عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 03-24-2011, 10:40 PM
الفاروق الاعظم
مشرف عام
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5408 يوم
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي التقية لا تمنع من التجاوب والتفاهم والوحدة الإسلامية



--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 167
--------------------------------------------------------------------------------



المسألة السادسة عشرة
التقية لا تمنع من التجاوب والتفاهم والوحدة الإسلامية

" قال الدكتور البوطي في محاضرته الجامعية عندما سأله أحد الطلبة في نفس المحاضرة لماذا لا تعقدون اجتماعا ومناظرات معتمدة على أدلة الشيعة وأدلة السنة تفيد في توحيد الصف الإسلامي.

فأجابه حضرة الدكتور:

عندما يكون الخلاف نابعا من شبه عقلية مسألة بسيطة جدا وما تم من المحاورات والمناقشات أو جزء منه يكفي لإزالة هذا الموضوع وهذه المشاكل لكن عندما تكون أفكار المذاهب نتيجة عصبية بالذات، تمسك بالذاتية وتمسك بالوجود الذاتي بأنه نحن هكذا منذ أربعة عشر قرنا وجودنا ما لازم نذوب في عقائد غيرنا ما عاد في مجال إطلاقا. هذا لا يجدي إطلاقا.

لا سيما وتوجد عندهم التقية ربما إذا ألجئ أحدهم قال شئ نعم ما عاد تقدر تناقشه وإلا يظهر شئ ثاني " (1). إلخ.

أقول: إن هذا الكلام لحضرة الدكتور ليذكرني بما قاله محب الدين الخطيب في كتابه الخطوط العريضة التي حاول من خلاله نسف الوحدة الإسلامية والتقارب بين المذاهب في ص 7 عندما قال: " وأول موانع

____________

(1) المحاضرة بتاريخ 31 / 2 / 1995 جامعة دمشق. وكلام الدكتور هذا منقول حرفيا من كاسيت تسجيل فتركته ولم أعمل به أي تغيير بالنسبة للغة (نسخة لكاسيت محتفظ بها عند المؤلف بتسجيل صوتي).


--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 168
--------------------------------------------------------------------------------

التجاوب الصادق بإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه " التقية " فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون " إلخ... فإليكم حضرة الدكتور تصانيف الشيعة في عقائدهم وفقههم في ذلك ولديهم كتب كثيرة لا يمكن إحصاؤها وبعدما اطلع عليه الخاص والعام من معتقدات الشيعة الإمامية وبعد عرضهم مذهبهم بما كتب علماؤهم في التفسير والحديث والكلام والفقه على الملأ الإسلامي وبعد إعلانهم عقائدهم على المنابر وفي الجرائد والمجلات وبعد هذه التجاوبات الحاصلة بين الفريقين وبعد المشاخصات التي وقعت بين عظمائهم من العلماء وغيرهم حيث يزور إخواننا أهل السنة بلاد الشيعة ومعاهد علومهم الدينية ويشاهدون بأعينهم التزام الشيعة بشعائر الإسلام ويحضرون مدارسهم ومحاضراتهم في العقائد وفي الفقه وهل يمكن للشيعة التظاهر في عقائدهم بغير ما يبطنون أو إذا ألجئ أحدهم قال شئ نعم لم تعد تقدر تناقشه، وإلا يظهر شئ ثاني على حد زعم الدكتور.

وهل ينتقمون الشيعة بإخفاء عقائدهم؟

أيزعم حضرة الدكتور البوطي والخطيب أن علماء الأزهر وأقطاب التقريب لم يطلعوا على ما اطلع عليه من كتب الشيعة ولم يدركوا حقيقة مذهب الإمامية وآرائهم في التقية وغيرها؟

أليس شيخ الأزهر أبصر من حضرة الدكتور ونظرائه بالمذاهب الإسلامية؟ هذا المصلح الذي أدرك بعلمه الواسع وغيرته على الإسلام والمسلمين ضرورة الاتحاد والاتفاق وإمكان التقريب بين الطائفتين، فقام لله وأدى ما عليه من نصيحة الأمة ورفع الجفوة فأيد الزعماء المصلحين وأسلافه من مشايخ الأزهر كالأستاذ الأكبر عبد المجيد سليم بإصدار فتواه التاريخية بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية.

وجواز الانتقال من سائر المذاهب إلى هذا المذهب ألا يصير أضحوكة للناس من يقول إن الشيعة حيث يقولون بالتقية لا يقبل منهم إقرار اعتراف في عقائدهم وأنهم يبطنون خلاف ما يظهرون؟

أليست التقية جائزة عندكم حضرة الدكتور؟

والأمر العجيب أنك تستنكر عقائد أنت تقول بها وغيرك من أقطاب
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 169
--------------------------------------------------------------------------------

أهل السنة والجماعة ذكروها في صحاحهم ومسانيدهم مليئة بذلك وتشهد عليكم.

فتعال معي حضرة الدكتور واقرأ ما قاله أقطابكم من العلماء في مسألة التقية.


أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) (1).

قال: التقية باللسان، من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله فيتكلم به مخافة الناس، وقلبه مطمئن بالإيمان، فإن ذلك لا يضره، إنما التقية باللسان (2).


وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) قال: التقاة هي التكلم باللسان والقلب مطمئن بالإيمان (3).


وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: التقية جائزة إلى يوم القيامة (4).


وأخرج عبد بن أبي رجاء أنه كان يقرأ: (إلا أن تتقوا منهم تقية) (5).


وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير، وابن أبي حاتم وابن مردويه، وصححه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في الدلائل، قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما وراءك شئ؟ قال: بشر ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان قال: إن عادوا فعد، فنزلت: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) (6).


____________

(1) سورة آل عمران: الآية 28.

(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي.

(3) سنن البيهقي - مستدرك الحاكم.

(4) (5) الدر المنثور: لجلال الدين السيوطي: ج 2 ص 176.

(6) سورة النحل: الآية 106.


--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 170
--------------------------------------------------------------------------------



وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقي عمارا وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه ويقول:

" أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت كذا وكذا فإن عادوا فقل لهم ذلك " (1).


وأخرج الحلبي في سيرته قال: لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مدينة خيبر، قال له حجاج بن علاط: يا رسول الله إن لي بمكة مالا وإن لي بها أهلا، وأنا أريد أن آتيهم فأنا في حل إن أنا نلت منك، وقلت شيئا؟ فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول ما يشاء " (2)


وأخرج البخاري في صحيحه في باب المداراة مع الناس ويذكر عن أبي الدرداء قال: " إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلفهم " (3).


وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية في أناس من أهل مكة آمنوا فكتب إليهم بعض الصحابة بالمدينة، أن هاجروا فإنا لا نرى أنكم منا حتى تهاجروا إلينا فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش في الطريق ففتنوهم، فكفروا مكرهين، ففيهم نزلت هذه الآية: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) (4).


وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق علي عن ابن عباس في قوله تعالى: (من كفر بالله....) الآية قال:

أخبر الله سبحانه: " أن من كفر بالله من بعد إيمانه فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم فأما من أكره، فتكلم بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه فلا حرج عليه، لأن الله سبحانه يؤاخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم " (5).


____________

(1) الطبقات الكبرى لابن سعد.

(2) السيرة الحلبية: ج 3 ص 61.

(3) صحيح البخاري: ج 7 ص 102 - باب المداراة مع الناس.

(4) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي: ج 2 ص 178.

(5) سنن البيهقي.


--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 171
--------------------------------------------------------------------------------



وجاء في كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي قوله: " إن عصمة دم المسلم واجبة، فمهما كان القصد سفك دم مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب " (1).


وأخرج أبو بكر الرازي في كتابه أحكام القرآن في تفسير قوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) قال يعني أن تخافوا تلف النفس أو بعض الأعضاء، فتقوهم بإظهار الموالاة من غير اعتقاد لها وهذا هو ظاهر ما يقتضيه اللفظ، وعليه الجمهور من أهل العلم، كما جاء عن قتادة في قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون الله) قال: لا يحل لمؤمن أن يتخذ كافرا وليا في دينه وقوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) يقتضي جواز إظهار الكفر عند التقية (2).


وأخرج جلال الدين السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر، قال:

" ويجوز أكل الميتة في المخمصة، وإساغة اللقمة في الخمر والتلفظ بكلمة الكفر ولو عم الحرام قطرا بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادرا فإنه يجوز استعمال ما يحتاج إليه ".

وأخرج البخاري في صحيحه عن قتيبة بن سعيد عن سفيان عن ابن المكندر عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل، فقال: إئذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت: يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له في القول؟

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

" أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء خشيته " (3).

وهذا يكفينا دلالة بعد استعراض ما سبق على أهل السنة والجماعة يؤمنون بجواز التقية إلى أبعد حدودها من أنها جائزة إلى يوم القيامة كما مر

____________

(1) إحياء علوم الدين لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي.

(2) أحكام القرآن للرازي: ج 2 ص 10.

(3) صحيح البخاري: ج 7 ص 81 - باب لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاحشا ولا متفحشا.


--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 172
--------------------------------------------------------------------------------

عليك من وجوب الكذب كما قال الغزالي ومن إظهار الكفر وهو مذهب الجمهور من أهل العلم كما اعترف بذلك الرازي ومن جواز الابتسام في الظاهر واللعن في الباطن كما اعترف بذلك البخاري ومن جواز أن يقول الإنسان ما يشاء وينال من رسول الله خوفا على ماله كما صر بذلك صاحب السيرة الحلبية وأن يتكلم بما فيه معصية الله مخافة الناس كما اعترف به السيوطي.

فلا مبرر لحضرة الدكتور البوطي وغيره في التشنيع والإنكار على الشيعة من أجل عقيدة يقولون بها هم أنفسهم ويروونها في صحاحهم ومسانيدهم بأنها جائزة بل واجبة، ولم يزد الشيعة على ما قاله أهل السنة شيئا، سوى أنهم اشتهروا بالعمل بها أكثر من غيرهم كما لاقوه في الأمويين والعباسيين من ظلم وجور واضطهاد، فكان يكفي في تلك العصور أن يقال:

هذا رجل يتشيع لأهل البيت ليلاقي حتفه ويقتل شر قتلة على يد أعداء أهل البيت النبوي.

فكان لا بد لهم من العمل بالتقية اقتداء بما أشار إليهم أئمة أهل البيت فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: " التقية ديني ودين آبائي " وقال: " من لا تقية له لا دين له " وقد كانت التقية شعارا لأئمة أهل البيت أنفسهم دفعا للضرر عنهم وعن أتباعهم ومحبيهم وحقنا لدمائهم واستصلاحا لحال المسلمين.

وأما بالنسبة لأهل السنة والجماعة فقد كانوا بعيدين كل البعد عن ذلك البلاء لأنهم كانوا في معظم عهودهم على وفاق تام ما الحكام فلم يتعرضوا لا لقتل ولا نهب ولا لظلم، فكان من الطبيعي جدا أن ينكروا التقية ويشنعون على العاملين بها وقد لعب الحكام من بني أمية وبني العباس دورا كبيرا في التشهير بالشيعة من أجل التقية وأتباعهم إلى هذا اليوم.

وهذا الخطيب البغدادي يذكر: أن نصر بن علي الجهضمي المحدث الكبير لما حدث بهذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من أحبني وأحب هذين (وأشار إلى الحسن والحسين (عليهما السلام)) وأباهما وأمهما كان معي في درجتي
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 173
--------------------------------------------------------------------------------

يوم القيامة " أمر المتوكل بضربه ألف سوط (1).

وكلمه جعفر بن عبد الواحد، وجعل يقول: هذا الرجل من أهل السنة، ولم يزل به حتى تركه.

فهل تجد في مثل هذا العصر بدا من التقية حضرة الدكتور؟

فتأمل في مغزى هذه القصة وأمثالها، وقد عمل بالتقية في هذه العصور كثير من المحدثين والعلماء من أهل السنة أمثال أبي حنيفة والنسائي، ولم تكن للمحدثين وأرباب الصحاح والمسانيد كأحمد وغيره حرية في تخريج ما يخالف سياسة الحكومة، وأهواء الأمراء ولم يكن للمصنفين في تأليف الكتب ونقل الروايات بد من التقية لكونهم تحت اضطهاد شديد ومراقبة عيون الحكومة التي بثت جواسيسها في البلاد للفحص عمن يرى أو يروي لأهل البيت منقبة أو فضيلة ولقد أجاد إمام الحنفية في الأشعار المنسوبة إليه:

1 - حب اليهود لآل موسى ظاهر وولاهم لبني أخيه بادي
2 - وإمامهم من نسل هارون الأولى بهم اقتدوا ولكل قوم هادي
3 - وكذا النصارى يكرمون محبة لمسيحهم نجرا من الأعواد
4 - فمتى يوال آل أحمد مسلم قتلوه أو سموه بالإلحاد
5 - وهذا هو الداء العياء لمثله ضلت حلوم حواضر وبوادي
6 - لم يحفظوا حق النبي محمد في آله والله بالمرصاد (2)


وأقول:

إن التقية ليست كما يدعي أهل السنة بأنها ضرب من النفاق فالعكس هو الصحيح، لأن النفاق هو إظهار الإيمان وكتمان الكفر بينما التقية هو

____________

(1) تاريخ بغداد: 13 / 288 - رقم 7255.

وراجع أيضا ما أخرجه القاضي في الشفاء / 2 / 42 طبعة عام 1324 ه‍، وابن حجر في تهذيب التهذيب بترجمة نصر بن علي.

(2) راجع الفاتحة السابعة ص 115 من شرح الديوان للعلامة حسين بن معين الدين المبيدي من أعلام أهل السنة والجماعة في القرنين التاسع والعاشر.


--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 174
--------------------------------------------------------------------------------

إظهار الكفر وكتمان الإيمان وشتان ما بين الموقفين، هذا الموقف أعني النفاق الذي قال في شأنه سبحانه وتعالى: (وإذا لقوا الذين قالوا آمنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون) (1).

وأما الموقف الثاني أعني التقية التي قال في شأنها سبحانه وتعالى:

(وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) فإن مؤمن آل فرعون كان يكتم في الباطن إيمانه ولا يعلم به إلا الله ويتظاهر لفرعون وللناس جميعا أنه على دين فرعون " وقد ذكر الله في محكم كتابه تعظيما لقدره ".

وتعال معي حضرة الدكتور لتعرف قول الشيعة في التقية حتى لا تغتر بما يقال فيهم كذبا وبهتانا.


يقول الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه (عقائد الإمامية) ما هذا نصه: (وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر، مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية، وليست هي بواجبة على كل حال، بل قد يجوز أو تجب خلافها في بعض الأحوال، كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإسلام وجهاد في سبيله، فإنه عند ذلك يستهان بالأموال ولا تعز النفوس، وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة أو رواجا للباطل أو فسادا في الدين أو ضررا بالغا على المسلمين. بإضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم).


وقال الشيخ الطوسي في التفسير المسمى بالتبيان في تفسير الآية المذكورة: والتقية عندنا واجبة عند الخوف على النفس، وقد روى رفضه في جواز الإفصاح بالحق عندها.


وقال الطبرسي في مجمع البيان: وفي هذه الآية المذكورة سابقا، قوله: وفي هذه الآية دلالة على أن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس، وقال أصحابنا: إنها جائزة في الأحوال كلها عند الضرورة وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح وليس تجوز من الأفعال في قتل

____________

(1) سورة البقرة: الآية 13.


--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 175
--------------------------------------------------------------------------------

المؤمن، ولا حينما يعلم أو يغلب على الظن أنه استفساد في الدين.


قال الشيخ المفيد: إنها قد تجب أحيانا وتكون فرضا وتجوز أحيانا من غير وجوب، وتكون في وقت أفضل من تركها وقد يكون تركها أفضل، وإن كان فاعلها معذورا ومعفوا عنه ومتفضلا عليه بترك اللوم عليها.

فهذه جملة من كلمات علماء الفريقين مفصحة بجواز التقية في الجملة معلنة بتقارب آرائهم فيها وأن الكل معتمدون في القول بها على الكتاب والسنة وبعد كل هذا أقول: إذا فما ذنب الشيعة في القول بها؟ وما وجه مؤاخذتهم عليها إلا التعصب والجهل.

هكذا كان حال المسلمين وعلمائهم في تلك القرون المظلمة وأما في هذا العصر فالعلماء والباحثون أحرار في إظهار آرائهم حول المباحث الإسلامية، وليس بين الشيعي والسني ذلك التنافر الذي أوجدته السياسة في تلك العصور، فلا خوف ولا قتل ولا سجن لبيان الرأي، ولا يقاس هذا الزمان بعصر الأمويين والعباسيين وعصر الحجاج والمتوكل ذلك زمان وهذا زمان ولكن حضرة الدكتور البوطي لما سأله أحد طلابه السؤال المذكور لم يجد جوابا إلا أن يضع التقية من أحد الحواجز والعائقة بيننا وبينهم وتناسى ما حصل بين الفريقين السني والشيعي في دار التقريب بالأزهر إلى حد أن صدرت عن شيخ الأزهر فتواه التاريخية بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية.

وكما صدرت عن علماء الشيعة مثل السيد شرف الدين والسيد محسن الأمين. والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وغيرهم مقالات وكتب قضت على الافتراءات قضاء حاسما (1).


____________

(1) راجع حضرة الدكتور إن أردت أهم الكتب الشيعية للاطلاع: " نقض الوشيقة " " أصل الشيعة وأصولها " " الدعوة الإسلامية " " الفصول المهمة في تأليف الأمة " " أجوبة مسائل موسى جار الله " وكتاب " المراجعات " المحاورة التي تمت بين شرف الدين الموسوي وبين الأستاذ الأكبر الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر هذا الكتاب كما قال عنه أحد أعلام السنة (الشيخ محمود أبو رية) في كتابه أضواء على السنة المحمدية ص 346: " نفيس جدا يجب على كل مسلم أن يقرأه لأنه حمل من البحوث الدينية والفوائد العلمية ما لم يحمله كتاب آخر ".




رد مع اقتباس