عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 05-20-2011, 02:47 PM
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5405 يوم
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الآية الخامسة عشر قوله تعالى ‏{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمُ اللهُ‏ مِنْ



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بقائمهم



الآية الخامسة عشر قوله تعالى ‏{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمُ اللهُ‏ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً}‏سورة النساء الآية 54‏


أقول: إنَّ من البداهة بمكان أن لا يقع الحسدُ من الأعلى والأفضل والأكمل للداني والناقص، فإنه ‏في شغل شاغل عن الالتفات إليه، بل ادعاء وقوع الحسد من مثله شطط من القول.‏
وصريح الآية الكريمة، أنَّ المحسودين حُسِدوا بما فضَّلهم الله تعالى وخصَّهم، وأنَّ في ‏زمن نزول الآية هناك حاسد ومحسود، وبما أنَّ ما آتاه الله تعالى للمحسود أمارةُ وعلامة أفضليَّته ‏عمَن سواه، فيلزم أن يكون هو المقدَّم والأفضل، لا أقل لتخصيص الله تعالى إياه بما آتاه.‏
لذا فما كان ينبغي أن يقع من المسلمين بعد رحيل الرسول الأكرم (عليهما السلام) إلى ‏الرفيق الأعلى، أيُّ نزاع أو تنازع فيمَن هو الخليفة، حتى ولو لم يصدر ـ وقد صدر ما لا ‏يُحصى ـ منه وعنه (عليهما السلام) أيُّ تصريحٍ أو إشارةٍ أو تلميح به.‏
فإنَّ الصحابة لا محالة يعلمون لا سيما أكابرهم، بمصداق الآية وبمَن أُريِد من الناس، ‏فإنهم كانوا يسألون عن ذلك، وفي كثير من الموارد، كان النبي (عليهما السلام)يبتدئهم ويعرِّفهم ‏من دون أن يسبق سؤال منهم.‏
ولو فرضنا جدلاً، أنه لم يقع من النبي (صلى الله عليه وآله) بيان المراد من الناس في الآية، إلا ‏أنَّ المقطوعَ به بأنَّ تذييل الآية بـ «فقد آتينا آل إبراهيم» يُمثِّل قرينةً واضحة قطعية على تعيين ‏شخصية المحسود، وأنه من آل إبراهيم.‏
قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ ‏فَضْلِهِ} أو أنَّ موقفهم ينبع من عقدة ذاتية مرضية في نفوسهم من كل الطيبين الخيِّرين الذين أتاهم ‏الله من فضله الرسالة والرفعة والدرجة العالية في الحياة؟ فهم لا يطيقون التطلُّع إلى الناجحين ‏وأصحاب الدرجة الرفيعة، ولا يملكون الوصول إلى ذلك من خلال جهدهم، لأنهم لا يريدون أن ‏يُتعِبوا أنفسهم أو يجاهدوا للوصول إلى ما وصل إليه الآخرون، بل كل ما عندهم أن يحصلوا على ‏المجد من دون جهد أو معاناة، تماماً ككل الناس الذين يعيشون عقدة الحسد، فيختنقون بها في ‏شعور مرضي بالقهر والمرارة، وهكذا كان موقفهم من رسول الله (عليهما السلام)والمؤمنين معه، ‏أو النبي وآله كما جاءت الرواية بذلك عن أبي جعفر (عليه السلام)(1).‏
أقول: هذا كلامه، وأنت غنيٌّ عن تعريفنا إياك بمواضع الخلل والزلل في كلامه، ولكنْ لا بُدَّ من ‏إبداء بعض الملاحظات.‏
أولاً: لا يحسُن عقلاً تقديمُ المفضول على الفاضل، إلا من غير الجازم ومن المتردِّد، لذا فتأخيرُ آل ‏محمد(عليهم السلام) بالذكر عن المؤمنين في قول السيد فضل الله «من رسول الله (عليهما ‏السلام) والمؤمنين معه أو النبي وآله»، راجعٌ إلى عدم الجزم بكونهم خصوصَ المحسودين. وإلا ‏فلو كان جازماً، فإنَّ تقديم المؤمنين عليهم، من الأمر الباطل ظاهراً وباطناً، أللهم إلا أن يكون ‏ممَن لا يعتقد بأفضليتهم على المؤمنين، ولا نظن أنَّ السيد فضل الله يُنكِر أفضليَّةَ آل محمد (عليهم ‏السلام)، ولا نظن به أنه يُناقِش في وجوب تقديم سادات الخلق.‏
ثانياً: بعد إقراره واعترافه بما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام)، فإنه لا معنى لإدخال المؤمنين ‏في جملة المحسودين، ولا معنى لتأخير الأفضل وهم آل محمد (عليهم السلام)، ولا معنى للتردُّد ‏في مَن هم الناس المحسودون.‏
فإنَّ قوله «من رسول الله (عليهما السلام) والمؤمنين معه أو النبي وآله»، مرجعه إلى تردُّده في ‏ذلك، وإلا فكيف يأتي بلفظ «أو»؟!‏
فهل أنه لا يثبت عنده المقصود من الآية بقول المعصوم؟!‏
أو أنه لم يثبت لديه نصٌّ موثوق بصدوره عن المعصوم في هذا المورد؟!‏
ولكن الروايات الواردة في المقام، والمؤيِّدات أكثرُ من أن تحصى، وسيوافيك بعض منها.‏
وأظن أنه لا ينازعنا أحد بأنَّ أهل بيت سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله)، هم على جميع ‏التقادير أعلم من السيد محمد حسين فضل الله بالقرآن، وأعني بـ على جميع التقادير ـ أنه حتى ‏على تقدير القول بأنهم غير معصومين، وأنهم كما يعتقد بهم أبناء العامة علماء أجلاء.‏
وثالثاً: كان عليه أن يشير إلى أنه يعتقد بأنَّ أحداً لن يبلغ مقام آل محمد (عليهم السلام)، بعد أن ‏كان يحتمل أنهم من جملة المحسودين.‏
فإنَّ قوله «ولا يملكون الوصول إلى ذلك من خلال جهدهم لأنهم لا يريدون أن يُتعِبوا أنفسهم أو ‏يجاهدوا للوصول إلى ما وصل إليه الآخرون» يعني أنَّ الحاسدين لو أرادوا أن يُتعِبوا أنفسهم أو ‏يجاهدوا للوصول إلى ما وصل إليه الآخرون لتمكنوا.‏
وهذا يعني أنَّ الحسدَ متعلِّقٌ بأمر مقدور للحاسدين، وأنهم يملكون قدرة إختيار تحصيله، ‏فهل يستطيع أحد وإن جهد، بل هل تستطيع الأمةُ بأجمعها وإن اجتهدت، على أن تصل إلى مقام ‏المحسودين فيما حُسِدوا عليه وبه، وهم آل محمد (عليهم السلام)، ولا يُقاس بهم أحد من مَلَكٍ ‏مقرَّب ونبيِّ مرسَل؟!!‏
لا أراك تقول: إن السيد محمد حسين لا يقصد هذا المعنى.‏
فإننا نقول: بعد أن أدخل أهل البيت في جملة المحسودين ولو إحتمالا ـ كما يفيده التعبير ‏بـ «أو» وقد أشرنا إليه ـ كان عليه أن يشير إلى المعنى الذي ذكرناه.‏
اللهم إلا أن يكون ممَن لا يرى بأساً فيما ذكره، ولكنك تعلم أنَّ ما آتاه الله تعالى آل محمد ‏‏(عليهم السلام) وما فضلَّهم به، هو مقام الوراثة للولاية المحمَّدية الشاملة التامة الكاملة.‏
ورابعاً: إنَّ الحسد إنما يصدر ويتحقَّقُ من المحسود في صورة إذعانه واعتقاده بالنعمة والفضل ‏والرفعة التي يملكها المحسود، بمعنى أنَّ الحسد متفرِّعٌ عن الإيمان، بأنَّ هناك فضلاً معيَّناً، ‏ومرتبةً قد خصَّها الله تعالى وآتاها المحسود.‏
ولا نقصد بالإيمان خصوص المعنى المتبادر، وإنما نقصد من الإيمان ما يشمل معايشته ‏لما يقع من سائر الناس المنتمي إليهم ولو بحسب الظاهر، من تقديم واحترام وتفضيل للذي فضَّله ‏الله تعالى.‏
فاليهودي مثلاً والذي لا يعترف بنبوة سيدنا محمد (عليهما السلام)، لا نحتمل منه أن ‏يحسد أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذا ما رأى النبي (عليهما السلام) مُقدِّماً له مُفضِّلاً إياه على ‏غيره من أصحابه.‏
إذ بعد فرض أنه غيرُ مؤمن بالأصل ـ وهو النبي (صلى الله عليه وآله) ـ وغيرُ ‏معترِّف به، فكيف يُحتَمل أن يقع منه تمني زوال النعمة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو ‏غيرُ مقر بوجود نعمة في البين.‏
نعم يتأتَّى من المنافق ذلك، لا على أن يتمنى زوال ما أنعمه الله على المحسود في محل ‏الكلام ـ فإنه كافرٌ جاحدٌ باطناً وأن تظاهر بالإيمان، والمنافق لا يكون في الأصل معتقداً بوجود ‏مُنعِم وبوجود متفضِّل ـ ولكنه حيث يَنظُرُ إليه سائرُ المؤمنين على أنه منهم لجهلهم بواقع الأمر، ‏فإنَّ ما يراه من تقديم الرسول (عليهما السلام) وتقديم الصحابة للمتفضَّل عليه هو ما يحسده عليه.‏
وبالجملة فالحاسد إن لم يكنْ معدوداً من المسلمين ـ والكلام فيما يخصُّ الآية ـ لا نتعقَّل ‏أن يكون لديه الحسد كحسد يرجع إلى تمني زوال النعمة عن غيره وانتقالها إليه، فيتعين أن يكون ‏معدوداً من المسلمين ولو بحسب الظاهر.‏
وإذا ما كان الأمر كذلك، فلا معنى لأن يُراد من الناس في الآية ما ادَّعاه صاحب تفسير ‏من وحي القرآن وأنهم ـ مع النبي (عليهما السلام) ـ المؤمنون، لأنَّ من جملة الحاسدين مَن كان ‏لا محالة مؤمناً، وإن لم يكن متكامل الإيمان.‏
وإن شئت قلت: إنَّ من المؤمنين بل ولعل أكثرهم في زمن نزول الآية لم يكنْ لهم وليس ‏عندهم من الشأن الذي يُغبَطون أو يُحسَدون عليه، فإنَّ جلَّهم لا تمايز بينهم فيما فيه يقع التفاضلُ، ‏ولو فيما يرجع إلى الدنيا إلا بنحو لا يكاد يُذكر، وما فيه يقع التفاضلُ كان ميزةً للبعض فحسب.‏
ولا يُتعقَّل في المقام، أن يقع بين هؤلاء ـ مَن يتميَّزون عن غيرهم بالأمور التي يتفاضل ‏العقلاء فيما بينهم بما هم عقلاء عليه ـ الحسد والتحاسد.‏
واحتمالُ وقوعه من طالبي زخرف الحياة الدنيا، ومَن يتوقون إلى البروز والظهور أقوي، ‏بل لعل هذا الاحتمال وحده هو المتعيِّن.‏
وأخيراً، فلا يسعنا هنا إلا أن نشكر السيد فضل الله على تنويهه وإشارته في المقام إلى آل ‏محمد (عليهم السلام)، وإن كان ضمن صياغة لفظية غير سليمة.‏
ثم إننا رجعنا إلى السيرة النبوية المباركة، وإلى مجامع الأحاديث والأخبار وكتب المناقب ‏والفضائل، فوجدنا أنَّ علياً (عليه السلام) كان أشجعَ الصحابة وأعلمَهم وأقضاهم بإجماع كلِّ ‏المحققين، ممَن تركوا التعصُّب الأعمى، وممَن لم يجد مندوحة ومهرباً عن إظهار فضل علي ‏‏(عليه السلام).‏
وجدنا علياً (عليه السلام) قد زوجَّه رسول الله (عليهما السلام) بضعته الصديقة الشهيدة ‏سيدة النساء صلوات الله ربي وسلامه عليها، وكان شأناً وأمراً موضع طمع للكثيرين، وقد خطبها ‏من أبيها (صلى الله عليه وآله) غيرُ واحد ممَن هو أكبر سناً من مولى المتقين.‏
وجدنا علياً (عليه السلام) مخصوصاً من المولى سبحانه بالمدح والثناء في كثير من ‏المواطن والمواضع مما رواه المؤالِف والمخالِف، مخصوصاً بأمور لم يسبقه بل ولم يشاركه بها ‏أحد من الخلق، وقد تقدم ما ينفع إثبات هذا المعنى في أوائل الكتاب.‏




 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء







رد مع اقتباس