عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2011, 11:16 AM   #4
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الجواب:
الأخ علي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: نشكرك على هذا الاهتمام بالموقع ونسأل الله أن يهديك إلى صراطه المستقيم والحق الذي يرضاه.
ثانياً: نراك قد أوردت تعليقك تحت موضوع آية التطهير, مع أنك لم تتطرق إلى ما مذكور من بحث حولها والإجابة على الإشكالات الواردة هناك إلا بالإشارة من بعيد, إلى أنها استنباط أو تفلسف, وإن الطهارة لا تعني العصمة بدلالة آية الصدق. وسيأتي بعض الجواب على ما قلته بالتسلسل.
ولكن إذا كان ما نقوله استنباط أفلا يحتاج إلى جواب ! ثم من أين لك أن الإستنباط ليس بحجة؟ أليس ما يفعله العلماء كلهم سوى الاستنباط.
إن الاستنباط قسمان: استنباط صحيح وثبتت حجية مقدماته فهو حجة, واستنباط خاطيء وأن مقدماته ليست بحجة فهو ليس بحجة. والمعلوم أن النقاش العلمي يكون في إثبات حجية وصحة الاستنباط من عدمه لا في أصل الاستنباط, فما هذا إلا من الخطأ في فهم المنهج العلمي والشرعي إذا لم نقل من الغفلة والشبهة.
وعلى كل فإنا نراك لم تناقش في الأدلة التي أقامها العلماء على اثبات العصمة وهي المعول في البحث العلمي وتركتها جانباً, واقتصرت على ذكر بعض ما تصورته من النقوض الجزئية لرد القول بالعصمة, وهذه النقوض لا تصمد عن كونها أوهام دائرة الآن في الساحة على الإنترنيت لا تصمد أمام البحث. وسنبين ما فيها لاحقاً.
ومن هنا تبين لنا أن المشكلة عندك ليست في الأدلة! إذ لم تناقشها إلا لماماً, وإنما المشكلة هي في المنهج المتبع أو عدم إدراك كليات وقواعد المنهج اللازم اتباعه في البحث العلمي عموماً والبحث العلمي في علم الكلام أو كل علوم الشريعة خصوصاً, وقد تستنكر ذلك الآن وترفضه! ولكن سنوضح لك ذلك بما يسعنا من وقت. ولنبدأ من بداية كلامك بالتسلسل:
ثالثاً: بعد المقدمة التي ذكرتها في سطر ونصف تقريباً قلت: ((غير اني لم استسغ كثيراً من الأفكار التي تحومون حولها)).
فنقول: إننا سنأخذ كلامك على المعنى المفهوم من ظاهر الألفاظ التي ذكرتها التي يتعامل ويتعاطى بها أصحاب اللغة العربية, نقول هذا إذ لعلك لا تقصد بالحرف المعنى الذي سوف نفهمه من ظاهر اللفظ وإنما ذكرته من جهة المسامحة في التعبير وهي منتشرة كثيراً عند الكتاب, ولكن نحن لا نعلم الغيب وإنما نأخذ بظاهر الكلام.
فأنت تقول: ((إني لم استسغ)), فمتى كان الدليل العلمي يقيم بالاستساغة أو عدمها, أو التفاعل, أو الحبّ, أو الرغبة, وما إلى ذلك؟! إن حجية الدليل تتم بسلامة مقدماته مادة وصورة فإذا أورثت القطع فهو المطلوب, أو ترجع بالنهاية إلى دليل قطعي كما في الحجج الظنية في الفروع, ونحن لا نطرح في موقعنا أفكاراً مجردة للترف العلمي, وإنما نطرح أدلة علمية قطعية تكفي للحجية في باب العقائد وأصول الدين والشريعة, فلاحظ, خاصة ما نطرحه في باب النص على الإمامة والتي من لوازمها العصمة, فإن هذه المسألة مما لا يتسامح بها في الدين والعقيدة.
ثم قلت: ((التي تحومون حولها)), فنحن لا نحوم حول هذه المسائل, بل نستدل عليها مباشرة من دون تعريض ونثبتها بالقطع بكل صراحة ووضوح.
رابعاً: قلت: ((ويعلم الله أنني لست متحاملاً على هذا المذهب...الخ)), فهذا هو الانصاف والحيادية وهو المطلوب من كل أحد يريد السلامة لدينه ويخاف يوم المعاد ويوم لا تنفع الأشهاد, ونشد على يدك في ذلك, ولكن هل استطعت أن تخرج عن ميلك إلى جانب معين وتلتزم الحياد في كل مسألة؟ سنرى فيما يأتي!
خامساً: قلت: ((أيها الأخوة كما قلت لكم لماذا هذه المقدمات الكبيرة كالعصمة والنص)), نحن لا نقدم مقدمات! فليس الأمر هو مقالة صحفية حتى نقدم لها مقدمات تهيئ ذهن القارئ, وإنما هي الأدلة إذا صحت لزم المطلوب وتمت الحجة.
سادساً: قولك: ((وانتم لم تاتونا بنص جلي على العصمة لا في القرآن ولا في السنة وإنما كله استنباط)), هنا لابد من أن نبين بعض القواعد والمباني المستخدمة في الإستدلال كما وعدناك والمبحوث بعضها في علم الكلام وعلوم القرآن وأكثرها في علم أصول الفقه:
من الواضح أنك حصرت موضوع كلامك على الدليل النقلي ولم تتطرق إلى الدليل العقلي, إذ قولك: ((بنص جلي...الخ)) يدل على ذلك, ونحن نحبّ أن ننبهك إلى وجود أدلة عقلية عندنا على وجوب الإمامة ولزوم عصمة الإمام, ولا تتم الحجة عندك إلا بالبحث فيها وردها أو قبولها, ولكن بما أنك لم تذكر شيئاً منها فاننا سنعطف عنان القلم إلى القواعد المستخدمة في الاستدلال من الدليل النقلي, فقول:
إن الدليل النقلي يأخذ من القرآن ومن السنة بأقسامها من القول والفعل والتقرير, والظاهر من كلامك أنك ترى حجيتها معاً, فقولك: (( لا في القرآن ولا في السنة)) يدل على ذلك! على العكس من بعض المتشدقين هذه الأيام الذين يطالبون بالدليل من القرآن ويعزلون السنة عن حجيتها ودلالتها, ولذا فنحن سوف نترك الرد عليهم لعدم الدعوى عليه هنا.
ثم إن الدليل النقلي ينقسم من حيث الصدور إلى: قطعي الصدور, وظني الصدور. وقطعي الصدور كالقرآن والسنة المتواترة, والظني الصدور كالخبر الواحد.
وينقسم أيضاً من حيث الدلالة إلى: نص قطعي الدلالة, وظاهر ظني الدلالة. والقطعي الصدور حجة بذاته لقطعيته, والظني الصدور لابد أن يرجع إلى دليل قطعي يدل على حجيته, كما في الخبر الواحد الذي قامت الأدلة القطعية على حجية الموثق أو الصحيح على الاختلاف بين المدارس الفقهية.
والنص القطعي حجة لقطعيته أيضا, والظاهر حجة أيضاً وإن كان ظناً لمّا قامت الأدلة القطعية على حجيته كاتفاق أهل اللغة وسيرة العقلاء وأهل الدين, وهو واضح من جهة تعامل الفقهاء والعلماء, بل كل الناس مع ظواهر القرآن وظواهر السنة.
وعليه فالدليل القطعي التام الدلالة يجب أن يكون قطعي الصدور ونص في المطلوب, ولا يكون قطعياً إذا كان ظنيّاً من أحد الجهتين سواء كان ظني الصدور أم ظاهر في الدلالة, ولكن هذا حكم القطع, ولا يعني عدم حجية الدليل المظنون من جهة الصدور أو الدلالة مطلقاً, وهناك عبارة مشهورة تبين مقدار حجية الظن وهي: (ان الظن لا يورث علماً ولكن يوجب عملاً), أي يجب العمل به في الفروع والفقه ولا يجب الأخذ به في العقائد, ولكن هذا المبنى خالف فيه البعض خاصة أهل الحديث سابقاً والوهابية لاحقاً, فانهم يتمسكون بالخبر الصحيح في العقائد مع أنه ظني الصدور وفي أغلب الأحيان ظني الدلالة أيضاً.
وأما الشيعة الإمامية فأنهم في العقائد لا يقبلون إلا الدليل القطعي صدوراً ودلالة, نعم يعملون بالظنون المعتبرة في الفروع, والدليل القطعي في أصول الدين عندهم أعم من الدليل العقلي والدليل النقلي, المهم أنه يجب أن يورث القطع, وهم يدّعون وجود الأدلة القطعية على عقائدهم من كلا النوعين عقلاً ونقلاً.
والدليل النقلي من السنة عندهم ربما يكون قطعيّاً صدوراً لأنه نص متواتر ويسمونه متواتراً لفظيّاً ربما يكون متواتراً معناً ومضموناً ويسمونه المتواتر المعنوي, والمتواتر اللفظي ربما يكون نص في الدلالة لا يحتاج إلى استدلال فيطلق عليه الدليل الجلي, على بعض الاصطلاحات مقابل ما يحتاج إلى استدلال فيسمى النص الخفي, وهو حجة أيضاً إذا تم الاستدلال. فلا تتوهم اقتصار الدليل المقبول على النص الجلي! وأيضاً إن الظواهر المتعددة إذا تعددت ووصلت حداً يورث القطع دخلت في الدليل القطعي.
فما قلته من ((لم تأتونا بنص جلي على العصمة....الخ)), إن كنت تريد النص الجلي باصطلاحنا؟ فقد ذكر علمائنا عدة نصوص جلية على الإمامة والعصمة, ذكر بعضها المرتضى في (الشافي), فراجع, هذا أولاً. وثانياً: أننا لم نقصر الدليل على الجلي وإنما الخفي أيضاً دليل تام عندنا بعد الاستدلال, وهذا كثير في كلامنا.
وإن كنت تريد أن تأسس لقاعدة عندك وهي أنه لابد في أصول الدين من نص واضح صريح في المطلوب غير ظاهر ولا يحتاج إلى استدلال, فيجب عليك أولاً أن تأسس لهذه القاعدة وتستدل عليها ثم تطالب الآخرين بها, وأما إذا لم تقم الدليل عليها أو ثبت بطلانها فلا تستطيع أن تحصر الدليل على عقائدك بها, وأمامك أقوال علماء المسلمين في الكلام والقرآن والفقه وأصوله كلها تنقض هذه القاعدة, بل أن التمسك بها والاقتصار على النصوص في المطلوب يؤدي إلى ضياع معظم عقائد المسلمين, بل ذهاب علم الكلام وتفسير القرآن من أساسه فضلاً عن الفقه.
والقرآن نفسه يدحض كلامك! فالقرآن حمال أوجه, استدلت به كل فرق المسلمين منزهٍ ومشبه قدري وجهمي, واستدل به الإمامية والمعتزلة والأشاعرة والخوارج والكرامية وغيرهم, فأين النصوص الظاهرة المدعاة عند كل هذه الفرق؟
ومن الذي اقتصر عليها من هذه الفرق, حتى تطالب الشيعة هم وحدهم بها؟! مع أن الشيعة لديهم من النصوص الظاهرة الواضحة ما هو مسطور في كتبهم, ولا يخدش في ذلك إنكار منكر أو ادعاء مدع بعدم نصيتها ووضوحها, كما لا يضر الأمر البديهي إذا أنكر شخص ما بداهته, فإن هذا لا ينبع إلا عن عناد أو غفلة أو شبهة.
ومما قدمنا يظهر ما في كلامك: ((ان الأصول لابد أن يرد النص الظاهر في الثبوت والدلالة)) من خلط!! فإن النص غير الظاهر, إلا إذا كنت تريد من (الظاهر) الوضوح والصراحة فيرجع إلى كلامك الأول, وقد اجبنا عليه وانه دعوى غير مثبته لا غير. ونحن نعلم منبت هذه الدعوى, فإنها انتشرت وسادت في السنين المتأخرة على الإنترنيت لما دخله أناس غير متخصصين بعلم الكلام سطحيين في التفكير, وقفوا عاجزين أمام أدلة الشيعة الإمامية, فلم يجدوا إلا المطالبة بالنصوص على إمامة علي (عليه السلام) باسمه من القرآن, ووسعوا طلبهم بالمطالبة بوجود نص من القرآن على الإمامة والعصمة, وغفلوا لما كانوا غير مطلعين على أن علماء الكلام اشترطوا في الدليل ما يورث العلم وهو الدليل القطعي من أي طريق كان وبأي نحو أتى, ولكن الغرض لم يكن الاستدلال والعلم ومعرفة الحق وإنما محاولة إحراج الشيعة! ولذا عندما أورد الشيعة النصوص القرآنية الصريحة في الإمامة, بدأوا بالخدشة فيها والمناقشة والتأويل وتحريف الظاهر بما كان يفعله من كان قبلهم من الفرق, ولكن كما قلنا أن هذا لا يؤثر في الدليل من حيث االدلالة في نفسه.
ومن الظريف أنهم أخذوا يطالبون بالنص الواضح من الشيعة مع أنّهم يتمسكون بالظني الظاهري في العقائد كما في الخبر الصحيح عندهم!!
وأظرف من هذا أنهم أخذوا يطالبون بآيات من القرآن تذكر بعض الألفاظ المصطلحة كالعصمة, وغفلوا أن المراد في العقائد هو المعاني والمفاهيم لا الألفاظ البحتة والمصطلحات الكلامية!!
فإذا استدل الشيعة بآية العهد مثلاً: (( لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ )) (البقرة:124), قالوا: ان العهد ليس الإمامة.
وإذا استدلوا بآية التطهير: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الاحزاب:33), قالوا: لم ترد كلمة العصمة في هذه الآية.
وغفلوا عن الدلالة والمعنى! وهذا مما يضحك الثكلى, وهو مرض نابع من كثرة ما يلهجون بالظواهر اجتمع مع جمود فكر وتبلد ذهن أدى إلى هذا التحجر على الالفاظ وعدم عبورهم إلى ما وراء الأذن إلى العقل والقلب, فلعمري بماذا أبتلينا!!
سابعاً: قولك: ((وإنما كله استنباط كما أن التطهير واذهاب الرجس يدل على العصمة فلم لا يقول الله علي معصوم ويريح الناس في هذا الأمر)), فقد بيّنا ما يتعلق بالاستنباط, وانه من الطرق الشرعية لإثبات مسائل الدين, وهو حجة إذا كان صحيحاً بإتفاق علماء المسلمين, والكلام فيه إذا كان هناك كلام يكون في بيان خطأ الاستنباط. فكان الأجدى بك أن تبين أن التطهير واذهاب الرجس لا يدل على العصمة كما فعل الكثير قبلك وأجبناهم!
ثم إن المطلوب في العقائد هو الإيمان بالمفاهيم والمعاني المرتبطة بها وما تدل عليه من مصاديق واقعية لا الإيمان بالألفاظ والاعتقاد بها, ومن ثم ان المطلوب منا الاعتقاد بمفهوم ومعنى العصمة لا لفظ العصمة, فإن المسلم غير العربي مثلاً لا يسأل يوم القيامة عن لفظة العصمة وإنما يسأل عن ما اعتقده من مفهوم العصمة بأي طريقة وصل إليه, المهم هو عقد القلب على المعنى والمفهوم المراد منه, فإذا كانت هناك ألفاظ وتراكيب لغوية تدل على مفهوم ومعنى معين, وضع له اصطلاح من الاصطلاحات كالعصمة مثلاً من قبل العلماء, كانت الغاية الأساس هو المفهوم لا الاصطلاح, ويكون البحث في الأدلة التي تدل على هذا المفهوم والمعنى, فإذا ثبت وجب الاعتقاد به, وهذا ليس من الاستنباط في شيء! وإنما هو فهم للمعنى الظاهر, وللاستنباط معنى آخر مذكور في الفقه وأصوله ويتضح ذلك - أي أنه فهم للمعنى - بما يلي :
العصمة لغة: هي المنع, كما يقال: ماء معصوم, وجاء في القرآن بهذا المعنى, قال تعالى: (( وَاللّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )) (المائدة:67), أي يمنعك. وفي الاصطلاح: المنع من ارتكاب الذنوب والآثام والفواحش والرذائل بل كل أنواع الرجس, فهو يعود إلى المعنى اللغوي استخدمه العلماء في الدلالة على خلو هذا الإنسان وتطهره مما عددنا آنفاً.
فإذا وردت آية في القرآن مثلاً تدل على خلو أشخاص معينين من جميع أنواع الرجس وأنهم مطهرون بأعلى درجات التطهير, ثبت هذا المفهوم والمعنى لهم, وثبت وصفهم بهذا المعنى الاصطلاحي عند العلماء, فمن الغفلة حينئذٍ المطالبة بورود نص باللفظ الاصطلاحي المعني في القرآن, بل لرب قائل يقول لك: لا نريد منك الإيمان باللفظ فلا مشاحة بالاصطلاحات ولكن نريد منك الإيمان بالمفهوم والمعنى واثباته لمن ثبت له!!
فقولك: ((لم لا يقول الله علي معصوم ويريح الناس؟)), فيه أولاً: تحكم على الله وحجر على لغة القرآن بما تشتهي أنفسكم, ولسان حالكم يقول: أننا لا نؤمن بالعصمة إلا بهذا اللفظ. وثانياً يكون الجواب: أنه قد جاءت تلك العقيدة التي تطالبون بها في القرآن بما يوصل المعنى المراد من دون شبهة, فإذهاب جميع أنواع الرجس وأعلى درجات التطهير عصمة بلا ريب, وهل لها معنى آخر يا ترى؟! ودعك عن المعاني المدعاة على لسان القوم كما سنذكرها لاحقاً.
ثامناً: قولك: ((الذي عددتموه أصلاً من أصول المذهب)), إن الذي عددناه أصلاً من أصول المذهب هو الإمامة ووجوب وجود إمام, وأما كونه معصوماً فهو لازم لهذا المنصب له أدلته الخاصة, فالعصمة مسألة من مسائل الإمامة لاحقةٌ بها وليست هي الأصل الذي عدّ من الأصول.
تاسعاً: قولك: ((فمتى كانت الطهارة تعني العصمة)), إن الطهارة لا تعني العصمة, ولكن الطهارة بأعلى درجاتها, ومن كل الآثام والرذائل والفواحش, تعني العصمة الاصطلاحية المدعاة.
والتحقيق: ان هناك خلطاً بين الطهارة كتشريع المرادة من مثل الوضوء, وبين تحقق الطهارة المعنوية والابتعاد عن الرذائل والذنوب, وإن كانت الطهارة كتشريع لها أثر تكويني في الطهارة المعنوية.
والكلام في تحقق الطهارة المعنوية: وهي لها عرض عريض من أدنى المراتب إلى أعلاها, فهي مشككة, فإذا قلنا مثلاً: أن هذا الشخص طاهر عن الكذب أبدا, يعني أنه معصوم من الكذب. وهكذا كلما زاد في التطهر عن بقية الذنوب والفواحش والرذائل يكون معصوماً بدرجة أعلى, حتى أن العدالة لإمام الجماعة أو للقاضي نوع من العصمة, حتى إذا تطهر عن أنواع الشرك الخفي وصل إلى درجة العصمة في الإيمان مثلاً, وهكذا إذا أرتفع عنه النسيان والغفلة والخطاء في التطبيق وصل إلى مرحلة أعلى, فالطهارة وإن كان مفهومها غير مفهوم العصمة ولكنها تعني الحصول على العصمة بمرتبة ما, فلاحظ .
ومن هنا تبين لك ما في المعاني التي يذكرها القوم لبعض الآيات وخلطهم بين رتب الطهارة, بل بين الطهارة كارادة تشريعية, والطهارة كارادة تكوينية, وتفصيله تجده على موقعنا فلا نكرر.
فما ذكرت من الآية: (( خُذ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُم وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) (التوبة:103), فيها الطهارة كارادة تشريعية ولو ثبتوا عليها دائماً لحصلت لهم رتبة من العصمة بقدرها.
وقولك: ((إني أعلم أنكم ستفلسفون هذه الآية)), فهل تجد فيما ذكرنا نوع فلسفة؟ أو هو فهم صحيح مطلوب منا عندما أمرنا بالتدبر في القرآن؟
عاشراً: قولك: ((لابد أن يرد النص الظاهر في الثبوت والدلالة)), وإن كنا ذكرنا ما فيه سابقاً, ولكن هنا نود أن نلفت انتباهك إلى ما غفلت عنه! فإن جميع المسلمين قاطبة يثبتون العصمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على اختلافهم في مراتبها, وأقلها العصمة في التبليغ والعصمة عن الكبائر, فهل يا ترى تستطيع أن تردهم بعقيدتهم وتقول لهم: (لابد أن يرد النص الظاهر في الثبوت والدلالة) من القرآن؟! ولم لا يقول الله (محمد معصوم في التبليغ ويريح الناس)؟! ونحن هنا نوكل الجواب للمسلمين, فما يقولونه لك فنحن نقوله, وإذا استدلوا عليك بالآية (( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِن هُوَ إِلَّا وَحيٌ يُوحَى )) (النجم:3-4), فنرجو أن لا تعتبرها نص ظاهر واضح في الدلالة, فليس فيها لفظة العصمة كما تريد, ولا هي خلت من النقاش والاستنباط, أو على قولك التفلسف في كلام علماء المسلمين!!
ومع ذلك فاننا نرى أن كلامك أخذ بالسير باتجاه وحيد وحصر الدليل من خلال القرآن, خاصة قولك: ((لم لا يقول الله....الخ))! وإلا قد كنا أرضيناك وذكرنا لك النصوص من الروايات التي عندنا بلفظ العصمة.
الحادي عشر: قولك: ((والا صار الدين مجرد ألغاز وطلاسم لا تفهم إلا بنصوص أخرى...الخ).
لابد أنك لا تقصد من كون الدين طلاسم المعنى الحرفي, إذ أن الدين مفاهيم اعتقادية وأحكام شرعية لا تصبح طلاسم إلا إذا كانت مبهمة, لا أن الأدلة عليها غير واضحة مثلاً, فالظاهر أن مرادك أن الأدلة التي تقام على مفاهيم الدين إذا كانت غير واضحة أصبحت طلاسم بمعنى ألغاز تحتاج إلى حل, ولكن الأدلة لا تكون هكذا إلا إذا كانت غامضة معبراًعنها بالرموز, وهذا ما يدعيه أصحاب التفسير الباطن, ونحن لا ندعيه ونرفضه رفضاً باتاً, وإن كان البعض يتهمنا به تعميماً علينا لما عند بعض الفرق المنسوبة للشيعة, أو لعدم فهم ٍ منه لسياقات أدلتنا.
واما أن الأدلة اللفظية المحتاجة إلى تفسير وتوضيح أو المفاهيم التي تحتاج إلى استدلال أو الأحكام التي تستنبط أستنباطاً فليست هي من الألغاز, بل ان ديدن البشرية في التعامل مع النصوص في كافة العلوم على الشرح والتفسير والاستدلال, ولا يوجد دين ولا عقيدة ولا ايدلوجية في العالم تورد جميع المعاني الجزئية في نصوص وأدلة لفظية مبسوطة.
وهذا القرآن أمامك فهو كتاب هداية جاءت الآيات فيه على شكل قواعد ومعاني كلية في أغلبها, ولم يأت بالتفصيل لكل شيء, وإلا لما انتهت آياته بالملايين, بل أن من مرتكزات المسلمين أن القرآن يحتاج إلى مبين ومفسر, وأول من فسره وبينه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنص القرآن الذي أمرنا بإتباع سنته وما بينه, وتفصيل البحث هنا يطول مذكور في علوم القرآن.
ومن مرتكزاتهم وجود المحكم والمتشابه والعام والخاص والمطلق والمقيد فيه, بل من مرتكزاتهم أنه يجب التعامل معه بكل ما يشمله معنى التدبر الوارد فيه من مصاديق, وغير ذلك من الشواهد ما لو أردنا إيراده لطال بنا الأمر.
والأمر بالتدبر يشمل مقارنة الآيات مع بعضها وفهم القرآن فهماً كلياً لا جزئياً, بل يشمل الاستعانة بنصوص السنة ولغة العرب وأساليبها, ولا يرجع الأمر إلى الاستعانة بالنصوص على النصوص إلى غير نهاية كما تدعي! بل هو الاستعانة والتعرف على القرائن المختلفة وهو فعل طبيعي عند كل البشر, ثم إن في السنة ما يكفي للوقوف على المعنى المراد وهو حجة, فلا يستمر الامر إلى ما لا نهاية حتى تدعي المشابهة للألغاز والطلاسم, فالسنة شارحة للقرآن لا تفرق حجيتها عن حجيته, فلاحظ.
ودعواك: ((أن تأتي النصوص الكلية والأصول في الإسلام ظاهرة محكمة...الخ)) حسبما تقصده من معنى وضوحها, ليس لها مورد واحد على اطلاقه في القرآن, وإلا لما أختلف المسلمون في أبرز مسائل التوحيد بين مجسم ومشبهة ومنزه, وكلهم يستدلون بآيات القرآن.
فقل لي بربك أتدعي مثلاً أن الآية (( عَلَى العَرشِ استَوَى )) (طه:5) أو (( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) (القيامة:23) نص ظاهر في القرآن؟ وإلا كيف تفعل بقوله تعالى: (( لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) (الشورى:11)؟! وإذا حاولت أن تجمع بين هذه وهذه فهذا الذي فررت منه وقلت أنه ألغاز وطلاسم.
إنّ القرآن حمال أوجه كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عندما أمر ابن عباس بمناظرة الخوارج بالسنة لا بالقرآن.
ومع ذلك فنحن لا ندعي عدم وضوح القرآن بحسب الظاهر وانه غير حجة ـ معاذ الله ـ, وإنما نقول: ان فيه علوماً واستدلالات تشمل كل العلوم, لا يعرفها على وجهها إلا الراسخون في العلم. كما لا ننكر وجود درجة من الوضوح في آياته تكفي للاستدلال والحجية في العقائد بما تكفي بإلزام المكلف بها يوم القيامة.
بل الذي ننكره وجود ما تدّعون وتقصدون من الوضوح, فإنكم تطالبون بنصوص توضح كل ما يخطر في أذهانكم, أو نصوص لا يوجد من لا يفهم معناها ولا يوجد من يخالفها كما تزعمون! فان مثل هكذا نصوص لا توجد في الدنيا! فما من نص مهما كان أحكامه إلا وتجد من يتأول أو يخالف فيه.
ونحن لا ننكر وجود آيات محكمة, فهي موجودة بنص القرآن, ولكن ننكر عدم وجود من يخالف فيها لشبهة ما أو لعصبية, وهذا لا يخدش في احكامها ووضوحها ودلالتها وحجيتها, فالأمر كما قلنا في البديهي أنه لا يخدش فيه إن أنكره منكر.
فليس النص الواضح بالتشهي وإنما بمقدار وضوح الدلالة عند أهل اللسان بما يكفي في الحجية, فقوله تعالى: (( وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ )) (السجدة:24) نص واضح ظاهر محكم في الدالة على الإمامة وإن أنكرته كما هو الحال في قوله تعالى: (( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأولي الأمر منكم )) (النساء:59) وإن جادلت في مصداق أولي الأمر.
وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) نص واضح ظاهر محكم جلي على الولاية والإمامة وإن أنكره منكر, أو أوردت عليه الشبهة لمدة ألف وأربعمائة سنة, ولا يخدش في وضوحه ودلالته إدعائك أنه يحتاج إلى استنباط أو إلى مقدمات من خارج, فإن ما تدعيه من الاحتياج إلى استنباط ليس إلا رد الشبهات عنه لا كونه استنباطاً بالحقيقة, وإن توهم ذلك بعد بُعد الزمان.
ونحن لا نستطيع أن نورد لك كل ما ندعيه لأن الأمر سيطول, ولكن لو بدأت معنا من البداية ونقحت المنهج المتبع لديك وحددت القواعد والأصول فيه لجاريناك فيه بالتدريج والأمر في بدايته لو أردت.
ثم إن قولك: ((النصوص الكلية والأصول)) ينقض كلامك! فما هو مرادك من الكلية؟ وما هو مرادك من الأصول؟ هل هما بمعنى واحد عندك, وهو القواعد الكلية مثلاً, أو تريد بالكلية أمهات المطالب وبالأصول أصول الدين مثلاً؟ وهلا سقت على ما تريد أمثلة.
وقولك: ((يفهمها كل الناس)), ليس على إطلاقه, بل المراد يفهمها أهل اللغة مستقيمي السليقة غير مسبوقين بالشبهة, وهذا واضح لا كل الناس على إطلاقهم عاميهم وخاصهم.
ويظهر في قولك: ((إنما يحتاج إلى الفقه والاجتهاد في المسائل الفرعية...الخ)), خلطك بين معنى الاستنباط المصطلح في الفقه والأصول, وبين الاستدلال في العقائد.
الثاني عشر: قولك: ((ولذا أيها الأخوة تأملت كثيراً في أصول مذهبكم وأصول مذهب السنة فوجدت أن الاصول في السنة كلها مقبولة عقلاً وشرعاً والأدلة عليها محكمة....الخ)). هذا هو الذي أردنا تنبيهك عليه من عدم الحيادية!! وإلا ماذا تسمي إرسال الدعوى بدون دليل؟! فهلا ذكرت الأمثلة لتوضح ذلك؟
ومثل ذلك قولك: ((بخلاف أصولكم التي لا تصح إلا بمقدمات خارج الدليل بحاجة إلى دليل آخر وذلك بأطراد)), فهلا مثلت لذلك مثالاً؟
ولنذكر نحن لك المثال: فان أبرز العقائد المختلف عليها بيننا هو أصل الإمامة والحاكمية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله), فهلا بينت لنا ما هو الدليل الواضح على اعتقاد أهل السنة بالشورى أو بيعة أهل الحلّ والعقد أو بيعة الواحد أو الاستيلاء بالقوة على السلطة من القرآن كما تدعي؟ أليس ما نذكره نحن من الآيات في الإمامة أقوى وأوضح وأحكم وأكثر مما تدعونه في الشورى! بل لا يوجد أي استدلال ببيعه أهل الحل والعقد وعددهم وشروطهم مثلاً, فهلا أنصفت!!
وقولك: ((ويعلم الله أنني مع كثرة اطلاعي وقراءتي في كتبكم ومراجعكم)), لا نستطيع أن نصدقه!! إذ على الأقل كان يظهر في كلامك إدراك ولو بسيط لأصولنا ومنهجنا في العقائد, وهذا ما لم نجد منه شيئاً في ما قلته, بل بالعكس وجدنا عدم فهم بل عدم معرفة واطلاع عليها!
الثالث عشر: ((قولك لم أجد دليلاً واحداً خاصة من القرآن مستقلاً بذاته...)), دعوى لا نريد أن ندخل في تفاصيلها الآن, وإلا كان لابد من تحديد المراد من إستقلالية الدليل في القرآن أولاً, وهل يوجد مثل ذلك عند المقابل؟ ثم هل يوجد مثل هذا الدليل عند الشيعة أو لا؟
ولكن نريد أن نعرف لماذا القرآن والقرآن فقط؟ فهل هذا تطبيق لمقولة ((حسبنا كتاب الله)), أم ماذا؟! وإذا فرضنا وفرض المحال ليس محال أنه لا يوجد في القرآن دليل على عقيدة ما ووجد ذلك الدليل في السنة, فهل نسقط هذه العقيدة ونرمي السنة وراء ظهورنا؟ هذه أسئلة نحتاج إلى جواب فيها منك لكي تحدد لنا منهجك, إذ في ذلك مفارقة لم يلتفت إليها مدعيها أو لا يريد الإلتفات إليها لما فيه نقض غرضه من اللجاج مع الشيعة.
الرابع عشر: قولك عند كلامك عن كتاب العلامة الحلي ابن المطهر: ((أورد المصنف أكثر من ثلاثين برهاناً على حد قوله من القرآن الكريم والغريب اني لم أجد برهاناً من تلك البراهين إلا في اخبار من كتب الثعلبي وابن نعيم فأين هذا القرآن)), بالله عليك! ألم يستدل ابن المطهر الحلي مثلاً بالآية: (( إنّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55) على الإمامة؟ وهل احتاج إلى غير القرآن في تحديد معنى الولاية في (وليكم) بأنه الدال على الإمامة؟ وهل استدل بغير (إنما) في الآية على الحصر؟ وهل استدل على تحديد صفة الولي بعد النبي(صلى الله عليه وآله) بغير قوله في الآية: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) ؟.
ولا أظنك إلا ستنتفض وتقول: انه لم يحدد المراد بهذا المصداق وانه علي (عليه السلام) إلا من السنة, ونسيت أنه أولاً ذكر لمورد النزول - وكل آية في القرآن فيها مورد للنزول وهو غير خارج عن القرآن - ثم انه تحديد للمصداق الخارجي لفاعل التصدق لا لصفات الإمام التي تكفل القرآن بذكرها ولا لمفهوم ومعنى الإمامة الكلي فانه معلوم من الآية.
وهو المراد الأصلي من ذكره في أصول الدين, فلا تغفل.
وأما ايراده الروايات من طريق أهل السنة كالثعلبي وأبو نعيم فما هو إلا للإلزام لا غير, وإلا فنحن لا نحتاج إلى تلك الروايات فإن عندنا ما يغنينا عنها.
الخامس عشر: قولك: ((فأقول أيها الأخوة لماذا الأتكاء على أمور محتملة وجعلها من أصول الدين)), نحن لا نعتقد بأمور محتملة, فإن العلم والقطع شرط عندنا في العقيدة, ولو كنت اطلعت على كتب الشيعة كما تقول لعرفت ما نشترط في صحة العقيدة.
وربما تقول: انها محتلمة عندي. فهلا احتملت أيضاً عدم فهمك للأدلة أو عدم استقصائك لها أو إنك لا تؤمن بها لوجود شبه في مقابلها عندك؟
السادس عشر: هنا ذكرت عدة نقاط زعمت أنها من الواقع, وحاولت أن تجعلها نقوضاً على القول بالعصمة, ونحن سنجيبك عليها كما وعدناك:
1- هذه النقطة فيها عدة أمور: فيها قولك: ((تولي علي الخلافة بعد مقتل عثمان وكانت الأمة واحدة موحدة مجتمعة على إمامها)), إن كنت تقصد أنها كانت موحدة قبل تولي الإمام (عليه السلام) مباشرة, فمن يا ترى قتل عثمان؟! أليس الصحابة اشتركوا في قتله وقتله أهل مصر والعراق!
وإن كنت تقصد أنها اجتمعت على خلافة من كان قبله, فهذا محض إدعاء, فلا هم أجتمعوا في بيعة أبي بكر يوم السقيفة التي خالف فيها الأنصار وتخلف عنها بنو هاشم وعلى رأسهم علي (عليه السلام), ولا أجتمعوا على بيعة عمر وإنما ولاه أبو بكر عنوة وعلى كره من المسلمين حتى عاتبه عبد الرحمن بن عوف على ذلك, ولا اجتمعوا يوم الشورى حينما جمعها عمر بين ستة دون المسلمين وأمرهم بقتل من خالف وكانت على مكيدة منه ومن عبد الرحمن وكره من علي (عليه السلام), ولم يجتمع من بيده البيعة من الأنصار والمهاجرين ومعهم من جاء من مصر والعراق على بيعة سوى بيعة علي (عليه السلام) العامة في المسجد, فراجع السيرة والتاريخ ثم تكلم!
وإن كنت تقصد أن الأمة كانت مجتمعة بعد بيعتهم للثلاثة المتقدمين وفي زمن حكمهم, فلعمري هذا لا يعطي الحجية لولاية أحد! فان أخذ البيعة بالإكراه من الآخرين حتى يستتب الأمر لمن أستبد به مناقض لشرع الله والإسلام, وستكون حجة لكل متغلب بعدهم, وهو ما دعاه معاوية بعد أن قاتل الحسن (عليه السلام) واستخدم كل وسيلة لإجباره على الهدنة وهذا ما حصل.
ومن هذا يظهر ما في قولك: ((فصارت الأمة ثلاثة أقسام مع علي...)) من كذب على الواقع والحقيقة! فمتى أصبحت الأمة ثلاثة أقسام؟!! هل في البيعة لعلي (عليه السلام) في المسجد؟ أم بعد أن عصى معاوية ولم يبايع للخليفة الحق كما هو رأي إجماع المسلمين؟ فاستقلال معاوية في الشام بعدم البيعة لا يجعله ومن معه قسم من الأمة لها حرية في أن تنقض البيعة بعد أن بايع أهل الحل والعقد حسب مباني أهل السنة, أم أصبحوا ثلاث فرق بعد خروج أم المؤمنين عائشة مع طلحة والزبير إلى البصرة؟ فهل يا ترى يحق لأم المؤمنين الخروج على الخليفة الشرعي؟ أو هل يحق لطلحة والزبير نقض البيعة؟ وهل يصبحوا عند ذلك فرقة يعتد برأيها وخلافها؟.
نعم, ان من كانوا ظاهراً من المسلمين انقسموا في خلافة علي (عليه السلام) على الباطل وخلافاً للحق وطمعاً في الدنيا, ولكن هذا لا يعطي الحجية بحيث يبنى عليه في إتخاذ موقف في العقائد وهو غايتنا, فلاحظ.
فقولك: ((قسم بايعه وقاتل معه)), فهم المجمعون على بيعته من أهل الحل والعقد.
وقولك: ((وقسم رفض مبايعته)), وهم أهل الشام, ولا يحق لهم ذلك في الدين بُعيد انعقاد البيعة الشرعية, فهم فساق عصاة خارجون على الإمام.
وقولك: ((وقسم لا معه ولا عليه وهم اكثر السابقين الأولين)), فهذا كذب صريح! فياليتك ذكرت هؤلاء السابقين الذين لم يبايعوا؟ فان من تخلف عنه هم سعد بن أبي وقاص وأسامه بن زيد ومحمد بن سلمة مع عدة آخرين, وهم ليسوا بكثير وإنما وصفوهم بالعدة, ولاهم بأكثر السابقين الأولين, فلماذا هذا التعامي والادعاء الكاذب على حقائق التاريخ؟
إن مبنى نقضك يتركز على قولك: ((كيف ساغ لأكثر الناس أن يتخلفوا عن البيعة))! وقد بينا لك عدم صحة ذلك, وإنما هي دعوى كاذبة لا تكون حجة لمدعيها يوم القيامة.
وقولك: ((ان يتخلفوا عن البيعة لإمام معصوم وقد بايعوا من لم يكن معصوماً قبله)), قد بينا ما فيه, فهم أولاً قد بايعوا بالإجماع إلا معاوية الذي استقل في الشام وأهل الشام تبعوه عن عمى لا يدرون شيئاً.
وثانياً: قد بينا كيفية مبايعة من كان قبله وهو غير معصوم.
وثالثاً: إن من كان يعتقد ويعرف أن الإمام (عليه السلام) معصوم وهو الأحق بالخلافة لم يبايع السابقين إلا بعد الإكراه كإمامهم علي (عليه السلام), ولم يتخلوا قاطبة عن بيعة علي (عليه السلام) وهم خلص أصحابه, والذي ندعي نحن الشيعة أنهم سلفنا, وأما الجمع الغفير من المسلمين غيرهم فقد بايعوه بيعة عامة لما يظنون من أنها تعطي الحجية لمن يبايعون ليكون خليفة, فلم يكن لهم أحسن من علي (عليه السلام) بعد مقتل عثمان, ونحن لا ندعي أن كل من بايع علياً(عليه السلام) فهو من الشيعة, فلاحظ ولا تتعجل.
وأمّا قولك: ((ولماذا لم يحتج عليهم علي بأنه معصوم واجب البيعة), فمن اعجب العجب!! وكيف يحتج بالعصمة وهم رفضوا الأوضح والأصرح منها وهو تولية النبي(صلى الله عليه وآله) له يوم الغدير؟! ثم من قال لك أنه لم يحتج بالعصمة؟ ومؤداها في كلامه وهو كثير في احتجاجاته عليهم, بل أن فاطمة (عليها السلام) ذكرته لهم في خطبتها ونوهت به حسب مفاهيم القوم يوم ذاك.
2- يرحمك الله على قولك: ((لولا الحيلة الذكية من معاوية ومن معه في رفع المصاحف)), ولكن ننبهك أنها لم تنطل على علي (عليه السلام) وقد حذرهم منها وبيّن لهم أنها خدعة كما هو منصوص في كتب التاريخ, وان من انخدع بها هم ضعفاء العقول والإيمان من أهل الكوفة بقيادة الأشعث, وأما توقف القتال فقد كان بالإكراه منهم لعلي (عليه السلام) حتى أنهم هددوا بتسليمه الى معاوية وأحاطوا بخيمته إن لم يرجع الأشتر, وقد كان فتح الله عليه ووصل الى فسطاط معاوية واستعد معاوية للهرب, وإن الأشتر رفض الرجوع وقال أمهلوني ساعة للنصر النهائي, فأجابه علي (عليه السلام): أيهما أحب إليك أن ترجع بالنصر أو ترجع بقتل إمامك! وأمامك كتب التاريخ فانصفنا وأنصف نفسك.
ثم إن الإمام (عليه السلام) لم يوافق على التحكيم بعد أن لم يوافق على إنهاء القتال, ولكنهم أجبروه على القبول, بل رفضوا مرشحه للتحكيم وهو ابن عباس وأصروا على إختيار أبي موسى الأشعري تصوراً منهم بأنه منتهى في النزاهة والحيادية! وأنه خالف علياً (عليه السلام) واعتزله في القتال. فيالِ سذاجتهم وغبائهم مقابل دهاء معاوية واختياره لعمرو بن العاص الغادر, ثم رجعوا يتلاومون بعد التحكيم. ولم يبايعوا معاوية كما أدعيت! وإنما بايعه أهل الشام بالخلافة على باب اللّد, وقد نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على وجوب قتل الثاني الذي يبايع بالخلافة كما في الصحيح عندكم وعلي (عليه السلام) لم يزل خليفة حينذاك.
والحكمان وان اتفقا على عزل علي (عليه السلام) ومعاوية, ولكن العزل وقع من أبي موسى فقط وغدر به عمرو بن العاص, وقد كان عملهما معاً خلاف القرآن, لأن علي (عليه السلام) اشترط عليهما أن يحكما بالقرآن لا بغيره, فلاحظ.
ومن هنا يتضح ما في قولك: ((جرى الصلح بموافقة علي أم لا؟)), من مجانبة للحقيقة, فإنه (عليه السلام) لم يوافق على الصلح, بل أجبر عليه أولاً, ثم إنه شرط عليهما عدم الخروج عن القرآن ثانياً.
ومن المضحك القول بأن عمل المعصوم يجب أن لا يخضع للإكراه والإجبار والإضطرار! فهل راجعت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو الأنبياء السابقين قبل أن تحكم؟!! ثم أي حزم تريد من علي (عليه السلام) بقولك: ((بل كان الحزم من علي أن يكمل معركته)) بعد أن هدد بالقتل أو التسليم لعدوه وانقسم الجيش ووقعت الفتنة؟!
فهل العصمة تنتقض بالعمل الإختياري أو بالعمل الإضطراري والإكراه؟ راجع تعريف العصمة لو كان عندك وهم في ذلك؟ وهل خالف رسول الله (صلى الله عليه وآله) العصمة عندما صالح المشركين في الحديبية أو لا ؟ وأين كان حزم رسول الله (صلى الله عليه وآله) - نعوذ بالله - على فرضك؟ والأمثلة أكثر من أن تحصى.
وهل ضعف جانب الحق لقوة أهل الضلال يخدش العصمة؟ فعلى هذا لم يبق نبيّ معصوم, لأن أكثرهم وصلوا إلى جانب من الضعف في الموازين الدنيوية حتى قتلوا, والقرآن ينص على إستضعافهم بآيات عديدة فهل راجعتها؟
ثم من قال لك اننا ندعي أن أصحاب علي (عليه السلام) الذين بايعوه بالخلافة وقاتلوا معه كانوا يعتقدون بالعصمة, وهل يعقل مثل هكذا إدعاء بعد وضوح خلافهم في صفين في قصة التحكيم ورفع المصاحف! فما فرعته من ثانياً ليس به بالغ الحجة علينا إلا في ذهنك ووهمك!
وإذا كان معظم أصحابه لا يعلمون شيئاً عن عصمته بل عن إمامته الإلهية سوى أنه خليفة بايعه المسلمين, فما هي الحجة علينا في ذلك؟ بل أن أكثر المسلمين الآن لا يعتقدون بعصمة النبي(صلى الله عليه وآله) إلا في التبليغ؟ فما هي الحجة علينا من إعتقادهم بعد أن كانوا مخطئين؟
وما ذكرنا يتضح أن علياً (عليه السلام) لم يوافق على الصلح وإنما أجبر ولم يوافق على أبي موسى الأشعري, بل كان يعرفة بالخيانة والغفلة وقد نبه أصحابه على ذلك ولكنهم أصروا عليه, ويظهر أيضاً أن رأي علي (عليه السلام) من البداية كان هو الصواب وانه يتكلم عن علم ودراية بما سدده الله من العصمة, وحاله حال الأنبياء المعصومين عند عصيان أممهم ليس عليهم إلا إقامة الحجة وبذل الجهد معهم ما استطاعوا, وليس في الأمر اجتهاد أو إجالة فكر وتصويب رأي.
وظهر أيضاً وضوح موقف الشيعة في فهم تلك الأحداث حسب مبناهم بعصمة الإمام (عليه السلام), وأنه لا إشكال في أن يكون الإمام أو النبي (صلى الله عليه وآله) مقهوراً, وهي سنة من سنن الله, وان العصمة لطف من الله للأمة يكون في تصرفات الإمام يحصلون عليه لو أطاعوا إمامهم, وليس القول بثبوت العصمة للإمام يلزم منه القول بوجوب وقوع الطاعة من قبل المكلفين بالجبر, وإنما معرفتهم بالعصمة وترتيب أثرها عنهم يكون بالإختيار حاله حال ما وضعه الله من العقل في نفوسنا إذا استخدمناه فلحنا وإذا عزلناه سقطنا, وليس لقائل أن ينفي وجود العقل لما يجده من إعراض الناس عنه.
وأما ما دعيته على علي (عليه السلام) من أنه: ((لا يمانع ولا يمتلك من أمر نفسه شيئاً مع معرفته بالحق ولكنه يسلك معهم حيث يريدون بخلاف الحق الذي يعلمه)), ليس بصحيح بأن خطأه وبطلانه مما قدمنا.
وقولك: ((وان الأئمة الثلاثة السابقين مع كونهم ليسوا معصومين لكن حال الأمة معهم أصلح وأقوى...)) غير صحيح أيضاً! بل كان أمر الأمة إلى سفال بعد أن انقلبت بعد وفاة نبيها وما جرى في زمن علي (عليه السلام) إلى زماننا مما جنته أيديهم لما عملوا بآرائهم واختيارهم مقابل اختيار الله, وهل كان يصل حال المسلمين لما وصل إليه الآن لو لا ما فعلوا من غصب الخلافة! وقد اخبرتهم فاطمة الزهراء (عليها السلام) بذلك في خطبتها المشهورة, فراجع.
ونشوء الدول وبقائها وقوتها لأمد محدود ليس راجعاً لعصمة الإمام, وإنما صلاح الدين والاستقامة على الطريق ومن ثم صلاح الدنيا مرتبط بعصمة الإمام والرئيس, ولم يكن حال الأمة قبل المعصوم أفضل وأقوم, وإنما كان ينقص عندهم الدين من أطرافه وتحرّف سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشريعته شيئاً فشيئاً حتى ثار المسلمون على عثمان, ولولا ما مهد له ولمعاوية من كان قبله لما وصل الأمر إلى هذا الحال من الفتنة, فجهد المعصوم لرد المسلمين إلى طريق الحق ما إستطاع ولكن سنة الله قد مضت في الأولين والآخرين.
3- فيما قلته أخيراً: ((قد تقولون ما اعتدنا عليه دائما من أن كل تلك الأمور التي جرت على علي كان يعلمها ويرضاها لأنها مما كتبه الله عليه وعلى الأمة)), فهو صحيح, من جهة أنه (عليه السلام) يعلمها مما علمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره به, وهذا ليس ببعيد وعندنا عليه أدلة كثيرة, بل بعضها في روايات أهل السنة. وأما إنه يرضاها فليس معناه أنه يوافق عليها, وإنما معناه أنه راضٍ بقضاء الله مسلم لأمره صابر على ما يبتلى به, لا أن رأيه كان مطابقاً لما حصل كيف وبعضها كان فيه معصية لله من قبل الأمة, فكيف يرضى بها ونحن نقول بعصمته؟! فتأمل. ولا تتقول علينا ما لا نقوله!! والأمر ينطبق تماماً على ما فعله الحسين (عليه السلام) فهو راضٍ بالقضاء الذي يعلمه الله قبل خلق الخلق وهو لا يريد شيئاً ولا يشاء إلا ما شاء الله. فما توهمته ليس في محله.
نعم, إن الله لا يرضى إلا بالطاعة, ومن قال لك إن المعصومين لم يرضوا بالطاعة؟! أو لم يجروا عليها طيلة حياتهم؟ بل من قال لك أنهم رضوا بالمعصية؟ فان وقف القتال في صفين بعد أن أجبر عليه وأكره غير خارج عن رضى الله وليس هو معصية كما كان حال الصلح مع قريش يوم الحديبية من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله), فما أضطر إليه المعصوم ليس بمعصية وهو رضا الله من جهته, وأما من جهتة الأمة فهو معصية يحل بها عليهم غضب الله.
وكيف لم تنفع علي (عليه السلام) عصمته هنا!! وهو قد بين للأمة الخطأ فيما تفعل وحاول جاهداً منعهم من النكوص والمعصية مبيناً لهم الصواب في الرأي, ولم يمض معهم في خطوة ولو صغيرة إلا بعد أن يجبروه, فكان لا يتخذ رأياً كلياً عاماً وإنما يتدرج معهم مرحلة مرحلة حتى إذا أجبروه أنتقل إلى مرحلة أخرى محاولاً تفادي الخطأ فيها وهكذا, مبيناً لهم أن رضا الله كان في قتال البغاة وأنهم أضر على دين الله وأكثر مفسدة من مفسدة القتال.
ولا نعرف كيف أصبحت المعصية والمكر حجة لمعاوية حيث قلت: ((وكان ذلك حجة لمعاوية ومن معه ممن قاتل عليّاً))؟!! نعم, إن الباطل يحتج بكل شيء, وكلامنا في الحجة الشرعية المرضية عند الله وهي كانت مع علي (عليه السلام).
ثم لو فرضنا أن عليّاً (عليه السلام) فعل ما تراه أنت صواباً ولم يوافق على التحكيم مجبراً, أليس كانوا قد قتلوه أو سلموه وأصبح حاله حال عثمان بعد أن أجمع المسلمون على قتله وليس له حجة, كيف؟! وبما فعله علي (عليه السلام) استمرت الحجة وبان الحق ووضح إلى هذا اليوم.
ودمتم برعاية الله


 

رد مع اقتباس