رأي الشاطبي ومخالفته للمشهور
الصفحة 33 رأي الشاطبي ومخالفته للمشهور
ومن أبناء العامة نجد الشاطبي في كتاب «الموافقات» كمخالف للقول المشهور وموافق لرأي الاماميّة، ونجده في مقام التعارض قدّم النصّ القرآني على الحديث، وهو إذ جعل السنّة فرعاً للكتاب، ووافق الرأي الذي ينطلق على ضوء الاسس المنطقية، أُعتُبر مخالفاً لمشهور ما عليه أبناء العامة، واعتقد الجميع أنه خالف الطريقة الصحيحة بتبنّيه هذا المعتقد.
يقول الشاطبي : «إن الكتاب مقطوع به، والسنة مظنونة، والقطع فيها إنّما يصحّ في الجملة لا في التفصيل، بخلاف الكتاب، فانه مقطوع به في الجملة والتفصيل، والمقطوع به مقدّم على المظنون، فلزم من ذلك تقديم الكتاب على السنة»(1) .
فقدم الشاطبي القرآن على السنّة لانّه قطعي الصدور، وجعل
____________
(1) الموافقات 4 / 7.
الصفحة 34 للسنة مكانة خاصة بصفتها مفسرة ومبيّنة لكلام الوحي(1) ، واعتقد بأن القرآن فيه تبيان لكلّ شيء والسنة هي العارفة بذلك والمطلعة عليه وهي التي تتكفّل ببيان وإيضاح ذلك للناس ولم يبيّن للناس شيءٌ سوى الوحي(2) .
وكما قلنا إن جمهور أبناء العامة خالف ما ذهب إليه الشاطبي :
يقول الدكتور عبد الغني : «ومن ذلك كلّه تعلم بطلان ماذهب إليه الشاطبي في الموافقات من أن رتبة السنة التأخر عن الكتاب في الاعتبار، وقد قلّده في ذلك بعض الكتّاب من المتأخرين في هذا الموضوع، وبالتقليد أغفل من أغفل ...»(3) .
وممن خاض في هذه المخاضة، وبادر لنشر أمور مفتعلة ولا أساس لها وحرّض على مذهب الشيعة هو الدكتور السالوس الذي أصدر لحدّ الان مجموعة كتب ضدّ مذهب الاماميّة، وفي إحدى هذه الكتب باسم قصة الهجوم على السنة تعرض لهذه المسألة، وكفّر أتباع مذهب التشيع، وذكر أنهم ينتمون إلى مقولة تقدّم القرآن على الاخبار.
قال : «وأصل هذا الرأي فاسد ـ لزوم عرض الخبر على
____________
(1) المصدر السابق 4 : 7.
(2) المصدر السابق 4 / 10.
(3) حجيّة السنّة : 488 ـ 489.
الصفحة 35 الكتاب ـ أن الزنادقة وطائفة من الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن، وهم في ذلك مختلفوا المقاصد...»(1) .
ونقل كلام السيوطي في مفتاح الجنة بهذه الصورة : «إن قائلاً رافضياً زنديقاً أكثر من كلامه أن السنة النبوية والاحاديث المروية لا يحتج بها، وأن الحجة في القرآن خاصة، وأورد على ذلك حديث : ما جاءكم عني من حديث فاعرضُوه على القرآن، فان وجدتم له أصلاً فخذوه وإلاّ فردّوه»(2) .
وهو يريد أن يقول : إن الذين يعتقدون بلزوم عرض الاحاديث على الكتاب، في الحقيقة يعتقدون بالكتاب فقط وأنهم ينكرون السنة !
وبالرغم مما يُرى من نقاط ضعف في هذه المقولة، يبدو أنّه قد نسي أنه إذا كان قول «الاقتصار على القرآن» يوجب الزندقة، فان عمر بن الخطاب ينبغي أن يكون من الزنادقة في هذا المجال(3) ، لانّه يعتبر الرائد الاوّل لهذه المقولة، ويليه الخوارج الذين يعتبرهم
____________
(1) قصة الهجوم على السنة : 33.
(2) المصدر السابق : 32.
(3) صحيح البخاري كتاب العلم رقم 111، وكتاب المغازي رقم 4079، وكتاب المرضى رقم 5237، وكتاب الاعتصام رقم 6818.
.................................................. ....................
الصفحة 36 أبناء العامة من أهل الصدق ويعدّون أحاديثهم من أصحّ الاحاديث(1) ، لانّ الخليفة الثاني هو الذي قال ـ ولاول مرة ـ في حضور الرسول مقولة : «حسبنا كتاب الله»، وكذلك الخوارج في بيان «الحكم لله» وقفوا بوجه حجة الله في تلك الظروف الحرجة والخطيرة.
____________
(1) الكفاية للخطيب : 207، السنة ومكانتها في التشريع الاسلامي : 205، أصول علم الحديث : 160 ـ 161.
|