طريق الشعبي
حديث علي عليه السلام من طريق الشعبي
3 ـ وأمّا حديث الشعبيّ عن عليّ عليه السلام، فقد أخرجه أبو بكر بن مردويه في المناقب من حديث الحسن بن محمّـد، عن جرير، عن محمّـد ابن قيس، عن الشعبيّ، عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا دار الحكمة وعليّ بابها(6).
قال ابن الجوزيّ(7): محمّـد بن قيس مجهول.
____________
(1) الثقات 4|245.
(2) تهذيب التهذيب 2|237، تقريب التهذيب 1|274.
(3) تهذيب التهذيب 2|244، الثقات 4|251.
(4) الثقات 5|68.
(5) الفرقان: 26.
(6) الموضوعات 1|350، اللآلىَ المصنوعة 1|329.
(7) الموضوعات 1|353.
الصفحة 21 قلـت:
هذا جهل من ابن الجوزيّ وظلمة فوق ظلماته، فإنّ محمّـد بن قيس هذا، هو الاَسديّ الوالبيّ الذي روى عن سلمة بن كهيل وعامر الشعبيّ وجماعة، روى له البخاريّ في الاَدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائيّ.
قال أحمد بن حنبل: كان وكيع إذا حدّثنا عن محمّـد بن قيس الاَسديّ قال: وكان من الثقات.
وقال عبـد الله بن أحمد: سُئل أبي عن محمّـد بن قيس الاَسدي، فقال: ثقة لا يُشكّ فيه.
وقال ابن معين وابن المديني وأبو داود والنسائي وابن سعد ويعقوب ابن سفيان: ثقة، وذكره ابن حبّان في الثقات(1). انتهى.
بل لـو كان ابن قيسٍ مجهولاً ـ كمـا زعم ابن الجوزيّ ـ لَما ساغ له إيراد حديثه في الموضوعات، لاَنّ جهالة حال الراوي لا تقتضي وضع حديثه، ولكنّ أبا الفرج حاطب ليلٍ لا يميّز بين الغثّ والسمين، ولا يدري ما يخرج من رأسه(2)، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
فلم يبق في سند هذا الحديث مطعنٌ ولا مغمزٌ سوى دعوى الاِرسال، فإنّ الشعبيّ لم يسمع عليّاً عليه السلام ـ كما قيل(3) ـ.
وتحقيق الحقّ في المقام يستدعي الكلام على ذلك بما يحتمله هذا الجزء.
____________
(1) تهذيب الكمال 26|318 ـ 320، تهذيب التهذيب 5|264، الثقات 7|427.
(2) فتح الملك العليّ: 160.
(3) لسان الميزان 6|509.
الصفحة 22 فنقول ـ وبالله تعالى التوفيق ـ:
إنّ رواية الشعبيّ عن عليّ عليه السلام ثابتة عند القوم بلا ريب، كما في حديث رجم شُراحة الهمدانيّة الذي أخرجه البخاريّ في صحيحه(1)، وقد جزموا باتّصاله لثبوت اللقاء، وكونه على عهد عليّ عليه السلام قد ناهز العشرين سنة، فجاز أن يكون قد سمع حديث الباب أيضاً من عليّ عليه السلام فيُحمل على الاتّصال، ويبطل قول الدارقطني: إنّه لم يسمع من عليّ عليه السلام غير الحديث المذكور(2).
وممّا يعكّر على دعوى الدارقطنيّ، أنّ الشعبيّ روى عن خلائق من الصحابة ـ كما يُعلم ذلك من ترجمته في تهذيب الكمال ـ بل قد حكي عنه أنّه قال: أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: عليّ وطلحة والزبير في الجنّة(3).
فيبعد حينئذٍ أن لا يكون قد سمع من عليٍّ عليه السلام سوى حديثه في الرجم، مع ثبوت لقائه وسماعه، وكونه في سنّ التحمّل، فتأمّل.
ولو تنزّلنـا، فإنّ المرسَل إذا أُسند مـن وجهٍ آخر دلّ ذلك على صحّته ـ كما هو مختار الشافعيّ(4) ـ وقد عرفت أنّ هذا الحديث مخرّج من وجهٍ آخر بإسنادٍ متّصلٍ صحيحٍ.
بل إنّ حديث الشعبيّ لو لم يُسند من وجهٍ آخر، لكان صحيحاً
____________
(1) صحيح البخاريّ 8|204، فتح الباري 23|290 ح 11، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة ـ باب رجم المحصن. التبيان 1|16 ـ 17 من المقدّمة.
(2) فتح الباري 12|121، تهذيب التهذيب 3|48.
(3) تهذيب الكمال 14|34، تهذيب التهذيب 3|47.
(4) جامع التحصيل في أحكام المراسيل: 37.
الصفحة 23 مقبولاً أيضاً، فإنّ منهم من قبل مراسيل التابعين على اختلاف طبقاتهم، وهذا هو الذي يقول به مالك وجمهور أصحابه وأحمد وكلّ من يقبل المرسَل من أهل الحديث(1).
ومنهم: مَن خصّ القبول بمراسيل كبار التابعين دون صغارهم الّذين تقلّ روايتهم عن الصحابة ـ كما حكاه ابن عبـد البرّ(2) ـ.
ومنهم: مَنْ فرّق بين من عُرف من عادته أنّه لا يروي إلاّ عن ثقةٍ فيقبل مرسَله، وبين مَن عُرف أنّه يُرسل عن كلّ أحدٍ سواء كان ثقةً أو ضعيفاً فلا يقبل مرسَله، وهذا اختيار جماعةٍ كثيرين من أئمّة الجرح والتعديل كيحيى بن سعيد القطّان وعليّ بن المدينيّ وغيرهما(3)، واختاره العلائيّ في جامع التحصيل(4).
قلت:
فعلى كلّ واحدٍ من هذه الاَقوال يتعيّن الاَخذ بمراسيل الشعبيّ، بل إنّ مراسيله قد اتّصفت ـ عند العلماء ـ بالصحّة، وامتازت بالقبول مطلقاً.
قال العجليّ: مرسل الشعبيّ صحيح، لا يرسل إلاّ صحيحاً(5).
وأخـرج الشيخ الاِمام أبو جعفـر الطوسي رحمه الله حديث الباب في
____________
(1) جامع التحصيل في أحكام المراسيل: 28.
(2) جامع التحصيل في أحكام المراسيل: 28.
(3) جامع التحصيل في أحكام المراسيل: 33.
(4) جامع التحصيل في أحكام المراسيل: 96.
(5) تاريخ الثقات: 244، تهذيب التهذيب 3|48.
الصفحة 24 أماليه(1) من طريق أبي عبـد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام، عن أبيه عليه السلام؛ قال أبو جعفر رحمه الله: أخبرنا أبو عبـد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، قال: أخبرنا محمّـد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، قال: أخبرني أبي، قال: حدّثنا محمّـد بن أحمد بن إبراهيم الليثي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّـد الهمدانيّ، قال: حدّثنا يعقوب بن يوسف بن زياد، حدّثنا أحمد بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفرٍ الباقر عليه السلام، عـن علـيّ بـن الحسين عليه السلام، عـن الحسين بن عليّ عليه السلام، عـن علـيّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا مدينة الحكمة وأنت يا عليّ بابها.. الحديث.
وقد تبيّن ممّا ذكرنا أنّ حديث أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ثابت بلا ريب ولا شبهة، فالمنازع في ذلك مكابرٌ متعنّتٌ، لا ينبغي الاِصغاء إلى هذيانه، ولا إلقاء السمع إلى زخرف قوله وبيانه.
وإذا لم تر الهلال فسلّم * لاَُناسٍ رأوه بالاَبصار
* * *
____________
(1) أمالي الطوسي: 431 ح 964.
|