فصل (1)
رأي الشيعة في الصحابة أوسط الآراء
ماذا قال العلامة شرف الدين (قدس) صاحب كتاب المراجعات في كتابه الرد على مسائل موسى جار الله؟
قال: " إن من وقف على رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعا، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم أجمعين، فإن الكاملية ومن كان في الغلو على شاكلتهم، قالوا: بكفر الصحابة كافة، وقال أهل السنة: بعدالة كل فرد منهم ممن سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورآه من المسلمين مطلقا واحتجوا بحديث كل من دب أو درج منهم أجمعين " (1).
وأما نحن الشيعة فإن الصحبة بمجردها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة لكنها - بما هي ومن حيث هي - غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول، وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وأولياء هؤلاء، وفيهم البغاة وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة.
أما البغاة على الوصي وأخي النبي وسائر أهل الجرائم والعظائم، كابن هند وابن النابغة وابن الزرقاء وابن عقبة وابن أرطأة وأمثالهم، فلا كرامة لهم ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبين أمره.
هذا رأينا في جملة الحديث من الصحابة وغيرهم والكتاب والسنة بينا
____________
(1) شرف الدين: في الرد على مسائل موسى جار الله ص 14.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 33
--------------------------------------------------------------------------------
عن هذا الرأي كما هو مفصل في مظانه من أصول الفقه، لكن جمهور السنة بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابيا، حتى خرجوا عن الاعتدال.
فاحتجوا بالغث منهم والسمين، واقتدوا بكل مسلم سمع النبي أو رآه (صلى الله عليه وآله وسلم) اقتداءا أعمى، وأنكروا على من يخالفهم في هذا الغلو، وخرجوا في الإنكار على كل حد من الحدود. وما أشد إنكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة، مصرحين بجرمهم أو بكونهم مجهولي الحال، عملا بالواجب الشرعي لتمحيص الحقائق الدينية.
والأسمى من رأينا هذا هو سورة التوبة وسورة المنافقون، فهما يفصحان كل الفصاحة ويوضحان كل الوضوح ويبينان كل الإبانة عما ذهب إليه، وتقودنا من حيث شفقته على ما سماهم الصحابة مندفعا ومتحمسا من موروثاته.
فنحن لا ننتقص من الصحابة بقدر ما هو موجود من حقائق في الصحاح والقرآن، ومن الغريب جدا أن تتهم الشيعة بانتقاص الصحابة أو الطعن بهم، ونحن نعلم بأن بذرة التشيع قد نشأت في مجتمع الصحابة ومن هذا المجتمع أبطال التشيع، كأبي ذر وسلمان وعمار والمقداد وخزيمة وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم من الصحابة الأجلاء، فهم الذين عرفوا بالولاء لعلي (عليه السلام) وناصروه في حربه من بغى عليه، وهم خيار الصحابة.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ولكن نحسن صحبتهم ما أقاموا معنا " كما أن الصحبة تشمل من مردوا على النفاق، والذين ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لرسول الله الأمور، وأظهروا الغدر، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون. وفيهم من كان يؤذي رسول الله وقد وصفهم بقوله:
(ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون: هو أذن) (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) (1) و (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) وفيهم المخادعون والذين يظهرون الإيمان
____________
(1) سورة التوبة: الآية 61.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 34
--------------------------------------------------------------------------------
وقد وصفهم الله تعالى بقوله: (ومن الناص من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) (1).
وليت شعري ما هذه العصمة، أكانت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم بعده؟ فإن كانت في حياته فما أكثر الشواهد على نفي ذلك.
أخرج البيهقي بسنده عن أبي عبد الله الأشعري عن أبي الدرداء قال:
قلت يا رسول الله بلغني أنك تقول:
ليرتدن أقوام بعد إيمانهم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أجل وليست منهم (2).
ومن الغريب أن البعض علل ذلك بأن المراد من هؤلاء المرتدين هم الذين قتلوا عثمان، وأن أبا الدرداء مات قبل قتل عثمان، وبهذا التوجيه يتوجه الطعن عن أكثر الصحابة فإنهم اشتركوا بقتل عثمان والمتخلفون عن ذلك عدد لا يتجاوز أصابع الكف. وبمقتضى هذا التأويل يدخل في قائمة الحساب عدد كثير هو أضعاف ما في قائمة الشيعة من المؤاخذات، ومن الشواهد على نفي العدالة في زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة، لكنها غير عاصمة، فإن فيهم العدول والأولياء والصديقين وفيهم منافقون وهم علماء الأمة، وحملة الحديث.
كما أخبر قوله تعالى:
(وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) (3).
وفيهم من كان يؤذيه.
____________
(1) سورة الأحزاب: الآية 57.
(2) سورة البقرة: الآيتان 8 - 9.
(3) سورة البقرة: الآية 9.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 35
--------------------------------------------------------------------------------
(والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) (1) فإلى الله نبرأ من هؤلاء وممن (اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين) (2) والذين (يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) (3).
والقرآن الكريم يعلن بصراحة عن وجود طائفة تستمع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن طبع الله على قلوبهم، لأنهم اتبعوا الهوى، فقال تعالى:
(ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم) (4).
كما أعلن تعالى لعن طائفة أخرى منهم، وهم الذين في قلوبهم مرض والذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم * أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (5).
أين ذهب أولئك بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
وقد جدعوه الغصص في حياته، ودحرجوا الدباب، فهل انقلبت حالهم بعد موته (صلى الله عليه وآله وسلم) من النفاق إلى الإيمان؟ ومن الفساد إلى الصلاح، ومن الشك إلى اليقين، فأصبحوا في عداد ذوي العدالة من الصحابة الذين طبعت نفوسهم على التقى والورع، وعفة النفس والعلم، والحلم، والتضحية في سبيل الله وهم الذين وصفهم الله تعالى بقوله:
(إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) (6) فنحن لا نرتاب في ديننا، ولا نخالف قول الحق في تمييز منازل
____________
(1) سورة التوبة: الآية 101.
(2) سورة التوبة: الآية 61.
(3) سورة المجادلة: الآية 16.
(4) سورة النساء: الآيتان 142 - 143.
(5) سورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): الآية 16.
(6) سورة الحجرات: الآية 15.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 36
--------------------------------------------------------------------------------
الصحابة، أو نتحرى الانتقاص من منزلة الصادقين منهم، بل نولي من اتصف بتلك الصفات التي ذكرها الله ورسوله، كما لا نأتمن أهل الخيانة لله ورسوله. ففي ذلك جناية على الدين، وخيانة لأمانة الإسلام، ولا نركن لمن ظلم منهم ولا نواد من حاد الله ورسوله (1).
هذا هو قول الحق - والحق أحق أن يتبع.
____________
(1) سورة المجادلة: الآية 32.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 37
|