--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 73
--------------------------------------------------------------------------------
آراء وأحاديث
يقول الدكتور أحمد محمود صبحي في تعليقه على حديث المنزلة:
" إن بعض علمائهم - أي الشيعة - كعبد الحسين شرف الدين العاملي، يذكرون إضافة إلى متن الحديث غير مذكورة في النص السني أو حتى النص الذي بينه كثير من علماء الشيعة أنفسهم وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إلا أنه لا نبي بعدي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي " ولا شك إن هذه العبارة تجعل من الحديث نصا جليا في إمامة علي يحسم كل اختلاف ويضع حدا للتفسيرات المتباينة التي استخلصتها الفرق من دلالة الحديث، وينسب الموسوي العاملي هذه الإضافة إلى الحاكم في المستدرك والذهبي في الجزء الثالث من تلخيصه ص 143... " (1).
هذا ما يقوله الدكتور أحمد صبحي، فهو ينفي أولا وجود مثل هذه الإضافة في كتب أهل السنة، كما ينفي وجودها في النصوص الشيعية. مع أنه كان يلزم الدكتور وهو في صدد بحث هذه المسألة الخطيرة، الرجوع إلى كتب أهل السنة أولا ليرى ما فيها ثم يعطي حكمه ثانيا خصوصا وقد عرف بوجود هذه الإضافة، ففي هذه الحالة.
وقع له الشك في وجودها، ودفع الشك واجب عقلا إذ يتعين على الدكتور بمقتضى المنطق العقلي البحث عن وجود هذه الإضافة، ولكن مقتضى الصياغة التي سار عليها أكثر الباحثين، هي عدم الإطلاع على مثل
____________
(1) أحمد محمود صبحي: نظرية الإمامة - ص 225.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 74
--------------------------------------------------------------------------------
هذه الحقائق لئلا تصطدم با القاعدة الأساسية التي تبنى عليها العقيدة.
والباحث هنا سوف يذكر العديد من الروايات التي ذكرها علماء أهل السنة وحفاظهم مع ذكر هذه الإضافة التي أنكرها الدكتور أحمد صبحي، تأكيدا لوجود النص الصريح والجلي على إمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ناهيك لما تعرضت له النصوص الكثيرة التي أخفاها الأمويون والعباسيون، ومع هذا فقد نقل لنا أمناء الحديث من علماء أهل السنة ما بقي منها وإليك نبذة منها:
أخرج الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي:
" أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. قال: وقال رسول الله: أنت وليي في كل مؤمن بعدي... قال: وقال: من كنت مولاه فإن مولاه علي... " (1).
وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة... " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (2). أي البخاري ومسلم.
يقول الحافظ الذهبي في تلخيصه: "... قال - أي ابن عباس - وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك فبكى علي، فقال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له أنت ولي على كل مؤمن بعدي ومؤمنة...
صحيح " (3).
وأنت ترى أن الحافظ الذهبي قد حكم بصحة هذا الحديث، ومن هنا يثبت النص الجلي على خلافة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وأخرج الحافظ النسائي - وهو أحد أصحاب الصحاح الستة، قال:
____________
(1) الإمام أحمد: المسند - ج 1 - ص 33.
(2) الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين - ج 3 - ص 133 - 134 - دار المعرفة بيروت.
(3) تلخيص الحافظ الذهبي على المستدرك - ج 3 - ص 133 - 134.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 75
--------------------------------------------------------------------------------
" وخرج النبي - بالناس في غزوة تبوك، قال: فقال له علي: أخرج معك؟ فقال له نبي الله: لا، فبكى علي، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي " قال: " وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت وليي في كل مؤمن بعدي " (1).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الإصابة:
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي في غزوة تبوك: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست بنبي أي لا ينبغي أن أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له: أنت ولي كل مؤمن من بعدي " (2).
وأخرج القندوزي الحنفي عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي لما خرج إلى غزوة تبوك وخرج الناس معه دون علي فبكى: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي " (3) وأخرج المحب الطبري (4) وابن حجر الهيتمي (5) والخطيب البغدادي (6)، والذهبي (7) عن الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "... ما تريدون من علي ثلاثا، إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي... وفي أخرى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبريدة... لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ".
وأخرج الإمام أحمد بن حنبل مسندا عن أبي بردة قال: خرج علي مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)... إلى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة وأنت خليفتي... " (8).
____________
(1) الحافظ النسائي: الخصائص - ص 17، 18.
(2) ابن حجر العسقلاني: الإصابة - ج 4 - ص 568.
(3) القندوزي: ينابع المودة - ج 2 - ص 58.
(4) المحب الطبري: الرياض النضرة - ج 2 - ص 171.
(5) ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة - ص 124.
(6) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد - ج 4 - ص 339.
(7) الذهبي: ميزان الإعتدال - ج 1 - ص 104.
(8) سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص - ص 19. والمسعودي: مروج الذهب - ج 2 - ص 437.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 76
--------------------------------------------------------------------------------
وعن أنس بن مالك قال: قلنا لسلمان الفارسي، سل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من وصيه؟ فسأل سلمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:
من كان وصي موسى بن عمران؟ فقال: يوشع بن نون قال: إن وصيي ووارثي ومنجز وعدي علي بن أبي طالب... " (1).
وعنه أيضا رفعه، إن الله اصطفاني على الأنبياء، فاختارني واختار لي وصيا، واخترت ابن عمي وصيي، يشد عضدي كما يشد عضد موسى بأخيه هارون، وهو خليفتي ووزيري... وعن عمر بن الخطاب (رض) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما عقد المؤاخاة بين أصحابه قال:
هذا علي أخي في الدنيا والآخرة، وخليفتي في أهلي ووصيي في أمتي ووارث علمي وقاضي ديني... " (2).
وعن عمران بن حصين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ".. ما تريدون من علي ثلاثا، إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي،... وفي رواية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبريدة: "... لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي " (3) وقد كتب عمرو بن العاص إلى معاوية بعدما استدعاه:
".... أما بعد فإني قرأت كتابك وفهمته، فأما ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي، والتهون معك في الضلالة، وإعانتي إياك على الباطل، واختراط السيف في وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهو أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووليه ووصيه ووارثه وقاضي دينه... " (4) وقد ذكر الوصية ابن عباس في كلامه مع معاوية عندما بلغه موت الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) في قوله: "... ولئن أصبنا به فلقد أصبنا
____________
(1) سبط ابن الجوزي: نفس المصدر - ص 43 - والمحب الطبري: والرياض النضرة - ج 2 ص 178. - وأيضا ابن المغازلي، الشافعي المناقب - ص 141.
(2) القندوزي الحنفي - ينابيع المودة ة ج 2 - ص 75.
(3) المحب الطبري - الرياض النضرة - ج 2 - ص 171 - وأيضا ابن المغازلي: المناقب - ص 152 وانظر العسقلاني: الإصابة - ج 4 - ص 569 - والمتقي الهندي - منتخب الكنز - ج 5 - ص 20.
سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص - ص 86.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 77
--------------------------------------------------------------------------------
قبله بسيد المرسلين... ثم بعده بسيد الأوصياء " (1).
وقول محمد بن أبي بكر في كتاب كتبه لمعاوية ذكر فيه الوصية لعلي:
"... فكيف - يا لك الويل - تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه وأبو ولده... " (2).
وقول الإمام الحسين بن علي: "... ألست ابن بنت نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) وابن وصيه " (3) ولهذا جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لكل نبي وصي ووارث وإن عليا وصيي ووارثي " (4). ومن ذلك ما رواه ثابت بن معاذ الأنصاري من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في علي: " إنه أخي ووزيري وخليفتي في أهل بيتي وخير من أخلف بعدي " (5).
يقول الدكتور حسن إبراهيم حسن في تعليقه على حديث المنزلة:
" ولهذا الحديث علاقة برحيل النبي إلى تبوك... وقد استخلف عليا على المدينة... فقال له النبي: إرجع يا أخي إلى مكانك: فإن المدينة لا تصلح إلا بك فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي، يعني المدينة، وقومي... الحديث ولو أراد عليه أن يستخلف عليا، فإنه لم يكن يرى من الصواب ذلك لمنافاته لروح العرب، والديمقراطية " (6).
فالصياغة التي اتبعها الدكتور حسن إبراهيم، تجعل من الروح العربية هي الأساس في تحديد سلوكيات المسيرة الإسلامية، حتى ولو كانت مخالفة لروح الإسلام. مع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء بالإسلام الذي يخالف ما كانت عليه الروح العربية من انحراف في القيم والسلوك وعبادة الأصنام ووأد البنات، فالروح الإسلامية جاءت لتقتلع الروح العربية وتغير من سلوكياتها، إذن فمتى
____________
(1) المسعودي - مروج الذهب - ج 3 - ص 8.
(2) نفس المصدر: ص 21.
(3) تاريخ الطبري: ج 5 - ص 424.
(4) الذهبي: ميزان الاعتدال - ج 3 - ص 273 - وأيضا القندوزي الحنفي: في ينابيع المودة ج 2 ص 32 - والمحب الطبري: ذخائر العقبى - ص 71.
(5) ابن حجر العسقلاني: الإصابة: ج 1 ص 423 وأيضا ج 2 ص 609.
(6) حسن إبراهيم حسن: تاريخ الدولة الفاطمية ص 4.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 78
--------------------------------------------------------------------------------
كان للعرب الكلمة عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومتى وافقت مسيرة النبي الجهادية وكفاحه المستمر في تغيير الواقع لروح العرب - فالروح العربية التي يشير إليها الدكتور حسن إبراهيم هي التي حاربت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخرجته من دياره وأذاقته ألوان العذاب، لأنه سفه أحلامها، وأعاب آلهتها، ولم يلاحظ من كل ذلك هذه الروح التي لم تؤمن بالإسلام حتى فتح مكة.
أيخضع النبي للروح العربية المجافية؟؟؟ فيه لروح الإسلام ويترك الأوامر الإلهية. لأن العرب لا يرضون بذلك. كما لم يرضوا بالرسول ولا برسالته.
لأن رسالته كانت مخالفة لروح العرب. وعلى ذلك فلا بد وأن نقول: أنه ليس من الصواب حينما بعث الله سبحانه رسله إلى الناس، لأنهم يخالفون ما عليه الناس، مع أن الدكتور حسن إبراهيم، يعترف بأن خلافة المدينة لا تصلح إلا لعلي بنص من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا كانت الخلافة في حياة النبي لا تصلح إلا لعلي، فهذه الصلاحية مستمرة حتى بعد وفاته، مع قطع النظر عن جميع النصوص الواردة في ذلك، ولكن الله أراد شيئا والروح العربية والديمقراطية أرادت شيئا آخر.
هذه نبذة مما رواه أهل الحديث وعلماء السير من أهل السنة عن حديث المنزلة والوصية اقتصرنا على ذكر الإضافة التي ذكرها الدكتور أحمد صبحي، ونفى وجودها في نصوص أهل السنة لتكون نصا صريحا كما يقول على خلافة الإمام علي (عليه السلام).
|