01-28-2011, 12:38 AM
|
#3
|
خادم الحسين
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1
|
تاريخ التسجيل : May 2010
|
أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
|
المشاركات :
2,305 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الصفحة 97 ولا زلت أذكر تلك اللحظة التي كنت أحسب فيها أنّني سأعالج المذهب الاثني عشري من مرض الغلو، وكتبتُ لأجل هذه المعالجة كتاب (الصلة بين الاثني عشرية وفِرَق الغلاة)، ثم ظهرَ لي قبل طباعة الكتاب أمرٌ لم أكن أحسبه؛ ظهر لي أنّني كنت أعيش في حالة نفسية جعلتني أحسب أنّ ذلك الرجل ـ أعني المذهب الاثني عشري ـ قد أُصيب بمرض الغلو، ولكنني اكتشفت ـ بعد حين من الزمن ـ أنّ هذا الرجل لم يكن مريضاً، بل اكتشفتُ أنّ هذا الرجل ـ أعني المذهب الاثني عشري ـ من المتخصصين في معالجة الغلو، ومن المتخصصين ـ أيضاً ـ في معالجة الأمراض النفسية. وتبين ليّ أنني كنتُ مصاباً بحالة نفسيةٍ جعلتني أتوهم أنّ هذا الرجل ـ أعني المذهب الاثني عشري ـ قد أُصيب بمرض الغلو الكبير الخطير، حينئذٍ قررتُ أنْ أُعالج حالتي النفسية عند هذا الرجل.. وهكذا؛ انعكست المعادلة، فأصبح الطبيب يتعالج عند الذي كان يحسبه مريضاً.
وقصتي مع هذا الرجل ـ أعني المذهب الاثني عشري ـ تشبه قصة طبيبٍ أُصيب بمرض السرطان في رأسه، وبسبب شدّة المرض تكوّنت عنده حالة نفسية، فأصبح يحسب أنّ كل رجلٍ سليمٍ في العالم قد أُصيب بمرض السرطان، كما كنت أحسَبُ أنّ المسلمين من أهل السنّة والإثنى عشرية قد أُصيبوا بمرض الغلو. وكان هذا الطبيب يكشف على الرجل السليم ـ أي رجلٍ ـ ويخبره بأنّه مصابٌ بمرض السرطان، إلى أن جاءهُ رجلٌ سليم مُتخصصٌ في معالجة أمراض السرطان ومتخصص ـ أيضاً ـ في معالجة الأمراض النفسية، فكشف عليه الطبيب وأخبره أنّه قد أُصيب بالسرطان، ولكن هذا الرجل ـ بسبب أنّه كان متخصصاً في أمراض السرطان وأمراض الحالات النفسية ـ لاحظ أنّ الطبيب قد خلط بين أنواع وأصناف الامراض، كما لاحظ سلامة أولئك الرجال الذين حسبهم الطبيب من المصابين بالسرطان، وحينئذ قرر هذا الرجل أن يذهب إلى الطبيب، وبعد محادثات طويلة بينة وبين الطبيب تبين له أنّ الطبيب مصابٌ </SPAN>الصفحة 98 بحالة نفسية؛ فقرر أن يكشف على الطبيب ـ على الرغم أنه جاء من أجل المعالجة عند هذا الطبيب ـ، وعند الكشف عليه استيقن أنّ الطبيب كان مصاباً بمرض السرطان في رأسه؛ فلذلك تصور الطبيب أنّ البشرية كلّها قد أُصيبت بمرض السرطان. وهكذا؛ انعكست المعادلة فأصبح الطبيب يتعالج عند هذا الرجل الذي جاء من أجل أن يكشف عليه هذا الطبيب ـ بعد أن كان يعالجه ـ، وتبين أنّ الطبيب هو المريض، وأنّ هذا الرجل ـ الذي حَسِبَ الطبيب أنّه مريض ـ كان سليماً سلامةً تامة.
* * * *
والشيء الجديد في هذا الكتاب هو أنّ الدراسات السابقة كانت تدافع عن الأنا (الاثني عشرية) ضد تهمة الآخر (الوهابية)؛ لأنّها تتهم الأنا (الاثني عشرية) بأنها مصابة بـ (مشكلة الغلو)، لكن هذا الكتاب عكس المعادلة واثبت أنّ الآخر (الوهابية) مصابة بـ (مشكلة الخلط الأكبر لا الأصغر) فحسب بين الاثني عشرية وفرق الغلاة، وتطالبه ـ أعني تطالب الوهابية ـ بأن يدفع عن نفسه هذه الحقيقة (حقيقة الخلط الأكبر لا الأصغر)(1)، فحسب بعد أن ظل يتهم الأنا (الاثني عشرية) منذ ظهور الآخر (الوهابية) في القرن الثامن عشر.
____________
(1) ونحن نستخدم كلمة الخلط في هذا الكتاب بمعنى خلط الشيء بالشيء بصورة كبيرة وكاملة، بحيث يحسب الرائي انّ هذين الشيئين المختلفين متساويان، من قبيل قوله تعالى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا...) التوبة 102. ومعنى كلمة (خلطوا) في الآية الكريمة ـ كما ذكر المفسرون ـ: أي مزجوا وضمّوا. ووردت في القرآن الكريم كلمة أخرى قريبةٌ من حيث المعنى لـكلمة (الخلط) وهي: كلمة (اللبس)، كما في قوله تعالى: (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ...) البقرة 42. ووردت كلمة (الخلط) في السنّة النبوية في موارد عديدة، قال الإمام مجد الدين ابن الأثير ـ رحمه الله ـ (ت 606): ((خلط: في حديث الزكاة (لاخِلاط ولا ورَاط))، الخِلاط: مَصْدَر خَالَطه يُخالطُه مُخالَطة وخِلاطاً، والمراد به أن يخْلط الرجل إبله بإبل غيره..). النهاية في غريب الحديث والأثر (ج 2، ص 62).
ووردت كلمة (الخلط) في الروايات المنقولة عن الأئمة الاثني عشر الذين أشار إليهم البخاري ومسلم في صحيحيهما بنفس هذا المعنى، قال الإمام المحدِّث الطريحي (ت 1085 هـ) في تفسيره => الصفحة 99 ومنذ أكثر من قرنين كان هذا الآخر (الوهابية) يحسب نفسه طبيباً يعالج الأنا (الاثني عشرية) من (مشكلة الغلو)، ويجعل الأنا (الاثني عشرية) موضوعاً للبحث والدراسة والتحليل، ولكن الأنا (الاثني عشرية) اكتشف أن الآخر (الوهابية) مريضٌ بـ (مشكلة الخلط الأكبر الخطير لا الخلط الأصغر)، وأصبح الآخر (الوهابية) موضوعاً ومدروساً ومبحوثاً عنه، بعد أن كان يحسب نفسه دارساً وعارفاً وطبيباً، وأخذ الأنا (الاثني عشرية) يبحث عن (علل مشكلة الخلط الأكبر) عند الآخر (الوهابية)، بعد أن كان الآخر (الوهابية) ـ في السابق ـ يبحث عن (علل مشكلة الغلو) عند الأنا (الاثني عشرية).
ويمكن لنا تصوير وتجسيم هذه القضية بالشكلين الآتيين:
____________
<= لمعاني كلمة (الخلط) في روايات الأئمة الاثني عشر: (الاختلاطُ بالشيء: الامتزاج به، سواء كان مع التمييز وعدمه). مجمع البحرين (ج 4، ص 246).
وبإمكاننا هنا أن نقسم الخلط إلى قسمين:
القسم الأول: (الخلط الأصغر)، وهذا النوع من الخلط موجود عند بعض علماء المذاهب الإسلامية، ولا يترتب على هذا النوع من الخلط نتائج خطيرة؛ لأنّه خلط في المسائل الفرعية.
القسم الثاني: (الخلط الأكبر)، وهذا النوع من الخلط موجود عند الوهابية، وهو خلطٌ خطير وكبير؛ لأنّ من مظاهره السقوط في هاوية التكفير الأكبر للمسلمين. وهو خلط في مسائل أُصول الدين لا فروع الدين. وأبرز مورد لهذا النوع من الخلط؛ الخلط الذي وقع فيه الخوارج حين خلطوا بين معنى (الحكم) في قوله تعالى (إِن الحُكْمُ إلاّ للهِ...) الانعام: 57 وبين معنى (التحكيم) في قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا) النساء 35. ونتيجة لهذا الخلط الأكبر ـ عند الخوارج ـ بين مفهوم ومعنى (الحكم) في تلك الآية الذي هو من مختصات الذات الإ لهية، وبين معنى ومفهوم (التحكيم) في هذه الآية الذي لا علاقة له بالمعنى الأول؛ إذ إن كل رجل يختلف مع رجل آخر لا بد لهما أن يحكّما رجلاً ثالثاً.. أقول نتيجة لهذا الخلط الأكبر عند الخوارج كفروا الإمام عليّاً وكفرّوا كبار الصحابة!
ومن نماذج هذا الخلط عند الوهابية أنّهم خلطوا بين الغلو الأكبر الذي يُخرج عن الإسلام، وبين الغلو في مصطلح بعض المحدثين الذي أطلقوه ـ احياناً ـ على رواة الحديث من المسلمين، ومن هنا كفروا الاثني عشرية!
الصفحة 100 الصفحة 101 </SPAN>الصفحة 102 </SPAN>الصفحة 103
ومن هنا تجدني ـ دائماً ـ أؤكد بأنّ أكثر الوهابيين من المخلّطينَ البسطاء الأبرياء لا من المغرضين الخبثاء، ومن هنا أطلقت كلمة (بريئة) على الوهابية. ولا شك أنّ الرجل المصاب بالتخليط والخلط لا يمكن معاملته بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع الرجل السليم من الخلطِ والتخليط، ولكنه يخلط قصداً وعمداً من أجل تحقيق أغراضه الخبيثة؛ كما لا يمكن تسوية القاتل عمداً بالقاتل خطأً.
إنّنا نسعى في هذا الكتاب وفي كل كتاباتنا ومحاضراتنا ومقالاتنا إلى استنقاذ هذه الجماعة الوهابية من مشكلة الخلط الأكبر، ولا يمكن أن نستنقذها من هذا المستنقع الخطير ـ مشكلة الخلط ـ إذا كنا نسيء الظن بهذه الجماعة، كما لا يمكننا استنقاذ هذه الجماعة المبتلاة بالخلط إذا قسونا عليها أو استخدمنا معها طريقة فظة وغليظة؛ لأنّها سوف تنفرُ وتشتدُ خلطاً (ولو كُنْتَ فَضّاً غَلِيظَ القَلبِ لانفضّوا من حَوْلِكَ)(1).
ولا شك أنّ الطبيب المتخصص في معالجة الأمراض النفسية لا يمكن أنْ يعالج مريضه المصاب بحالةٍ نفسية إذا كان يسيء الظن به أو يُغلظ عليه. وحين نعالج الوهابية من هذه المشكلة سوف يتم تحقيق فكرة التقريب بين الاثني عشرية والوهابية، وسوف نحافظ على الوحدة الإسلامية المقدسة وبالتالي سوف نفشل المخططات الصليبية والصهيونية التي تسعى للقضاء على المودة والأخوة الموجودة بين المسلمين الاثني عشريين وبين المسلمين الوهابيين.
* * * *
القضية الثانية: الفتنة التي خلقتها الوهابية بين السنّة والسنّة من جهة، وبين السنّة والاثني عشرية من جهة أخرى؛ لأجل بعض المسائل التي ظن الوهابيون أنها من مسائل (أُصول الدين)، مع أنها في حقيقتها من مسائل (العقيدة) لا من
____________
(1) سورة آل عمران: من الآية 159.
الصفحة 104 مسائل (أُصول الدين). وقد أدى هذا الفهم الخاطئ لأن تطلق الوهابية كلمة (الغلو) على مخالفيها في قضايا حسبتها أنها من مسائل (أُصول الدين).
إنّ الوهابية، وبسبب معاناتها من مشكلة الخلط في كل شيء كان من الطبيعي أن تخلط بين ما أطلق عليه الخلف من أهل السنّة لا السلف (مسائل العقيدة)، وبين ما أطلق عليه سلف أهل السنّة (مسائل أُصول الدين). وكان من نتائج هذا الخلط أنّ الوهابيين لا يميزون بين من خالف بعض (مسائل العقيدة) التي لا ترتبط بأُصول الدين، وبين من خالف مسألة من مسائل (أصول الدين)، ومن ثَمّ أطلقوا كلمة (الغلو) على الكثير من أهل السنّة وعلى الاثني عشرية؛ لأنّهم خالفوا الوهابية في بعض مسائل العقيدة التي لا علاقة لها بـ (أُصول الدين).
إنّ الوهابيين يحسبون أنّ أيّ مسألة من مسائل العقيدة يجب أن تكون ـ أيضاً ـ من مسائل أُصول الدين؛ لأنّهم يرون أنّ هناك علاقة تساوي بين مسائل العقيدة وبين مسائل أُصول الدين (مسائل العقيدة = مسائل أُصول الدين).
إنّه بالإمكان لنا أن نقول: إنّ كل مسألة من مسائل أصول الدين يجب أن تكون من مسائل العقيدة، ولكن ليس كل مسألة من مسائل العقيدة يجب أن تكون من أُصول الدين، فبعض مسائل العقيدة من أُصول الدين وبعض مسائلها ليس من أصول الدين(1). ولا يصح أنْ نخلط بين مسائل العقيدة المرتبطة بأُصول الدين وبين مسائل العقيدة المنفصلة عن أصول الدين.
وتكمن أهميّة هذا البحث بعد أن وجدنا الوهابيين يرفضون التقريب بين أهل السنّة وبين الاثني عشرية، حتى جعل الوهابي المعاصر (ناصر القفاري) رسالته في الدراسات العليا تحت عنوان (مسألة التقريب)، واعتبر هذا الوهابي ـ وكل الوهابيين ـ أنّ مسألة التقريب بين أهل السنّة وبين الاثني عشرية، وبين الاثني عشرية والوهابية لا يمكن أن تتم وتتحقق في عالم الواقع؛ لأنّ الخلاف بين أهل السنّة والاثني عشرية وبين الاثني عشرية والوهابية ـ في رأيه ورأي الوهابيين ـ هو خلافٌ في أُصول الدين.
____________
(1) وحسب تعبير علماء المنطق يكون بين أُصول الدين ومسائل العقيدة عموم وخصوص مطلق.
الصفحة 105 وحينما بحثت في هذه المسائل الخلافية ـ بين أهل السنّة وبين الاثني عشرية ـ وجدت أنّه لا يوجد لها علاقة بأُصول الدين، بل هي إما ترجع إلى بعض مسائل العقيدة التي قال علماء أهل السنّة أنّها لا علاقة لها بأُصول الدين، وإما ترجع إلى قضايا فرعية فقهية لا تتصل بمسائل أُصول الدين ولا بمسائل العقيدة، ومن ثَمّ فلا بد أن نعالج هذا الخلط عند الوهابية بين بعض (مسائل العقيدة) وبين (مسائل أصول الدين). وهذه التفرقة ليست من عندنا، بل إنّنا سننقل لإخواننا الوهابيين كلاماً قيماً للامام ابن تيمية رحمه الله ـ ولا يمكن لهم أن يطعنوا في كلام ابن تيمية ـ، قال في تبيين ضرورة التمييز بين بعض مسائل العقيدة وبين مسائل أُصول الدين:
(إنّ المسائل الخبرية قد تكون بمنزلة المسائل العملية، وأسميت تلك (مسائل أصول) وهذه (مسائل فروع)، فإنّ هذه تسمية محدثة، قسمها طائفة من الفقهاء والمتكلمين. وهي على المتكلمين والأصوليين أغلب)(1).
وحتى يعلم القارئ أنّ الوهابية تخلط بين (مسائل أُصول الدين) وبين بعض (مسائل العقيدة)، وكان من نتائجه أن أطلقوا كلمة (الغلو) على جمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية وعلى الاثني عشرية، كما رفضوا التقريب بين أهل السنّة وبين الاثني عشرية، والتقريب بين الاثني عشرية والوهابية؛ أرى ـ هنا ـ من الضرورة أنْ أنقل ما قاله أحد علماء أهل السنّة الذين لا تطعن فيهم الوهابية وهو العلامة (محمد عبد الحليم حامد)، حيث يقول في هذا الخلط الخطير عند الوهابية تحت عنوان سمّاه (تسمية العقيدة بأصول الدين تسمية تشريفية)، يقول:
____________
(1) راجع البحث الذي كتبه العالم السنّي محمد عبد الحليم حامد حول هذا الموضوع في كتابه (معاً على طريق الدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام الشهيد حسن البنا). وإنّما أشرت إلى هذا العالم لأنه ليس صوفياً ولا شيعياً حتى تتأمل الوهابية في كلامه، فهو رجل ليس من خصومهم.
الصفحة 106 (واستقرت هذه التسمية [يعني: التسمية الجديدة لمسائل العقيدة بأُصول الدين] على مَرّ الأجيال إلى عصرنا هذا، وهنا حقائق هامة ينبغي الانتباه إليها وهي: إنّ هذه التسمية لم تعهد في القرون الثلاثة الفاضلة، إنّها تسمية جديدة جرت على لسان علماء الكلام ابتداءً وبعض الفقهاء، حسب ما قسموا مسائل الدين إلى (أصول) وتعني مسائل العقيدة، (وفروع) وتعني مسائل الأحكام العملية (الفقه).. هذا التقسيم راج وانتشر واستقرّ عند أهل السنّة وعلماء الكلام. وهذه هي الحقيقة الغائبة.
فأهل السنّة عندما يطلقون تسمية أصول الدين على العقيدة [يعني: عندما يطلقون أُصول الدين على بعض مسائل العقيدة التي لا ترتبط بأُصول الدين] يريدون بذلك تشريف العقيدة).
إلى أن يقول:
(ولا يقصدون [أهل السنَّة] بذلك [يعني: باطلاق أصول الدين على بعض مسائل العقيدة] أنّ كل مسائل العقيدة أصول، بل إنّ فيها الفروع أيضاً).
إلى أن يقول:
(هذه هي نظرة علماء السلف ـ رحمهم الله ـ. وهذه نظرة دقيقة رشيدة حفظت لمذهب أهل السنّة استقامته واعتداله، وعصمتهم من السقوط في هاوية التكفير السحيقة، وحفظتهم من رمي الغير بسهام الزيغ والضلال والزعزعة والميوعة).
إلى أن يقول:
(فالإسلام عظيم متين لا يهدم بسهولة لمجرد خلاف أو زلة في مسائل من مسائل العقيدة [يجب أن نميز بين الزلة في مسائل أصول الدين وبين الزلة في بعض مسائل العقيدة] دون نظر إلى حجم هذه المسألة ووزنها).
</SPAN>الصفحة 107 إلى أن يقول:
(وهذه الحقيقة ليست استنباطاً سبقتُ إليه، وإنّما هي مدونة في كتب عالم جليل من علماء السلف، وإمام عظيم من أئمتهم؛ إنّه شيخ الإسلام ابن تيمية)(1). ثُمّ ذكر كلاماً طويلاً مفصّلاً للإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في ضرورة عدم الخلط بين مسائل أصول الدين وبين بعض مسائل العقيدة التي لا علاقة لها بأُصول الدين.
ويتحتم على كل وهابي أن يراجع كلام الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؛ حتى لا يخلط بين مسائل أُصول الدين وبين بعض مسائل العقيدة التي ترتبط بفروع الدين لا باصوله، وحتى لا يعتبر أكثر المسلمين من الغلاة ومن أهل الضلالة.
والحاجة إلى جلاء هذه الفكرة هي حاجة ضرورية للوهابية؛ لأنّها إذا أدركت الفرق بين (أصول الدين) وبين بعض (مسائل العقيدة)، سوف تحسن الظن بالكثير من المسلمين من السنّة ومن الاثني عشرية، وسوف تعرف أنّها بحاجة إلى تجديد نظرتها حول (مسألة التقريب) بين أهل السنّة وبين الاثني عشرية، وحول (مسألة التقريب) بين الإثني عشرية والوهابية، وحول (مسألة التقريب) بين أهل السنّة والوهابية؛ لأن الوهابية لم تعارض هذا التقريب إلاّ لظنها أنّ الخلاف بين السنّة والاثني عشرية هو خلاف في (أصول الدين)، ولظنها أن الخلاف بين الاثني عشرية والوهابية هو خلاف في (أصول الدين)، ولظنها أن الخلاف بين أهل السنّة والوهابية هو خلاف في (أصول الدين). وهي لا تدري أنّها تعاني من خلط كبير بين مسائل أُصول الدين وبين بعض مسائل العقيدة التي هي في الأصل من فروع الدين.
____________
(1) نفس المصدر: ص 134 ـ 137.
</SPAN>
|
|
|