متن الحديث ودلالته
وبعد ذلك فلم يبق لأحد التشكيك في صحّة سند الحديث إنّما الكلام في دلالته وإليك البيان:
إنّ الحديث يدل بوضوح على أنّ الأعمى توسّل بذات النبي بتعليم منه (صلى الله عليه وآله وسلم) والأعمى وإن طلب الدعاء من النبي الأكرم في بدء الأمر إلاّ أنّ النبي علّمه دعاء تضمن التوسّل بذات النبي، وهذا هو المهم في تبيين معنى الحديث.
وبعبارة ثانية: أنّ الذي لا ينكر عند الإمعان في الحديث أمران:
الأوّل: أنّ الراوي طلب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الدعاء ولم يظهر منه توسّل بذات النبي.
الثاني: أنّ الدعاء الذي علّمه النبي، تضمّن التوسّل بذات النبي بالصراحة التامة، فيكون ذلك دليلا على جواز التوسّل بالذات.
____________
1- مجموعة الرسائل والمسائل: 1/13.
2- الرفاعي: التوصل إلى حقيقة التوسّل: 158.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 70
--------------------------------------------------------------------------------
وإليك الجمل والعبارات التي هي صريحة في المقصود.
1 ـ اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك:
إنّ كلمة "بنبيّك" متعلقة بفعلين هما "أسألك" و "أتوجّه إليك" والمراد من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه القدسية وشخصيته الكريمة لا دعاؤه.
وتقدير كلمة "دعاء" قبل لفظ "بنبيّك" حتى يكون المراد هو "أسألك بدعاء نبيّك أو أتوجّه إليك بدعاء نبيّك" تحكّم وتقدير بلا دليل. وتأويل دون مبرّر ولو أنّ محدثاً ارتكب مثله في غير هذا الحديث لرموه بالجَهْمية والقدريّة.
2 ـ محمد نبي الرحمة:
لكي يتّضح أنّ المقصود هو السؤال من الله بواسطة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وشخصيته فقد جاءت بعد كلمة "بنبيّك" جملة "محمد نبي الرحمة" لكي يتّضح نوع التوسّل والمتوسّل به بأكثر ما يمكن.
3 ـ يا محمد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي:
إنّ جملة "يا محمد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي" تدل على أنّ الرجل الضرير ـ حسب تعليم الرسول ـ اتّخذ النبي نفسَه، وسيلة في دعائه أي أنّه توسّل بذات النبي لا بدعائه (صلى الله عليه وآله وسلم).
4 ـ وشفّعه فيّ:
إنّ قوله "وشفّعه فيّ" معناه يا رب اجعل النبي شفيعي وتقبّل شفاعته في حقّي، وليس معناه تقبل دعاءه في حقّي، فإنّه لم يرد في الحديث أنّ النبي دعا بنفسه حتى يكون معنى هذه الجملة: استجب دعاءه في حقّي.
ولو كان هناك دعاء من النبي، لذكره الراوي إذ ليس دعاؤه (صلى الله عليه وآله وسلم)
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 71
--------------------------------------------------------------------------------
من الأُمور غير المهمّة حتى يتسامح الراوي في حقّه.
وحتى لو فرضنا أنّ معناه "تقبّل دعاءه في حقّي" فلا يضر ذلك بالمقصود أيضاً، إذ يكون على هذا الفرض هناك دعاءان: دعاء الرسول ولم يُنْقَل لفظه، والدعاء الذي علّمه الرسول للضرير، وقد جاء فيه التصريح بالتوسّل بذات النبي وشخصه وصفاته، وليس لنا التصرّف في الدعاء الذي علّمه الرسول للضرير، بحجّة أنّه كان هناك للرسول دعاء.
لقد أورد هذا الحديث النسائي والبيهقي والطبراني والترمذي والحاكم في مستدركه ولكن الترمذي والحاكم ذكرا جملة "اللّهمّ شفّعه فيه" بدل "وشفّعه فيّ".
|