(52) قوله تعالى: {واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت اللّه عليكم إذ كنتم اعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين اللّه لكم آياته لعلكم تهتدون}(2)
57 ـ قال علي بن ابراهيم، في قوله تعالى: (واذكروا نعمت اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم) فإنها نزلت في الأوس والخزرج، كانت الحرب بينهم مائة سنة، لا يضعون السلاح لا بالليل، ولا بالنهار، حتى ولد عليه الأولاد، فلما بعث اللّه نبيه (صلى الله عليه وآله) أصلح بينهم فدخلوا في الاسلام، وذهبت العداوة من قلوبهم برسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وصاروا إخواناً(3).
(53) قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}(4)
58 ـ أبو بصير، عنه [الصادق] (عليه السلام)، قال: قال: "إنما أنزلت هذه الآية على محمد (صلى الله عليه وآله) فيه وفي الأوصياء خاصة، فقال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) هكذا واللّه نزل بها جبرئيل، وما عنى بها إلا محمداً وأوصياءه (صلوات اللّه عليهم) "(5).
(54) قوله تعالى: {يا أ يّها الذين أمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم}(6)
59 ـ قال علي بن ابراهيم:... قوله تعالى: (يا أ يّها الذين أمنوا لا تتخذوا بطانة من
____________
1- المناقب، ابن شهر آشوب، ج2، ص177.
2- آل عمران، الآية: 103.
3- تفسير القمي، ج1، ص108.
4- آل عمران، الآية: 110.
5- تفسير العياشي، ج1، ص195، ح129.
6- آل عمران، الآية: 118.
الصفحة 38 دونكم) نزلت في اليهود..(1)
(55) قوله تعالى: {والذين اذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا اللّه ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}(2)
60 ـ حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق (رحمه الله)، قال: حدّثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: أخبرنا أحمد بن صالح بن سعد التميمي، قال: حدّثنا موسى بن داود، قال: حدّثنا الوليد بن هشام، قال: حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن بن أبي الحسن البصري، عن عبدالرحمن بن تميم الدوسي، قال: دخل معاذ بن جبل على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) باكيا، فسلّم فردّ عليه السلام، ثم قال: "ما يبكيك يا معاذ"؟
فقال: يا رسول اللّه، إن بالباب شاباً طَرِيّ الجسد، نقي اللون، حَسَن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها، يريد الدخول عليك.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "أدخل عليّ الشاب، يا معاذ" فأدخله عليه، فسلّم، فردّ عليه السلام، فقال: "ما يبكيك، يا شاب"؟
فقال: وكيف لا أبكي وقد رَكبتُ ذنوبا إن أخذني اللّه عزّوجل ببعضها أدخلني نار جهنم، ولا أراني إلا سيأخذني بها، ولا يغفرها لي أبداً.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): "هل أشركت باللّه شيئا"؟
قال: أعوذ باللّه أن أشرك بربي شيئاً.
قال: "أقتلت النفس التي حرم اللّه"؟
قال: لا.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "يغفر اللّه لك ذنوبك، وإن كانت مثل الجبال الرواسي".
قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "يغفر اللّه لك ذنوبك، وان كانت مثل الأرضين السبع، وبحارها،
____________
1- تفسير القمي، ج1، ص110.
2- آل عمران، الآية: 135.
الصفحة 39 ورمالها، وأشجارها، ومافيها من الخلق".
قال: فإنها أعظم من الأرضين وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "يغفر اللّه لك ذنوبك، وإن كانت مثل السماوات ونحومها، ومثل العرش والكرسي".
قال: فإنها أعظم من ذلك.
فنظر النبي (صلى الله عليه وآله) كهيئة الغضبان، ثم قال: "ويحك يا شاب، ذنوبك أعظم من ربك"؟
فخرّ الشاب على وجهه، وهو يقول: سبحان اللّه ربي، مامن شيء أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي اللّه، اللّه أعظم من كل عظيم.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم"؟
فقال الشاب: لا واللّه، يا رسول اللّه.
ثم سكت الشاب.
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): "ويحك ـ يا شاب ـ ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك"؟
قال: بلى، أخبرك، أني كنت أنبش القبور سبع سنين، أخرج الأموات وأنزع الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار، فلما حُملت الى قبرها، ودفنت، وانصرف عنها أهلها، وجنّ عليهم الليل، أتيت قبرها فنبشتها، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها، وتركتها مجردة على شفير قبرها ومضيت منصرفا، فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي، ويقول: أما ترى بطنها وبياضها، أما ترى وركيها؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت اليها، ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي، يقول: يا شاب، ويل لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عسكر الموتى، ونزعتني من حفرتي وسلبتني أكفاني، وتركتني أقوم جَنِبَة الى حسابي، فويل لشبابك من النار.
فما أظن أني أشمُّ رائحة الجنة أبداً، فما ترى لي، يا رسول اللّه؟
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "تنح عني يا فاسق، إني أخاف أن احترق بنارك، فما أقربك من </span>الصفحة 40 النار".
ثم لم يزل (صلى الله عليه وآله) يقول ويشير اليه حتى أمعن من بين يديه فذهب، فأتى المدينة فتزود منها، ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها، ولبس مِسحاً، وغلّ يديه جميعاً الى عنقه، ونادى: يا رب هذا عبدك بُهلول، بين يديك مغلول، يا رب أنت الذي تعرفني، وزلّ مني ما تعلم يا سيدي، يا رب، إني أصبحت من النادمين، وأتيت نبيك تائباً فطردني وزادني خوفا، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تُخيب رجائي، سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك.
فلم يزل يقول ذلك أربعين يوماً وليلة، تبكي له السباع والوحوش، فلما تمّ له أربعون يوما وليلة رفع يديه الى السماء، وقال: اللّهم ما فعلت في حاجتي؟
إن كنت استجبت دعائي، وغفرت خطيئتي، فأوح الى نبيك، وإن لم تستجب دعائي، ولم تغفر لي خطيئتي، وأردت عقوبتي، فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني، وخلصني من فضيحة يوم القيامة.
فأنزل اللّه تبارك وتعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله): (والذين اذا فعلوا فاحشة) يعني الزنا (أو ظلموا أنفسهم) يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا، ونبش القبور، وأخذ الأكفان (ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم) يقول: خافوا اللّه فعجلوا التوبة (ومن يغفر الذنوب إلا اللّه) يقول اللّه عزّوجل: أتاك عبدي ـ يا محمد ـ تائبا فطردته، فأين يذهب، وإلى من يقصد، ومن يسأل أن يغفر له ذنباً غيري؟
ثم قال عزّوجل: (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) يقول: لم يقيموا على الزنا، ونبش القبور، وأخذ الأكفان (أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين).
فلما نزلت هذه الآية على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) خرج وهو يتلوها ويتبسّم.
فقال لأصحابه: "من يدلني على ذلك الشاب"؟
فقال معاذ: يا رسول اللّه، بلغنا أنه في موضع كذا وكذا.
</span>الصفحة 41 فمضى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بأصحابه حتى انتهوا الى ذلك الجبل، فصعدوا اليه يطلبون الشاب، فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين، مغلولة يداه الى عنقه، قد اسودّ وجهه، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء، وهو يقول: سيدي، قد أحسنت خَلْقي وأحسنت صورتي، فليت شعري ماذا تريد بي، أفي النار تحرقني أم في جوارك تسكنني؟
اللّهم إنك قد أكثرت الاحسان الي وأنعمت عليّ، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري، الى الجنة تزفني، أم النار تسوقني؟
اللّهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والأرضين، ومن كرسيك الواسع، وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي، أم تفضحني بها يوم القيامة؟
فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه، وقد أحاطت به السباع، وصفّت فوقه الطير وهم يبكون لبكائه، فدنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فأطلق يديه من عنقه، ونفض التراب عن رأسه، وقال: "يا بهلول، أبشر فإنك عتيق اللّه من النار" ثم قال (عليه السلام) لأصحابه: "هكذا تداركوا الذنوب، كما تداركها بهلول" ثم تلا عليه ما أنزل اللّه عزّوجل فيه، وبشّره بالجنة"(1).
(56) قوله تعالى: {وما كان لنفس أن تموت إلا باذن اللّه كتاباً مؤجلاً ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين}(2)
61 ـ الشيخ المفيد في حديث سبعين منقبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) دون الصحابة، بإسناده عن ابن دأب، وذكر مناقبه الى أن قال: ثم ترك الوهن والاستكانة، إنه انصرف من أُحد وبه ثمانون جراحة، تدخل الفتائل من موضع وتخرج من موضع، فدخل عليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عائداً وهو مثل المضغة على نَطع، فلما رآه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بكى وقال له: "إن رجلاً يصيبه هذا في اللّه تعالى لحق على اللّه أن يفعل به ويفعل" فقال مجيباً له وبكى: "بأبي أنت وأمي، الحمد للّه الذي لم يرني ولّيت عنك ولا فررت،
____________
1- الامالي، الصدوق، ص45، ح3.
2- آل عمران، الآية:145.
الصفحة 42 بأبي أنت وأمي كيف حرمت الشهادة" قال: "إنّها من وراءك إن شاء اللّه".
قال: فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): "إن أبا سفيان قد أرسل موعده بيننا وبينكم حمراء الأسد" فقال: "بأبي أنت وأمي، واللّه لو حملت على أيدي الرجال ما تخلفت عنك" قال: فنزل القرآن: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا واللّه يحب الصابرين) ونزلت الآية فيه قبلها: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن اللّه كتابا مؤجلاً ومن يُرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين).
ثم ترك الشكاية من ألم الجراحات، وشكت المرأتان الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ما يلقى، وقالتا:2 يا رسول اللّه، قد خشينا عليه مما تدخل الفتائل في موضع الجراحات من موضع الى موضع، وكتمانه ما يجد من الألم.
قال: فعدّ ما به من أثر الجراحات عند خروجه من الدنيا، فكانت ألف جراحة من قرنه الى قدمه (صلوات اللّه عليه) "(1).
(57) قوله تعالى: {بل اللّه مولكم وهو خير الناصرين}(2)
62 ـ قوله تعالى: (بل اللّه مولكم وهو خير الناصرين) عن علي (عليه السلام) قيل: نزلت في المنافقين إذ قالوا للمؤمنين يوم أحد، يوم الهزيمة: ارجعوا الى اخوانكم، وارجعوا الى دينهم(3).
(58) قوله تعالى: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون باللّه غير الحق ظن الجهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله للّه يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من
____________
1- الاختصاص، ص 158.
2- آل عمران، الآية: 150.
3- مجمع البيان، ج2، ص856.
الصفحة 43 الأمر شيء ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم وليبتلي اللّه ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم واللّه عليم بذات الصدور}(1)
63 ـ وتراجع أصحاب رسول اللّه [يوم أُحد] المجروحون وغيرهم، فأقبلوا يعتذرون الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فأحب اللّه أن يُعرِّف رسوله مَن الصادق منهم ومن الكاذب، فأنزل اللّه عليهم النعاس في تلك الحالة حتى كانوا يسقطون الى الارض، وكان المنافقون الذين يكذبون لا يستقرون، قد طارت عقولهم، وهم يتكلمون بكلام لا يفهم عنهم، فأنزل اللّه: (يغشى طائفة منهم) يعني المؤمنين (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون باللّه غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء) قال اللّه لمحمد (صلى الله عليه وآله): (قل إن الأمر كله للّه يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا) يقولون: لو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل، قال اللّه: (لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم وليبتلي اللّه ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم واللّه عليم بذات الصدور) فأخبر اللّه رسوله ما في قلوب القوم ومَن كان منهم مؤمنا، ومَن كان منهم منافقا كاذبا بالنعاس، فأنزل اللّه عليه، (ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) يعني المنافق الكاذب من المؤمن الصادق بالنُعاس الذي مَيّز بينهم(2).
(59) قوله تعالى: {الذين استجابوا للّه والرسول من بعدما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتّقوا أجر عظيم}(3)
64 ـ عن أبي رافع بطرق كثيرة، أنه لما انصرف المشركون يوم أحد بلغوا الروحاء، قالوا: لا الكواعب أردفتم، ولا محمداً قتلتم، ارجعوا.
____________
1- آل عمران، الآية: 154.
2- تفسير القمي، ج1، ص120.
3- آل عمران، الآية: 172.
الصفحة 44 فبلغ ذلك رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فبعث في آثارهم علياً (عليه السلام) في نفر من الخزرج، فجعل لا يرتحل المشركون من منزل إلا نزله علي (عليه السلام) فأنزل اللّه تعالى: "الذين استجابوا للّه والرسول من بعد ما أصابهم القرح"(1).
65 ـ عن سالم بن أبي مريم، قال: قال لي أبو عبداللّه (عليه السلام): "ان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بعث علياً (عليه السلام) في عشرة (استجابوا للّه والرسول من بعد ما أصابهم القرح) الى (أجر عظيم) إنّما نزلت في علي (عليه السلام)(2).
(60) قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل}(3)
66 ـ عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن أبي رافع: أنها نزلت في علي (عليه السلام)، وذلك أنه نادى يوم الثاني من أُحد في المسلمين فأجابوه، وتقدم علي (عليه السلام) براية المهاجرين في سبعين رجلاً حتى انتهى الى حمراء الأسد ليرهب العدو، وهي سوق على ثلاثة أميال من المدينة، ثم رجع الى المدينة يوم الجمعة وخرج أبو سفيان حتى انتهى الى الروحاء، فلقي معبد الخزاعي، فقال: ما وراءك؟
فأنشده:
كادت تُهدُ من الأصوات راحلتيإذ سالت الأرض بالجرد الأبابيلتـردي باُسد كـرام لا تـنابـلةعـنـد اللـقاء ولا خُرق معازيل
فقال ابو سفيان لركب من عبدالقيس: أبلغوا محمداً أني قتلت صناديدكم وأردت الرجعة لأستأصلكم.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "حسبنا اللّه ونعم الوكيل".
____________
1- المناقب، ابن شهرآشوب، ج3، ص125.
2- تفسير العياشي، ج1، ص206، ح171، وشواهد التنزيل، الحسكاني، ج1، ص133، ح184و185.
3- آل عمران، الآية: 173.
الصفحة 45 قال أبو رافع: قال ذلك علي (عليه السلام) فنزل (الذين قال لهم الناس) الآية(1).
(61) قوله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين}(2)
67 ـ عن يونس، رفعه، قال: قلت له: زوّج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ابنته فلاناً؟
قال: "نعم".
قلت: فكيف زوّجه الأخرى؟
قال: "قد فعل، فأنزل اللّه: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم) الى (عذاب مهين)(3).
(62) قوله تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم}(4)
68 ـ قوله تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) نزلت في المنافقين الذين يحبون أن يحمدوا على غير فعل(5).
(63) قوله تعالى: {الذين يذكرون اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويَتفكّرون في خَلقِ السماوات والأرض رَبّنا مَا خَلقت هذا باطلاً سُبحانك فَقِنا عذابَ النار * رَبّنا إنّك مَن تُدخل النار فقد أَخزيته وما للظالمين مِن أَنصار * رَبّنا إننا سَمعنا مُنادياً يُنادي للإيمان أَن أمنوا بربكم فأمنّا رَبّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا وتوفّنا مع الأبرار * رَبّنا وأتِنا ما وَعدتنا على رُسُلكَ ولا تُخزنا يومَ القيامة إنّك لا تُخلف المِيعاد * فاستجاب لهم ربهم أَني لا أُضيع عَمَلَ عامِل مِنكم من ذكر أو أُنثى بعضكم من بعض
____________
1- المناقب، ابن شهرآشوب، ج1، ص194.
2- آل عمران، الآية: 178.
3- تفسير العياشي، ج1، ص207، ح174.
4- آل عمران، الآية: 188.
5- تفسير القمي، ج1، ص128.
الصفحة 46 فالذين هاجروا وأُخرجوا من دِيارهم وأُوذوا في سبيلي وقاتلوا وقُتِلوا لأُكَفِّرنَّ عَنهم سيئاتِهم ولأُدخلنَّهم جَنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً مِن عند اللّه واللّه عنده حُسنُ الثواب * لا يَغُرَّنّك تَقلبُ الذين كَفروا في البلاد * مَتاع قليل ثمّ مَأواهم جهنم وبئس المِهاد * لكنِ الذين اتّقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نُزُلاً من عند اللّه وما عند اللّه خير للأبرار * وإنّ مِنْ َهل الكتاب لَمَن يؤمن باللّه وما أُنزل إليكم وَما أُنزل اليهم خاشعين للّه}(1)
69 ـ عن أبي جعفر وأبي عبداللّه (عليه السلام): "أن هذه الآيات التي أواخر آل عمران نزلت في علي (عليه السلام) وفي جماعة من أصحابه، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أمره اللّه تعالى بالمهاجرة الى المدينة بعد موت عمه أبي طالب (رحمة الله عليه)، وكان قد تحالفت عليه قريش بأن يكبسوا عليه ليلاً وهو نائم، فيضربوه ضربة رجل واحد، فلم يُعلم من قاتله، فلا يؤخذ بثاره، فأمر اللّه بأن يبيّت مكانه ابن عمه علياً (عليه السلام)، ويخرج ليلاً الى المدينة، ففعل ما أمره اللّه به، وبيّت مكانه على فراشه علياً (عليه السلام)، وأوصاه أن يحمل أزواجه الى المدينة، فجاء المشركون من قريش لما تعاقدوا عليه وتحالفوا، فوجدوا علياً (عليه السلام) مكانه فرجعوا القهقري، وأبطل اللّه ما تعاقدوا عليه وتحالفوا.
ثم إن علياً (عليه السلام) حمل أهله وأزواجه الى المدينة فعلم أبو سفيان بخروجه وسيره الى المدينة فتبعه ليردهم، وكان معهم عبدٌ له أسود، فيه شِدة وجرأة في الحرب، فأمره سيّده أن يلحقه فيمنعه عن المسير حتى يلقاه بأصحابه، فلحقه، فقال له: لا تسر بمن معك الى أن يأتي مولاي.
فقال (عليه السلام) له: ويلك، ارجع الى مولاك وإلا قتلتك.
فلم يرجع، فشال علي (عليه السلام) سيفه وضربه، فأبان عنقه عن جسده، وسار بالنساء والأهل، وجاء أبو سفيان فوجد عبده مقتولاً، فتبع علياً (عليه السلام) وأدركه، فقال له: يا علي، تأخذ بنات عمنا من عندنا من غير إذننا، وتقتل عبدنا، فقال: أخذتهم بإذن مَن له
____________
1- آل عمران، الآية: 191 ـ 199.
الصفحة 47 الإذن، فامضي لشأنك.
فلم يرجع، وحاربه على ردِّهم بأصحابه يومه أجمع، فلم يقدروا على ردّه، وعجزوا عنه هو وأصحابه، فرجعوا خائبين.
وسار علي (عليه السلام) بأصحابه وقد كلّوا من الحرب والقتال، فأمرهم علي (عليه السلام) بالنزول ليستريحوا ويسير بمن معه، فنزلوا وصلّوا على ما يتمكنون، وطرحوا أنفسهم عجزاً يذكرون اللّه تعالى في هذه الحالات كلها الى الصباح، ويحمدونه، ويشكرونه، ويعبد.
ثم سار بهم الى المدينة، الى النبي (صلى الله عليه وآله)، ونزل جبرئيل (عليه السلام) قبل وصولهم، فحكى للنبي (صلى الله عليه وآله) حكايتهم، وتلا عليه الآيات من آخر آل عمران الى قوله: (انك لا تخلف الميعاد) فلما وصل (عليه السلام) بهم الى النبي (صلى الله عليه وآله) قال له: إن اللّه سبحانه قد أنزل فيك وفي أصحابك قرآنا، وتلا عليه الآيات من آخر آل عمران الى آخرها" والحمد للّه رب العالمين(1).
____________
1- نهج البيان، الشيباني، ج1، ص79.
|