التوسّل بذات النبيّ بعد رحيله
التوسّل بذات النبيّ بعد رحيله
إنّ الصحابي الجليل عثمان بن حنيف فهم من الحديث السابق أنّ التوسّل بذات النبي وشخصه يعم حياته ومماته، فلأجل ذلك عندما رجع إليه بعضُ أصحاب الحاجة علّمه نفس الدعاء الذي علّمه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) للضرير ومن حسن الحظ كان توصّله ناجحاً.
روى الطبراني عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف عن عمّه عثمان بن حنيف، أنّ رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان (رضي الله عنه)في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقى ابن حنيف فشكى
____________
1- الدكتور عبد الملك السعدي: البدعة في مفهومها الاسلامي الدقيق، طـ.بغداد شارع المتنبي.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 73
--------------------------------------------------------------------------------
ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضّأ، ثمّ ائت المسجد فصلّ فيه ركعتين ثم قل: " اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نبي الرحمة، يا محمد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي فتقضي لي حاجتي " فتذكر حاجتك ورح إليَّ حتى أروح معك.
فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثمّ أتى باب عثمان بن عفان (رضي الله عنه)فجاء البوّاب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان (رضي الله عنه) فأجلسه معه على الطنفسة فقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له: ما ذكرتُ حاجتك حتى كانت الساعة؟ وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها.
ثمّ إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلّمته فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلّمته، ولكنّي شهدت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وأتاه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أفتبصر؟ فقال: يا رسول الله ليس لي قائد وقد شقّ عليّ.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ائت الميضأة فتوضّأ ثمّ صلّ ركعتين، ثمّ ادع بهذه الدعوات.
قال ابن حنيف: فوالله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنّه لم يكن به ضرّ قط(1).
إنّ دلالة الحديث على جواز التوسّل بذوات الصالحين وأخصّ منهم الأنبياء أمر لا سترة فيه، نعم بعض من لا يروقه هذا النوع من
____________
1- المعجم الكبير للحافظ سليمان بن أحمد بن أيّوب اللخمي الطبراني (ت 360 هـ): 9/16 ـ 17، باب ما أسند إلى عثمان بن حنيف، برقم 8310، والمعجم الصغير له أيضاً: 1/183 ـ 184.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 74
--------------------------------------------------------------------------------
التوسّل، أراد التشكيك في الرواية بوجهين، فقال:
أوّلا: إنّ معنى التوسّل عند الصحابة هو دعاء الشخص المتوسّل به إلى الله تعالى بقضاء حاجة المتوسّل لا كما يعرفه القوم في زماننا هذا من التوسّل بذات المتوسّل به.
ثانياً: لو كان دعاء الأعمى الذي علّمه رسول الله دعاءً ينفع في كلّ زمان ومكان لما رأينا أيّ أعمى على وجه البسيطة(1).
يلاحظ على كلامه الأوّل: بأنّه من غرائب الكلام فقد جعل من مذهبه دليلا على ضعف الرواية، وهو أنّ معنى التوسّل عند الصحابة هو التوسّل بدعاء الشخص لا بذاته. فمن أين علم أنّه مذهب الصحابة وهل أنّ مذهبهم يُعرف من خلال أحاديثهم، مع أنّ الحديثين المرويين عن طريق ذلك الصحابي الجليل عثمان بن حنيف يدلاّن على خلافه؟
وأمّا الثاني: فهو إطاحة بالوحي، وازدراء به، ولو صحّ ما ذكره فلقائل أن يقول: لو صحّ قوله سبحانه: { ادعوني أستجب لكم } (غافر/60) يجب أن لا يبقى على وجه البسيط ذو عاهة.
والجواب عن تلك الوسوسة في كلا المقامين واحد، وهو أنّ الدعاء مقتض لنزول الرحمة ودفع الكُربة ولكن ليس السبب تاماً لنجاح المقصود، بل له شروط وله موانع وعوائق، ولأجل ذلك نرى أنّ بعض الأدعية لا تستجاب، مع أنّه سبحانه يحثّ على الدعاء وأنّه يستجيب دعاء من دعاه، ويقول: { وقال ربُّكم ادعوني أستجب لكم }.
|