عرض مشاركة واحدة
قديم 01-28-2011, 12:33 AM   #9
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 71
ما هي أسباب وعوامل تكوين وتوسيع هذه المشكلة؟
قد أشرنا إليها فيما سبق والآن نريد أن نبحث عنها بنفس الترتيب الذي ذكرناه، ولكنا قبل البحث عن هذه العوامل والأسباب سوف نذكر تمهيداً هاماً، ثُمّ نعود إلى دراسة الأسباب الخمسة(1) التي كوّنت تلك المشكلة.
ولعل من الحتميات التي يجب معرفتها قبل دراسة أسباب هذه المشكلة الخطيرة أن ندرك هذه الحقائق ا لهامة:
الحقيقة الأولى: إنّ مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة ـ لدى المنهج الوهابي ـ لم تلِد فجأةً بدون مقدمات وإرهاصات اقتضت ولادتها، بل هي وليدة عوامل وأسباب كثيرة استغرقت فترة زمنية طويلة، وحينما استكمِلت الأسباب وجدت المشكلة. ومن الثابت ـ علمياً ـ أنّ المشكلات التاريخية ليست وليدة لحظة واحدة؛ كما هو شأن بعض الاكتشافات العلمية المفاجئة.
الحقيقة الثانية: إنّ عملية تحديد أسباب ظهور المشكلات التاريخية عملية شديدة الصعوبة، وليست كعملية اكتشاف أسباب الأمراض البسيطة، ومن ثَمّ سوف يلاحظ القارئ أنّ بعض الأسباب التي سوف نذكرها لم تكن سبباً في وجود المشكلة، بل كانت سبباً في توسيعها.
الحقيقة الثالثة: إنّه لا يمكن معرفة أسباب هذه المشكلة الخطيرة إلاّ بعد دراسة تاريخ هذه المشكلة، ومن ثمّ راجعنا كل كتابات الوهابية عن الاثني عشرية، واستكشفنا من خلال دراستها في سنوات عديدة تاريخ المشكلة، ثُمّ تعرّفنا على أسباب المشكلة بعد معرفة تاريخها، وتبين لنا أنّ جذور هذه المشكلة في الفكر الوهابي ترجع إلى زمن ظهور الوهابية في عصر الدولة العثمانية.
لقد كانت الدولة العثمانية تحارب المذهب الاثني عشري محاربةً شديدة؛ بسبب الصراع على السلطة بين الدولة العثمانية التركية وبين الدولة الصفوية
____________
(1) درسنا أكثر هذه الأسباب في كتابنا (رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية) الذي يعتبر القسم الثاني من هذا الكتاب.
الصفحة 72 الفارسية، ومن ثَمّ نجد الدولة العثمانية التركية تطرح مشروعاً جديداً وغريباً وهو مشروع (تكفير الاثني عشرية واستباحة دمائهم)؛ من أجل ترغيب شعوب الدولة العثمانية في مقاتلة إخوانهم من الاثني عشرية. وتسرّب هذا المشروع إلى القارة ا لهندية، وصدر كتابٌ في ا لهند التزم بالمشروع العثماني ـ الذي تأثر بالمشاريع الاستعمارية التي تسعى إلى محاربة الوحدة الإسلامية ـ، وهو كتاب (التحفة الاثني عشرية)، من تأليف شاه عبد العزيز الدهلوي (ت 1239 هـ)، وبعد ترجمته واختصاره قامت الدولة العثمانية بتوزيعه في وسط أهل السنّة. ووسّع هذا الكتاب دائرة الخلاف بين السنّة والاثني عشرية، وكان له الأثر الكبير على منهج الوهابية في التعامل مع الاثني عشرية، وعلى إيجاد مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة عند الوهابية.
وقد ظهر أثر كتاب (التحفة) على محبِّ الدين الخطيب ـ رحمه الله ـ(1) في كتابه (الخطوط العريضة في دين الإمامية) الذي يعتبر صورة مختصرة عن (التحفة الاثني عشرية).
وظلّت طريقة صاحب (التحفة الاثني عشرية) مؤثرة على أتباع المنهج الوهابي في دراسة الاثني عشرية؛ كما نلمسُ ذلك بصورة صريحة في كتابات إحسان ا لهي ظهير عن الاثني عشرية، والتي ما زال لها التأثير الكبير على كل ما كتبه الوهابيون عن الاثني عشرية.
ولا يخفى على المؤرخين الظروف السياسية التي صدر فيها كتاب (التحفة الاثني عشرية)؛ فقد أجمع مؤرخو الديار ا لهندية ـ التي صدر فيها كتاب التحفة ـ أنّ الكتاب صدر عند انتهاء القرن الثاني عشر ا لهجري، في زمنٍ كان الصراع السياسي بين ملك مملكة (أوده) في لكنهو ـ والذي كان مناصراً للاثني عشرية ـ وبين الملوك المناصرين لأهل السنّة؛ قد بلغ أوجه وذروته.

____________
(1) وهو أحد مؤسسي المنهج الوهابي في دراسة المذهب الاثني عشري.
الصفحة 73 وهكذا؛ نجد في التاريخ أنّه كلّما اشتدّ الصراع السياسي بين الملوك والسلاطين ظهرتْ الكتب الطائفية التي تخدم الملوك لا الشعوب المحكومة المظلومة، ومن ثمَّ نجدُ هذه الكتب الطائفية تُهدى إلى الملوك، وكتاب (التحفة الاثني عشرية) بعد ان اختصره وهذبه محمود شكري الآلوسي ـ رحمه الله ـ أهداه إلى السلطان وقال:
(... وقدمته لأعتاب خليفة الله في أرضه، ونائب رسوله عليه الصلاة والسلام في إحياء سنته وفرضه، الذي راعى رعاياه بجميل رعايته، ودبَّرهم بصائب تدبيره وواسع درايته، وسلك أحسن المسالك في استقامة أمورهم، وصيانة نفوسهم، وحراسة جمهورهم، وخَصَّ من بينهم علماءَ دولته، وصلحاء ملته، بحسن ملاحظته، وفضل محافظته، تمييزاً لهم بالعناية، وتخصيصاً بما يجب من الرعاية، ووضعاً للأُمور في مواضعها، وإصابة مواقعها، ألا وهو أمير المؤمنين، الواجب طاعته على الخلق أجمعين، سلطان البرَّين، وخاقان البحرين، السلطان ابن السلطان، السلطان الغازي عبد الحميد خان ابن السلطان الغازي عبد المجيد خان.
اللهم أيده بنصرك، وانصره لتأييد ذكرك، واطمس شرَّ سُوَيداء قلوب أعدائه وأعدائك، ودقَّ أعناقهم بسيوف قهرك وسطوتك)(1).
إلى أن يقول:
(وغرضي من عرض ذلك الكتاب إلى ساحته الرفيعة الأعتاب أن يذرَّ إكسير نظره عليه، ليحلَّ محلَّ القبول لديه.. فهناك ـ إن شاء الله تعإلى ـ يحصل الأمل، وأحضى بما رجوته من قبول العمل.. وقد رتبته على تسعة أبواب، وإلى الله الزلفى وحسنُ المآب.
الباب الأول: في ذكر فرق الشيعة وبيان أحوا لهم...)(2).
وكان الغرض من نقل هذا الكلام في مدح السلطان تعريف القارئ الكريم بأنّ الكتب الطائفية كانت تخدم السلاطين والملوك، لا المحكومين والشعوب.

____________
(1، 2) مختصر التحفة الاثني عشرية، اختصرها وهذبها السيد محمود شكري الألوسي سنة (1301 هـ) وقدّم لهذا الكتاب محب الدين الخطيب ـ رحمه الله ـ: ص 2 ـ 3. الطبعة التركية.
الصفحة 74 لكننا نأسف ـ كثيراً ـ بأنّ هذا الكتاب ـ الذي صدر في ظروف سياسية خاصة ـ أصبح مؤثراً على الوهابيين في دراسة الاثني عشرية؛ ينهجون منهجه، ويسيرون على منواله، ويغضّون الطرف عن ردود كبار أهل السنّة على محتوياته. وهذا الكتاب وليد السياسة ومَا أتَتْ به السياسة، سوف تذهب به السياسة.
لقد كانت المقتضيات السياسية للدولة العثمانية تستوجب وتحتّم تشويه المذهب الاثني عشري، وخاصّة بعد سقوط بغداد في يد الدولة الإيرانية الاثني عشرية، حينئذ شعرت الدولة العثمانية بخطرٍ جدي يهدّد كيانها، واستيقنت بأنّ أهل السنّة لن يقاتلوا الاثني عشرية إلاّ إذا اقتنعوا بأنّ الاثني عشرية من فرق الغلاة لا من فرق المسلمين. وهكذا؛ ظهرت مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة، مستمدة ـ ابتداءً ـ من الظروف السياسية في عهد الدولة العثمانية. وتوّسعت المشكلة بعد ظهور الوهابية التي استفادت من الكتب التي صدرت في عهد الدولة العثمانية، ولكنها أضافت إليها أموراً كثيرة.
وكل هذه الكتب تحملُ الطابع الإعلامي لا الطابع العلمي التحليلي، ومن المعلوم أنّ الطابع الإعلامي يسعى لتشويه صورة الخصم، ويرفض الحوار العلمي التحليلي مع خصمه.
وبعد أن سقطت الدولة العثمانية نادى علماء أهل السنّة إلى ضرورة إحياء منهج قدماء أهل السنّة في التعامل مع الاثني عشرية، بعد أن اختفى ذلك المنهج في عصر الدولة العثمانية الذي تزامن مع عصر ظهور الوهابية، وأصدر الإمام الأكبر محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر، وكبير علماء أهل السنّة؛ تلك الفتوى التي اعتبرت المذهب الاثني عشري مثل المذاهب الأربعة السنّية، ويجوز للمسلم أن يختار أي مذهب من تلك المذاهب الخمسة الإسلامية.
وهذا الذي ذكرناه في هذه الحقيقة هو جانب مختصر من (تاريخ مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفِرَق الغلاة عند الوهابية)، ولكن على قارئ هذا الكتاب أن يرجع إلى الادلة القوية المفصلة عن تاريخ هذه المشكلة، التي سنذكرها في البحوث القادمة باعتبارها هي الأصل. وهذه الحقيقة لم تجئ هنا إلاّ لمجرد الإشارة السريعة المختصرة.
</span>الصفحة 75 الحقيقة الرابعة: إنّه لا بد من القيام بدراسة تحليلية تسعى إلى تفكيك وتجزئة عناصر (مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفِرق الغلاة عند الوهابية)، ولا بد من دراسة كل جزءٍ وكل عنصر من أجزاء وعناصر هذه المشكلة بصورة منفردة، ومن ثمّ قمنا بدراسة (الغلو)، وهو العنصر الأول لهذه المشكلة، ثُمّ درسنا (الاثني عشرية)، وهي العنصر الثاني لهذه المشكلة، ثُمّ درسنا (نَوعَ العلاقة بين الاثني عشرية وبين الغلو)، وهي العنصر الثالث لهذه المشكلة؛ لنرى أنّه هل توجد علاقة توافق واتفاق أم أنّ هنالك اختلافاً عميقاً بين الاثني عشرية والغلو؟ وما هو موقف فِرَق الغلاة من الاثني عشرية؟ وما هو موقف الاثني عشرية من فِرَق الغلاة؟
ثُمّ درسنا (الوهابية) وهي العنصر الرابع لهذه المشكلة، فما هو ميزان معرفة الوهابية بالاثني عشرية؟ هل الوهابية تجهل حقيقة الاثني عشرية؟ وما هي طريقة الوهابية في التعامل مع الفرق الإسلامية بصفةٍ عامة؟ وما هي طريقة الوهابية في التعامل مع الاثني عشرية بصفة خاصة؟ وما هو تعريف الغلو عند الوهابية؟ وما هو تعريف الاثني عشرية عند الوهابية؟ وما الفرق بين منهج أهل السنّة في التعامل مع الاثني عشرية وبين منهج الوهابية في التعامل معها؟ ما هي طريقة التفكير عند الوهابية؟ وما هو تأثير طريقة الوهابية في التفكير على طريقتهم في التعامل مع الاثني عشرية؟
إنّه لا يمكن لنا أن ندرك خطأ الوهابية في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية، أو بتعبير أصح: لا يمكن لنا أن ندرك مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة عند الوهابية إلاّ بعد دراسةٍ علمية تحليلية عميقة لهذه العناصر الأربعة: (غلو + الاثنا عشرية + نوع العلاقة بين الغلو وبين الاثني عشرية + الوهابية).
وهذه المشكلة الخطيرة قد مزقت الوحدة الإسلامية المقدّسة التي نعتقد أنّها من أهم أُصول الدين، ونرى أنّ الحفاظ عليها فرض من الفروض العينية التي تجب على كلِّ مسلم، كما نرى أنّ التقريب بين الاثني عشرية والوهابية من أهم الواجبات الإسلامية.
</span>الصفحة 76 الحقيقة الخامسة: بعد قراءة طويلة لكتب الوهابية حول الاثني عشرية، والتي كتبها كتابٌ مصابون بمرض الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة؛ وجدنا أنّ هؤلاء الكتاب ينقسمون إلى ستة أصناف:
الصنف الأول: كتبوا ضد الاثني عشرية من أجل ارضاء بعض الملوك الذين لهم خصومة شديدة مع الدولة الاثني عشرية الإيرانية، ومن ثمَّ نجد كتابتهم تحملُ طابعاً إعلامياً أمنياً وكأنها صدرت من جهازٍ أمني استخباراتي استعماري صليبي، ومن ثَمَّ فهي تمثّل السياسة الخارجية للدولة التي طَبَعتْ هذه الكتب، وليس لها صلة بحقيقة المذهب الاثني عشري. وهؤلاء الصنف من الكتّاب يُطلق عليهم (كتاب الملوك والسلاطين)، وكان لهذا الصنف من الكتاب الحصة الكبرى في توسيع مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة.
الصنف الثاني: وهم السذج البسطاء الذين وقعوا فريسة لمكر (الصنف الأول)، ومن سذاجتهم أنّهم كانوا يحسنون الظن بكتّاب الملوك والسلاطين ويصدقونهم في قو لهم: بـ ((أنّ الاثني عشرية من فرق الغلاة لا مِنْ فِرَق المسلمين))!
وقد كنت من هذا الصنف عندما كتبتُ كتابي (الصلة بين الاثني عشرية وفِرق الغلاة).
الصنف الثالث: كانوا من الكتّاب الذين لا يتصفون بالبساطة والسذاجة، بل تنقصهم الدقة والعمق والدراية. ومثل هذا الصنف يقعون في الخلط والتخليط من حيث لا يعلمون، وتراهم يجعلون من الغلو ما ليس منه، ويثبتون للاثني عشرية ما ليس منها، من دون دليل أو برهان، وتراهم يفهمون بعض حقائق الاثني عشرية وخصائصها فهماً غريباً؛ بسبب عدم التأمّل والدقة عند قراءتها، وتراهم يخلطون بين التوحيد والشرك، فيتهمون المسلمين من أهل السنّة ومن الاثني عشرية بالشرك، وتراهم لا يميزون بين الشرك الأكبر المخرج عن الإسلام </span>الصفحة 77 وبين الشرك الأصغر الذي قد يوجد عند بعض المسلمين مع بقاء إسلامهم، وتراهم لا يميزون بين مراتب الكفر وأنواعه، فهم يخلطون بين الكفر الذي ليس له علاقة بالردّة والخروج عن الإسلام وبين الكفر الذي يعطي مفهوم الردّة والارتداد عن الإسلام، ومن ثَمَّ يتهمون الفرق الإسلامية المخالفة لهم بالردّة والخروج عن الإسلام، ويحكمون على كثيرٍ من المسلمين السنّة والاثني عشرية بالكفر الأكبر، وتراهم يخلطون بين الفلسفة والزندقة، فيتهمون فلاسفة المسلمين بالزندقة، وتراهم لا يميزون بين التصوّف المعتدل والتصوّف المنحرف، فيحكمون على كلِّ الصوفية بالكفر، وتراهم لا يميزون بين مراتب الغلو وأنواعه، فهم يخلطون بين الغلو الذي ليس له علاقة بالردّة والكفر وبين الغلو الذي له علاقة بذلك.
الصنف الرابع: وهم المصابون بالطائفية والحزبية المذهبية والكراهية والخصومة لكل من خالفهم من المذاهب الإسلامية، والكراهية والخصومة تمنعهم من سماع المذهب الآخر المخالف لمذهبهم؛ لأنهم يحكمون على كل مذهب إسلامي يخالفهم بالغلو قبل سماعه وقبل قراءته، فلديهم أحكامٌ مسبقة ضد هذه المذاهب الإسلامية قبل معرفتها.
وهذا الصنف يحسبون أنّ كلّ من خالفهم في فكرةٍ أو رأي يعدّ من الغلاة المنحرفين، ومنْ ثمّ حكموا على الاثني عشرية وعلى جمهور أهل السنّة بأنّهم من فِرَق الغلاة؛ لأنّهم رفضوا بعض أفكارهم وآرائهم الخاصّة.
الصنف الخامس: وهم الذين رأوا أنّ الاثني عشرية قدّموا بعض الإشكالات والتنبيهات للوهابيين، ولم يتحمّلوا هذه التنبيهات وتلك الإشكالات، واعتبروها هجوماً على الفكر الوهابي، وأثناء حماسة الدفاع عن الوهابية ضد تلك الإشكالات ـ التي كان ينبغي أن يجيبوا عنها ـ أنكروا الكثير من المسلمات عند أهل السنّة وعند الاثني عشرية، لأنّ ردة الفعل عند كتاب الوهابية جعلتهم </span>الصفحة 78 يخرجون من الحالة العقلية المنطقية إلى الحالة الانفعالية العاطفية، فواجهوا تلك الإشكالات العلمية باتهامات تولّدت أثناء حماسة الدفاع عن الوهابية، وما كان من الوهابيين إلاّ أنْ جمعوا كل مقالات الغلاة التي ذكرها كُتَّاب الفِرَق من السنّة والاثني عشرية ثُمّ نسبوها للاثني عشرية ولجمهور أهل السنّة. وهكذا؛ ولّدت حركة ردة الفعل الوهابية خلطاً وتخليطاً خطيراً بين الاثني عشرية وفرق الغلاة، بل وبين جمهور أهل السنّة وبين فرق الغلاة.
إنّ الوهابيين استحضروا أمامهم تلك الإشكالات العلمية والقوية التي أوردها الاثنا عشرية وكبار أهل السنة على الفكر الوهابي، وعجزوا عن معالجة تلك الإشكالات، وأدركوا أنّ هنالك نقصاً معيناً في الفكر الوهابي، واستنفذوا كل جهدهم في دفعه إلى أن استغرقوا كل قوةٍ لديهم دون جدوى، حينئذ خلقت ردت الفعل عندهم منهجاً خطيراً يسعى إلى صياغة حقائق المذهب الاثني عشري وخصائصه بصورة مشوهّة؛ لأنّ ا لهدف من تقرير تلك الحقائق والخصائص قد أصبح أسيراً لردّة الفعل، بحيث أصبح الرد على الاثني عشرية هو المحرّك الأول والأخير فيما تبذله الوهابية، وغاب عنهم ـ أثناء الاستغراق في الرد على هذا المذهب ـ أن يعرضوا حقائقه وخصائصه كما هي في ذاتها، وكما هي في كتب الاثني عشرية، وكما هي في كتب أهل السنّة الذين لم يتأثرّوا بالمنهج الوهابي.
الصنف السادس: وهذا أخطر أصناف الوهابية الذين كتبوا ضد الاثني عشرية؛ لأنّ أصحاب هذا الصنف اندسوا في صفوف البسطاء من الوهابيين، وألصقوا أنفسهم بالوهابية ـ والوهابية منهم بريئة ـ، وكتبوا كتباً في الدفاع عنها، وكانوا يسعون إلى تحقيق أهداف خطيرة من خلال الدخول في الجماعة الوهابية. هؤلاء عندما طردهم كبار علماء أهل السنّة، بعد أن اكتشفوا مآربهم الخبيثة المغرضة، وعندما أدركوا أنّهم يسعون بكل وسيلة للحصول على الجاه والشهرة والثروة؛ اضطروا للدخول مع الوهابية؛ من أجل أن يحققوا أغراضهم </span>الصفحة 79 بعد أن فضحهم أهل السنّة. ومن أمثال هذا الصنف (عبد الله علي القصيمي النجدي) الذي سافر من المملكة العربية السعودية إلى مصر، وبعد أن طرده أهل السنّة من مصر واختلف مع علماء الأزهر الشريف، حينئذ كتب كتابه (الثورة الوهابية)، الذي رحّب به علماء الوهابية في العالم ورفضه علماء أهل السنّة، وكتب ـ أيضاً ـ (الصراع بين الإسلام والوثنية)، وأطلق كلمة (الوثنية) على المذهب الاثني عشري، وفرح بسطاء الوهابيين بهذا الكتاب، ثم بعد ذلك أعلن القصيمي الإلحاد وأنكر الأديان السماوية، وهاجم الأنبياء، وأعلن الوهابية البراءة منه ولعنوه، ولكن بعد أن رسم لهم صورة غريبة عن الاثني عشرية، وما زالت هذه الصورة مؤثرة على بعض بسطاء الوهابيين إلى اليوم.
والسادسة: ومما ساعد على توسيع هذه المشكلة الخطيرة عند الوهابية الغموض الشديد الذي اكتنف بعض الكلمات، في القرن الأوّل ا لهجري والفترة الزمنية القريبة منه، بحيث إنّ قدماء أهل السنّة وقدماء الاثني عشرية كانوا يطلقون كلمة (التشيع) على الفرق المنتسبة للتشيع، والتشيع منها براء. ومثل هذه الأجواء هيّأت لخصوم الاثني عشرية أن ينسبوا إليها مقالات تلك الفرق المغالية التي أطلق عليها القدماء كلمة (التشيع)؛ من خلال التلاعب والخلط بين مفهوم ومضمون كلمة (الاثني عشرية) التي تعبر عن مذهب واحد، وبين كلمة (التشيع) التي تعبّر عن فرق ومذاهب كثيرة، كفّر بعضها الاثني عشرية وأهل السنّة.
ولا شك أنّ الكلمات إذا لم تُعرّف تعريفاً دقيقاً فسوف تترك مجالاً للمغرضين الخبثاء، أو المخلّطين البسطاء في التلاعب بمضامينها ومحتوياتها ومعانيها حسب ما يريدون، بعيداً عن الضوابط والمعايير العلمية في تعريف الكلمات.
والسابعة: ومما ساعد على توسيع هذه المشكلة الخبيثة ـ عند أتباع المنهج الوهابي في دراسة المذهب الاثني عشري ـ تواجد بعض رجال الفِرَق المغالية في </span>الصفحة 80 القرون الأُولى في مدينة الكوفة، مع أنّ التاريخ يبيّن بصورة صريحة أنّ رجال الغلاة كانوا محصورين ومعدودين في شرذمةٍ قليلةٍ، كانت منبوذة من قبل أكثرية ساكني الكوفة من أهل السنّة ومن الاثني عشرية، ثم انقرضت تلك الشرذمة من الغلاة، بعد أن رفضهم وحاربهم المسلمون من الاثني عشرية ومن أهل السنّة الذين سكنوا الكوفة في القرون الأُولى.


 

رد مع اقتباس