معنى إذهاب الرجس والإرادة
ننتقل الآن إلى النقطة الثانية في الآية المباركة ، وهي معنى إذهاب الرجس ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، فتعين المراد من أهل البيت بقول رسول اللهوبفعل رسول الله ، فأصبحت السنة المتفق عليها مفسرة للآيةالمباركة .
فما معنى إذهاب الرجس عن أهل البيت ؟
لا بد من التأمل في مفردات الآية المباركة :كلمة ( إنما ) تدل على الحصر ، وهذا مما لا إشكال فيه ولا خلاف من أحد .
( يريد الله ) الإرادة هنا إما إرادة تكوينية كقوله تعالى : ( إذاأراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ( 1 ) ، وإما هي تشريعية كقولهتعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ( 2 ) .
فالإرادة ، تارة تكوينية ، وأخرى تشريعية ، وكلا القسمينواردان في القرآن الكريم ، ولله سبحانه وتعالى إرادة تكوينية وإرادة تشريعية ، ولا خلاف في هذه الناحية أيضا .
لكن المراد من الإرادة في الآية لا يمكن أن يكون إلا الإرادة التكوينية ، لأن الإرادة التشريعية لا تختص بأهل البيت ،سواء كان المراد من أهل البيت هم الأربعة الأطهار ، أو غيرهم أيضا ، الإرادة التشريعية لا تختص بأحد دون أحد ، الإرادة التشريعية يعني ما يريد الله سبحانه وتعالى أن يفعله المكلف ، أويريد أن لا يفعله المكلف ، هذه الإرادة التشريعية ، أي الأحكام ، الأحكام
عامة تعم جميع المكلفين ، لا معنى لأن تكون الإرادة هنا تشريعية ومختصة بأهل البيت أو غير أهل البيت كائنا من كان المراد من أهل البيت في هذه الآية المباركة ، إذ ليس هناك تشريعان ، تشريع يختص بأهل البيت في هذه الآية وتشريع يكون لسائر المسلمين المكلفين ، فالإرادة هنا تكون تكوينية لا محالة .
( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ) و ( الرجس ) إذا رجعنا إلى اللغة ، فيعم الرجس ما يستقذر منه ويستقبح منه ،ويكون المراد في هذه الآية الذنوب ، ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ) ، أي إنما يريد الله بالإرادة التكوينية أن يذهب عنكمالذنوب أهل البيت ، ويطهركم من الذنوب تطهيرا ، فهذا يكونمحصل معنى الآية المباركة .
إن إرادة الله التكوينية لا تتخلف ، وبعبارة أخرى : المرادلا يتخلف عن الإرادة الإلهية ، ( إذا أراد شيئا أن يقول له كنفيكون ) ( 3 ) .
فإذا كانت الإرادة تكوينية ، والمراد إذهاب الرجس عن أهل البيت ، فهذا معناه طهارة أهل البيت عن مطلق الذنوب ، وهذا واقعالعصمة ، فتكون الآية دالة على العصمة .
الإرادة التكوينية والجبر :
ويبقى سؤال : إذا كانت الإرادة هذه تكوينية ، فمعنى ذلك أن نلتزم بالجبر ، وهذا لا يتناسب مع ما تذهب إليه الإمامية من أنه لاجبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، هذه الشبهة موجودة في الكتب ، وممن تعرض لها ابن تيمية في منهاج السنة وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة في كتبهم بما ملخصه : .
إن الله سبحانه وتعالى لما علم أن هؤلاء لا يفعلون إلا ما يؤمرون ، وليست أفعالهم إلا مطابقة للتشريعات الإلهية من الأفعالى والتروك ، وبعبارة أخرى : جميع أفعالهم وتروكهم تكون مجسدة للتشريعات الإلهية ، جميع ما يفعلون ويتركون ليس إلا ما يحبه الله سبحانه وتعالى أو يبغضه ويكرهه سبحانه وتعالى ، فلما علم سبحانه وتعالى منهم هذا المعنى لوجود تلك الحالات المعنوية في ذواتهم المطهرة ، تلك الحالة المانعة من الاقتحام في الذنوب والمعاصي ، جاز له سبحانه وتعالى أن ينسب إلى نفسه إرادةإذهاب الرجس عنهم .
وهذا جواب علمي يعرفه أهله ويلتفت إليه من له مقدار من المعرفة في مثل هذه العلوم ، والبحث لغموضه لا يمكن أن نتكلم حوله بعبارات مبسطة أكثر مما ذكرته لكم ، لأنها اصطلاحات علمية ، ولا بد وأن يكون السامعون ( القارؤن) على معرفة ما بتلك المصطلحات العلمية الخاصة .
وعلى كل حال لا يبقى شئ في الاستدلال ، إلا هذه الشبهة ، وهذه الشبهة قد أجاب عنها علماؤنا ، وبإمكانكم المراجعة إلى الكتب المعنية في هذا البحث بالخصوص ، حتى في كتب علم الأصول أيضا .
أتذكر أن بعضهم يتعرض لمبحث آية التطهير بمناسبة حجية
سنة الأئمة ، حجية سنة أهل البيت ، ومنهم العلامة الكبير السيد محمد تقي الحكيم في كتابه الأصول العامة للفقه المقارن ، هناكيطرح مبحث آية التطهير ، ويذكر هذه الشبهة ويجيب عنها بماذكرت لكم بعبارة مبسطة بقدر الإمكان ، وهناك أيضا موارد أخرىيتعرضون فيها لهذه الشبهة وللإجابة عنها .