* * * *
وعندما نعيد النظر في الشكل ا لهرمي الاثني عشري سوف نلاحظ الخطوط الطولية المتصلة والمتحركة من رأس ا لهرم إلى قاعدته ونهايته. وهذه الخطوط المتصلة هي تمثيلٌ واضح وراسخ للاتصال الوثيق بين المراحل الثلاث ـ أي مرحلة المعرفة الانتسابية ومرحلة المعرفة التحليلة ومرحلة المعرفة الجذرية ـ في هذا المنهج، والاتصال الوثيق بين الحقائق الثمان المعروضة في المرحلتين الآخيرتين (مرحلة المعرفة التحليلية ومرحلة المعرفة الجذرية). كما أنّ هذه الخطوط الطولية تعبّر تعبيراً صريحاً عن الانبثاق الذاتي للمرحلة الثانية من المرحلة الأُولى والمرحلة الثالثة من المرحلة الثانية، وتعبّر ـ أيضاً ـ عن انبثاق خصائص الاثني </span>الصفحة 68 عشرية من الحقائق الثمان، كما أنّ هذه الخطوط الطولية قاطعة في الدلالة ـ على ما قلناه سابقاً ـ على ضرورة التدرج في دراسة المراحل الثلاث، وفي دراسة الحقائق الثمان، وفي دراسة الخصائص الثلاث؛ فتلك المواضع والمواقع المعيّنة للمراحل وللحقائق وللخصائص في ا لهرم لها دلالة صريحة في تجسيم وتصوير ضرورة التدرج في هذا المنهج، وفي عرض المراحل الثلاث للمذهب الاثني عشري، وفي عرض الحقائق الثمان المرتبطة بالمرحلتين الأخيرتين، وفي عرض الخصائص الثلاث؛ حتى نستطيع التقريب بين الاثني عشرية والوهابية، وحتى نتجنب ونبتعد عن الأخطاء التي انزلق فيها أتباع المنهج الوهابي في دراسة المذهب الاثني عشري. وقد انزلقوا في تلك الأخطاء بسبب أنّ طريقتهم في دراسة الاثني عشرية لا تستند على نظام فكري واحد ولا على نظام منهجي واحد.
ويشاهد القارئ الترابط المحكم بين طبقات ا لهرم وأجزائه، من قمته إلى قاعدته، وفي هذا دلالة صريحة على أنّه يجب أن ينظر إلى حقائق الاثني عشرية وخصائصها كوحدة متماسكة مترابطة متحدة، وفي إطار منظومة مشتركة، تدب فيها روح واحدة، ومن ثَمَّ فهي (الحقائق والخصائص) تشكل مجموعة واحدة.
وكل حقيقة من حقائق الاثني عشرية وكل خاصّية من خصائصها لا بد أن تنظر في اطار هذه المجموعة المترابطة المتصلة، وحين ننظر إلى حقيقة واحدة من حقائق الاثني عشرية، أو ننظر إلى خاصّية من خصائصها، بالنظرة الجزئية المفردة المعزولة عن بقية الحقائق والخصائص؛ فإنّنا لا يمكن أن نُدِرك عظمة روح هذه الحقيقة التي نظرنا إليها بمفردها، ولن ندرك ما فيها من صفات الجمال والكمال. كما أنّ النظرة التجزيئية الفردية لحقيقة من حقائق الاثني عشرية، أو خاصّية من خصائصها دون النظر إلى بقية حقائقها وخصائصها؛ كانت من الأسباب الرئيسية التي جعلت أتباع المنهج الوهابي ينزلقون في أخطاء كبيرة في الكثير من أحكامهم على حقائق الاثني عشرية وخصائصها.
</span>الصفحة 69 ويلاحظ المشاهد للشكل ا لهرمي الاثني عشري أنّ هنالك تسلسلاً ظاهراً وصريحاً، وهو تعبير حاسم عن أنّ كل حقيقة من الحقائق الثمان للمذهب الاثني عشري تكون مقدمة للحقيقة التي بعدها، وفي نفس الوقت تكون نتيجة للحقيقة التي قبلها، والإيمان بالحقيقة الأُولى يقتضي الإيمان بالحقيقة الثانية.. وهكذا.. وهكذا؛ إلى الحقيقة الثامنة.
ونحن إذا لم نستطع فهم الحقيقة الأُولى فإنه ليس بالامكان فهم بقية الحقائق؛ لما عرفت من أن هناك تسلسلاً رياضياً وعلمياً بينها.
وحينما نعيد النظر في الشكل ا لهرمي الاثني عشري سوف نلاحظ أنّ هنالك خطوطاً عرضية في ا لهرم الاثني عشري. وهو تعبير حاسم عن قاعدة أساسية في هذا المنهج ـ الذي رسمناه من أجل تصحيح منهج الوهابية في دراسة المذهب الاثني عشري ومن أجل التقريب بين الاثني عشرية والوهابية ـ تقول: بأنّه يجب التأمّل والتدقيق والتعمق والدراسة التحليلية والموضوعية لكل مرحلة من المراحل الثلاث للمذهب الاثني عشري، ولكل حقيقة من حقائق هذا المذهب، ولكل خاصّية من خصائصه؛ فقد لمسنا ـ عند مراجعة ودراسة الكتب التي كتبت عن المذهب الاثني عشري حسب المنهج الوهابي ـ أنّ عدم التأمّل والتدقيق، وعدم التحليل الكامل للمراحل والحقائق والخصائص؛ كان وراء كل الأخطاء التي ارتكبوها في حق المذهب الاثني عشري.
ولو أعاد القارئ النظر إلى الشكل ا لهرمي الاثني عشري سوف يرى أننا رسمنا خطوطاً خارجية في السطح الخارجي للهرم، تشمل وتعم كل ا لهرم. وهو تعبير صريح وواضح عن حقيقة هامة في هذا المنهج تقول: بأنّ هنالك تشابكاً وانسجاماً بين المراحل والحقائق والخصائص، بحيث إنّ الخطأ في فهم المرحلة الأُولى ـ التي في رأس ا لهرم ـ يقتضي سريان الخطأ إلى المرحلتين الأخيرتين، والإصابة في فهم أول مرحلة يقتضي الإصابة في فهم المرحلتين الأخيرتين..
</span>الصفحة 70 وهكذا.. وهكذا.. في الحقائق الثمان وفي الخصائص الثلاث أنّه لا يمكن أن نخطئ في (مرحلة المعرفة الانتسابية للمذهب الاثني عشري)، ثُمّ نصيب في (مرحلة المعرفة التحليلية لهذا المذهب) أو (المعرفة الجذرية له)؛ لأنّ العلاقة بين المعارف الثلاث للمذهب الاثني عشري متشابكة..
وإذا أعاد القارئ نظره إلى ا لهرم يرى أنّ قمته تبدأ ضيقة، ثم تتسع شيئاً فشيئاً كلَّما اتجهت نحو القاعدة. وهذا يعبّر عن حقيقة هامة أشرنا إليها وهي أنّه عندما أخطأ أتباع المنهج الوهابي في مشكلة الخلط بين الاثني عشرية والغلاة ـ رأس ا لهرم ـ أخذت أخطاؤهم في فهم حقائق الاثني عشرية تتسع يوماً بعد يوم؛ كما أنه يعبّر عن حقيقة هامة وهي أنه عندما أخطأ أتباع المنهج الوهابي في مشكلة الخلط بين الاثني عشرية والغلاة أخذ اختلافهم مع الاثني عشرية ومع أهل السنّة يتسع يوماً بعد يوم، حتى كادتْ الوهابية أن تنعزل عن الاثني عشريين وعن أهل السنّة.
ولن يستطيع أتباع المنهج الوهابي معرفة حقائق الاثني عشرية وخصائصها إلاّ إذا أدركوا الفرق بين الاثني عشرية وفِرَق الغلاة.
* * * *
والآن حان الوقت للبحث عن أسباب وعوامل خطأ الوهابية في هذه المرحلة الأُولى لمعرفة المذهب الاثني عشري، وقد انبثقت من الخطأ في هذه المرحلة وتولّدت مشكلة الخلط بين المذهب الاثني عشري وفرق الغلاة.
* * * *
|