الرواية التي يدعى فيها أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) صلّى يوماً بالمسلمين فتذكر أنّه مجنب، فتركهم في الصلاة، وذهب فاغتسل، وعاد وأكمل صلاته، وإمامته للصحابة!! وكذلك هناك رواية صلاة أبي بكر بالناس حين غياب النبيّ(صلى الله عليه وآله) التي يروونها ويدعونها، ففيها رجوع أبي بكر إلى الوراء، ونكوصه والتفاته، ورفع يديه فرحاً ليدعو ويشكر الله على أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) له بالبقاء والتقدم وغير ذلك الكثير من الأمثلة والشواهد على الحركة في أثناء الصلاة، وكلّ ذلك لا يقول فيه أحد أنّه حركة وانشغال أثناء الصلاة أمّا إيماء علي(عليه السلام) وإشارته لذلك السائل بخاتمة ليأخذه بعد أن يئس من إعطاء أحد من الصحابة شيئاً له، والتصدق عليه لحاجته فيرد على ذلك ألف إشكال وإشكال، وألف سؤال وسؤال، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
فالبدعة تشريع شيء في الدين، وإدخال ما ليس منه فيه، والحركة البسيطة جدّاً مع كونها طاعة لله تعالى، وفي سبيله، ومع كونها لضرورةٍ لكون السائل أراد أن يرفع يديه، ويشكو إليه تعالى، ودفع الله به ما كان أعظم أنّه قد دخل مسجد رسوله، وهو محتاج، ولم يعطه أحد شيئاً، فأجابه أمير المؤمنين قبل أن يدعو ويشكو إلى الله عزّ وجلّ.
أمّا زمن التشريع: فقد حدثت عشرات بل مئات الحوادث التي لم ينزل تشريعها أو إقرارها إلّا بعد فعل أحد المسلمين لها، وخصوصاً موافقات القرآن لعمر لم نر أحداً منهم قد اعترض عليه بأنّه يبتدع بل تجعل كل اجتهاداته وآرائه ينزل القرآن ليشرعها ويوافقها بعد أن يفعلها عمر دون تشريع مسبق.
أمّا أميرُ المؤمنين (عليه السلام) فلا بدّ أن يجعلوا أفعاله تلك بدعة، وغير مشرّعة مع نزول آية تمتدحه على فعله، وليست توافقه فقط، ويقرّه النبي (صلى الله عليه وآله)، بل يكبّر، ويحمد الله، ويشكره على فعل علي(عليه السلام) ذلك، ومع ذلك يبقى الحاقدون غير راضين على أيّ فعل لكونه صادراً من أمير المؤمنين (عليه السلام).
جواب النقطة الثالثة:
أمّا مسألة الجمع مع إرادة المفرد فإنّه أسلوب عربي معروف وبليغ ومستعمل في القرآن الكريم كثيراً، ومنه قوله تعالى: (( إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) (الحجر:9), فهذا كذاك.
فسياق الآية عامة لا ينفي ولا يعارض تخصيصها بسبب النزول الخاص مع عدم فعل أحد من المسلمين لذلك الفعل في زمن أمير المؤمنين سواه (عليه السلام)، وقد ورد أن أئمتنا (عليه السلام) كلّهم قد فعلوا ذلك، فيكون العموم نافعاً لهذه النكتة المهمة؛ إذ لولا صيغة الجمع مع وجود أداة الحصر فإن دخول سائر الأئمة في الآية وشمول ولايتهم على المؤمنين يصبح صعباً ومتنافياً ولو ظاهراً مع الآية الكريمة.
جواب النقطة الأخيرة:
الإجماع المدعى بين الفريقين في نزول هذه الآية في أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يقصد منه الإجماع الاصطلاحي، وإنّما يقصد منه كما هو واضح الاتفاق بين الفريقين على رواية نزولها في أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث أنّك لو راجعت ما ذكرناه على صفحتنا تجد في أحد أجوبتنا تسعة عشر مصدراً تفسيرياً وغيره قد ذكر نزولها في علي( عليه السلام) في قصة التصدق بالخاتم، فراجع لتعرف أقوال السنّة ورواياتهم في نزول هذه الآية الكريمة في أمير المؤمنين (عليه السلام).
ودمتم في رعاية الله
|