عرض مشاركة واحدة
قديم 01-28-2011, 12:39 AM   #4
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



* * * *
والله يعلم بحالي فكم من الشهور والسنين مضت وأنا أبحث ـ ليلاً ونهاراً ـ عن حلٍ؛ من أجل تخفيف حدّة النزاع بين أهل السنّة والوهابية من جهة، وبين الاثني عشرية والوهابية من جهة أُخرى، وبين أهل السنّة والاثني عشرية منْ جهة ثالثة الذين هم أبناء أُمة واحدة. وتبين لي بما لا مجال للشك فيه أنّ الجماعة الوهابية ـ منْ دون قصد ـ كانت وراء توسيع ذلك النزاع، وأنّ من النادر أن تجد كتاباً تنشره الوهابية إلاّ وأقرأه بتمعن وإتقان، حتى أستطيع أن أبحث عن العلة التي جعلت هذه الجماعة تثير الفتنة بين السنّة وبين الاثني </span>الصفحة 109 عشرية، وجعلتها تنعزل عن بقية المسلمين من أهل السنّة بعد أن صاروا من الغلاة في نظرها، حتى مَنَّ الله عليّ واكتشفت العلة بعد بحث طويل، واستيقنت أن العلة تكمن في (مشكلة الخلط عند الوهابية بين الاثني عشرية وفرق الغلاة)، حينئذ بدأت أدرس الخلط بصورتيه العامة والخاصة(1) عند الجماعة (الوهابية)، والبحث عن أسباب علاجه.
وقد لاحظت أنّ الخلط من أخطر الأمراض الفكرية التي تصيب الإنسان، فبدأت بتحليل علله والبحث عن دوائه، والتفكير في كيفية علاج الوهابية منه، بعد أن كنت ـ سابقاً ـ أحد ضحايا مشكلة الخلط بين الاثني عشرية والغلاة.
وقد لا يصدق القارئ أنني كنت أثناء البحث عن العلل التي جعلت الوهابية تكون سبباً للفتنة بين السنّة وبين الاثني عشرية، وتكون سبباً في عز لها عن بقية المسلمين من أهل السنَّة، لا سيما وأنا أتابع دماء المسلمين التي تسيل في الباكستان من أهل السنّة ومن الاثني عشرية ومن الوهابية، بعد أن فتنت بين أبناء الأمة الواحدة كتابات الوهابي إحسان إ لهي ظهير ـ من حيث لا يعلم ـ، وكنت أحياناً ـ من شدّة التأسف على الحالة المأساوية التي وصلت إليها الوحدة الإسلامية المقدسة بسبب كتابات الوهابية ـ أجد نفسي أبكي في زاوية مكتبتي، إلى أنْ أذن الله ـ تعالى ـ لي وعرفت أنّ الوهابية تعاني من داء (الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة)، بل من داء الخلط بصورة عامة. وبعد أن عرفت هذه المشكلة عرفت حقيقة الوهابية.
لقد نشرت الوهابية المئات بل الآلاف من المقالات والمحاضرات والكتب التي تتحدث عن (مشكلة الغلو عند الاثني عشرية)، بل عن (مشكلة الغلو عند كل
____________
(1) الخلط بصورة خاصة يرتبط بمشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة عند الوهابية. والخلط بصورة عامة عند الوهابية يشمل الكثير من القضايا والمسائل التي خلطت فيها الوهابية، منها: الخلط بين أُصول الدين وبعض مسائل العقيدة، ومنها: الخلط بين جمهور أهل السنة وبين فرق الغلاة.
الصفحة 110 المسلمين ما خلا الوهابية). لكنني بعد أنْ اكتشفت داء (الخلط) عند الوهابية التفت نظري إلى أنّ هنالك (مشكلة خلط عند الوهابية)، لا (مشكلة غلو عند الاثني عشرية)، أو (مشكلة غلو عند أهل السنَّة).. مشكلة الخلط عند الوهابية جعلتني أدرك أنّ الوهابية تخلط بين السبئية وبين الاثني عشرية، كما خلطت بين جمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية وبين الغلاة الضالين والمنحرفين، وكما خلطت بين المشركين وبين المسلمين.
إنّني أعتقد أنّ الوهابيين إخواننا لا خصومنا، وهم لا يضمرون العداء لأهل السنّة أو للاثني عشرية، ولكنهم بسبب الإصابة بمشكلة الخلط بيننا وبين فرق الغلاة لم يفهمونا. ومن الواجب علينا أن نستخدم كل وسيلة شرعية حتى نعالج إخواننا من هذه المشكلة، وحين يتم علاجهم سوف ترون كيف ستتحول تلك الخصومة والكراهية ـ للاثني عشريين ولجمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية ـ إلى اخوةٍ إسلامية مستحكمة؛ بين الوهابيين وبين الاثني عشريين من جهة وبين الوهابيين وأهل السنّة من جهة أُخرى، عند ذلك يفرح المؤمنون الذين يقدّسون الوحدة الإسلامية ويشتدّ غيض أعداء الإسلام.

* * * *
وهذا الكتاب محاولة لتصحيح الحوار بين الوهابيين وبين الاثني عشريين، إذ الحاجة إلى هذه القضية ضرورية؛ لأن تصحيح الحوار بيننا سيساعد على التقريب بين الاثني عشرية والوهابية، وعلى سبيل المثال عندما نتناول معهم موضوع (التوسل بذات الرسول الأعظم بعد وفاته) لا بد لنا ـ قبل أن نتناول هذا الموضوع مع الوهابيين ـ أن نتناول في البداية هذه القضية، وهي: هل الخلاف حول موضوع (التوسل بذات الرسول الأعظم بعد وفاته) بين المجيزين والمانعين هو خلاف في مسألة من مسائل أُصول الدين أم لا علاقة لهذا الاختلاف بأُصول الدين؟
</span>الصفحة 111 وعندما يجيب إخواننا الوهابيون بأنّ الاختلاف في هذا الموضوع هو اختلاف في مسائل العقيدة.
نقول لهم في الجواب على ذلك: بأنّ مسائل العقيدة تنقسم إلى قسمين ـ كما هو رأي الإمام ابن تيمية رحمه الله ـ: القسم الأول من مسائل العقيدة يرجع إلى أُصول الدين، والقسم الثاني من مسائل العقيدة يرجع إلى فروع الدين.
وحين يرى إخواننا الوهابيون أنّ الاختلاف في موضوع (التوسل بذات الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته) هو خلافٌ في أُصول الدين؛ لا بد أن نبين لهم أنّهم قد أُصيبوا بمشكلة الخلط بين مسائل أُصول الدين وبين مسائل العقيدة، ولا بد قبل الحوار في هذا الموضوع من معالجتهم من هذه المشكلة، حتى يتبين لهم أنّ هذا الاختلاف حول هذا الموضوع هو خلافٌ في فروع الدين لا أُصوله، وعلى فرض أنّه خلاف في مسألة عقائدية، لكنه خلاف في مسألة عقائدية لا تتصل بمسائل أُصول الدين. وقد نحتاج معهم إلى حكمة وتؤدة حتى نعالجهم من مشكلة الخلط بين أُصول الدين وبعض مسائل العقيدة التي لا علاقة لها بأُصول الدين.
وبديهي أن نبين لهم أنّ المذاهب الأربعة المعروفة (مذهب الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله) لم تجعل الاختلاف حول هذا الموضوع من الاختلاف في مسائل (أُصول الدين).
وغني عن الذكر أننا قد نحتاج أن نذكر لهم أقوال أهل السنّة في أنّ الاختلاف حول هذه المسألة هو خلافٌ في مسألة فرعية لا أصولية ولا عقائدية ـ في نظر بعض علماء أهل السنّة ـ.
كما أنني أرفض أن نتهم الوهابيين بكراهية الرسول الأعظم ـ والعياذ بالله ـ أو التنقيص منه، لأنّهم يرفضون التوسل به بعد مماته؛ إذ لا ترابط بين رفض التوسل بالنبي بعد الممات وبين كراهيته ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، فلا يصح أن نقابل خطأ الوهابيين بخطأ مثله.
</span>الصفحة 112 وفي هذه المسألة نذكر لإخواننا الوهابيين ـ على سبيل المثال ـ ما قاله الإمام الشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ حول هذا الموضوع، قال ـ رحمه الله ـ:
(والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه موضع خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة)(1).
وإذا تبين لهم أنّ الاختلاف في هذا الموضوع هو اختلاف فرعي لا أُصولي، حينئذ سوف نستطيع أنّ نستنقذهم من اتهامنا واتهام أهل السنّة بالشرك؛ لأنّهم يعلمون أنّ الاختلاف في المسائل الفرعية لا علاقة له بالشرك أو الكفر، وإنّما يتصل بالخطأ والصواب.
ولا بد لنا من استخدام هذه الطريقة في هذه المسألة وفي كلِّ مسألة مع الوهابية؛ لأنّهم بسبب مشكلة الخلط بين أُصول الدين وبين فروع الدين قد خلقوا فتنة خطيرة بينهم وبين أهل السنّة من جهة وبينهم وبين الاثني عشرية من جهة أخرى حول هذه المسألة. وقد عانى الإمام الغزالي من الفتنة التي خلقتها الوهابية ـ من حيث لا تعلم ـ حول هذه المسألة، وفي هذا يقول ـ رحمه الله ـ:
(ونعود إلى التوسل بذات الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حين يدعو المسلم ربّه؛ إنّ الخلاف بين المجيزين [يعني: أهل السنّة والاثني عشرية] والمانعين [يعني: المصابين بمشكلة الخلط وهم الوهابية] كاد يشبه الخلاف بين دينين، ولم أر لذلك سبباً معقولاً)(2).

____________
(1) الأصل الخامس عشر من الأُصول العشرين التي اقترحها الإمام حسن البنا ـ رحمه الله ـ من أجل الحفاظ على الوحدة الإسلامية بين أهل السنّة والوهابية من جهة، وبين أهل السنّة والاثني عشرية من جهة أُخرى، وبين الوهابية والاثني عشرية من جهة ثالثة.
(2) دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، الغزالي: ص130. ط / الأولى 1997م، دار الشروق ـ القاهرة ـ مصر.
الصفحة 113 وهذا صحيح في عمومه، ولكن يبقى أن نشير أنّه يوجد سبب معقولٌ لهذا الخلاف الذي وصفه الإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ بأنّه (كاد يشبه الخلاف بين دينين)، وهذا السبب المعقول يكمن في مشكلة الخلط بصورة عامة التي يعاني منها العقل الوهابي، فهذه المشكلة جعلته يخلط بين ما هو من أُصول الدين وما هو من فروع الدين.
وما دام أنّ الموضوع يتعلق بأُصول الدين عند الوهابية فقد أصبحت تتعامل مع مخالفيها في هذه المسألة كما يتعامل المسلمون مع الديانات الأُخرى؛ فهي تتهمهم بالشرك، كما تتهمهم بالغلو.. وفي هذا يقول الإمام الغزالي موجهاً خطابه للوهابيين الذين اتهموا أهل السنّة والاثني عشرية بالشرك بسبب أنّهم توسلوا إلى الله ـ أثناء الدعاء ـ بأحدٍ من خلقه:
(وبقي أن ننصح هواة الإتهام بالشرك [يعني: المصابين بمشكلة الخلط] أن ينظفوا سرائرهم وألسنتهم من سوء الظن، ولا يبنوا أحكاماً على أوهام..(1))(2).

* * * *
والقضية الثالثة ـ قضية حكم الأخذ بخبر الآحاد في مسائل الاعتقاد ـ: من أهمّ القضايا التي خلقتْ الوهابية ـ من حيث لا يعلمون ـ بسببها فتنة ومعركة بين المسلمين(3)، ودخلت الوهابية باسم أنصار القائلين بحجية خبر الآحاد في
____________
(1) نفس المصدر السابق.
(2) مشكلة الخلط عند الوهابية تنقسم إلى قسمين:
أ ـ القسم الأول: مشكلة الخلط عند الوهابية بصفة عامة، وهذه تشمل نماذجاً كثيرة من الخلط.
ب ـ والقسم الثاني: مشكلة الخلط عند الوهابية بصفة خاصّة، وأعني بها (مشكلة الخلط عند الوهابية بين الاثني عشرية وفرق الغلاة).
(3) كتب الوهابيون رسائل عديدة في هذه القضية، منها: (الأدلة والشواهد على وجوب الأخذ بخبر الواحد في الأحكام والعقائد) للشيخ الوهابي سليم ا لهلالي ـ رحمه الله ـ، ومنها: رسالة (أصل الاعتقاد) للوهابي الدكتور عمر بن سليمان الأشقر ـ حفظه الله ـ، ومنها: (أخبار الآحاد في الحديث النبوي) للوهابي الشيخ عبد الله الجبرين ـ رحمه الله ـ. وغيرها كثير.
الصفحة 114 مجال الاعتقاد، واتهمت القائلين بعدم حجية خبر الآحاد في مجال الاعتقاد بالغلو، فاستعرت الحرب بينها وبين هؤلاء.
وولدت معركة خطيرة بعيدة عن البحث العلمي، حتى أصبح القارئ يشعر بأنّ هنالك حزبين لا يلتقيان أبداً؛ الحزب الأوّل ضالع في الأخذ بخبر الآحاد في مجال الاعتقاد، والحزب الثاني مؤيد للتيار الذي يرفض الأخذ بخبر الآحاد في مجال الأعتقاد. وهكذا؛ خلقت الوهابية من هذه القضية تمزقاً شاملاً بين المسلمين.
وأشهد أنّه ما دخلت الوهابية في قضية ـ أي قضية ـ إلاّ وصنعت ضجّة، وهي تظن أنّها تصنع ذلك في مصلحة الإسلام والمسلمين. ولا يمكن أن نعالجهم إلا إذا استنقذناهم من تخليطهم المعيب في كل مذهب أو قضية يتناولونها.
وحينما يعرض علماء أهل السنّة وعلماء الاثني عشرية قضية (الأخذ بخبر الآحاد في مسائل الاعتقاد) يحسنون طرحها، ويحسنون تقديم الحكم فيها، بطريقة بريئة من نزوات اتهام المسلمين بالغلو والانحراف.
أمّا الوهابيون فكيف رسموا هذه القضية؟
لقد رسموها بحالة تقتضي أن تسوء علماء الإسلام من أهل السنّة والاثني عشرية والوهابية وتسر خصوم الإسلام(1).

____________
(1) كما صنع الوهابي الشيخ محمد بن عبد الله الوهيبي ـ حفظه الله ـ في كتابه (حجيَّة الآحاد في العقيدة وشبهات المخالفين) حيث يذكر سبب تأليفه لكتابه قائلاً:
(... أما بعد؛ فإنّ المسلمين بحاجة ماسة إلى تذكيرهم أصول عقيدتهم كما فهمها السلف الصالح، بعدما تكاثر أهل البدع، وكثرت شبهاتهم [يعني شبهات كبار علماء أهل السنّة وعلماء الاثني عشرية]، وتأثر بها بعض الفضلاء. ومن هذه الأصول ا لهامة التي اضطرب فهمها لدى بعض الدعاة؛ مسألة حجية خبر الآحاد في العقيدة، حيث تأثر البعض بشبهات المتكلمين ودعاواهم حين فرّقوا بين العقائد والأحكام أو الأصول والفروع، وادّعوا أنّ الآحاد لا يحتج به في الأُصول. وممن تأثر بذلك بعض كبار الدعاة، ممن عرف منهم الدفاع عن السنة).
راجع الكتاب المذكور: ص 4. ط / الأُولى سنة 1415 هـ، دار المسلم ـ الرياض ـ السعودية.
الصفحة 115 ولست أتحامل على الوهابيين، وإنّما أُطالبهم أنْ لا يتهموا أعلام الإسلام بالغلو لأجلِ مخالفتهم في هذه القضية.
وفي الحقيقة أنّ اتهام الوهابيين لمخالفيهم من أهل السنّة ومن الاثني عشرية بالغلو أصبح معلوماً لكل من قرأ كتب الوهابيين أو حضر في مجالسهم؛ فلا يخالفهم المسلم ـ أي مسلم ـ في قضية إلاّ ويصفونه بأنّه من الغلاة. وبسبب توسعهم في مدلول الغلو أصبح الكثير من المسلمين في العالم الإسلامي مسجلين في قائمة الغلاة المنحرفين!
ولذلك تجد أنّ الوهابيين ـ من حيث لا يعلمون ـ هدموا حدود الغلو وتجاوزا معاييره التي رسمها الكتاب والسنّة، ورسموا صورة للغلو غريبة لا يقبلها علماء الإسلام من أهل السنّة والاثني عشرية وتوسعوا في فهم حقيقة الغلو توسعاً كبيراً، حتى إنّك من النادر أن تجد علماً من أعلام الإسلام إلاّ واتهموه بالغلو وأصبحت الوهابية تعدّ بعض القضايا المستندة إلى الكتاب والسنّة من الغلو، مع أنّها من صميم الإسلام وبهذا وسعوا دائرة (الغلو) أيّما توسيع حتى جعلوا الاثني عشرية من الغلاة. ولو أخذنا بمفهوم الوهابيين عن الغلو لكان من المستحيل أنّ تجد إنساناً (معتدلاً) في هذا الوجود!!


 

رد مع اقتباس