الصفحة 88 وكلمة أُخرى لا بدّ من الإشارة إليها، لأنّ لها تأثيراً خطيراً على إخفاقات الوهابيين ـ من حيث لا يعلمون ـ في تعريف الغلو، وهي: إنّ علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة قد أطلقوا كلمة (الغلو) على الرواة المسلمين الذين يخالفونهم في مسائل فرعية؛ كما أطلقوا كلمة (الغلو) على القائلين بالتإليه أو الحلول أو الاتحاد.. أو.. أو.. الخ. هذه الأفكار الخطيرة التي تؤدي إلى تإليه الإنسان أو انسنت الإله. ولم يكن يعلم علماء الرجال أنّه ستأتي الجماعة الوهابية وتقع في خلط وخبط، بسبب أنّهم استخدموا كلمة (الغلو) في مفهومين مختلفين اختلافاً جوهرياً؛ لأنّ المعنى الأول للغلو يطلق على المسلمين والمعنى الثاني لا يطلق إلاّ على المرتدين، وبالتالي خلطت الوهابية ـ من دون قصد ـ بين الرواة المسلمين وبين الرجال المرتدين المنتسبين للإسلام.
* * * *
ومن ثَمّ لم يكن بد ـ وقد ابتعدت الوهابية من حيث لا يعلمون عن مفهوم الغلو عند قدماء أهل السنّة ـ من أن نفصلَ ونميز بين حقيقة (الغلو) عند أهل السنّة وبين حقيقة (الغلو) عند الجماعة الوهابية؛ لأنّ الوهابية بعد أن وسعت من مدلول كلمة (الغلو) أصبحت ترى أنّ جمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية من فرق الغلاة الضالين والمنحرفين، وأصبحت الوهابية تطلق كلمة (الغلو) على الاثني عشرية، من دون ملاحظة الفرق بين مفهوم ومراد قدماء أهل السنّة من كلمة (الغلو) عندما أطلقوه على (الاثني عشرية)، وبين مفهوم ومراد قدماء أهل السنّة من كلمة (الغلو) عندما أطلقوه على (الخطابية). ومن هنا وجدت مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وبين الغلاة عند الوهابية من جهة، ومشكلة الخلط بين جمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية وفرق الغلاة من جهة أُخرى. وهذا هو الذي يفسّر لنا سرّ الحملة العنيفة التي قام بها الوهابيون ضد الاثني عشرية وضد جمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية.
* * * *
|