عرض مشاركة واحدة
قديم 05-25-2010, 12:50 AM   #2
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي النبوة لطف



النبوة لطف
إن الانسان مخلوق غريب الأطوار ، معقد التركيب في تكوينه
وفي طبيعته وفي نفسيته وفي عقله ، بل في شخصية كل فرد من أفراده ،
وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة وبواعث الخير والصلاح من
جهة أخرى :
فمن جهة قد جبل على العواطف والغرائز من حب النفس
والهوى والأثرة وإطاعة الشهوات ، وفطر على حب التغلب والاستطالة
والاستيلاء على ما سواه ، والتكالب على الحياة الدنيا وزخارفها ومتاعها
كما قال تعالى : ( إن الانسان لفي خسر ) و ( إن الانسان ليطغى إن
رآه استغنى ) و ( إن النفس لأمارة بالسوء ) إلى غير ذلك من الآيات
المصرحة والمشيرة إلى ما جبلت عليه النفس الانسانية من العواطف
والشهوات .
ومن الجهة الثانية ، خلق الله تعالى فيه عقلا هاديا يرشده إلى
الصلاح ومواطن الخير ، وضميرا وازعا يردعه عن المنكرات والظلم
ويؤنبه على فعل ما هو قبيح ومذموم .
ولا يزال الخصام الداخلي في النفس الانسانية مستعرا بين العاطفة
والعقل ، فمن يتغلب عقله على عاطفته كان من الأعلين مقاما والراشدين
في إنسانيتهم والكاملين في روحانيتهم ، ومن تقهره عاطفته كان من
الأخسرين منزلة والمتردين إنسانية ، والمنحدرين إلى رتبة البهائم .
وأشد هذين المتخاصمين مراسا على النفس هي العاطفة وجنودها
فلذلك تجد أكثر الناس منغمسين يفي الضلالة ومبتعدين عن الهداية
بإطاعة الشهوات وتلبية نداء العواطف ( وما أكثر الناس ولو حرصت
بمؤمنين ) على أن الانسان لقصوره وعدم إطاعة على جميع الحقائق
وأسرار الأشياء المحيطة به والمنبثقة من نفسه ، لا يستطيع أن يعرف
بنفسه كل ما يضره وينفعه ، ولا كل ما يسعده ويشقيه ، لا فيما يتعلق
بخاصة نفسه ، ولا فيما يتعلق بالنوع الانساني ومجتمعه ومحيطه ، بل
لا يزال جاهلا بنفسه ويزيد جهلا أو إدراكا لجهله بنفسه ، كلما تقدم
العلم عنده بالأشياء الطبيعية والكائنات المادية .
وعلى هذا فالانسان في أشد الحاجة ليبلغ درجات السعادة إلى من
ينصب له الطريق اللاحب والنهج الواضح إلى الرشاد واتباع الهدى ،
لتقوى بذلك جنود العقل حتى يتمكن من التغلب على خصمه اللدود
اللجوج عندما يهيئ الانسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل
والعاطفة . وأكثر ما تشتد حاجته إلى من يأخذ بيده إلى الخير والصلاح
عندما تخادعه العاطفة وتراوغه - وكثيرا ما تفعل - فتزين له أعماله
وتحسن لنفسه انحرافاتها ، إذ تريه ما هو حسن قبيحا أو ما هو قبيح
حسنا ، وتلبس على العقل طريقه إلى الصلاح والسعادة والنعيم ، في
وقت ليس له تلك المعرفة التي تميز له كل ما هو حسن ونافع ، وكل
ما هو قبيح وضار . وكل واحد منا صريع لهذه المعركة من حيث يدري
ولا يدري إلا من عصمه الله .
ولأجل هذا يعسر على الانسان المتمدن المثقف فضلا عن الوحشي
الجاهل أن يصل بنفسه إلى جميع طرق الخير والصلاح ، ومعرفة جميع
ما ينفعه ويضره في دنياه وآخرته فيما يتعلق بخاصة نفسه أو بمجتمعه
ومحيطه ، مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه ممن هو على شاكلته
وتكاشف معهم ، ومهما أقام بالاشتراك معهم المؤتمرات والمجالس
والاستشارات .
فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمة لهم ولطفا بهم ( رسولا
منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) وينذرهم
عما فيه فسادهم ويبشرهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم .
إنما كان اللطف من الله تعالى واجبا ، فلأن اللطف بالعباد من
كماله المطلق وهو اللطيف بعباده الجواد الكريم ، فإذا كان المحل قابلا
ومستعدا لفيض الجود واللطف فإنه تعالى لا بد أن يفيض لطفه ، إذ
لا بخل في ساحة رحمته ولا نقص في جوده وكرمه .
وليس معنى الوجوب هنا أن أحدا يأمره بذلك فيجب عليه أن
يطيع تعالى عن ذلك ، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب
في قولك : إنه واجب الوجود " أي اللزوم واستحالة الانفكاك " .
. .


 

رد مع اقتباس