عرض مشاركة واحدة
قديم 01-27-2011, 01:06 AM   #5
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رأي أبناء العامة في عرض الخبر على الكتاب



الصفحة 29
رأي أبناء العامة في عرض الخبر على الكتاب
من الامور والملاحظات التي لم يُلتفت إليها في هذا المجال هي عدم التمعّن الشامل في المدلول التطابقي لقوله تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمُ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(1) ، إذ نجد أنها حُملت فيما يخص استقلال أوامر الرسول ونواهيه بصورة منفصلة ومنقطعة عن كتاب الله عز وجل، وهذا تصوّر باطل أو على أقل تقدير أنه غير تام، لانّ اختصاص هذا الامر في مجال السنة يعتبر تصرفاً يفتقد القرينة على الظهور، وهذا مما لم يُجعل له في المباحث الصناعية المتعلقة بحجية الظواهر ضابطاً يتكفل ببيانه وإيضاحه.
وتوهَّمَ البعض أن فحوى الاية المباركة يتعارض مع الاخبار القائلة بلزوم عرض الخبر على الكتاب، وعلى هذا يمكن للسنة
____________
(1) الحشر : 7.

الصفحة 30 بصفتها الدليل الحاكم أن تقضي على حكم الايات، أو أن تصل إلى حدّ يمكّنها مِن أن تنسخ حكم الايات.
فبناءً على هذا تفتقد هذه الاخبار حيثيتها لوجود المعارض مع الاية التي مرّ ذكرها، ومن الواضح والبديهي جداً أن (ما) في الاية المباركة تقصد بيان مهمّة الرسول وشرح رسالته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن المبادرة إلى تجزئتها عما هو خارج عن الكتاب يخالف ظهور الاية .
وقد جاء في كتاب حجية السنة للدكتور عبد الغني عبد الخالق ( المتوفى سنة 1403 هـ ) مايلي :
«أحاديث العرض على كتاب الله : فكلّها ضعيفة، لا يصحّ التمسّك بها، فمنها ماهو منقطع، ومنها ما بعض رواته غير ثقة أو مجهول، ومنها ما جمع بينهما. وقد بيّن ذلك ابن حزم في الاحكام والسيوطي في مفتاح الجنة نقلاً عن البيهقي تفصيلاً»(1) .
وفي كتاب الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي لمحمّد بن الحسن الحجوي الفاسي ( المتوفى سنة 1376 هـ ) :
«اعلم أنّ الحقّ عند أهل الحقّ أن السنة مستقلّة في التشريع... وما يروى من طريق ثوبان من الامر بعرض الاحاديث على
____________
(1) حجية السنة : 474، ط بغداد، دار السعداوي.

الصفحة 31 القرآن ، فقال يحيى بن معين : أنه من وضع الزنادقة، وقال الشافعي : ما رواه أحد عمن يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير»(1) .
وقال ابن عبد البر في كتاب جامع العلم :
«عن عبد الرحمن بن مهدي أن الزنادقة وضعوا حديث : ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فان وافق فأنا قلته وإن خالفه فلم أقله. ونحن عرضنا هذا الحديث نفسه على قوله تعالى : (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) وغيرها من الايات الدالة على الاخذ بالسنة، فتبين لنا أن الحديث موضوع، دلّ على نفسه بالبطلان، وقد نقل ابن حزم الاندلسي في كتاب الاحكام في أُصول الاحكام مجموعة مختلفة من هذه الروايات، ثم بادر إلى تضعيفها جميعاً، قال في فصل قوم لا يتّقون الله فيما ينسب إلى النبي : قد ذكر قوم لا يتّقون الله عزّ وجلّ أحاديثاً في بعضها إبطال شرائع الاسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإباحة الكذب عليه»(2) .
ثم بادر ابن حزم لبيان وسرد الاحاديث فضعفها واحدة تلو الاخرى، ثم قال معلّقاً على رواة بعض الاحاديث : «ساقط متهم
____________
(1) أعلام الموقعين 2 / 309، الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي 1 / 104.
(2) الاحكام في أصول الاحكام : 2 / 205.

الصفحة 32 بالزندقة».
وقال : «كلّ من يروي هذه الاحاديث فقد كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)».
وقال أخيراً : «وقال محمّد بن عبد الله بن مسرة : الحديث ثلاثة أقسام : فحديث موافق لما في القرآن فالاخذ به فرض، وحديث زائد على مافي القرآن فهو مضاف إلى مافي القرآن والاخذ به فرض، وحديث مخالف القرآن فهو مطرح».
ثم يقول : «ولا سبيل إلى وجود خبر مخالف لما في القرآن أصلاً، وكل خبر شريعة، فهو إمّا مضاف إلى مافي القرآن ومعطوف عليه لجملته، وإمّا مستثنى منه لجملته، ولا سبيل إلى وجه ثالث»(1) .
فنستوحي من هذه المقولات أن هذه الفئة ترتئي أن الاحاديث المنقولة في العرض على الكتاب لا مصداقية لها ولا صلة بينها وبين الكتاب والسنة، بل هي ترتبط بالزنادقة، ولا تمتلك الصلاحيّة للاستدلال بها والعول عليها.
____________
(1) المصدر السابق 2 / 205.


 

رد مع اقتباس