عرض مشاركة واحدة
قديم 01-28-2011, 12:30 AM   #2
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 40 أمّا إمام أهل السنّة وفقيههم في العصر الحديث (محمد أبو زهرة) ـ رحمه الله ـ فقد هاله منهج الوهابية الذين يخطئون في مرحلة المعرفة الانتسابية للمذهب الاثني عشري، فيخلطون بين الاثني عشرية والغلاة، وانتقد منهج الوهابية في التعامل مع بعض المصطلحات الكلامية عند الاثني عشرية، وقال في تبيين وتوضيح مصطلح (التقية) الذي يعتبر من أهمِّ المصطلحات التي لم تدرك معناها الوهابية، فاثبت إمام أهل السنّة أنّ معنى التقية عند الاثني عشرية قد أُخذ من القرآن الكريم، وفي هذا يقول:

(والتقية [يعني: عند الاثني عشرية] أن يخفي المؤمن بعض ما يعتقد ولا يجهر به؛ خشية الأذى، أو للتمكن من الوصول إلى ما يريد من نصرة لدين الله أو للحق في ذاته. والأصل فيها ـ التقية ـ قوله تعالى: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إلاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإلى اللّهِ الْمَصِيرُ) (1)..)(2).
ويقول الإمام (محمد أبو زهرة) في صدد الرد على الوهابية الذين يخطئون في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية، ثم يخلطون بين مقام الإمام عند الغلاة ومقامه عند الاثني عشرية:
(وإنّ الإمامية [الاثني عشرية] لا يصلون بالإمام إلى مرتبة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم)(3).
وكان إمام أهل السنّة الإمام الأكبر شيخ الأزهر (محمود شلتوت) ـ رحمه الله ـ من أكثر الذين دافعوا عن منهج قدماء أهل السنّة في التعامل مع المذهب الاثني عشري، وبذلوا جهوداً في محاربة المنهج الوهابي في دراسة هذا المذهب؛ لأنّهم
____________
(1) سورة آل عمران: 28.
(2) الإمام الصادق، محمد أبو زهرة: ص 22.
(3) الإمام الصادق، محمد أبو زهرة: ص 151.
الصفحة 41 ما زالوا يخطئون في مرحلة المعرفة الانتسابية لهذا المذهب، وبالتالي فهم يخلطون بين الاثني عشرية وفرق الغلاة.
ولقد حاول الإمام شلتوت ـ رحمه الله ـ دعوة الوهابية البريئة إلى الرجوع لمنهج أهل السنّة، كما حاول أن يزيل الضجة التي خلقتها الوهابية بين الاثني عشرية وأهل السنّة، فحاربه الذين ما زالوا مصابين بمشكلة الخلط بين الاثني عشرية والغلاة من الوهابيين، وحسبوا أنّه يدعو للتقريب بين أهل السنّة وبين فرق الغلاة.
وأراد ـ رحمه الله ـ أن يبين للوهابيين أنّ المقالات التي ينسبوها للاثني عشرية هي مقالات السبئية والخطابية والبيانية الذين كفرهم الاثنا عشرية وأهل السنّة، واعتبر أنّهم نسبوا تلك المقالات القبيحة إلى الاثني عشرية لأنهم يخطئون في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية، ومن ثَمَّ فلا غرابة أن يخلطوا بين حقائق الاثني عشرية ومقالات الغلاة.
وقد اضطر إلى مهاجمة بعض المعاصرين من أهل السنّة الذين تأثروا بالمنهج الوهابي، وبدأوا يشككون في منهج قدماء أهل السنّة في التعامل مع الاثني عشرية؛ لأنّهم كانوا العقبة الكبرى ـ في نظره ـ أمام التقريب بين السنّة والاثني عشرية، قال رحمه الله:
(حارب هذه الفكرة [أي فكرة التقريب بين السنّة والاثني عشرية] ضيقوا الأُفق، كما حاربها صنف آخر من ذوي الاغراض الخاصّة السيئة، ولا تخلوا أية أُمة من هذا الصنف من الناس.. حاربها من يجدون في التفرق ضماناً لبقائهم وعيشهم، وحاربها ذوو النفوس المريضة [من أمثال المصابين بمرض الخلط بين الاثني عشرية والغلاة] وأصحاب الأهواء والنزعات الخاصّة، هؤلاء وأولئك ممن يؤجرون أقلامهم لسياسات مفرقة، لها أساليبها المباشرة وغير المباشرة في </span>الصفحة 42 مقاومة أية حركة إصلاحية، والوقوف في سبيل كل عمل يضم شمل المسلمين ويجمع كلمتهم)(1).
والذين يخطئون في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية هم الذين لا يميزون بين الاثني عشرية والغلاة، وبالتالي لا يمكن لهم أن يدركوا ـ أيضاً ـ الفرق بين الرافضة والاثني عشرية. وقد واجه المفكّر السنِّي الكبير (أنور الجندي) أتباع الوهابية الذين لا يفرِّقون بين الرافضة وبين الاثني عشرية وقال: (والرافضة غير السنّة والشيعة)(2)؛ لأنّ الرافضة كلمة عامة في كتب الفرق تشمل الكثير من الفرق المغالية التي كفرّها علماء الاثني عشرية قبل أن يكفرّها أهل السنّة.
وهناك مئات الأقوال لكبار علماء أهل السنة التي تحذر من مشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية أو من مشكلة الخلط بين الاثني عشرية والغلاة؛ لو ذكرناها كلها لتضاعف حجم الكتاب، وسنذكر الكثير منها في القسم الثاني من هذا الكتاب.
بعد أن ذكرنا أقوال كبار علماء أهل السنّة في خطورة مشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية، أو خطورة مشكلة الخلط بين الاثني عشرية والغلاة؛ يتضح لنا أنّه ليس هناك مشكلة اخترعها خصوم الإسلام في سبيل ضرب المسلمين وهدم وحدتهم أعظم من مشكلة الخلط بين الاثني عشرية والغلاة. وتأتي الخطورة الكبرى في هذه المشكلة أنها من المشكلات غير البارزة والظاهرة التي يمكن كشفها ومعرفتها لأوّل وهلة، بل هي مشكلة خفية استطاع
____________
(1) مجلة (رسالة الإسلام) المصرية، ونحن نأسف كثيراً اننا وجدنا بعض المسلمين يحاربون فكرة التقريب بين الاثني عشرية والوهابية، مع أنهم يقولون بأن كلا الطائفتين من المسلمين. والغريب من هؤلاء أنهم يزعمون أن الخصومة بين الاثني عشرية وبين الوهابية اشد من الخصومة بين المسلمين وبين اليهود!!! وهذا بهتان عظيم والله المستعان على ما يقولون.
(2) الإسلام وحركة التاريخ، أنور الجندي: ص 28.
الصفحة 43 خصوم الإسلام ـ بطريقة ماكرة تُظهر الخير وتُبطن الشر ـ أن يزرعوها بين المسلمين من أجل تحطيم الوحدة الإسلامية المقدَّسة.
ومن ثَمّ وقع في حبال هذه المشكلة الخبيثة القبيحة بعض عوام أهل السنّة في العصور المتأخرة، الذين انخدعوا بالمنهج الوهابي في دراسة الاثني عشرية، ولم يَكتشف خباياها ومقاصدها الخطيرة إلاّ كبار علماء أهل السنّة المحققين. وبفضل جهود كبار علماء أهل السنّة بدأت هذه المشكلة تنحصر في إطار جماعة قليلة مهددة بالانقراض.
ونحب ـ هنا ـ أنّ ننبه إلى أننا رأينا تلك الوهابية البريئة تقول: بأنّ هنالك مشكلة غلو عند الاثني عشرية. وهم لا يدركون أنّه يوجد عندهم في الحقيقة مشكلة خلط بين الاثني عشرية والغلو، أو مشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية. وحقيقة الأمر أنّ هنالك مشكلة خلط عند الوهابية لا مشكلة غلو عند الاثني عشرية. ونرى هؤلاء المصابين بمشكلة الخلط يبحثون عن علل الغلو عند الاثني عشرية، وهم لا يدركون أنه كان الأولى لهم أن يبحثوا عن علل خلطهم بين الاثني عشرية وفِرَق الغلاة، وأنّه ليس هناك مشكلة غلو عند الاثني عشرية، بل هي مشكلة خلط بين فرق الغلاة والاثني عشرية أو مشكلة خطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية.
وقد لاحظت أنّ أتباع الوهابية ـ من حيث لا يعلمون ـ يبحثون ويجهدون أنفسهم في البحث عن علل الغلو عند الاثني عشرية، ويبحثون عن مشكلة الغلو عند الاثني عشرية. أما أهل السنّة المحققون المعاصرون فقد اكتشفوا أنّ أتباع الفرقة الوهابية مصابون بالخلط بين الاثني عشرية والغلاة، بسبب عدم قراءتهم الصحيحة لكتب قدماء أهل السنّة عن الاثني عشرية. ومن ثَمّ اتجه كبار أهل السنّة المعاصرين المحققين إلى دراسة علل الخلط بين الغلاة والاثني عشرية عند الوهابية، وصرّحوا بأنّ الوهابيين يحسبون أنّ هنالك مشكلة غلو عند الاثني </span>الصفحة 44 عشرية، ولا يعرفون أنّ المشكلة فيهم، ولم يدركوا أنّها مشكلة خلط عندهم بين الاثني عشرية والغلاة. وتبين لعلماء أهل السنّة المحققين أنّ الاثني عشرية لم يصابوا ـ أبداً ـ بالغلو، وإنّما أتباع الوهابية التبس عليهم الأمر، فلم يميزوا بين الاثني عشرية والغلاة.

* * * *
ونحن بعد دراسة طويلة لمناهج البحث عن حقائق الاثني عشرية وخصائصها قد حصرناها في مناهج ثلاثة:
1 ـ المنهج الأول: منهج الجماعة الوهابية في دراسة حقائق الاثني عشرية وخصائصها.
2 ـ المنهج الثاني: منهج قدماء أهل السنّة ومتأخريهم في دراسة حقائق الاثني عشرية وخصائصها.
3 ـ المنهج الثالث: منهج علماء الاثني عشرية في دراسة حقائق الاثني عشرية وخصائصها.
ونحن ـ في بداية الأمر ـ كنا نؤمن بمنهج الوهابية في دراسة حقائق الاثني عشرية وخصائصها، ثم تعرّفنا على منهج قدماء علماء أهل السنّة ومتأخريهم وانتقلنا إليه، ثم اهتدينا إلى منهج علماء الاثني عشرية في دراسة حقائق الاثني عشرية وخصائصها. وقد لاحظنا أنّ هنالك تناقضاً في تفسير حقائق الاثني عشرية وخصائصها؛ بين منهج الوهابية ومنهج قدماء علماء أهل السنّة ومتأخريهم. ولا شك أنّه من المستحيل أن تكون كل تفسيراتهم صحيحة في الوقت الذي ينعدم الاتفاق بينها. ولو قلنا بصحتها مع تعارضها وتباينها للزم أن تكون كلها باطلة ـ بالمعنى المنطقي ـ أي غير صحيحة، ولما استحق أي تفسير يقدّمه علماء الوهابية أو علماء أهل السنّة لحقائق الاثني عشرية وخصائصها أن ينظر إليه بتقدير واحترام.
</span>الصفحة 45 ومن ثَمّ لا بد أن نقول بصحة بعض تفسيرات حقائق الاثني عشرية وخصائصها وبطلان بعضها. وسوف نثبت في البحوث القادمة(1) أنّ تفسير أهل السنّة من القدماء والمتأخرين لحقائق الاثني عشرية وخصائصها كان مصيباً غالباً، وأنّ تفسير الوهابية لحقائق الاثني عشرية وخصائصها كان مخطئاً وبعيداً عن حقيقة الاثني عشرية.
إننا حين نراجع المنهج الوهابي في تفسير حقائق الاثني عشرية وخصائصها نجده عاجزاً عن الاهتداء إلى التفسير الصحيح لحقائق الاثني عشرية وخصائصها؛ الذي اهتدى إليه قدماء علماء أهل السنّة ومتأخريهم.
إنّ الاثني عشرية التي تبحث عن حقائقها وخصائصها الوهابية لا تعني أهل السنّة في شيء؛ لأنّ بحث الوهابية عن الاثني عشرية ـ على ذلك المنهج الغريب ـ لن يجعلها تدرك أنّ الاثني عشرية الحقة هي التي صوّرها ورسمها علماء أهل السنّة، وهي التي دلّنا عليها كبار علماء الاثني عشرية.
وقد عجزت الوهابية عن الاهتداء إلى حقيقة الالوهية والنبوة عند الاثني عشرية، وعجزت عن إدراك كل حقائق الاثني عشرية وخصائصها؛ لأنّها حاولت دائماً أن تفسر هذه الحقائق وأن تصورها تحت نفوذ مشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية، أو مشكلة الخلط بين الاثني عشرية والغلاة، في حين أن الاثني عشرية ليس لها صلة بالغلو.
وبمثل هذا العجز فسرّت الوهابية خصائص الاثني عشرية، وضربت في التيه عندما حاولت دراسة (خصائص الاثني عشرية).
والعجب العُجاب ما يصادفه الإنسان من بعض عوام أهل السنّة؛ أنّك تجدهم يؤمنون بما قاله بعض الوهابية عن حقائق الاثني عشرية وخصائصها، بينما
____________
(1) في القسم الثاني من هذا الكتاب.
الصفحة 46 يسخرون بما قاله كبار قدماء علماء أهل السنّة ومتأخريهم في تلك الحقائق وهذه الخصائص!!
ويعجب الإنسان ـ أيضاً ـ أن الكثير من عوام أهل السنّة لم يبحثوا عن سبب اختلاف الوهابية البريئة وقدماء أهل السنّة؛ في تفسير حقائق الاثني عشرية وخصائصها، مع اتحاد الموضوع المبحوث عنه، أي موضوع الاثني عشرية! ومن الغريب أنّ بعض عوام أهل السنّة يغفلون عن الصراع الكبير والخطير بين الوهابية وبين أهل السنّة حول تفسير حقائق الاثني عشرية وخصائصها!
ويبدو أنّ هذه المشكلة الخبيثة ـ مشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية، أو مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة عند الوهابية ـ كانت وما زالت وراء هذا الصراع الشديد بين الوهابية وعلماء أهل السنّة.
وإذا كانت هذه المشكلة سبباً في توسيع مساحة الصراع بين السنّة وبين الاثني عشرية منذ ظهور الوهابية في القرن الثامن عشر؛ فقد أصبحت هذه المشكلة ـ في عصرنا ـ سبباً في توسيع مساحة الصراع بين الوهابية وأهل السنّة. ولا يمكن لنا أن نكشف سرّ اختلاف الوهابية مع أهل السنّة في تفسير حقائق الاثني عشرية وخصائصها ما لم ندرك هذه المشكلة.
والذين يخطئون في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية، أو يخلطون بين الاثني عشرية وفرق الغلاة هم الذين فسروا حقائق الاثني عشرية وخصائصها بصورة مخالفة لتفسير الذين أصابوا في إدراك مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية، وميزوا بين المذهب الاثني عشري وبين فِرَق الغلاة.
ولقد لاحظنا أنّ الكثير من القضايا المُثارة المتنازع عليها بين الاثني عشرية وبين الوهابية أصبحت ـ الآن ـ قضايا مثارة ومتنازع عليها بين الوهابية وكبار أهل السنّة في العصر الحديث.
</span>الصفحة 47 وإنّه من الطبيعي أن تثار تلك القضايا بين الاثني عشرية والوهابية من جهة وبين السنّة والوهابية من جهة أُخرى؛ لأنّ أتباع الوهابية مصابون بمشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية.
وبعبارة أُخرى: مصابون بمشكلة الخلط بين الاثني عشرية والغلاة.
لقد بيّن أهل السنّة أنّ القضايا التي أثارتها الوهابية البريئة ضد الاثني عشرية إنّما هي من شأن الغلو والغلاة؛ لأن أهل السنّة يدركون الفرق بين الاثني عشرية والغلو. ومن ثَمّ لا يوجد نزاع وصراع بين السنّة والاثني عشرية، بينما يوجد هذا الصراع وذلك النزاع بين أهل السنّة والوهابية الذين يخلطون بين الاثني عشرية وفرق الغلاة.
ومن هنا فهذه المشكلة الخبيثة وسّعت الخلاف بين السنّة والاثني عشرية من خلال تأثير الوهابيين، ثُمّ وسّعت الخلاف بين السنّة والوهابية. وهذا هو الذي يفسرّ لنا سرّ تحذير كبار علماء أهل السنّة وكبار علماء الاثني عشرية من هذه المشكلة، ويفسرّ لنا السبب الذي جعلهم يعدّونها أكبر مشكلة زُرعت من أجل تمزيق الصف بين السنّة والاثني عشرية، وتمزيق الصف بين السنّة والوهابية، لأن اختلاف أهل السنّة مع الوهابية حول الاثني عشرية قد خلق صراعاً شديداً بين الوهابيين وأهل السنّة، ولا يمكن أن يتم التقريب بين الاثني عشرية والوهابية إلا إذا عالجنا هذه المشكلة، كما لا يمكن أن يتم التقريب بين أهل السنّة والوهابية إلا إذا عالجنا هذه المشكلة.
وقد عبّر عن حالة الصراع الشديد والاضطراب المرير بين مفهوم الاثني عشرية عند الوهابية ومفهومه عند أهل السنّة؛ أحدُ الكتاب المكفرّين للاثني عشرية والمؤيدين للمنهج الوهابي في دراستها، صاحب المؤلفات المشهورة ضد الاثني عشرية، وهو الدكتور الشيخ (ناصر القفاري) من كبار الوهابيين المعاصرين، فقال:
(استرعى انتباهي تضخم الخلاف حول الاثني عشرية لدى الكتّاب المعاصرين؛ فمن فريقٍ يرى أنّهم كفرة وأنّ غلوهم تجاوز الحدود الإسلامية، كما في كتابات </span>الصفحة 48 الاستاذ محب الدين الخطيب، وإحسان ا لهي ظهير، وإبراهيم الجبهان وغيرهم. وفريقٍ يرى أنّ الاثني عشرية طائفة معتدلة لم تجنح إلى الغلو الذي وقعت فيه الفرق الباطنية، مثل: كتابات النشار، وسليمان دنيا، ومصطفى الشكعة. وفريق ثالث التبس عليه الأمر حتى ذهبَ يستفتي شيوخ الشيعة الاثني عشرية فيما كتبه عنهم احسان ا لهي ظهير، ومحبّ الدين الخطيب؛ كما تجد ذلك فيما كتبهُ البهنساوي في كتابه (السنّة المفترى عليها)، ومن خلال هذه الاختلافات قد تضيع الحقيقة أو تخفى على الكثير)(1)-(2).
ومن ثَمّ كان تأكيدي على ضرورة معالجة هذه المشكلة، فجعلت رسالة الماجستير الجامعية تحت عنوان (مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة عند الوهابية)، وبينت أنّ هذه المشكلة هي وراء تعدد مناهج دراسة الاثني عشرية.
وإنّني بعد دراسة طويلة للمناهج الثلاثة التي ذكرتها ـ منهج الجماعة الوهابية، ومنهج أهل السنّة، ومنهج الاثني عشرية ـ استيقنت بأنّه لا يصّح أن يستفاد من المنهج الوهابي، لا سيما بعد الاختلاف الشديد بين منهج الوهابية في تفسير حقائق الاثني عشرية وخصائصها من جهة، وبين منهج أهل السنّة ومنهج الاثني عشرية في تفسيرها من جهة أخرى..
إنّ دراسة حقائق الاثني عشرية وخصائصها ـ حسب المنهج الوهابي ـ تتمُ بطريقة تقتضي أن يُضّحى بالموضوع (حقائق الاثني عشرية وخصائصها) في سبيل المنهج، وكأنّ الموضوع (حقائق الاثني عشرية وخصائصها) لا يفرضُ منهجه من داخله، وكأنّ أتباع المذهب الاثني عشري الذي ينتمي إليهم الموضوع (حقائق الاثني عشرية وخصائصها) لا منهج لهم.

____________
(1) أُصول مذهب الشيعة الإمامية لاثني عشرية للشيخ الدكتور ناصر القفاري حفظه الله، مقدمة الكتاب: ج1، ص10 ـ 11.
(2) ستصدر مؤسسة الفكر الاسلامي كتاباً تناولتُ فيه نقد منهج ناصر القفاري في الكتابة عن الاثني عشرية.
الصفحة 49


 

رد مع اقتباس