2 ـ استسقاء أبي طالب بالنبي وهو غلام
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 77
--------------------------------------------------------------------------------
2 ـ استسقاء أبي طالب بالنبي وهو غلام
أخرج ابن عساكر عن أبي عرفة، قال: قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش، يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم فاستسق، فخرج أبو طالب ومعه غلام يعني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كأنّه شمس دجى تجلّت عن سحابة قتماء، وحوله أُغيلمه، فأخذ النبي أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذَ إلى الغلام وما في السماء قزعة، قأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغدودق، وانفجر له الوادي، وأخصب النادي، والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمةٌ للأرامل(1)
وقد كان استسقاء أبي طالب بالنبي وهو غلام، بل استسقاء عبد المطلب به وهو صبي أمراً معروفاً بين العرب، وكان شعر أبي طالب في هذه الواقعة مما يحفظه أكثر الناس.
ويظهر من الروايات أنّ استسقاء أبي طالب بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان موضع رضا منه (صلى الله عليه وآله وسلم) فانّه بعدما بعث للرسالة استسقى للناس فجاء المطر وأخصب الوادي فقال النبي: لو كان أبو طالب حيّاً لقرّت عيناه، ومن ينشدنا قوله؟ فقام علي (عليه السلام) وقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كأنّك أردت قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمةٌ للأرامل(2)
إنّ التوسّل بالأطفال في الاستسقاء أمر ندب إليه الشارع، قال
____________
1- فتح الباري: 2/494، والسيرة الحلبية: 1/116.
2- إرشاد الساري: 2/338.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 78
--------------------------------------------------------------------------------
الدكتور عبد الملك السعدي: " من السنّة أن نُحرج معنا إلى الصحراء الشيوخ والصبيان والبهائم لعلَّ الله يسقينا بسببهم "(1).
هذا هو الإمام الشافعي يقول في آداب صلاة الاستسقاء: " وأحب أن يخرج الصبيان، ويتنظفوا للاستسقاء، وكبار النساء، ومن لا هيبة منهنّ، ولا أحبّ خروج ذات الهيبة، ولا آمر بإخراج البهائم "(2).
فما الهدف من إخراج الصبيان والنساء الطاعنات في السن، إلاّ استنزال الرحمة بهم وبقداستهم وطهارتهم؟ كل ذلك يعرب عن أنّ التوسّل بالأبرياء والصلحاء والمعصومين مفتاح استنزال الرحمة وكان المتوسّل يقول: ربّي وسيّدي!! الصغير معصوم من الذنب، والكبير الطاعن في السن أسيرك في أرضك، ولكتا الطائفتين أحقّ بالرحمة والمرحمة. فلأجلهم أنزل رحمتك علينا، حتى تعمّنا في ظلّهم.
إنّ الساقي ربّما يسقي مساحة كبيرة لأجل شجرة واحدة، وفي ظلّها تُسقى الأعشاب وسائر الخضراوات غير المفيدة.
|