هذا وقد ورد في كتب العامة ومن طرقهم، ما يثبت به أنَّ المحسود أو المحسودين هم عليٌّ (عليه السلام) وآلُ محمد (عليهم السلام).
نعم من المفروغ عنه، بأنَّ سيدنا محمد (عليهما السلام) هو أول المحسودين فلا تغفل.
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: وجاء في تفسير قوله تعالى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} أنها أنزلت في عليٍّ (عليه السلام) وما خُصَّ به من العلم.
وقال الطبراني في المعجم الكبير ـ ونقله عنه أيضاً ابن كثير وكذا السيوطي ـ حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا يحيى الحماني حدثنا قيس بن الربيع عن السدي عن عطاء عن ابن عباس في قول الله {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس(2).
أقول: والحديث صحيح معتبر على أصول أبناء السُّنة(3).
وكذا أخرجه الشيخ الطوسي في الأمالي بإسناده عن أبي عمر عن أحمد عن الحضرمي عن الحماني عن قيس عن السدي عن عطاء عن ابن عباس.
وقال ابن حجر في الصواعق: الآية السادسة قوله عزَّ وجل {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}، أخرج أبو الحسن المغازلي عن الباقر (عليه السلام) أنه قال في هذا الآية: نحن الناس واللهِ.
وذكر ابن البطريق في العمدة مثله عن ابن المغازلي، وذكر تمام السند فراجع.
وقال ابن شهراشوب في مناقب آل أبي طالب: وحدثني أبو الفتوح الرازي في روض الجنان بما ذكره أبو عبد الله المرزباني بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي عليٍّ(عليه السلام)(4).
وقال السيوطي في الدر المنثور ـ وأخرجه الشيخ المفيد في الأمالي بإسناده عن مصعب ـ: وأخرج الزبير بن بكار في الموقفيات عن ابن عباس أنَّ معاوية قال: يا بني هاشم، إنكم تريدون أن تستحقُّوا الخلافةَ كما استحقيتم النبوة ولا يجتمعان لأحد، وتزعمون أنَّ لكم ملكاً، فقال له ابن عباس: أما قولك أنَّا نستحق الخلافة بالنبوة، فأن لم نستحقها بالنبوة فبِمَ نستحقها؟! وأما قولك: أنَّ النبوة والخلافة لا يجتمعان لأحد، فأين قول الله {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} فالكتاب: النبوة، والحكمة: السُّنة، والملك: الخلافة، نحن آل إبراهيم، أَمْرُ الله فينا وفيهم واحدٌ، والسُّنةُ لنا ولهم جاريةٌ.
وأخرج الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل بإسناده عن أبي سعيد المؤدب عن ابن عباس في قوله تعالى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} قال: نحن الناس المحسودون وفضلة النبوة.
وأخرج الحسكاني بإسناده عن أبان بن تغلب وأيضاً بإسناده عن أبي الصباح عن جعفر بن محمد ’ في قوله تعالى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} قال: نحن المحسودون(5).
وهذا المقدار الذي أوردناه من كتب السُّنة ومن طرقهم، يكفي لنا كدليل نحتجُّ به عليهم على ما ندعيه مما أشرنا وألمحنا إليه، وأنَّ المقصود من الفضل والملك هو الخلافة ليس إلا، على أنه لو كان المقصود خصوص النبوة، لما كان لقوله سبحانه {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} أيُّ معنى.
هذا وقد ورد عن أهلِ البيت أهلِ القرآن ـ وهم وحدهم أدري، فإنَّ في بيوتهم نزل وبفضلهم نطق ـ ما أشير إليه في كلام ابن عباس، وما جاء في كتب العامة، وأنَّ المقصودَ من الناس في الآية خصوص آل محمد الأطهار وعترته الأبرار عليه وعليهم صلوات الله ربي وسلامه أبد الآبدين.
فقد أخرج الصفار في البصائر ووالد الصدوق في الإمامة والتبصرة بسند صحيح عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} قال: فنحن المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلقه أجمعين، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً، فجعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة، فكيف يُقِرُّون به في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمد (عليهم السلام).
وليس مقصود الإمام الباقر (عليه السلام) أن يُنكِر أنهم من آل إبراهيم، وإنما مقصوده أنَّ الآية لا بُدَّ وأن يثبت في مورد نزولها المعنى الذي ثبت في آل إبراهيم وهم من آل إبراهيم بإجماع الأمة.
وأخرج الصفار في البصائر والكليني في الكافي بسند صحيح عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا أبا الصباح، نحن قوم فرض الله طاعتنا، لنا صفو المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن الناس الذين قال الله {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
وأخرج الكليني في الكافي بإسناده عن ابن الفضيل عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} قال: نحن المحسودون.
وورد في هذا المعنى بل وأبلغ، الشيء الكثير جداً فراجع(6).
--------------------------------
(1) تفسير من وحي القرآن ج 7 ص 307 – 308.
(2) من مصادر أبناء السُّنة: شرح نهج البلاغة ج 7 ص220، المعجم الكبير للطبراني ج 11ص 118، تفسير ابن كثير ج 1 ص 526 والدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 173.
(3)أما محمد بن عبد الله الحضرمي: فهو المعروف بمطين، قال الذهبي ـ في تذكرة الحفاظ ج2 ص 662 ـ مطين الحافظ الكبير محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي سمع يحيى الحماني وكان من أوعية العلم وحدَّث عنه الطبراني، سئل عنه الدارقطني فقال ثقة جبل، وراجع سؤالات حمزة ص 72، وعن أبي حاتم ـ الجرح والتعديل ج 7ص 298 ـ أنه صدوق، وقد أخرج الحاكم في المستدرك عنه في موارد كثيرة معقِّباً: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فلاحظ المستدرك على الصحيحين ج 1ص 153 و161 و217 و349 و381 وغير ذلك كثير.
وأما يحيى الحماني: فعن ابن معين: أنه ثقة مشهور فلاحظ، تاريخ ابن معين للدارمي ص 232 وتاريخ ابن معين للدورى ج 1ص 198 والجرح والتعديل ج 9 ص 168، وعن أحمد بن حنبل: أنه لا يحدث بحديث باطل فلاحظ العلل لأحمد بن حنبل ج 2 ص 44، وعن عمر بن شاهين في تاريخ أسماء الثقات ص 159: أنه وأبوه ثقتان، وعن المزى في تهذيب الكمال المزى ج 13 ص 433 – 427: وقال محمد بن عبدالله الحضرمي: سألت محمد بن عبدالله ابن نمير عن يحيى الحماني فقال: هو ثقة فاكتب عنه، وعن المزى أيضاً وكذا عن ابن سليمان الباجي في التعديل والتجريح ج3 ص 1078: قال أبو حاتم الرازى لم أر من المحدثين من يحفظ ويأتي بالحديث على لفظ واحد إلا…. يحيى الحماني، وعن المزى أيضاً وكذا عن الخطيب في تاريخ بغداد ج 14 ص 179: وقال الرمادى: هو عندي أوثق من أبي بكر بن أبي شيبة، وعن الذهبي في سير أعلام النبلاء ج10ص 526: يحيى بن عبدالحميد الحافظ الامام الكبير، وعنه أيضاً ص 536 قال علي بن حكيم: ما رأيت أحداً أحفظ لحديث شريك من يحيى الحماني، وعن ابن عدي في الكامل ج5 ص 321: أنه هو وأبوه يكتب حديثهما، وعنه أيضاً ج7 ص 239: ولم أر في مسنده وأحاديثه أحاديث مناكير، وأرجو أنه لا بأس به، وفي تهذيب التهذيب لابن حجر ج11 ص 217: أن محمد بن إبراهيم البوشنجي وثقه، وفيه أيضاً عن ابن نمير ما ينفع جداً لرد وإبطال ما حكي عن ابن حنبل فراجع. وهكذا يثبت أن الحماني ممن وثَّقه ابن معين وابن نمير وابن عدى والرمادى وابن شاهين والبوشنجي، على أن ما مدحه به أبو حاتم وأحمد بن حنبل لا يقصر عن التوثيق. أقول: بعد هذا فماذا يريد الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص6 حيث قال بعد أن نقل رواية ابن عباس: رواه الطبراني وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف؟!
وقيس بن الربيع: قد صحح حديثه الترمذي والبيهقي في سننهما والحاكم النيسابوري في المستدرك، ووثقه شعبة وشريك والثورى ومعاذ والطيالسي وعفان ويعقوب بن شيبة وعثمان بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وأبو حاتم والعجلي وابن عدى وابن حبان والذهبي وغيرهم، وفي تهذيب التهذيب: أن شعبة وسفيان قد عرف من حالهما أنهما لا يرويان إلا ثقة، وقد رويا عن قيس، فلاحظ: سنن الترمذي ج 4 ص 354، السنن الكبري للبيهقي ج 7 ص 375، المستدرك على الصحيحين ج 4 ص وج 4 ص 107و225، مجمع الزوائد ج 3 ص290وج 5 ص21، العلل لأحمد بن حنبل ج 2 ص 293، معرفة الثقات للعجلي ج 2ص220، كتاب المجروحين لابن حبان ج 2 ص 218، الجرح والتعديل للرازى ج 7 ص 96 – 98، الكامل ج 6 ص 46 – 47، تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين ص191، تذكرة الحفاظ ج 1ص 227، ميزان الاعتدال ج 3 ص 393، سير أعلام النبلاء ج 8 ص 41، تهذيب التهذيب ج 8 ص 351، تاريخ بغداد ج 12 ص 452إلى454، تهذيب الكمال ج 13 ص 430 وج 24 ص 28إلى 30 وص35 ـ 36، تهذيب التهذيب ج 1 ص 4 وص 18
وأما السدي فهو إسماعيل بن عبد الرحمن: من رجال مسند ابن حنبل وسنن الدارمي وصحيح مسلم وسنن النسائي ومسند أبي يعلى، وقد وثقه أبو داود ويحيى القطان وأحمد بن حنبل والنسائي وابن عدى والعجلي والساجي وابن خزيمة وابن حبان والترمذي والحاكم وعده الأخير من الأئمة الثقات المشهورين فراجع مسند أحمد بن حنبل ج5 ص 223، سنن الدارمي ج1 ص 312، صحيح مسلم ج2 ص 153 وج4 ص 200، مسند أبي يعلىج 4 ص 396 وج7 ص 101، سؤلات الآجري لأبي داود ج1 ص 224، التاريخ الصغير للبخارى ج 1 ص 348، الجرح والتعديل ج 2 ص 184، الكامل ج1ص 278وتاريخ أسماء الثقات ص 27وطبقات المحدثين بأصبهان ج 1ص 332، تهذيب الكمال ج 3 ص 132 إلى 137، تهذيب التهذيب ج1 ص 274، سير أعلام النبلاء ج 5ص 264، المستدرك على الصحيحين ج2 ص415 و561 و563، صحيح ابن خزيمة ج3ص270، صحيح ابن حبان ج4 ص 190وج5 ص 336، سنن الترمذي ج2 ص 140، معرفة علوم الحديث لللحاكم النيسابوري ص 240 إلى 244
وقال المزى في تهذيب الكمال في ترجمة عطاء بن أبي رباح ج20 ص 69: روي عن ابن عباس وروي عنه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، فلاحظ من ص 69 إلى 82
وأما عطاء فهو بن أبي رباح من رجال الصحاح الستة، ويكفي أن تلحظ ما ذكره المزى في ترجمته، وكذا الذهبي في ميزان الاعتدال ج 3 ص 70 وفي سير أعلام النبلاء ج 5 ص 78 إلى 88
(4) الأمالي للشيخ الطوسي ص 272، العمدة ص 355، مناقب آل ابي طالب ج 3 ص 14.
(5) الأمالي للشيخ المفيد ص 14، ومن مصادر أبناء السُّنة: الدر المنثور ج 2 ص173، شواهد التنزيل ج 1ص 183 إلى 188، ينابيع المودة ج 2ص 369.
(6) بحار الأنوار ج 9 ص 193 وج23 ص 194 و284 ← 288 و291 – 292 و294 وج25 ص 222 وج32 ص 96 و33 ص 134و154 وج35 ص 425 وج40 ص 88، الامامة والتبصرة ص 40،
بصائر الدرجات ص55 – 56، الكافي ج 1 ص 186 و205 – 206، عيون أخبار الرضا ج 2 ص 199 و209، أمالي الصدوق ص 617 و778، معاني الأخبار ص 101، أمالي الطوسي ص 272، شرح الأخبار ج1ص 247، مناقب آل ابي طالب ج 1ص 245، الثاقب في المناقب ص 424، بشارة المصطفى ص 297 و351، المسترشد ص 396، الاحتجاج ج 1 ص 234، الخرائج والجرائح ج 1 ص 299، كشف اليقين ص 410، تفسير العياشي ج 1ص 246، تفسير فرات ص 106، تفسير التبيان ج 3 ص 227، تفسير مجمع البيان ج 3ص 109، تفسير الصافي ج 1ص 460 تفسير نور الثقلين ج 1ص 491، تفسير كنز الدقائق ج 2ص 480، تأويل الآيات ج 1ص130، تفسير الميزان ج 4ص 383.
|