الجواب:
الأخ الفقير المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1- قال الله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )) (الأحزاب:33), يمكن استفادة مفهومين من الآية من ضمن المفاهيم الأخرى يدخلان في موضوع المناقشة:
الأول: مفهوم أهل البيت (عليهم السلام) الذي هو غير النساء لغة وان أمكن أن يدخلن فيه مجازاً, ولا قرينة على دخولهن مجازاً إلا ما يدعى من السياق وروايات نزول الآية وحدها تدحض هذا القول اضافة إلى الانتقال من اسلوب الخطاب التقريعي إلى اسلوب المدح، بل القرآئن المقالية في الآية تدل على خلافه لموقع الضمير المذكر في (عنكم) اضافة إلى قرائن دلالية من مفهوم الآية الدالة على العصمة التي لا تثبت للنساء، وبغض النظر عن القرآئن الحالية التي يدل عليها حديث الكساء.
الثاني: مفهوم العصمة المستفاد من اذهاب جنس الرجس والتأكيد على التطهير, وثبوت العصمة أمر باطني لا يمكن الأطلاع عليه إلا بإخبار من يطلع على الأفئدة، ولا يمكن أن يكون كل أهل البيت بالمعنى اللغوي معصومين لأنه يشمل الأولاد والذرية وهم لا يعدون، كما ربما يدعى من أن نفس الآية هي إخبار عن عصمة كل من يشملهم معنى (أهل البيت) لغة بالإستفادة من الحصر الموجود فيها.
ومن هنا جاءت الحاجة لبيان وتحديد أشخاص هؤلاء المعصومين المطهرين من أهل البيت الذين كانوا سبباً لنزول الآية، فجاء البيان من الصادق المصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما قاله وفعله في حديث الكساء وغيره، وأحاديث أخرى من الأئمة(ع) تأتي في محلها.
2ـ مما تقدم ثبت لنا ومن الآية مجردة أنها خاصة بأهل البيت فقط ولا يدخل فيها النساء ولا الآخرين وانها وبدلالة ألفاظها التي تدل على العصمة ضيقت المراد من أهل بيت سبب نزولها بالمطهرين المعصومين منهم, فالعلاقة الدلالية تبادلية بين مفهوم أهل البيت ومفهوم العصمة (التطهير)، فنفهم أن المراد والمعني من الآية هم اشخاص معينون ينطبق عليهم كونهم من أهل البيت ومعصومين, ومن التركيب بين هذين المفهومين ينتج عندنا مصطلح جديد يمكن أن نسميه مصطلح شرعي منقول من المعنى اللغوي هو (أهل البيت المطهرين)، ولا يبقى إلا تعيين أشخاصهم في الخارج, وكان بعهدة رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأمر منه سبحانه بلا امتراء.
وهنا جاء دور حديث الكساء الذي هو مصداق البيان والأخبار النبوية، ولكن السؤال في أنه هل ينحصر بيان النبي(صلى الله عليه وآله) بحديث الكساء أو ان الحديث أحد أفراد وجزء من البيان والأخبار عن معنى الآية؟ فمن يدعي ان البيان منحصر فقط بحديث الكساء فعليه الدليل, والدليل دل على أن رسول الله بين من هم اهل بيته المعصومون المطهرون في أكثر من موضع لا يظل المتتبع في إيجادها, ولكن قد يدعي مدع أن مدلول حديث الكساء فيه حصر للخمسة لا يمكن أدخال غيرهم فيه وبالتالي يكون مدلوله معارضاً للروايات الأخرى من رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لو سلمنا بوجودها فكيف نحل التناقض المدعى؟ ولابد قبله من إثبات الروايات الأخرى التي تنص على دخول غير الخمسة في أهل البيت(عليهم السلام) .
وهذا ما سنناقشه في النقطة التالية.
3ـ ان دعوى الشيعة بأن سبب نزول ومورد آية التطهير هم الخمسة أصحاب الكساء صحيحة لا غبار عليها بدلالة روايات حديث الكساء، ولكن سبب النزول لا يخصص الوارد وبعبارة أصولية: أن المورد لا يخصص الوارد, فلا تلازم في الانطباق على مصداق بسبب النزول وبين نفيه للمصاديق الأخرى الداخلة في العموم.
وهذا الوهم مما يقع فيه الكثيرون منهم صاحب الإشكال, ودعوى أن البيان الذي احتيج إليه لتعيين أشخاص المطهرين المتمثل بحديث الكساء حاصر للمصاديق بالخمسة فقط دعوى ضعيفة البرهان!
فأولاً: مصطلح اصحاب الكساء وهم الخمسة بلا ريب يختلف عن مصطلح أهل البيت المطهرين المعنين بالآية فاصحاب الكساء أخص، ونحن لا ندعي دخول غير الخمسة في اصحاب الكساء، ولكنا نقول أن أهل البيت المطهرين يشملهم وغيرهم التسعة الباقين, ودعوى المساواة وهم, ناجم عن عدم الدقه في تعيين مدى الحصر المستفاد من حديث الكساء والأخذ بظاهر كلمات العلماء دون الفهم التام لها.
ثانياً: إن حديث الكساء بمنطوقه والقرآئن الحالية الحافة به من فعل الرسول(صلى الله عليه وآله) دالة على الحصر بلا ريب, ولكن ما مدى ومقدار هذا الحصر من جهة الزمان هل هو حصر في الظرف الزماني المعين ولا يشمل بقية الازمان أو هو حصر على طول امتداد الزمان إلى يوم القيامة ؟
ومدعانا أنه حصر محدد بالظرف الزماني المعين وهذا الظرف يحدد مقداره عرف أهل اللغة وليس حصراً على طول الزمان ابداً، وبعبارة أخرى ان سعة هذا الحصر يمكن أن تشمل آخرين لم يكونوا في ظرف زمان الحديث يمكن أن يدخلهم الرسول(صلى الله عليه وآله) أو الأئمة(عليهم السلام) ببيان وأخبار آخر.
والمثال العرفي عليه هو: لو أن احد الأشخاص خرج أمام الناس وجمع اولاده الثلاثة أو الأربعة بين يديه من دون العدد الكبير من الأطفال في مدرسة معينة وقال هؤلاء أولادي، فان فيه دلالة بلا شك على ان غير هؤلاء الثلاثة أو الأربعة من جميع الحاضرين في ظرف الفعل ليسوا أولاده وهو لا يعني بأنه سوف لا يكون له أولا يرزق بولد أو أولاد آخرين في المستقبل. فلاحظ.
فالحصر في حديث الكساء مقيد بالظرف الزماني الآني لفعل وقول الرسول(صلى الله عليه وآله) ولا يشمل امتداد الزمان وبالتالي يمكن للرسول(صلى الله عليه وآله) وببيان آخر أن يوضح أن هناك آخرين يدخلون في مصطلح أهل البيت المطهرين المشمولين بآية التطهير وهم مصداق من مصاديقها, فتأمل.
ومنه نفهم تصدير الإمام الصادق كلامه بالفعل (كان) الدال على الماضي في ذلك الزمان عندما قال (فكان علي والحسن والحسين وفاطمة....) الحديث، ولا صحة لقول المستشكل أن الصادق(ع) أخرج التسعة الأخرين فلا دلالة في كلامة على أخراجهم إلا إدعاء الحصر في الخمسة فقط وقد أوضحنا عدم صحة ذلك. ثم إن كلام الشخص, خاصة المعصوم, يجمع كله ويقارن بعضه ببعض حتى يفهم المراد منه لا أن يقتصر على بعض كلامه, ومنه يظهر ضعف قول المستشكل (لماذا لم يقل الرسول(صلى الله عليه وآله) في حديث الكساء اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي ومعهم تسعة من أولاد الحسين) فقد بين الرسول (صلى الله عليه وآله) دخول التسعة في أهل البيت المطهرين في نصوص أخرى عديدة، نعم هم لا يدخلون في مصطلح أصحاب الكساء, وهذا البحث يفصل عادة في بحث القرآئن التي تنقسم إلى متصلة ومنفصلة. والحكم واحد فيهما من هذه الجهة.
4ـ بعد أن تبين عدم صحة الحصر على أمتداد الزمان في حديث الكساء وأن دعوى أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) عند بيانه لمصداق آية التطهير حصرهم بالخمسة أصحاب الكساء ليس عليها دليل.
وبعد أن تبين أن معرفة أهل البيت المطهرين بأشخاصهم يحتاج إلى بيان واخبار وأنه منوط بالنبي(صلى الله عليه وآله)، وأنه لامانع عقلي وشرعي من تعدد البيانات وتعدد المصاديق يصح لنا أن نبحث عن أخبار اُخر يمكن أن نعرف منها مصاديق اخرى للمطهرين من أهل البيت (ع) وهذه الاخبار موجودة بكثرة في التراث الحديثي الشيعي على الاقل لا حاجة لذكرها, ويمكن للمراجع أن يطلع عليها في مضانها.
كما انه اذا دل دليل نقلي أو عقلي على شمول آية التطهير للتسعة الآخرين فلا معارضة في البين بينه وبين حديث الكساء وهذا ما أوضحناه على صفحتنا تحت عنوان (الاسئلة العقائدية/ أهل البيت) فراجع.
5ـ من هذا يتبين عدم صحة القول باجماع علماء الشيعة والسنة على ان مصطلح أهل البيت (ع) خاص بالخمسة ، فإن هذه النسبة الى علماء الشيعة بالخصوص مما يضحك الثكلى، فاي عالم منهم اخرج بقية الائمة (ع) فضلاً عن دعوى الاجماع على اخراجهم؟!.
وكذا دعوى قولهم بأن الحصر في حديث الكساء يخرج التسعة (ع) من مصطلح أهل البيت المطهرين او دعوى اجماعهم على مفهوم الحصر باطلاقه المدعى من حديث الكساء.
6ـ لا ينحصر دليلنا على دخول التسعة في أهل البيت بحديث الثقلين فقط فهذه مجازفة في القول, ولكنه من الادلة الواضحة على ذلك لكونه منقولاً لدى الطرفين.
7ـ واما حديث مسلم فلنا وقفة معه :
أ ـ ان دخول التسعة في أهل البيت كما يتم من دلالة (عترتي) يتم أيضا من دلالة (أهل البيت ع) كما أوضحنا سابقا، وعليه فحتى حديث مسلم فيه شمول للتسعة (ع) وان لم يذكر فيه لفظ عترتي وجاء بلفظ أهل البيت فقط.
ب ـ ان صحيح مسلم ليس له اعتبار عندنا فهو ليس من كتبنا ، نعم هو من الصحيح عندهم ومقدم على غيره ، ولذا نلزمهم به ولا يصح منهم أن يلزمونا به.
ج ـ ومع عدم التفاتنا الى ما يدعى لصحيح مسلم فان حديث الثقلين فيه رواية آحاد اذ انه لم يرو الا عن يزيد بن حيان في كل, طرقه فنصه وان كان صحيحاً عندهم لا يرقى الى التواتر حتى نحتج به في العقيدة كما هو الحال بنص حديث الثقلين عند غير مسلم.
د ـ ومع ذلك فان مسلم قد تلاعب في هذا الحديث وقطع من متنه ما فيه دلالة تساعد على فهمه.
فقد حذف منه الجزء الأخير الذي فيه نهي ابن زياد لزيد بن أرقم عن التحديث بحديث الحوض واتهامه له بالخرف والكذب فهو موجود وبنفس السند عند أحمد, فراجع.
هـ ـ ومع ذلك كله فان زيد في نفس الحديث وفي بدايته يعتذر من الذين طلبوا منه الحديث ويرجوهم عذره عما لا يحدثهم به بحجة كبر سنه, ومع ذلك يذكر في الحديث لفظ الثقلين صراحة ثم يذكر القرآن وهو الثقل الاول ويذكر قول النبي (صلى الله عليه وآله) وامره بالتمسك به.
ثم ياتي في المتن قوله (ثم قال: واهل بيتي ...) الحديث (وثم) تدل على التراخي وفيها دلالة على وجود قطع أو حذف في الكلام تجنّب زيد بن أرقم ان يرويه كما نص على ذلك محمد نافع في كتابه (حديث الثقلين بلغة الاردو) عند كلامه على حديث مسلم.
و ـ ان لفظة (ثم قال) وما تدل عليه في متن الحديث دعتنا للبحث والتنقيب عن رواية او روايات اخرى لحديث الثقلين تنقل تمام كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) نجد فيه الفقرة المحذوفة بين دعوته للتمسك بالقرآن وبين تذكيره المسلمين بأهل البيت عندما قال: (اذكركم الله في أهل بيتي) ثلاث مرات ونجد فيه ذكر حوضه (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة وهذا البحث دلنا على رواية او اكثر رواها الخزاز (ت400) في كفاية الاثر بهذا السند:حدثنا محمد بن وهنا بن محمد البصري، قال: حدثنا محمد بن عمر الجعالي، قال: حدثني اسماعيل بن محمد بن شيبة القاضي البصري، قال: حدثني محمد بن احمد بن الحسين، قال: حدثني يحيى بن خلف الراسي عن عبد الرحمن قال: حدثنا يزيد بن الحسن، عن معروف بن خربوذ عن ابي الطفيل عن حذيفة بن أُسيد، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: على منبره: (معاشر الناس، إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض اعرض مابين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وأنا سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الاكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بايديكم فاستمسكوا به لن تضلوا، ولا تبدلوا في عترتي أهل بيتي، فانه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، انتظر من يرد علي منكم وسوف يتأخر اناس دوني فاقول: يارب مني ومن امتي فيقال: يا محمد هل شعرت بما عملوا؟ انهم ما برحوا بعدك على أعقابهم. ثم قال: اوصيكم في عترتي خيرا ـ ثلاثا ـ أو قال: في أهل بيتي، فقام إليه سلمان فقال: يا رسول الله الا تخبرني عن الائمة بعدك؟ أما هم من عترتك؟ فقال: نعم الائمة بعدي من عترتي عدد نقباء بني اسرائيل، تسعة من صلب الحسين (ع) أعطاهم الله علمي وفهمي فلا تعلموهم فانهم اعلم منكم واتبعوهم فانهم مع الحق والحق معهم) (كفاية الاثر: 127).
وفي هذه الرواية ذكر للحوض الذي خاف زيد بن ارقم ان يذكره لتهديد ابن زياد وفيه الفقرة المحذوفة بين الامر بالتمسك بالقرآن وبين التذكير بأهل البيت (ع), وعلي (أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وفيه أن التسعة من ولد الحسين من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ومن عترته وهم الائمة بعده، فهو يجيب على كل ما أشكل به المدعي، وفي الكتاب اعني (كفاية الاثر) روايات اخرى منها عن عمر فيها نفس الدلالة, فراجع.ي ـ ولا يقول قائل بأن كتاب (كفاية الاثر) لمؤلف شيعي فلا حجة فيه علينا، فإنا نقول بأنا لا نحتج هنا بما تدل عليه الرواية كرواية، بل احتجاجنا بالأساس هو بالمقارنة بين رواية مسلم ورواية الخزاز فان الفارق بين عصريهما أقل من مائة وخمسين سنة ولايوجد احتمال ولو واحد بالالف من ان الخزاز قد وضع وفبرك الرواية حتى يأتي شخص بعد ألف سنة ويقارن بين روايته ورواية مسلم ويستخرج ما سقط في روايته، فان العقل لا يقبل بمثل هكذا احتمال ولا يصدق ادعاء الوضع المتعمد من الخزاز بهذه النسبة الضعيفة فتأمل. فضلا عن وجود روايات اخرى عند الخزاز تدل بنفس الدلالة عند مقارنتها مع رواية مسلم, فراجع.
ط ـ ان من احد الاسباب التي دعتنا الى المقارنة بين رواية مسلم وروايات الخزاز، هو دحض الشبهة التي يتمسك بها المخالفون من عدم وجود امر من النبي (صلى الله عليه وآله) بالتمسك بأهل البيت (ع) كما هو الحال مع القرآن الكريم في رواية مسلم التي لا يصح غيرها حسب مدعاهم كما أورد ذلك ابن تيمية في كتابه منهاج السنة، فان المقارنة تثبت انه قد وقع الحذف والقطع في رواية مسلم إما من قبل زيد نفسه لخوفه او من قبل أحد رواتها المغرضين وان الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أمر بالحقيقة بالتمسك بهما كليهما وقال بأنهما لا يفترقان كما هو نص الروايات الاخرى المتواترة لحديث الثقلين عند غير مسلم.
ع ـ ومن هذا الحديث فضلا عن غيره الكثير, يثبت أيضاً ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد بين ان التسعة هم من أهل البيت (ع) ومن العترة في نفس وقت إعلانه لحديث الثقلين. فالادعاء بانه (صلى الله عليه وآله) لم يذكر ذلك وهم في وهم والادعاء بان الحصر في حديث الكساء يخرج التسعة من أهل البيت وهم آخر.
8ـ واما النظر الذي ابداه من فهمه لجملة (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) فهو فهم بعيد عن الظاهر المراد, فإن مراد النبي (ص) باللذين لن يفترقا الثقلان اللذان نص عليهما في كلامه وهما القرآن وأهل بيته, أي نفس وجود القرآن ونفس وجود أهل البيت(ع), لا اللازم لهما، فان سيرة أهل البيت (ع) من لوازم وجودهم وهي أيضاً موجودة الى يوم الحوض ولكن بوجود موضوعها وهم نفس أهل البيت (ع), فإن قول النبي (صلى الله عليه وآله) نص في ذلك, والا لو كان مراده ما قاله هذا المستشكل لجاء بألفاظ أخر تدل على سيرتهم وسنتهم.
ثم إن ما ادعاه هذا من الفهم سوف لا يجعلهما ثقلان وانما سيكون هناك ثقل واحد فان سيرتهم وسنتهم لا تخرج عن سنة رسول الله وبالتالي لا تخرج على الأمر بالتزام القرآن فيكونا عند تصريف معنى الكلام واحد.ولا يكون كذلك لو كان يعني (صلى الله عليه وآله) وجوديهما فانهما سيكونان وجودين وان كان لازم ذلك في المآل اتحادهما أيضا. فلاحظ.
وهذا ما فهمه أعلام أهل السنة والا لما ادعوا تارة ان المراد بالثقل الثاني وجود علماء من أهل البيت (ع) يحفظون الدين الى يوم القيامة واخرى أن اجماع العترة لا يكون الا حقاً, فهم في كلا القولين يريدون أعيانهم.
ومع ذلك فان قولك هذا حجة عليك ايضاً وهو دليل للشيعة على غيرهم, فهم المتمسكون فعلاً بسيرة وسنة أهل البيت (ع) ولا يزايد على ذلك الا مبطل.
ولكن الفصل بيننا في المراد هو أحاديث وروايات رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأخرى ومنها الخاصة بالامام المهدي (ع) فان فيها النص على أنة من أهل البيت (ع). فلاحظ.
9ـ نرجع ونقول أن قول الامام الصادق (ع) كان في بيان الربط الموضوعي بين آي القرآن الكريم وبين حديث رسول الله (ص) في بيان من هم أهل البيت وانه لا ينطبق في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا على الخمسة أهل الكساء خاصة لا أنه كان يريد حصر أهل البيت (ع) فيهم على طول الزمان وإلا فان هناك روايات عديدة فيها النص من مولانا الصادق (ع) نفسه على أنه من أهل البيت (ع). فلاحظ.
10ـ ان قولنا بأن جملة (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) بأنها تدل على وجود فرد معين من أهل البيت (ع) يلازم القرآن الى يوم القيامة ليس من باب الترجيح بلا مرجح بين ظاهرين لمعنى الجملة بل هو من باب التمسك بالظاهر الذي هو حجة عند الكل مقابل التاويل سواء كان قريباً أو بعيداً ، اذ لو وجد هناك في كل كلام ظاهر يمكن الالتزام به لا يتعدى منه الى الفهم والتأويل البعيد الاّ اذا كان هناك مانع لفظي أو شرعي او عقلي من الالتزام بهذا الظاهر, وليس من هذا في البين .
11ـ ان الاستدلال بحديث الصفار ليس لتعيين الائمة الاثني عشر(ع) بأشخاصهم فان هذا لا يتم بالحديث وحده ولكن الاستدلال به يكون على أن هناك أئمة من اهل البيت (ع) يجب اتباعهم وانهم سيكونون في كل زمان وإلا لما تم الاستدلال بالآية اذ لو لم يكونوا في كل زمان لوجد أناس لا إمام لهم واجب الاتباع يدعى من يؤمن به يوم القيامة, ولخلا زمان ما من هذا الامام فتكون في ذلك الحجة للناس على الله ـ اعوذ بالله ـ وليس بالعكس أي الحجة لله على الناس. فلاحظ.
واما التذرع بالتفاسير فهذا خروج عن البحث إذ أن الكلام بعد التسليم بالرواية لا رد الرواية والرجوع الى التفاسير.
12ـ وأما ما اعترض عليه في حديث معاني الأخبار من إخراج الزهراء (ع) فليس له محل في الكلام, لأن من الواضح ان جواب الامام (ع) كان في بيان الائمة (ع) توضيحاً لما أشكل في ذهن السائل مقابل المخالفين ومن الواضح ان الزهراء (ع) ليست بإمام وان كانت حجة وهو بحث آخر. والظاهر أن المستشكل يخلط بين مفهوم الحجة ومفهوم الامام بالمعنى الخاص المتنازع فيه او ان احدهما يلازم الآخر .
إذ من الواضح أن القرآن وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجة ولكن ليسا بإمام بهذا المعنى. فلاحظ.
13ـ وأما رواية سليم: فليس الذين طهرهم الله في آية التطهير الخمسة أصحاب الكساء فقط وانما أهل البيت المعصومون والذين نعرفهم ونشخصهم من النص الصادر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاذا قال أن التسعة يدخلون فيهم فنسلم ولا جدال.
14ـ واما صحيحة الصفار في بصائر الدرجات: فبعد أن وجد ان لا محيص عنها في الدلالة التجأ الى دعوى المعارضة بينها وبين حديث الكساء ، وقد بينا أن لا معارضة الا في فهمه السقيم للحصر ومع ذلك فالظاهر أن صاحبنا لم يطلع في اصول الفقه في باب التعارض على أنواع الجمع العرفي وان التعارض لا يتم اذا كان هناك في الامكان جمع عرفي.
وهل أوضح من الجمع بين قول الصادق (ع) وبين حديث الكساء من أن الخمسة والامام الصادق (ع) على الاقل في هذه الرواية داخلون في مصطلح أهل البيت المطهرين (ع). فلاحظ.
15ـ وفي الصحيحة الأخرى للصفار: وبعد أن أعيته الدلالة ووضوحها أيضاً ، طعن في الفرق في الحجية بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) والصادق (ع) وهذا لا يتم لأن الاستدلال بالرواية من قبلنا يكون بعد التسليم بأن حجية الصادق(ع) من حجية رسول الله (ص) ولا مجال لافتراض الاجتهاد هنا فضلاً عن الاجتهاد مقابل النص, وبالتالي لابد من جعل ما قاله الصادق (ع) نصاً في بيان المراد من أهل البيت (ع) في حديث الثقلين صادراً من مشكاة النبوة, والجمع بين حديث الثقلين وحديث الكساء سهل وواضح.
16ـ واما تكراره للاسئلة ومطالبته بالجواب عنها فلك أن تسرد له الروايات المتواترة على دخول التسعة (ع) في أهل البيت (ع) وهذا هو دليلنا فهناك روايات صادرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأكثر منها صادرة عن أئمتنا (ع). وان رسول الله (ص) لم يحصر أهل البيت (ع) في اصحاب الكساء الخمسة (ع) والحصر في حديث الكساء لم يكن حصراً على طول الزمان.
وبالتالي لا تعارض بين حديث الكساء وغيره من الاحاديث الناصحة على دخولهم (ع) . ثم وإن قلنا فرضاً بالتعارض البدوي فان التعارض لا يتم اذا كان هناك وجه للجمع العرفي، مع أن النص منهم (ع) بدخولهم في أهل البيت (ع) مقدم على ظاهر الحصر في حديث الكساء لو قلنا به ولا نقول. فان النص يقدم على الظاهر عند التعارض.
وان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أدخل الائمة الباقين(ع) في أهل البيت بنصوص أخرى ولا يشترط بأن يكون البيان بقرينة متصلة فان حكمها والمنفصلة واحد، وان كلام الرجل يأخذ كله ولا يأخذ البعض دون البعض.
وأما بقية الكلام فتكرار يعرف جوابه مما مضى. ودمتم في رعاية الله
|