عرض مشاركة واحدة
قديم 01-27-2011, 01:03 AM   #2
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الادلة الاربعة في التشريع



الصفحة 17
الادلة الاربعة في التشريع
جُعلت قواعد أدلة الاحكام الشرعية أربعة أركان أصلية ( الكتاب، السنة، العقل والاجماع ) وهي التي تُسمّى بالادلّة الاربعة وتُتخذ ركائز تبنى عليها مناهج البحث.
وفي هذا المجال وقع الاختلاف بين المذاهب الاسلامية في تعيين مصداق كلّ من هذه الاُصول الاربعة، فعلى سبيل المثال جُعل القياس مكان العقل بين أوساط أبناء العامة، واعتبر مؤهلاً للعمل به، ونجد المذهب الحنفي يتمتع بمستوى رفيع لتلقيه والاخذ به بصورة لا يحظى بها المذهب الشافعي، ولم يصل إلى ذلك الحدّ.
أما الاُصول الثلاثة الاُخرى، فيتفق المذهب الامامي فيها مع أبناء العامة في اللفظ، وينتهج كلّ منهم في الاخذ بكلّ من هذه الاُصول الثلاثة مذهباً وطريقاً خاصاً ينتهي في بعض الاحيان إلى

</span>الصفحة 18 التباين والافتراق فيما بينهم.
فعلى سبيل المثال : إن الامامية تثق بالاجماع الذي يستكشف منه رأي وقول المعصوم (عليه السلام)، وهذه الصورة مما لا نجدها بين أوساط أبناء العامة بالنسبة إلى الاجماع، وإنما نجدهم يكتفون في ذلك بحديث مجموعة يُعتمد على قولهم.
أما الركائز الاساسية والرئيسيّة الاخرى فهما الكتاب والسنة :

الكتاب :
يعتبر الكتاب السماوي ـ كمصدر أساسي في تشريع الاحكام عند كافة المذاهب الاسلامية ـ بأنه يمتاز بالاسبقية والافضلية الخاصة عند جميع المذاهب، وتليه المصادر الاخرى في مكانة تتأخر عنه، وهذا مما لا يمكننا أن نستبدله بصورة أخرى، إذ السنة أيضاً تستقي حجّيتها من الكتاب، وتستقي حجيتها وفقاً لحكمة الله سبحانه وتعالى، وأيضاً فالانبياء وأوصياؤهم إنما وجبت طاعتهم على ضوء أوامر القرآن الكريم.
إن القرآن الكريم بصفته خاتم الكتب السماوية وأكمل دستور رباني، يعتبر أوّل ركيزة أساسية من الاصول الاربعة، وإن آياته تتمتع بثروة هائلة تستطيع أن تمد مصادر التشريع بالاحكام

</span>الصفحة 19 المرتبطة بشؤون الفرد والجماعة.
وبما أن صدور القرآن الكريم من عند الله سبحانه وتعالى أمر مفروغ منه ومسلّم به، يجد المتمسك بأحكامه المشرقة من هذا المنطلق أن يوليه الثقة والانقياد له، وأن يكون متمسكاً وملتزماً بأوامره ونواهيه.
وحيث أن هذا الكتاب السماوي يعتبر البرنامج الالهي الاخير المُنزل من قبل الله سبحانه وتعالى لهداية البشريّة، فيتحتم أن تستوعب أحكامه كافة الفترات الزمنية اللاحقة للعمل به والانتفاع منه، والبطون المتعددة للقرآن تكفي ليكون له على امتداد العصور والقرون المصاديق البارزة والواضحة على أرض الواقع، واتصاف القرآن بالبطون المتعدّدة جعلت دلالة آياته ظنية، وجعلته مؤهلاً لحمل أوجه ومعاني تلك البطون.
ومن جهة أُخرى أثبتت ضرورة وجود المبيّن والمبلّغ للقرآن هذه الحقيقة بأن الايات القرآنية ليست بذلك المستوى الذي يستوعبها أو يفطن إلى مغزاها الجميع، وعندئذ يبرز بوضوح ضرورة وجود من يرفع الحاجة بتبيينه وتفسيره.
وكما قيل إن مسألة وجوب وضرورة وجود المبيّن للقرآن

</span>الصفحة 20 (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزِّلَ إلَيْهِمْ)(1) تثبت أن استيعاب وتفطّن الايات غير متاح للناس من دون تبيين وإيضاح.
ويتّضح من لزوم تبيين الوحي هذا الامر، بأن الرسول ينبغي أن يحمل على عاتقه مهمة التبيين، إضافة إلى مسألة تبليغ وعرض الايات.
وفي نطاق أوسع فقد أُذن للرسول أن يصرّح ويبيّن مجمل ومتشابه الكتاب، أو يُشير إلى مالم يتطرق إليه القرآن، ومن ثم نجد وضوحاً في التوجيهات والاحكام الدينيّة والشرعية مما لا نجده في الكتاب وحده.
وتواجد مثل هذه الاحكام في السنة توضّح وتبيّن لنا هذه الحقيقة بأنّ مسألة تبيين الايات القرآنية هي الّتي توفر المقتضي لبيان وذكر مثل هذه الاحكام، وذلك لقوله تعالى في سورة الحاقة : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاَْقَاوِيلَ لاََخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)(2) ، وهذا يعني أن الرسول لم يكن مأذوناً لبيان أي كلام في مجال التشريع ولم يسمح له أن يشرّع من تلقاء نفسه بما يشاء، وعلى هذا يدل قوله تعالى : (وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ
____________
(1) النحل : 44.
(2) الحاقة : 45 ـ 46.

الصفحة 21 يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى)(1) ، وقوله تعالى : (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ من تِلْقَاءِ نَفْسِي إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحى)(2) .

السنّة :
عُرف التمسك والالتزام بالسنة ووجوب اتباعها في أوساط المذاهب الاسلاميّة بأنه الاساس والركيزة الثانية في مجال تشريع الاحكام.
ولم يلحظ أي رفض أو إنكار في مجال شرعيته، ولكن الامر الجدير بالمتابعة والدراسة بدقة وحيطة في هذا المجال هو مناقشة مدى الاستقلال بالسنة أو صلتها بالكتاب.
وكما بينّا فيما سبق فإن السنة تلزم بالضرورة ـ ومن دون أيّ انفصال ـ أن تكون مبينة لاحكام القرآن المشرقة، ولا يمكنها الانفصال عن القرآن أبداً.
والملاحظة التي ينبغي الالتفات إليها في مجال تبيين وإيضاح السنة للاحكام القرآنية هي هل يمكن للسنة أن تتعارض أو تتنافى مع الكتاب أم لا ؟
____________
(1) النجم : 3.
(2) يونس : 15.

الصفحة 22 السنة : هي قول وفعل وتقرير المعصوم، ويختص ذلك عند أبناء العامة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهل هذه الاتجاهات والمصادر الثلاثة من الرسول والامام يمكنها ولو بصورة جزئية أن تقع في عرض الكتاب لتعارضه أو تنافيه ؟
وإجابة على هذا الاستفسار وهذه المسألة التي تتشكل منها المباحث الرئيسية في هذا المجال سنناقش هذا الموضوع وندرس هذه القضيّة تحت عنوان «استقلال السنة في التشريع».


 

رد مع اقتباس