تمييز الاحاديث الموضوعة
الصفحة 39 تمييز الاحاديث الموضوعة
واستناداً إلى نظرية أبناء العامة في المنع من عرض الخبر على الكتاب ينبغي أن تنقّح الاحاديث وتهمل الموضوعة منها في كتب الحديث بصورة كاملة، وإلاّ فمن الصعوبة أن نحكم بصحّة الاحاديث، وأن نتعامل معها كسنة مع عدم الاذعان بتنقيح الاحاديث الموضوعة التي تشتمل على أربعة عشر ألف(1) أو اثني عشر ألف(2) حديثاً وأن لا نقول بتنقيحها من قبل ذوي الاختصاص .
وكانت الطريقة السائدة عند بعض المحدّثين الكبار من أبناء العامة الملقبين بـ «أمير المؤمنين في الحديث» أنّهم لتحقّق نواياهم ومآربهم الخاصّة عمدوا إلى جعل ووضع الحديث، وكانوا يضعون الحديث.
____________
(1) الكفاية للخطيب البغدادي : 604.
(2) تنزيه الشريعة المرفوعة 1 / 11، أصول علم الحديث : 97.
الصفحة 40 فبناءً على هذا الاساس إذاً لا نمتلك ميزاناً ومقياساً معيّناً لتمييز ومعرفة الاحاديث الصحيحة، ومما لا شك فيه أن ذلك سيؤدي بنا إلى مواجهة عقبات ومشاكل في معالجة هذا الامر !!
على سبيل المثال : نعيم بن حماد المروزي، هذا الراوي الذي أشادوا به ووُصف بالمقامات والدرجات الرفيعة : «كان نعيم بن حماد أعلم الناس بالفرائض وأول من جمع المسند وصنَّفه»(1) ، لكننا نجده مع هذا الوصف في إمامة الحديث، فقد كانت له صفة منبوذة وبغيضة وهي وضع الحديث، وكان يبادر إليها كما قالوا عنه :
كان يضع الحديث في تقوية السنة(2) ، ووضع في الردّ على أبي حنيفة وناقض محمّد بن الحسن ووضع ثلاثة عشر كتاباً في الردّ على الجهميّة(3) ، وقال أبو داود فيه : «عند نعيم بن حمَّاد عشرون حديثاً عن النبي ليس لها أصل»(4) ومما لا يخفى أنه كان يبادر إلى تدريب بعض التلاميذ في هذا المجال كمحمد بن إسماعيل البخاري !!
وكذلك الراوي عن عكرمة أبي عصمة نوح بن أبي مريم الذي
____________
(1) تاريخ بغداد 13 / 306، سير أعلام النبلاء 10 / 599، تهذيب الكمال 29 : 70.
(2) سير أعلام النبلاء 10 / 608.
(3) سير أعلام النبلاء 10 / 599.
(4) تاريخ بغداد 13 / 312، سير أعلام النبلاء 10 / 609.
الصفحة 41 قيل له : «من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة ؟ فقال إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمّد بن إسحاق فوضعت هذه الاحاديث حسبة»(1) .
وهذا يعني أنه أيضاً كان يضع الحديث وكان مصاباً بنفس الداء الذي قد ابتلى به نعيم بن حماد.
فالذين يعتقدون بضرورة تصحيح الاحاديث وقالوا : لا ينبغي عرض الاحاديث على الكتاب، هل فحصوا هذه المجموعة من الاحاديث، وهل تمّ تعيينها وفرزها من قبلهم ؟
وفي إزاء هذه الرؤى والافكار، هل يصحّ أن نتّهم الذين ينادون للمحافظة على السنة وصيانتها ـ إذ جعلوا الكتاب الالهي ضابطاً وملاكاً لمعرفة السنة الصحيحة ـ أنهم زنادقة.
والان إذ تعيّن وتحتّم وجود نماذج كثيرة من الموضوعات في الاحاديث النبوية، فكيف نحكم على هذه الاحاديث وبصورة عامة لاي جهة أو لاي فئة يمكننا أن نسند أو نرد هذه الاخبار ؟
فهل نجرؤ على نسبتها إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ أم نسندها وننسبها إلى الكذّابين والوضّاعين والمرتزقة الذين يعملون لصالح الحكام
____________
(1) موضوعات ابن الجوزي 1/41، التقييد والايضاح 132، تدريب الراوي 1/282.
الصفحة 42 والطغاة والظلمة ؟
فيستوجب حتميّة وجود أخبار القصاصين والوضاعين والزنادقة في كتب الحديث أن ننتهج لتحكيم وتصحيح السنّة النبويّة أسلوب وطريقة التصفية والتنقية في الاحاديث، ليمكننا بذلك تمييز ومعرفة مختلقات أيادي بني أمية وموضوعات القصّاص والزنادقة التي قد انتشرت وتبعثرت في كتب الاخبار الذائعة.
ولا يوجد ولن يوجد سبيل أفضل وأكثر وثوقاً وائتماناً من القرآن في هذا المجال.
وهذا الاصل الحاسم والسديد هو من الاصول المسلَّم بها عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وهو الذي قد عملوا به وساروا عليه، وهو بصفته ضابطاً وقاعدة لمعرفة الاخبار الصحيحة من الاخبار والاحاديث الضعيفة.
|